دام برس:

يبدو أن التطورات التي وقعت في اوكرانيا ومضاعفاتها على الدول الحليفة لسورية على الساحة الدولية- (روسيا- الصين)، وكذلك مضاعفاتها على الدول الحليفة لإسرائيل- (الولايات المتحدة- والاتحاد الأوروبي) ستفرض جداول عمل سياسية وعسكرية جديدة على منطقة الشرق الأوسط بكل ما يتعلق بالدور الإسرائيلي، والملاحظات أو العوامل التي ستنجم عن هذه التطورات يمكن وضعها ضمن الافتراضات التالية:
• اتساع رقعة الحرب (شبه الباردة) الجديدة بين الكتلتين (روسيا- والصين) و(الولايات المتحدة- والاتحاد الأوروبي) من منطقة الشرق الأوسط (إيران- وسورية) إلى منطقة البحر الأسود والحدود الروسية بسبب التطورات في اوكرانيا، وهذا يعني انشغال روسيا بجبهتين (حرب باردة) ما تزال حتى الآن قابلة للحلول والاتفاقات القادرة على تهدئتها مثلما هي قابلة في الوقت نفسه للتصعيد والتوتر الساخن.
ويبدو أن صورة واحتمالات تطور الأحداث والمواقف في اوكرانيا ستوفر مزيداً من تمتين الحرص الروسي والصيني على دعم الأطراف المتحالفة أو الصديقة أكثر مما سبق، وبالمقابل ستجد واشنطن أن الاعتماد على الدور الإسرائيلي وتوظيفه لمصلحة (جبهتي الحرب الباردة) سيستند إلى استراتيجية شاملة تربط بين تطورات الوضع ضد روسيا على حدودها مع اوكرانيا، وبين المهام التي تحددها لإسرائيل وحلفائها في المنطقة.
وفي المحصلة العامة يمكن الاستنتاج بأن أي مصلحة روسية تتحقق لموسكو في اوكرانيا والبحر الأسود ستحمل معها مكاسب لروسيا في الشرق الأوسط ولحلفائها في هذه المنطقة.
ولذلك ظهر أن اسرائيل بدأت تميل إلى تجميد أي توافق مع أمريكا تجاه المفاوضات مع الفلسطينيين ونتائجها في اتفاقية الإطار بإنتظار ما يمكن أن تفرزه عملية استقطاب وفرز القوى في الساحة الدولية في أعقاب أحداث وتطورات اوكرانيا.
فالمحللون في الولايات المتحدة يرون أن سلسلة المواقف والتهديدات والاستعدادات التي اتخذتها واشنطن والردود والاستعدادات التي أعلنت عنها موسكو تؤشر لفتح بوابة واسعة لمواجهة سياسية حادة سيتشكل من نتائجها نظام عالمي جديد تختلف فيه قواعد اللعبة الدولية وموازين قواها عما كانت عليه قبل عام (2008) بالذات، وتدرك اسرائيل أن هذه العملية ونتائجها ستستغرق سنوات تحشد فيها كل دولة كبرى ما لديها من أوراق ضغط وتحالفات وقد لا تكون نتائجها في صالح الولايات المتحدة التي تدهورت امكاناتها المالية وتزعزعت الثقة بقدراتها العسكرية بعد حربها في أفغانستان والعراق.
لكن معظم المختصين بالسياسات الدولية وبإستراتيجيات الدول الكبرى يرون أن عالم (الحرب الباردة) المستندة إلى قطبين قد لا تكون هي النتيجة التي ستتمخض عنها الصراعات والتنافسات التي نشهدها الآن بين (روسيا- والصين) من جهة ، وبين (الولايات المتحدة- وأوروبا) من الجهة الأخرى، ويميل هؤلاء إلى التكهن بظهور عالم تتعدد فيه الأقطاب بحسب قدرة كل قطب وما يملكه من أوراق اللعبة على الأرض.
وفي ظل هذه الصورة تجد اسرائيل أن جدول عملها ضد إيران وسورية يتطلب وضعه في أولوية تستلزم منها زيادة الاستعداد وزيادة رصد أي عامل ضعف يلحق بإيران وسورية في المنطقة.
ولعل هذا ما دفع نتنياهو إلى صياغة خطابه السياسي أمام المؤتمر السنوي لمنظمة (ايباك اليهودية الأمريكية) بطريقة استهل فيها بالحديث عن سورية، وعن المسلحين الجرحى الذين يستقبلهم الجيش الإسرائيلي في منطقة جبهة الجولان المحتل، وبالدور الذي يمكن للجيش الإسرائيلي الاستعداد للقيام به في المنطقة وليس تجاه سورية وحدها.
• أما إيران فقد كان الموضوع المركزي الآخر في خطابه أمام (ايباك) وكأنه يحدد للمنظمات اليهودية الأمريكية جدول عمل اسرائيل كما لم تكن عملية الاستعراض الإسرائيلية لموضوع الباخرة التي قيل أنها تحمل صواريخ إيرانية يراد تهريبها إلى قطاع غزة أو سيناء سوى جزء من هذا التركيز على إيران وسورية معاً.
ولوحظ أيضاً أن اسرائيل أرادت أن توحي لمصر بأن هذه الأسلحة المصادرة من الباخرة كانت ستتجه إلى سيناء التي تقوم المجموعات الإرهابية الاسلامية فيها بعمليات ضد الجيش المصري.
فإسرائيل تجد أن مصلحتها تكمن الآن بإثارة مصر ضد إيران، كما لوحظ أن مناورة عسكرية جرت داخل اسرائيل بين وحدات عسكرية اسرائيلية تابعة لسلاح الجو وأخرى من وحدات المارينز الأمريكية في الاسبوع الماضي، ودامت خمسة أيام وكان هناك اختلاف قد وقع قبل أحداث اوكرانيا حول مرجعية قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وتداخلها بين وزارة الجبهة الداخلية وقيادة الجيش الإسرائيلي، وطالب الجيش بإستلامها لوحده ، ويبدو أن هذا الخلاف سينتهي إلى حل بين الطرفين بسبب التطورات المحتملة في الساحة الدولية وانعكاساتها والحاجة إلى إعداد الجبهة الداخلية، ولوحظ أيضاً أن الجيش الإسرائيلي قرر مواصلة توزيع (أقنعة الحماية) من الحرب الكيماوية والبيولوجية حتى نهاية عام (2014) لأن 40% من الجمهور لم يحصل عليها بعد.

مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية
د. بسام أبو عبد الله