Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 27 نيسان 2024   الساعة 12:43:53
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
لماذا غادرتُ سورية الحبيبة .. بقلم: محمد ياسين حمودة
دام برس : دام برس | لماذا غادرتُ سورية الحبيبة .. بقلم: محمد ياسين حمودة

دام برس:

أخي العزيزالأستاذ مفيد ... سلام عليك .. سألتني في رسالتك التي قطعت نياط قلبي رغم أنها لم تأت عليّ بجديد لأني كما قلت لك على الهاتف أنني أحكي مع نفسي منذ عام 1956 يوم فتحَ عبد الناصر ( الوطني جداً عند أشباه المثقفين والوطنيين الذين لم يبلغوا بعدُ سنَّ المراهقة لا في السياسة ولا في الاجتماع ولا في المذاهب الاقتصادية ولا الإسلامية ) مضيقَ شرم الشيخ أمام الصهاينة – بعد أن كانوا محبوسين في خليج العقبة - فانطلقوا إلى أفريقيا وآسيا بفضل ذاك الريِّس الملهم الذي شبَّهوه تارة بصلاح الدين وأخرى بالصحابة الشجعان الميامين الخ ...

أجل انطلق العدوُّ بفضل عبد الناصر إلى القارتين بعد حصار وبطالة وأزمات اقتصادية واجتماعية داخلية وهجرة عكسية و ... و ... ذكرت بعضاً منها في مقالتي التي نشرتموها مشكورين تحت عنوان : عارٌ عليكم يا حكام مصر .

ومن مظاهر التخلف والظلم والعهر الفكري عند الكثيرين ممن سمعناهم يقارنون القائد بشار الأسد بعبد الناصر ( ولا أقولها للسب أو التحقير بل للتوصيف فقط ) المهزوم الذي خرَّب الاقتصاد والجيش ، بعد ما أسقط – كذباً وزوراً - ثلثي طائرات العدو في ساعات ثم انسحب من القتال منفرداً وأورث خليفته ( الوحيد الذي احتفظ به من بين جميع رجال انقلاب 1952 للقيام بالدور المنتظر في كامب ديفيد بعد تهيئة العقلية المصرية والظروف لتقبل ما فعله من نحرٍ لمصر وللأمة العربية جمعاء .

( قرأت مرَّة عام 1971 مقابلة لصحيفة أمريكية مع عبد الناصر سألوه فيها عن السادات فأجاب:

" هذا ليس بالأبله ، هذا زيّ جُحا يسرق ضرس الذهب من فمك وأنت تضحك ".

نعم ، لقد صفَّى عبد الناصر أعضاء مجلس الثورة فرداً فرداً ، كما قالها له الدكتور شكيب الجابري من مذياع راديو دمشق مساء التاسع من إيلول عام 1961:

لقد قضيتَ على اعضاء مجلس الثورة كالقطة المسعورة تأكل أبناءها قُطيطاً قُطيطاً .

 

أقول لك عزيزي الأستاذ مفيد كنت أستمع إلى تلك الكلمة في تمام الساعة الثانية عشر ليلاً وكنت أبكي، طبعاً لم أبك على عبد الناصر الذي لم يفهم شيئاً عن وحدة أو قومية بل كان يسبّ الجميع من المحيط إلى الخليج ويساهم في كل الفساد بل أشعلَ حرباً أهلية في لبنان واستحضر الأسطول السادس إلى بيروت ، ناهيك عما فعله في اليمن والذي وصفه أحمد سعيد من إذاعة صوت العرب بقوله: " لقد أثبتت الأسلحة الروسية فتاكتها فقد أبدنا بها قرىً عن بكرة أبيها ">

هذا ما كنت أسمعه في تلك الأيام فأقول الناس: هل ترضون بهذا الكلام ؟ ولكن لهم قلوب لا يفقهوk بها ... أولئك كالأنعام بل هم أضلّ .

أصف أشباه هؤلاء في بحوثي فأقول: إن اللَّه تعالى أوجد في المخلوقات فطرة تهتدي بها وللإنسان عقلاً دون فطرة فالذي عزل العقل وهو مفتقر للفطرة صار مخلوقاً آخر لا أستطيع تعريفه أو وصفَه .

 

قال مرة عبد القادر حاتم وزير الدولة في الجمهورية العربية المتحدة تحت عبد الناصر: لقد أرسلنا تلفزيونات تعمل على البطارية إلى القرى التي لم تصل إليها الكهرباء !

فكنت أعجب وأتساءل وأسأل ولكن أين من يريد أن يفهم .

كان يذهب عبد الناصر لإلقاء الخطب فتُرفَع له صور الملك فاروق والعلم المصري القديم فهم لم يكونوا قد سمعوا بعد بثورة ولا انقلاب ولا جمهورية .

كنت أحار وأتكلم ولكن ، لا أمل يا عزيزي بعد عزل العقل في هذه الأمة .

والحق يقال أن سورية هي التي رفعت عبدَ الناصر – لا أقول صنعته سورية لأنه كان من صنيع أمريكا ، وقالها السادات في كتابه " البحث عن الذات " عندما قال فيه أن جميع أعضاء مجلس الثورة يومئذ تعشَّوا جميعهم جميعاً جميعاً في بيت السفير الأمريكي ، لذلك فالثورة بدأت في أحضان أمريكا وانتهت موقَّتاً فقط في كامب ديفيد وما بينهما كان تهريجاً: سياسة إضعاف للجيش وخاصة الجيش السوري والاقتصاد أيضاً وحتى التجهيل .

عام 1959 كنتُ أحد الفتيان السوريين الذين أرسلوا إلى مصر للمشاركة في أعياد 23 يوليو وهناك الكثير والكثير يجب قوله حول التخريب المتعمد الذي كان يمارس في مصر في تلك الحقبة من الزمن .

زرت مصر بعدها من كندا عام 1972 ، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه .

 

أخي الأستاذ مفيد

تجدني أسترسل في كلامي ولكن يجب علي أن أخبرك الآن لماذا غادرت سورية.

كنت قد أرسلت لك صورتين إحداهما لبناء المصرف التجاري السوري الذي بقي ينتظر المصاعد المحجوزة لصالحي من قبل المحكمة 4 سنوات اضطرَّ بعد ذلك لشراء غيرها بدلاً من طلبها عن طريق المحاكم في كفاح فاشل للدفاع عن ربَّ عمل أجنبي فسخَ عقد العمل معي من دون سبب ولم يدفع معاشي لبضعة أشهر كنت أدفع من جيبي بعضاً من مصاريف الشركة .

وإليك القصة:

تعاقدت مع شركة مصاعد لأصبح مديرها في الشرق الأوسط .

وذلك بعد مقابلات عديدة طويلة جداً في كندا والولايات المتحدة وباريس ، نظراً لحصولي على درجة جامعية في إدارة الأعمال وخبراتي في مصرف ألماني وشركة إعادة تأمين ألمانية وتفتيش حسابات في ألمانيا أيضاً ، وخبرات طويلة في كندا والولايات المتحدة في حقول: التعليم ، والاستشارات الإدارية والمالية الخ..
إضافة إلى أنني أجيد : الألمانية والفرنسية والإنكليزيية ثم لغتي الأم لغة القرآن الكريم ( معليش لا تزعل مني ) هذه اللغة التي تآمرت عليها مجامع اللغة العربية وهناك الكثير والكثير للكلام عنه وأقلُّه ما شهدتُه بأمّ عيني في أحد مؤتمراتهم في دمشق من التآمر من جهة والتخلف من جهة أخرى عندما نطق رئيس المؤتمر ( وهو مصري) بكلمة إنكليزية ، سألت الدكتور شاكر الفحام عندما كنا داخلَين إلى مكتبه : هل ستضيفون الكلمة الإنكليزية التي استعملها رئيس مؤتمركم ؟

فأجاب : أنت لفتتَ نظري كثيراً خلال الجلسة .

(سأذكر لك عزيزي الأستاذ مفيد بعض ما حصل في تلك الجلسة الختامية والتي صدر فيها 22 توصية لتمكين اللغة العربية .

 

وهنا لا بد لي من الوقوف إجلالاً لقائد هذا الوطن الدكتور بشار الأسد في أمره بإنشاء لجنة أو هيئة تمكين اللغة العربية أعرف منها شخصياً : الأستاذ خطاب من اللاذقية ، والدكتور سهيل ملاذي وآخرَين أيضاً .

 

والعجب كل العجب من الذين استمعواإلى كلمات القائد الأسد في مؤتمرات وما زالوا لا يرون فرقاً بينه وبين المتخلِّفين من جهلة نجد وغيرها في أمَّة يعم فيه الجهل ويقول فيها العدو : الفارق الثقافي بيننا وبينهم كبير .

 

رحلتُ من كندا بعد شحن حاوية 40 قدماً مملوءة بالعفش والأدوات الكهربائية إلى دمشق ، بعد ما استأجرت شقَّة بمساحة 330 متراً مربعاً تقع بين ساحة عرنوس وجامع الروضة وبالتحديد بناية الدردري ، أصبحت مصرفاً إسلامياً الآن بعد تجديد البناء .

 

غادرت كندا إلى بريطانيا ومنها إلى ألمانيا فإلى سويسرا ثم إلى فرنسا لقضاء عامين للاطلاع بالكامل على جميع نشاطات شركة المصاعد من تصنيع وكلفة ومالية وتركيب وصيانة إلى ما لا يستطيع الإنسان تصوره خلال فترة طويلة أجتمع كل ساعتين مع مدير آخر لتفهُّم تلك النشاطات لأنني عندما سأكون في سورية لن أحتاج إلى سؤال واحد .

 

كان ذلك بسبب ما كانوا يعانون منه مع مديرهم السابق الذي سرَّحوه بعد ما أبرموا معي العقد .

 

وصلت إلى سورية في بداية عام 1978 فسرعان ما هبَّت ضدِّي أعشاش الدبابير سورية ولبنانية ففُسخ العقد – بعد جميع التكاليف التي تحمَّلتها في تلك النقلة الجدِّية ففسخوا العقد وقال لي نائب رئيس الشركة – وهو الذي قابلته في باريس يوماً كاملاً من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية عشر ليلاً عندما صاحبني إلى المصعد في الفندق هناك .

قال لي بالحرف: أنتَ تكلفتَ ونحن تكلفنا .

ونحن سألنا أخصائيين قانونيين طمأنونا بأننا يحق لنا فسخ العقد .

نصحتُه بكل إخلاص فلم يرعوِ فقلت له ( وكان ذلك في فندق المريدين بدمشق) استفسر مرة أخرى فافترقنا لنجتمع في اليوم التالي ليردِّد علي أنهم تأكدوا من قانونية فسخ العقد " المفتوح المدَّة " .

خرجت من الفندق وألقيت على الشركة حجزاً على كافة موجوداتها من الحساب المصرفي في الفرع رقم 6 إلى مستودعاتها ومكاتبها وحساباتها أيضاً في كل من لبنان والأردن ، وحساباتها لدى الجمعيات التعاونية زبائنها ، ثم على موجوداتها في الحرمين الجمركيين في اللاذقية ودمشق .

وكان من بين المحجوزات المصاعد التي اشتراها المصرف التجاري السوري لبنائه الجديد في ساحة يوسف العظمة .

وهنا بدأت فوضى الادعاءات والمحاكم ولا أريد الإطالة عليك ، فبدلاً من مطالبة المصرف للشركة باحترام عقودها ومدة تنفيذها تشاطر في كفاح فاشل خلال أربع سنوات في استخدام جميع ما يمكنك تصوره من دعاوى قضائية فاشلة وملاحقات وتحقيقات حتى بلغ بهم الأمر أن رفعوا دعوى في محكمة الأمن الاقتصادي في بداية عام 1980 حتى وكأن تلك المحكمة إنشئت خصيصاً من أجل تحرير المصاعد المحجوزة .

باختصار عزيزي الأستاذ مفيد دخلتُ في سورية في دعاوى تجاوز عددها 120 بين دعوى أصل ثم تنفيذ ووقف تنفيذ واستئناف ونقض ومخاصمات قضاة ( كانت لي ثلاث محاكم مخاصمة ثالثتها ناقضت الاثنتين التين اعتبرتا القضاء السوري مختصاً في النظر أما الثالثة فقالت أنني يجب أن أخاصم الشركة في لبنان !!!!

نعم ، في لبنان يا عزيزي يوم كان اللبنانيون يقتلون بعضهم ولولا سورية لبقوا إلى الآن على تلك الحال ( ولم يتعلموا بعد ) .

كان يحضر المحامي إلى منزلي في الصباح فنذهب معاً إلى القصر العدلي للمرافعة ثم يعيدني حوالي الثالثة بعد الظهر ، ليعود بعد الخامسة لنذهب معاً إلى مكتبه لنكتب المذكرات الرادَّة على كذب 10 محامين سوريين واثنين منهم لبنانيين يحضران مرتين كل أسبوع للمرافعة للتآمر على حليب أطفالي .

كنت أترك زوجتي الكندية مع طفلين ولدت ابنتي في سويسرا في طريق العودة إلى سورية والصبي الذي ولد في كندا عندما حضرت لرفع تقرير إلى الشركة الأم في كل من نيويورك وهارتفورد عن فساد الدعاوي والمدعين وعن عدد الدعاوى التي خسروها وكلفتها في ذاك الوقت أي في كانون الثاني 1980 فكانوا قد خسروا 33 دعوة وربحوا ثلاثة جُمّدت واستحال تنفيذها ، وبقي هناك دعاوى أربعة قيد النظر في المحاكم .

كان من نتائج المقابلات والتقارير التي رفعتها إلى إداراتهم وتدخلات نيويورك وهارتفورد والقسم القانوني في بلجيكا وفرنسا أن اشتد فيهم العداء والأذى والتآمر وإغداق الرشاوى وشراء المرتزقة ... وما أكثر هؤلاء ياعزيزي

فلو أردتَ أن تتعرَّف على وجوه أفراد الطابور الخامس من فلول الانتداب الفرنسي لرأيتهم رأيَ العين بسذاجتهم أولا ولكن بالإمعان في العداء والعمالة وحب الأذى ثانياً .

هل تصدق أن الذين عادوني في سورية زاد عددهم على الثلاثمائة من داخل القصر العدلي قضاة ومنهم من كانوا على حافة قبرهم من رؤساء محاكم نقض وتمييز ومحامين عامين و ... و ....

كلهم ماتوا منذ زمن طويل ومات معهم محاميهم اللبناني المشهور جداً ورئيس الشركة في فرنسا ورئيسها في هارتفورد .


ماذا أقول لك يا طويل العمر ....

لا تضحك يا أخي

فلقد صبرت على ذلك أكثر من أربع سنوات أذهب يومياً إلى قصر العدل لأدفع مصاريف ووكالات ، ومصاريف تخزين للمصاعد المحجوزة فلقد اضطررت لنقلها ست مرات قبل مغادرتي سورية .

وعندما كنت في جامعة تشرين قبل عامين أتاني هاتف من دمشق بأن صاحب المستودع في داريا باع مستودعه ، فقطعت زيارتي للجامعة ولمديرية الثقافة وعدت فوراً إلى دمشق واستأجرت مستودعاً غيره ونقلتها من جديد .

كان ذلك بعد عام فقط من نقلها إلى ذلك المستودع .

ثم قبل بضعة أشهر في عام 2011 نقلناها مرة أخرى إلى مستودع آخر في ضاحية أخرى بعيداً عن داريا .

أطراف المحاكم كانت: الشركة ، والذي اشترى وكالة الشركة بعد رحيلها من سورية ، ثم دخلت نقابة محامي سورية ، ونقابة محامي دمشق زعماً منهما الدفاع عن كرامة المحاماة والقضاء ( سأحدثك يوماً عن السبب في قفز هاتين المؤسستين المحترمتين إن شاء اللَّه ) .

هذا دون الكلام عن الدعاوى الجزائية التي رفعت لانتزاع المصاعد بالقوة فلم يفلحوا في شيء .

 

لكن المصرف اشترى من ميزانيته مصاعد أخرى ، وما زلنا نعبد الأجنبي عبر الأجيال منذ زمن كعب الأحبار إلى الآن وإلى ما شاء اللَّه .

 

لقد وصلت يوماً وبالتحديد في آب 1982 إلى مرحلة كان لا بد من اتخاذ قرار الرحيل ، بعد الخسارة المالية التي لا توصف من جهة واستحالة العمل مع الاستمرار في الدعاوى من جهة أخرى .

 

ولقد عرض عليَّ صديق حميم وأخ عزيز إدارة مكتب شركتهم السورية في جدة فرفضت شاكراً وقلت أنني أفضل الذهاب بعائلتي إلى كندا حيث يُعترف لهم بالجنسية والتعليم العالي في المستقبل وأنني لا أستطيع رؤية تلك الوجوه من أهل نجد قرن الشيطان .

 

والشيء بالشيء يُذكر ، كنت الصبي الوحيد الذي يحضر سهرات والدي مع أصدقائه من الأساتذة وغيرهم ، ومرَّة اضطررتُ في مداخلة لي مع صغر سنِّي أن أذكرهم أن النبيّ قال: نجد قرن الشيطان منها تخرج الفتنة وإليها تعود .

 

عندها عضَّ أحدُهم على شفته ( وكان أستاذ لغة عربية ودين ) وكاد أن يقطعها مستهجناً ما خرج على لساني فأجبته: أليس هذا قول النبيّ ؟

على كلٍّ حملت زوجتي وطفليَّ وغادرت بهم سورية مع 12 محفظة ووزعت مفروشاتي وما استطعت بيعه ( ولا تذكِّرني بأبي ذرِّ الذي طرده الخليفة عثمان إلى الرَّبذة ، عندما تأذَّى منه مُفتي خليفة زمانه : كعب الأحبار الذي كان مستشاراً في ذاك الزمن نافذ الرأي والكلمة .

إذن عدتُ إلى كندا فكانت المهن قد اختلفت كليا عما كانت عليه قبل سنوات وكان علي البدء من جديد .

 

حاولت بمرارة معرفة أسباب ذاك الانحطاط في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فكنت أشتري الكتب وأوصي عليها من لبنان فتصلني بالصناديق ( ذكرت ذلك في الكلمة : هذا ما وجدت عليه حال أمتنا ) كانت ردّاً على طلب من الدكتور أسعد علي بعد زيارة لي إلى دمشق عام 1997 التقيت به فاصطحبني إلى محاضرة في كلية الآداب وطلب مني أن أكتب له خمس صفحات عن مجلداتي الخمسة في ذاك الوقت  فآثرت أن أكتب له تلك الكلمة .

 

أما عن البحوث فكنت أكلم الناس وأحثهم على استعادة الرشد وفهم التراث الذي احتوى على كنوز عظيمة لا يمكن ظلمُها وإهمالُها ، لكن في نفس الوقت هناك صفحات سوداء قاتمة لا بد من الحذر والفهم السليم للتمييز بين الحق والباطل ....

 

فسألني أكثر من صديق أن أكتب ، لكني لم أكن كاتباً ( لعل التقرير الذي رفعته - قبل ذلك بسنوات - إلى رئاسة الشركة في نيويورك يشكل كتاباً مميزاً جداً ومفيدا للذين يقعون فريسة لوظائف الشركات الأجنبية في العالم الثالث ) .

 

بدأت بالكتابة بعد أن وصلني برنامج لكتابة العربية على الحاسوب فبدأت أكتب بضع ساعات ، وبما أنني تعلمت الضرب على الألة الكاتبة في ثانوية التجارية بالمارستان الذي تحول الآن إلى متحف للعلوم زرته مؤخراً ، تعلمنا الضرب بالأصابع العشرة وبسرعة فائقة فكنت أكتب ولا أنظر في الكتابة بسرعة جنونية .

 

بدأت بتخصيص 3 إلى 4 ساعات يومياً للكتابة لكني سرعان ما وجدت أن ما أكتبه جدير بالاهتمام البالغ فبقيت أكتب ساعات طويلة أهملت بسببها عملي الذي كنت أمارسه في ذاك الوقت وهو كما يلي:

كانت عندي شركة تصدير للبرامج الإدارية مصدرها كندا والولايات المتحدة والهند ، كنت وكيلاً لها أصدرها على حسابي الخاص فكنت أشارك في معارض متخصصة كمعرض الـ c bit 

في هانوفر وغيره في ألمانيا كولونيا وغيرهما .

 

كان عليَّ أن أطوِّر وأحدِّث بلا انقطاع تلك البرامج وإلا فإنها سوف لن تصلح لشيء وأذكر لك هنا أنني كنت أعرض برنامج تحليل صور الأقمار الصناعية في معرض هانوفر على زائرَين من روسيا فقال احدُهما للآخر بالروسية لكني فهمت الكلمة اللاتينية بأن البرنامج كان بدائياً مع أنه كان حديثاً جداً في كندا صرفت عليه الحكومة الكندية مساعدات .

 

إذن تابعت الكتابة وتناسيت الشركة والبرامج فتلك الأمور لن تفتقر لمروِّجين لها لكن ما أكتبه سوف لن ولن ولن تتوق نفسُ واحدٍ من مثقفينا للقيام به وذلك لأسباب:

نظراً لتراثنا الإسلامي فلا بد للباحث من مناقشة أمور دينية شاء أم أبى .

وهذا لا يتسنّى لخريج الشريعة أو الحوزة لأنهما ما يزالان وسوف يبقيان على حالهما دون التجرؤ على مخالفة شيخهما أو رئيس مذهبهما بحال من الأحوال .

 

أما خريجو الكليات الأخرى فهم بحاجة ملحَّة لفهم التراث الإسلامي وهذا  لا يتوفر لهما .

 

كما أن الذي درس التراث وتخرج كان في مرحلة التعلُّم فقط ولسوء الحظ نظام التعليم عندنا لا يحث على التفكير والبحث بل على الحفظ والترديد ، لذلك فهمُّ الطالب الحفظ والنجاح .

 

أما بعد التخرج فإنه من الممكن أن يفكر القارئ بما يقرأ وما ينتج عن ذلك من ثمار لا تُحصى .

 

على كل حال إن الذي يريد إصلاح هذه الأمة لا بد من أن يناقش جميع المعطيات والمعلومات التي ترسخت في أذهان الأفراد ولا يخفى أن هذه نشأت من جميع مناحي المعرفة من : تفسير قرآن وسيرة وتأريخ وعلم اجتماع وآداب وتربية وسياسة واقتصاد و ... و ...

فإذا ما حاول أحدٌ معالجة مشكلة الأمة من أي زاوية كانت فعمله قاصرٌ فاشلٌ قبل البدء بعد إغفال جميع العوامل الأخرى التي ترسم سلوك وعقلية وأخلاق المجتمع .

لقد أطلت عليك أيها الأخ العزيز ولكن الأمر معقد ومعقد جداً وكنت أخبر رؤساء الجامعات والمراكز الثقافية وغيرها في سورية أن الفرد في أمتنا يعاني من إرهاب فكري دام 14 قرناً – هذا إذا تناسينا جاهليتنا قبل الإسلام -  فهم يضربونه على رأسه بتلك العصا ، وأكاد أقول أن ذاك الفرد وُلد قبل 14 قرناً وما زال يُضرب بتلك العصا إلى الآن فكيف صار حاله بعد كل هذا ؟

لقد أصبح قفص عظام لا تمسكها مفاصل ، كلما رفعنا طرفاً منها سقط الآخر .

 

كنت في زياراتي الكثيرة أتنقل من محافظة إلى أخرى وأمضيت أكثر الوقت في الشمال وبالتحديد حلب واللاذقية ومعرة النعمان وجبل الزاوية ولي فيها ذكريات طويلة جداً .

 

كنت أتمنى أن أضع البحوث في كل مركز وكل جامعة ولقد قطعت في آخر زيارة لي 15000 كم بالسيارة المستأجرة وضعت الكتب في 65 مركزاً ثقافيا ، و26 مكتبة جامعية في الجامعات الرسمية السورية .

 

هذا ما استطعت القيام به ، فكما ترى كان في عودتي إلى كندا عام 1982 نعمة وليس نقمة ونفع لشعبنا وليس حرمان بحمد اللَّه .

 

ولك أن تسأل ويحق لك أن تسأل ماذا حصلتَ من أرباح أو نفع من كل ذلك .

 

أجيب : أن زوجتي كانت مدرسة في الثانوية وكانت قد تركت العمل لتربية الأطفال فعندما قررتُ نشر المجلد الأول قلت لها: إذهبي للعمل فإن سأنشر كتاباً والعرب لا تقرأ وسيكون بسببهم عبئاً ماليا ثقيلا جداً .

 

حصلت على موافقة من وزارة الإعلام والقيادة القطرية كما ذكرت لك بعد جهد دام 10 سنوات ، كما حصلت على إذن بإدخال الكتاب إلى سورية بصرف النظر عن الكمية ، وموافقة من وزارة الثقافة لاقتناء المراكز للكتاب .

 

أما عن التمويل فصبر جميل فالعبء مُرهق لا يمكن أن يتصور أحد الصبرَ عليه ، ولو كنت أعمل عند ربّ عمل لطردني منذ زمن بعيد . ولكن لا بد من المضي قدماً مهما كلف الأمر .

وعندما بدأت هجمات الأشرار على سورية وجدت من واجبي التنبيه والتعريف بما يجري وأخذ ذلك من وقت الكتابة شطراً هاماً جداً ، والكلمات التي كتبت أكثر من الذي نشرت بكثير ، ولكنه واجب وسورية تستحق من كل واحد منا التضحية بكل وأغلى ما يملك .

وسورية بخير ، واللّه سبحانه عادل ولا يمكن أن يكون في قضائه نصر أولئك الأقزام والمجرمين من المتخلِّفين والأشرار على هذا البلد المعطاء الكريم يقوده رجل شجاع عاقل حكيم .

عندما كنت في دمشق أهديتُ الكتاب إلى القائد مع المكتبة الصغيرة التي صمَّمتُها خصيصاً لذلك ، رغم أنه ليس لي اتصال مباشر ، ولم أسمع من أحد بعد ذلك .

محمد ياسين حمودة

مونتريال

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   توضيح حول رسالتي أعلاه
فوجئت توّاً بنشر رسالتي هذه على موقعكم الموقر فلكم الشكر عسى أن ينتفع بدروسها بعض الناس بيننا ولا أعني النسناس . تلك كانت رسالة خاصة إجابة على سؤال صديقي الأستاذ مفيد كمال الدين رئيس تحرير " الرأي السورية " لماذا غادرتً سورية ؟ كان ذلك في تشرين الثاني عام 2012 فأجبته يومئذ بتلك الكلمات بيني وبينه ولم تكن من أجل النشر .... فنشرها وهي على الرابط: http://www.alraai-news.com/?he=sho_cul&id=165 وكان في جوابي على تعليق أحدهم يومئذ تبيان لذلك . وهو كما ستقرؤون في ذيل هذه الكلمة . وفي آذار 2013 اطلع على رسالتي تلك الصديق نارام سرجون فاستأذن في نشرها فوافقت على ذلك فنشرها على صفحته من الفيس بوك على العنوان: https://www.facebook.com/naram.sargon وفي جميع الأحوال فإني عندما أوجِّه خطاباً - عاماً كان أم خاصاً - فإني أتوجه إلى أصحاب العقول حصراً ، ومن الخطأ الفاحش هدر الوقت لمخاطبة أجساد لا تحمل رؤوساً فيها عقول . إليكم أعزائي جوابي على التعليق الذي ورد هناك وشكراً لإدارة موقعكم . سورية بخير وستكون بألف خير . محمد ياسين حمودة (yasinh@total.net) الأخ الفاضل م. فواز بدور شكراً جزيلاً على هذه الالتفاتة الطيبة والتي لم تفاجئني أبداً لأن سورية الحبيبة غنيَّة بالوطنيين الواعين والشرفاء من أمثالك . على أنني لم أشعر في يوم من الأيام بضغينة لأحد ، حتى ضد الذين كانوا سبباً في هجرتي من سورية ، فسورية ما زالت أشرف بلدٍ عرفتُه وأهلها في جميع محافظاتها أكرَم وأنبل الناس ، ولي في ربوعها في زياراتي الأخيرة أجمل وأروع الذكريات . ومن حقك أن تعلم أن رسالتي أعلاه لم تكن موجهَّة للنشر أو للشكوى لكنها كانت ردّاً على سؤال الأستاذ الكريم الصديق مفيد ألهب قلمي (المُتعَب والمُرهَق لكنه ما زال شابَّاً نشيطاً ينبض بالحبر الشريف غير المأجور ولا يعرف الانتهازية ولا العمالة ) ، لقد سألني لماذا غادرت سورية ؟ أبوح لك أن قلمي هذا أدمَن على التمرَّد عليَّ في بحوثي وهو يُزمجر في وجهي أحياناً ويتمزَّق غيظاً وحنقاً ولكني أهدِّئ أعصابه وألجمه وأمسِك عن قول الكثير والكثير فقط من أجل مراعاة الشعور وطاقة التحمُّل عند كثير من القرَّاء الكرام . أشكرك يا أخي على تكريمك لي وعلى تمنياتك الطيبة الصادقة ، ورغم كل ما يجري في وطننا الحبيب فنحن ما زلنا بخير وسورية بألف خير . ما دمت أيها الأخ تفيض بالمشاعر النبيلة فإني أدعوك الآن لمواساة العقل في شكواه من هذه الأمَّة بعد ما جرَّعته مرارة اليأس ، في قصيدة كتبتها عام 1994 بعنوان " العقل يشكو " وإذا تابعتها إلى النهاية ستجد قصيدة أخرى كتبتُها على لسان العرب تقول: " يا عقل لِمَ تشكو ؟ " . خاطبتُ فيهما أصحاب الوجدان الحيِّ في أمتنا المجيدة كما دعوتُ إلى إعادة دور العقل الذي عزلناه منذ قرون . العقل يشكو : http://home.total.net/~yasinh/al-akl00.htm 2-11-2012 م فواز بدور () الويل لنا كيف نعامل روادنا . . . أطال الله في عمرك أيها المفكر الرائع . . . وعوضك بوطنيتك عما لحق بك الحقيقة الغائبة .. اسطورتنا .. أبو يعرب يوم حملتني أمي ..بقلم : أ . يعقوب مراد محردة ..معمودية الدم ..بقلم: يعقوب مراد محمد ياسين حمودة (yasinh@total.net) الأخ الفاضل م. فواز بدور شكراً جزيلاً على هذه الالتفاتة الطيبة والتي لم تفاجئني أبداً لأن سورية الحبيبة غنيَّة بالوطنيين الواعين والشرفاء من أمثالك . على أنني لم أشعر في يوم من الأيام بضغينة لأحد ، حتى ضد الذين كانوا سبباً في هجرتي من سورية ، فسورية ما زالت أشرف بلدٍ عرفتُه وأهلها في جميع محافظاتها أكرَم وأنبل الناس ، ولي في ربوعها في زياراتي الأخيرة أجمل وأروع الذكريات . ومن حقك أن تعلم أن رسالتي أعلاه لم تكن موجهَّة للنشر أو للشكوى لكنها كانت ردّاً على سؤال الأستاذ الكريم الصديق مفيد ألهب قلمي (المُتعَب والمُرهَق لكنه ما زال شابَّاً نشيطاً ينبض بالحبر الشريف غير المأجور ولا يعرف الانتهازية ولا العمالة ) ، لقد سألني لماذا غادرت سورية ؟ أبوح لك أن قلمي هذا أدمَن على التمرَّد عليَّ في بحوثي وهو يُزمجر في وجهي أحياناً ويتمزَّق غيظاً وحنقاً ولكني أهدِّئ أعصابه وألجمه وأمسِك عن قول الكثير والكثير فقط من أجل مراعاة الشعور وطاقة التحمُّل عند كثير من القرَّاء الكرام . أشكرك يا أخي على تكريمك لي وعلى تمنياتك الطيبة الصادقة ، ورغم كل ما يجري في وطننا الحبيب فنحن ما زلنا بخير وسورية بألف خير . ما دمت أيها الأخ تفيض بالمشاعر النبيلة فإني أدعوك الآن لمواساة العقل في شكواه من هذه الأمَّة بعد ما جرَّعته مرارة اليأس ، في قصيدة كتبتها عام 1994 بعنوان " العقل يشكو " وإذا تابعتها إلى النهاية ستجد قصيدة أخرى كتبتُها على لسان العرب تقول: " يا عقل لِمَ تشكو ؟ " . خاطبتُ فيهما أصحاب الوجدان الحيِّ في أمتنا المجيدة كما دعوتُ إلى إعادة دور العقل الذي عزلناه منذ قرون . العقل يشكو : http://home.total.net/~yasinh/al-akl00.htm 2-11-2012 م فواز بدور () الويل لنا كيف نعامل روادنا . . . أطال الله في عمرك أيها المفكر الرائع . . . وعوضك بوطنيتك عما لحق بك الحقيقة الغائبة .. اسطورتنا .. أبو يعرب يوم حملتني أمي ..بقلم : أ . يعقوب مراد محردة ..معمودية الدم ..بقلم: يعقوب مراد
د. محمد ياسين حمودة  
  0000-00-00 00:00:00   دمشق مدينة الياسمين
لم أفهم من كاتب هذا المقال شيئا سوى أنه يكره عبد الناصر من بعيد وأنه عاصر نفرتيتي وهولاكو وهم ظلموه لأنهم سرقوا فكرة اختراع المصاعد في هاييتي وهو استأجر مستودع في حي الشاغور وضع فيه المصاعد السحرية وبالأصافة لتصوير كم مسلسل للموسوعة العاشرة لباب الحارة وأن زوجته الكندية قالت له حرام مواهبك في التأليف والتجارة تضيع هدر ......بلأبلأبلأ حرادم عليكم يا مسؤولي الدام برس تضيعوا وقتنا في قراءة مثل هذه المقالات والله ما عندنا وقت لنحل مشاكل الناس .
بحار أعاليالبحار  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz