دام برس - اللاذقية  - عاطف عفيف :

إنها حقاً جرأة أن يقوم شاب يافع لم يتجاوز الخمسة عشر عاماً بمعرض فردي في غاليري "علي عامر "بجبلة، إنه الفنان باسل بله من أبناء مدينة جبلة، هذه الخطوة يستحق عليها الثناء والتقدير ولكل من ساهم فيها،اللوحات التي قدمها خلال المعرض تعكس موهبته وتقنيته العالية في إعادة رسم وتصوير ما يراه وما يعجبه وفق رؤيته الخاصة.

ليست مجرد  خربشات

عرض باسل 19 لوحة وهي من القطع الكبير والمتوسط وأغلبها مرسوم بقلم الرصاص والفحم وهنا تكمن الفنية في عملية التظليل و بإظهار التفاصيل من خلال لون واحد، تركز أعماله على الوجوه والحركة وهي تعكس مدى اهتمامه بالتفاصيل والتعابير الإنسانية والبعد الجمالي والروحي. فهو يستمتع كما يقول برسم تعابير الوجه وحركة الجسد كالرقص الذي يرمز للحب والجمال...

بدأت بذور الفن تتفتح لديه منذ أن كان بعمر السنتين مع بداية وعيه وإدراكه للأشياء، وكان قلم الرصاص صديقه الأول، يخربش ويرسم على تلك المساحات البيضاء من الأوراق التي كان يسرقها من دفاتر أخوته ومذكرات والده، ويجلس في إحدى زوايا البيت يترك العنان لخربشاته ، ولكن من البداية لم تكن مجرد خربشات بل كان لها معاني وتنبئ بولادة فنان بالمستقبل.

يمكن القول بأن باسل فنان بالفطرة فهو لم يتعلم الرسم ولم يتلق أي دروس خاصة بهذا الفن الجميل،فهذه المهارة والفنية التي يتمتع بها نابعة من هواية ورغبة شديدة بالتعبير عما يدور بخياله من خلال الرسم.

ويؤكد باسل بأن ما وصل إليه حالياً يعود الفضل فيه لتشجيع الأهل والأصدقاء، مشيراً أنه لا يوجد أي فنان رسام في عائلته كي يكون متأثراً به، بل تأثر بوالده الشاعر والذي يحبه كثيراً.

جرأة

ويقول باسل بأن الثقة التي منحها له الأهل والأصدقاء كانت هي الأساس في الجرأة في خوض التجربة والمحاولة بإقامة معرض خاص وفردي ، ويرغب كما يقول باسل أن يوصل رسالة لكل الناس  من خلال لوحاته وأعماله بأن درب الخلاص والخلود هو في عطائنا اللامحدود وإطلاق الفنان الجميل القابع بذواتنا.

شارك بعدة مسابقات لرواد الطلائع وحصل على المرتبة الأولى على  مستوى المنطقة والمحافظة والقطر .

وحول رغبته وماذا يريد أن يصبح بالمستقبل قال: لم أحدد ما أرغب أن أكون بالمستقبل فلم تكتمل تجربتي بعد،إلا أني سأعمل دائماً في سبيل الحق والخير والجمال وفي تكريس الفن الراقي والخالد.

موهبة فطرية

ويقول الأب جمال بله : ما قبل الروضة كان دائماً يركن بإحدى الزوايا بالبيت ويرسم ،عندما رأيت تلك الرسومات مقارنة مع عمره في ذلك الحين ذهلت، حيث كان يحب أن يرسم ويصور ما يراه من المكان المحيط به من المنزل،بعض الأصدقاء الفنانين ومدرسيه في المرحلة الابتدائية قالوا بأنه يرسم بطريقة غير عادية وغير تقليدية مقارنة بعمره ، شارك بمسابقات للرواد وبمسابقات أعلى من مستواه وكان دائماً يحظى بمراتب متقدمة، شارك بمهرجان عيش جبلة العام الماضي و هذه التجربة كان لها أثر إيجابي كبير في نفسية باسل لما رآه من إعجاب وتقدير من جميع الذي زاروا المعرض وشاهدوا لوحاته.

ويرى الأب بأن المستوى العقلي والإدراكي لمعنى الفن لم تتفتح بعد لدى باسل ولم يطلق العنان بعد لخياله ، وأن أغلب أعماله هي عبارة عن صور ومشاهد معينة في أماكن مختلفة يعيد رسمها بتقنيته وعلى طريقته الخاصة ،ويشير بأنه لم يطلع على تجارب الآخرين بعد، ولا يعرف أي من المدارس الفنية ،فموهبته فطرية نابعة من رغبته الشديدة بهذا الفن الراقي الجميل، إن ما يميز باسل هو تقنيته وقدرته في التقاط القلم والتأثير في عالم الورق ويرسم لوحات بزمن قياسي، فبعض اللوحات لا تستغرق أكثر من عشر دقائق أو ربع ساعة .

مستقبل واعد

ويقول الفنان عامر عالي مدير الغاليري : باسل فنان موهوب يحاول المسير على طريق الألف ميل واليوم هي خطواته الأولى لامتلاك الخط والمساحة والسيطرة على مكانيك اللون وتوظيفه بما يضمن له إخراج مكامن الإنسانية في أغوار النفس البشرية والتعبير عنها، إنه يمتلك مقدرة بالرسم تفوق الحالة العادية بكثير، وتنبئ بمستقبل واعد ومشرق نتمنى له الاستمرار وأن يلقى الدعم من كافة الجهات .

ويجب على الجميع كل بموقعه إيلاء الأهمية الكافية لأصحاب الإبداعات ، نحن اليوم بحاجة ماسة للتمسك بالمبدعين واحتضانهم ومنعهم من الرحيل والسفر ، هذا البلد الجميل سورية يحتاج كل قطرة عرق وكل ذرة فكر وكل الملكات العقلية والفكرية التي يتمتع بها أبناؤه، فنحن يجب أن نتعاون جمعياً لنكون عائلة سورية كبيرة .

  الخلاص

وحول نشاطات الغاليري قال عامر علي  :رغم الأزمة ومنذ خمس سنوات نشاطات الغاليري مستمرة لم تتوقف، لأننا نؤمن بأن الفن هو الخلاص لكل الآثار السلبية التي خلفتها هذه الحرب الشرسة على سورية ، بإمكانياتنا المتواضعة مع فريق العمل والأصدقاء المخلصين نحاول تكريس حالة الفن كقيمة عليا بالمجتمع ،ذلك الفن الذي يتعامل مع المشترك الإنساني ، والذي يجمع الأشخاص أمام حالة جميلة هي الحالة الإبداعية ، يزيل كل العوائق والشوائب الصغيرة التي يمكن أن تسبب إشكاليات بين الأشخاص ، بالفن نرتقي ، وبالفن يكون المجتمع أكثر حضارة وأكثر رقيا.