دام برس:

قيل له يا فرعون من فرعنك؟ قال لم أجد من يصدني؟ هذا المثال البسيط يلخص، كثيراً، الوضع الذي آل إليه “ثوار” أبو عمامة الكيني، المعروف باسم أوباما، في سوريا، بعدما انفتحت لهم أبواب الإعلام والفضائيات، ليسكبوا من دررهم المختارة، وليقولوا ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب، وأصبحوا يصدقون أنفسهم، وكل ما يقولونه أو حتى ما قد “يوحى” لهم، من السماء كما جاء في ادعاء “محمد السنساوي، أو مسيلمة الكذاب كما يلقبه زملاؤه “الثوار”، وكما تواترت الأنباء.

وبداية، ليس هناك مشكلة، أبداً فيما يقوله البعض، أحياناً، وليس هناك من كبير معضلة في الكثير مما نراه ونسمعه في هذا الأيام الثورية المباركة على الإطلاق، طالما أنه لم يعد هناك ضابط ولا حياء، وحيث انفلت السلوك كما انفلت الخطاب، وإنما المشكلة الحقيقة في أن يسترسل البعض في الخيال، ويستوهم، ويسرح “فيها”، ويطلق الكلام عواهنه، والأحلام على أعنتها، والأكثر إشكالاً، هو أن يجد من يصدقه، ويروج له، لاسيما من وسائل إعلامية، وإمبراطوريات إعلامية كبرى وفضائيات.

إلى ذلك، ومع الاعتذار سلفاً، من كل ممن قد يمس مشاعره، ويتعرض ليقينياته، ما سيرد أدناه، فمن آخر ما حرر في إنجازات وإبداعات “الثوار”، أن أعلن المدعو “محمد السنساوي”، أحد “ثوار أوباما”، من قادة جبهة النصرة، أن جبريلاً قد هبط، عليه واصطحبه معه إلى “سدرة المنتهى”، حسب زعمه، لمقابلة الله. وحين وصل هناك، أدخله الله ، (هكذا)، إلى حيث عرش الرحمن وأبقى جبريلا في الخارج، ثم خاطبه قائلا: “يا محمد السنساوي، ابن أحمد، أنا وملائكتي ورسلي وعبادي من الصالحين نضع أملنا بك لتخليص الناس في الأرض من الظلم”! (هكذا)، وحرفياً كما تناقلت الخبر مختلف وسائل الإعلام المرئي، والمؤتمت، والمقروء، والمسموع، وما تم تداوله من تيوب، شاع على نطاق واسع في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي.

إلى هنا، ومن حيث المبدأ، فالخبر عادي جداً، والأمر طبيعي تماماً، إن أردنا وضعه في سياقه العلمي والطبي الصحيح، ونتكلم فيه عن حالات اضطراب سلوكية وعقلية، أو ما يعرف بعلم النفس بـ Behavioral psychiatric disorders Mental & وجنوح وشطط ما، يصاب بها البعض، أحياناً، تساهم في إنتاج ظواهر سلوكية وخطابية شاذة أو استثنائية، يخرج فيها المرء عن المعايير الاجتماعية المتعارف عليها، ويمكن عندها للدارس، تفهم، ومن ثم، تقبل مثل هذه الحالات، بكل أريحية، لا بل والتعاطف مع أصحابها في كثير من الأحوال، باعتبارها حالات بشرية معطوبة، أو غير سوية لسبب أو آخر، لكن الأخطر أن تعمل عليه، بخبث متعوب ومشغول عليه، بعض الجهات، وتستثمر ما في الغيب والمقدّس الجمعي لغايات سياسية صرفة لإقناع السذج والعوام والبسطاء بأمر ما، وتمرير رسائل عدة، ومن ثم تحقيق غايات ومآرب، سياسية، وهذا ما يسمى بالإسلام السياسي، أي توظيف الدين لغايات سياسية، لاسيما في ظل وجود بيئة فكرية خصبة وجاهزة لتقبل مثل هذه الثقافة، والاستعداد للتعامل معها كحقائق يقينية مطلقة.

تطاول “ثوار أوباما” على كل شيء، وتجاوزوا المعقول واللا معقول في ظل الضوء الأخضر الممنوح لهم دولياً، انتهكوا الحرمات، نبشوا القبور، شقـّوا الصدور، أكلوا الأكباد، استخدموا الكيماوي، حطموا الكنائس، قطعوا رؤوس التماثيل، دمروا ونهبوا الآثار، نحروا الأبرياء، وها هم يجدّفون، هذه المرة، على الله. وعرفناهم نشطاء لا يشق لهم غبار، وخطباء مفوهين يرغون ويزبدون ويهددون في كل المنابر والساحات، ويزمجرون على الفضائيات، أمراء حرب، وتجار سلاح، وكلاء للغير، ورجال أعمال لصفقات سياسية كبرى تبيع وتشتري بالبلاد والعباد، نزلاء فنادق فاخرة في العواصم الكبرى، وسفراء للائتلاف، ومنشقين، وسماسرة ووسطاء، أما ادعاء النبوة، والتنقل ما بين الأرض والسماء، فهذه جديدة، قبل أن تكون “كبيرة” عليهم، جداً، إي وأيم الله.

إنه زمن الثورات، زمن الأضاليل، والزعبرات، والخراف