رشا ريّا - دام برس - اللاذقية :
لأن السوريون يتقنون الأسرار اختار نادي حكايا الفن منذ عام 2014 اسم "زلفا" ليُطلقه على احتفالية تُعنى بالفن تحت رعاية وزارتي الثقافة والسياحة، لهذه الكلمة صلة وثيقة بالانبعاث الذي تشهده الطبيعة أيام الربيع، لذلك قد يبدو زمن الحدث الخريفيّ عبثياً، إلّا أنَّ أسطورة "ام الزلُف" وحبيبها "تموز" تؤكدُ أنَّ بداية الانبعاث الحقيقية هي الخريف، فلولا النهايات لما احتفينا يوماً بالبدايات، وهذا ما جسدته احتفالية زلفا الثانية التي أُقيمت في حديقة الشهيد عمار عبود في اللاذقية من الثاني ولغاية الرابع من شهر أكتوبر الجاري.
يزن جبور (مدير نادي حكايا الفن) عبّرَ عن ثقته بالإقبال المتواجد "فبعد زلفا واحد، والتي حالت الظروف دون عودتها إلّا بعد ثلاث سنوات، بات الناس متعطشين للفن، لذلك حاولنا جمع كلّ أشكال الفنون، و أردنا أن يستمتع الناس بطريقتنا العفوية بالعروض سواء أكانت فناً تشكيلياً (رسم ونحت)، أو موسيقا، و عروض الراقصة"، وأضاف بعفويةٍ فنيّة خاصة: "النجاح هو أن تجعل الناس يستمعون للبيانو أو أيّة آلة موسيقية تُعزف لتَشُد المارين دون أن يتكلفوا فالموسيقا للجميع هنا، وليس النجاح ببقائهم ثلاث أو أربع ساعات للحضور حتى النهاية".
وغير بعيدٍ عن عنوان الاحتفالية أتت الأعمال الفنية وخصوصاً اللوحات لتُفصح عن محتوىً وجوديّ سواءَ أكان العمل "بورتريه" أو لوحات تصوّر مشاهد اجتماعية تقتربُ في أسلوبها من المدرستين الانطباعية والواقعية.
السيد أنمار حمادة (أحد الرسامين المشاركين في المهرجان): "اخترت المشاركة بعملين بالألوان الزيتية وحصراً اللون الأخضر، لأنني اعتبر أنَّ هذا اللون يحمل مدلولات رمزية، ونفسية، كما عالجت اللوحة بطريقة تجريدية أقرب للتعبيرية، واستمتعت بآراء الحضور، واهتمامهم فالفنان السوري بحاجة لهذا التفاعل بينه وبين الجمهور للاستمرار بالعطاء والتطور".
اللافت أنَّ المهرجان لم يكن مُقتصراً على فئة عمرية معيّنة، فيكفيك الدخول خطوات قليلة للأمام لترى أنَّ الاهتمام واضح على وجوه الأطفال كما المسنين، ولتُعجب أحياناً من وقوف جدّة تسأل وتناقش أمام لوحةٍ أثارت فضولها، فترى مقابلاً لها طفلةٌ تشدُّ طرف ثوب أمها لتسألها "متى سأبدأ بتعلم العزف على هذه الآلة"، لتكون الأم منشدةً لشاب أخذ يعزف الكمان، فكيفَ لشعبٍ ما زال يحبُّ الحياة بهذه الطريقة أن يُهزم؟!
ميادة امرأة أربعينية تحتاج وقتاً لتستطيع سرقة أنظارها المتشبثة بالفنون التشكيلية: "بكلّ صراحة الأشخاص الموجودين بهذا الكمّ كفيلين ليعبروا عن مدى السعادة، أنا فعلاً سعيدة بإقبال الناس وفرحهم، وبالأعمال ككلّ الموجودة في هذا المهرجان، أفتخر بعودتنا لهكذا نشاطات ولو بعد حين".
لم تسلم يوماً فعاليات وزارة الثقافة من الانتقاد، حيث كان المنتقدون يصبّون جامَّ تعليقاتهم على أنَّ هذه الفعاليات تتوجه للنخبة، حيث تجري في صالات مغلقة، وتقف المساحة الضيقة داخل الأبنية كعائقٍ أمام العامة، أمّا هذه المرة فقد أُقيم المهرجان في حديقة عامة وبين الناس، ليكونَ منهم ولهم.