دام برس :

بات الجيش السوري يعتمد أكثر على إستعادة التلال الحاكمة في معاركه التي يقودها في الشمال، “الفيلق الرابع” الذي يجمع بين الجيش السوري والحلفاء من حزب الله، قوات ايرانية، واخرى رديفة سورية.

يظهر بحكم القراءة الميدانية للمشهد، إتباع الجيش السوري والحلفاء أسلوب القبض على التلال والمرتفعات الجبلية، أهمها في مناطق ريف حلب الجنوبية، سهل الغاب، ومعارك شرقي اللاذقية وشمالها، وهو أسلوب جديد من حيث الإتباع، حيث تخلى الجيش عن فرضية الدخول إلى المناطق والاعتماد بشكلٍ أساسي على أسلوب كمشها من مرتفعاتها، اي الخواصر الرخوة، على غرار الاسلوب الذي إعتمده حزب الله في معارك القلمون، ما يظهر اصابع المقاومة اللبنانية في التخيط للمعارك الكبرى.

ومما لا شكّ فيه، ان السيطرة على التلال والمرتفعات الجبلية، تؤمن سيطرة على مناطق واسعة وكشف أخرى بالنار و “القبض” على الوديان والمساحات الجردية او الحرشية من الارض، إن عبر التغطية النارية المباشرة، أو من خلال المراصد التي ينصبها الجيش عند سيطرته على التلال الحاكمة التي تسمح برؤية نموذجية للميدان.

وعلى جبهة الريف الجنوبي لحلب حيث تدور أعنف المعارك وسط تقدم للجيش، تتجلى هذه الاستراتيجية بوضوح فوضعت مثلاً السيطرة على تلال البنجيرة، العيس وبلدة الزربة، الجيش، على مسافة أقرب إلى بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب الشمالي، وبات يكشفهما بالاضافة لكشف القرى الواقعة بين مدينة سراقب تفتناز والتي تعتبر مصدر التهديد والقصف للبلدتين، وعليه، بات الجيش يفرض سيطرة نارية وإشرافاً مباشراً على مكامن الخطر، ويمكن بسهولة أن ينفذ إستهدافات مركزة عبر المدفعية والصواريخ، اي ان الجيش عبر “الفيلق الرابع”، خلق مظلة حماية لـ “الفوعة – كفريا” في حال القصف بالهاون، في البعد الزمني المنظور، اما في البعد الغير منظور، أسس ركيزة تأمين التقدم نحوهما في حال إتخذ القرار بذلك لاحقاً.

النموذج الاستراتيجي هذا غير محصور على جبهة جنوب حلب، بل يتمد إلى جبهة الغاب في ريف حماة الغربي حيث تتجلى هُنا معارك التلال التي تُميّز المنطقة. سيطرت الجيش على تلال حاكمة، مكنته من قطع خطوط الامداد التابعة للمسلحين وفصل المناطق عن بعضها وشرذمتها، إضافةً لفرض سيطرة نارية. ريف اللاذقية الشرقي المتصل بسهل الغاب لم يكن بعيداً عن هذا الجو، فالجيش والحلفاء عملوا هناك وفق نفس الايقاع، اي إسقاط التلال وكمش المناطق، وهنا نأخذ في “تلال الجب الاحمر” و “كتف الحسون” نموذجاً، التي اسقطها عبر معارك متسلسلة. وترى مصادر “الحدث نيوز” في هذا النموذج، “اسلوب ربط المناطق ببعضها”.

وتشير المصادر، ان الهدف البعيد من القبض على تلال شمال اللاذقية وشرقها حتى سهل الغاب، هو محاصرة الغاب وتقطيع اوصال ريف إدلب وفصل مناطقه وسحبها من قائمة مصادر القوة للمسلحين، وما يجري في جنوب حلب يمتد وفق نفس الايقاع حيث ان الغاية المرجوة من كل العملية، هي الوصول إلى حلب عبر عدم ترك اي ثغرة يمكن ان تستغلها الميليشيات كعنصر قوة يمكن ان تؤدي إلى إيقاف تقدم الجيش او عرقلته.

ولا شك بأن وصول الجيش إلى مدينة الحاضر وسيطرته بالنار على أوتوستراد حماة – حلب، قد أسس لنقطة وصل بين منطقتين كانتا سابقاً مصادر قوة بالنسبة إلى الجماعات المسلحة التي كانت تربط جبهاتها ببعضها وتصلهما عبر خطوط إمداد دعم كان لها شغلها في عملية السيطرة وتأمين السيطرة بالنسبة لها على المنطقة اللاحقة والتمدّد نحو مناطق اخرى لاسيما في أرياف اللاذقية.

العملية التي تدور رحاها في جنوبي حلب، تواكبها اخرى على جبهات ريف اللاذقية الشمالية، حيث ينشط الجيش السوري على جبهات جبل التركمان التي فرض سيطرة على غالبية مناطقه نارياً بفعل القبض على المرتفعات الحاكمة. عملية شمال اللاذقية، وفق مصادر “الحدث نيوز”، لا تقل أهميةً عن معركة سهل الغاب او جنوب حلب، لكنها ذات بعد إستراتيجي أهم ركيزته تمكين الجيش من إختراق قواعد المسلحين من اجل الوصول إلى منطقة ريف إدلب المحتلة ومباشرة قضمها.

خلاصات

ووفق قراءة ميدانية قصيرة، فإن القبض على تلال شرقي اللاذقية وإختراق التلال الشمالية نحو منطقة ريف إدلب، يعتبر دون أدنى شك حصاراً لمنطقة سهل الغاب التي تغلغل فيها تنظيم “القاعدة” إنطلاقاً من السيطرة على أرياف إدلب. ويمكن إنطلاقاً من هذه القراءة، تخيّل المعركة القادمة التي ستكون معركة تلال محض تقبض على السهل الذي سيكون مسرحاً لعمليات عنيفة ذات ثقل نوعي – عسكري وقراءة ميدانية خاصة.

وتشير المصادر، ان إمكانية الدخول الحالي إلى سهل الغاب إنطلاقاً من مناطق السيطرة الاخيرة في شرقي اللاذقية، يعتبر “إنتحار عسكري”، لأن تنظيم القاعدة الذي ثبّت مناطقه، عزّزها بمحاور حماية وخطوط متعددة متسلسلة متشابكة، وكون الجيش لم يستكمل بعد تطويق المنطقة عبر التلال التي تفتح له مجال رؤية اوسع لتأمين قوات المشاة، يعتبر الدخول إليها “أمراً خطيراً” سيعرض القوات لنيران مباشرة من المدافعين ويكبد الجيش السوري والحلفاء خسائر ضخمة. وبناءً عليه، قررت القيادة العسكرية للميدان، تجميد العمل على جبهة سهل الغاب حالياً والإلتفات إلى جبهات اللاذقية الأكثر أهيمة من حيث الاستراتيجيات.

وعلى الرغم من صغر عمر “الفيلق”، إلى انه يعتبر خلاصة عمل فرق وتشكيلات عسكرية سورية، أيرانية، لبنانية أنتجت نموذجاً جديداً من المعارك على الساحة السورية ونقلتها من حالة إلى حالة ظهرت نتائجها سريعاً في الميدان.

ومن الواضح، ان إستراتيجيات المعارك على الجبهات السورية تبدلت مع دخول الحرب عامها الخامس وإنتقلت من حرب كلاسيكية مبنية على مفاهيم الكرّ والفرّ، إلى حرب أدمغة تترجم خططها في الميدان الذي يعكس الافضلية والبلاغة والحنكة العسكريتين ومستوى فهم العدو وقراءة مصادر الحرب وقوتها.

الحدث نيوز - عبد الله قمح