دام برس:

تصاعد التوتر في العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا هو بداية نشوء "حرب باردة ، Cool War"، وهي حربٌتهدد كلاَ من واشنطن والنظام الجيوسياسي العالمي بأسره. فمن دون علاقة فاعلة بين واشنطن وموسكو، فإن حل التحديات الرئيسية (من إيران إلى سورية، ومن القطب الشمالي إلى أفغانستان) سيضعف بشكل كبير. وبدلاً من قبول قوس تدهور العلاقة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى بنشاط في كل منطقة إلى التعاون إذا أمكن مع روسيا، وذلك بالرغم من الاحباطات والنكسات.

قائمة الخلافات الرئيسية طويلة: واحدة من أكثر التحديات عقماً هي سورية، حيث تؤمن الولايات المتحدة بحل دولي مع التدخل كخيار وإزالة الرئيس بشار الأسد حليف روسيا. تمثل سورية رابطاً قوياً لروسيا نحو المنطقة وعبوراً إلى شرق المتوسط الهام استراتيجياً، فضلاً عن سوق السلاح والتعاون الاستخباراتي.

وبالمثل فإن الولايات المتحدة وروسيا على خلاف حول أنظمة الدفاع الصاروخي للناتو الذي يجري نشره في أوروبا الشرقية، في البداية في رومانيا وبولندا ضد قدرات إيران المتنامية للصواريخ البالستية. وتعتقد روسيا أن النظام موجهٌ في الواقع ضد أنظمة الصواريخ البالستية العابرة للقارات الإستراتيجية بينهما، وذلك على الرغم من تأكيدات الولايات المتحدة المتكررة لخلاف ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الخلاف مستمراً حول احتلال روسيا لجورجيا، والذي تبعها صراع حاد قصير بين البلدين في عام 2008. في الوقت نفسه، هناك نزاع متوتر إزاء استمرار منح ملاذ لادوارد سنودون، فضلاً عن الخلافات حول بلطجة موسكو في أوكرانيا وصربيا ومولدوفا فيما يتعلق بشأن اندماجهم في العالم الأوروبي الأطلسي. أخيراً، المناورات العسكرية الكبرى الأخيرة بين روسيا والناتو في أوروبا الشرقية لم تكن مفيدة في سياق التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا.

أولاً، حالة تدهور المجتمع الروسي من حيث التركيبة السكانية (انخفاض عدد السكان بسرعة على مدى العقد الماضي)، ارتفاع معدلات إدمان الكحول وتعاطي المخدرات بشكل مأساوي، واستمرار ارتفاع التمرد الإسلاميالمتطرف داخل حدود روسيا (وخصوصاً داغستان التي مزقتها الحرب).

ثانياً، بطبيعة الحال، هو الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يحمل بوضوح كراهيةً للولايات المتحدة، وقد كتب مؤخراً في صحيفة نيويورك تايمز عن الغطرسة الاستثنائية للولايات المتحدة. ويبدو أنه يحتقر الولايات المتحدة في بعض الأحيان.

لنأخذ الأول والثاني، هناك شعور بالعمل وفقاً لعقلية الحرب الباردة cool war. من الجانب الايجابي، فهي جزء من صورة مختلطة، مع بعض مناطق التعاون القائمة.

الأول وإلى حد ما يثير الدهشة، وهو أفغانستان. على الرغم من فشلهم في أفغانستان، كانت روسيا عموماً مفيدة للولايات المتحدة وقوات التحالف بقيادة حلف شمال الأطلسي هناك-من حيث تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون على مكافحة المخدرات، وبيع طائرات هيلكوبتر روسية الصنع، والتبرع بأسلحة صغيرة وذخيرة لقوات الأمن الأفغانية.

كانت روسيا أيضاً شريكاً جيداً في عمليات مكافحة القرصنة قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا. وقد زودوا الجهود الدولية بعدة سفن حربية، إضافةً إلى تبادل المعلومات، وحتى ربطهم بشبكة قيادة وتحكم مع القوات الغربية. وكقاعدة عامة، كان هناك تعاون على مكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات.

مجال آخر من مجالات التعاون، على الأقل تم حتى الآن في القطب الشمالي، ما يسمى "الشمال العالي". روسيا كانت محوراً نشطاً وايجابياً عموماً مع الولايات المتحدة من خلال آلية لمجلس القطب الشمالي. باعتبارها أكبر دولة من حيث البصمة في القطب الشمالي، فإن روسيا تريد إيجاد سبل لتعزيز التعاون في مجال البحث العلمي، والبحث والإنقاذ، وحماية البيئة، والاستغلال المنطقي للموارد، وفي حين أن هناك دائماً احتمال نشوب صراع في الشمال،  فإنه يبدو أن هناك فرصة دائمة للتعاون في هذه المرحلة.

كان هناك أيضاً تقدمٌ بشأن تحديد الأسلحة الإستراتيجية مع التوقيع على اتفاق ستارت (2)، وبعض المناقشات في الحد الأدنى من إمكانية متابعة المحادثات الإستراتيجية التي تهدف إلى مواصلة خفض مستوى الأسلحة النووية—على افتراض أن مسألة الدفاع الصاروخي في أوروبا المعقدة يمكن حلها.

المفتاح هو إيجاد مناطق جديدة حيث يمكن أن يكون هناك مزيداً من النشاط التعاوني للحد من إمكانية الانجراف نحو سيناريو الـحرب الباردة.

لدينا هنا بعض النقاط التي يمكن أخذها بعين الاعتبار:

•
إجراء لقاءات قيادة رفيعة المستوى: بالإضافة إلى الاتصال المنتظم بين وزيري الخارجية كيريولافروف، ينبغي أن تكون الأولوية للاتصالات الأخرى على المستوى الأعلى. ومع مستشار الأمنالقومي الجديد، السفير لدى الأمم المتحدة، والقائد الأعلى لعمليات حلف شمال الأطلسي، ورئيس لجنةالعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لدى الولايات المتحدة العديد من الشخصيات الذين يمتلكونصفات ليتشاركوا مع نظرائهم الروس.
•
استكشاف المسار الثاني للمشاركة: استخدام المحافل الدبلوماسية غير الحكومية من أجل الانخراطمع روسيا يمكنه أن يكون واعداً جداً. العمل من قبل السناتور سام نان ومبادرة التهديد النووي هو مثالجيد، ولكن هناك العديد من الأكاديميات وخيارات مراكز البحوث يمكن اكتشافها. فكرة إضافية واحدة قدتكون الشراكة في المناقشات بين مراكز البحوث مع قادة عسكريين وسياسيين رفيعي المستوى من أجلخلق توصيات تكتيكية لعمليات حفظ السلام المشتركة والإغاثة في حالات الكوارث.
•
إنشاء مراكز تبادل البيانات المشتركة: يمكن لهذا المساعدة في إرخاء المناقشات وتأمين المتابعةالتي تنطوي على الدفاع الصاروخي في أوروبا من خلال بناء المواقع المادية والمأهولة بشكل مشترك،بحيث يمكن أن يحدث رصد للمواقع ومعلومات للرادار، والذي سيساعد بدوره على بناء الثقة.
•
البحث عن التعاون الاقتصادي: تمتلك روسيا اقتصاداً كبيراً قائماً على النفط والغاز، وهو من بينالاقتصادات العشرة الأوائل في العالم. حالياً لدينا تعاون اقتصادي قليل نسبياً نتيجة مجموعة متنوعةمن الأسباب، وكثير منها سياسي. استكشاف فرص للاستثمار المشترك، وربما في القطب الشمالي، قديكون وسيلةً لإيجاد منطقة جديدة من التعاون. وهذا يتطلب تخفيف العقوبات في الولايات المتحدة وتوجهأفضل في موقف روسيا نحو سيادة القانون.
•
تبادل المعلومات الاستخباراتية والمعلومات على نحو أكمل: دورة الألعاب الأولمبية الشتوية قابقوسين أو أدنى، هناك العديد من الحالات على مستوى العالم حيث يكون فيها مصلحةً مشتركة لروسياوللولايات المتحدة كي يتبادلوا ما يعرفوه. يمكن أن تكون سوتشي اختباراً لبعض من هذا، وهو الذييحدث بالفعل في بعض الحالات وليس على نطاق واسع.
•
سورية وايران: في حين أنه ليس هناك توافق كامل في أي سيناريو، هناك على حد سواء تحد وفرصةمحتملة من حيث دعم المعايير الدولية. في سورية، العمل من قبل المجتمع الدولي لإزالة الأسلحةالكيميائية هي نقطة انطلاق للاتفاق، والتي يمكن البناء عليها في الجولة الثانية في جنيف.
بالنسبة لإيران، نحن بحاجة إلى دعم روسيا للتوصل إلى اتفاق يجمد على الأقل برنامج الأسلحة النووية الإيرانيةويفككه في نهاية المطاف. ستكون مثل هذه المسائل صعبة، ولكنها على أقل تقدير تستحق الدراسة.

كل هذا سيكون تحدياً، خاصة بالنسبة للبعض من الجانبين في العلاقة الأمريكية الروسية الذين يؤيدون الموقف المتشدد. سيكون من السهل بصراحة الانحراف عن الـحرب الباردة الحالية والعودة إلى الأيام القاتمة من الحرب الباردة الطويلة. وقد قال الكاتب الروسي الشهير ايفان تورجنيف "بأن الظروف تحدد لنا، وهي تجبرنا على طريق واحد أو آخر، وبعد ذلك يعاقبوننا عليه". المسار للولايات المتحدة وروسيا هو التغلب على ظروف الخلافات لإيجاد طريق لعلاقات أفضل من خلال مناطق محددة للتعاون—الاعتراف دائماً بوجود مناطق لا نرى من خلالها الأشياء بنفس الطريقة. 

مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية

 د. بسام أبو عبد الله