دام برس:

الغاية من مشاركتنا في جنيف 1 و 2 و 3 كانت وستبقى إنهاء الأزمة السورية بحثا عن سلام يساعد في بناء سوريا الجديدة.

سوريا بعقلها الراجح وقلبها الكبير وديبلوماسيتها الهادئة، ذهبت الى جنيف لأسباب مشرفة وليس خضوعاً او خوفاً او تزلفاً وليس دفاعاً عن أخطاء لم ترتكبها، كما يحلو للبعض أن يتّهمها. والمعارك التي يخوضها جيشها الوطني لم تكن لتحصل لولا أن حلفاً غير مقدس قد جرّها اليها لتدميرالبلاد وتهجير العباد... لذا سوريا ذهبت الى جنيف 1  وشاركت في جنيف 2 وقد تشارك في جنيف 3 إذا توفّرت له اسباب النجاح، لتُسمع العالم صوت سوريا ويشاهد أفعال "الجاهـلـية"...

سوريا ذهبت الى جنيف وقد تذهب الى اخر الدنيا :

•
لتخففّ من عذاب شعبها المشرّد وتعيده معززّاً مكرّماً الى  بيته والى عشيرته.
•
نزولاً عند رغبة الدول الكبرى، ويا ليتها كانت تجاوباً مع تمنيات الأشقاء العرب.                                                                                       
•
طلباً لحلٍ يحمي الوطن من التقسيم الذي طالما حلم به كافة الأعداء وبعض الأشقاء.
•
حقناً لدماء زكية تهدرعبثاً للشباب السوري ومع الأسف للشباب العربي أيضا.
•
حفاظاً على نهج صهر سوريا حول الايمان بالعلمانية الدينية وتناسي الطائفـية .
•
تأكيداً لاستعدادها تطبيق وعودٍ الحرية والديموقراطية والمساواة لكافة المواطنين.
•
طلباً من الدول الراعـية للمجموعات المسلحة بوقف التمويل والتسليح والتدريب...
"وبعض" الطرف الاخر المعارض ذهب الى جنيف 2 :

•
منتظرا من الوفد الوطني السوري أن يقدّم له على طبق من فضة ما لم يتمكّن المسلّحون من انتزاعه بالقوّة.               
وبعض الأطراف الاخرى المعارضة التي لم تذهب الى جنيف 2 :

•
لأنها ربطت مشاركتها بشرط أن يحمل الوفد الوطني السوري صفة « لجنة تسليم واستلام » للسلطة.
•
سمعاً وطاعة لتوجيهات "الأخ الأكبر" الذي يحتفظ بمشاركتهم لمستقبل الأيام التي يُعدّها لها جاهداً.
•
لأنها تعرف مسبقا أن سويسرا سترفض اعطائا م تأشيرة الدخول لأنها لا تحمل وثيقة "لا حكم عليه."
•
لآنها لا تـتـقـن سوى لغة البغضاء وتـتـمتع بالقتل والسحل والذبح وتقطيع الآوصال وأكل قلوب البشر.
•
لأن بعض هذه المعارضة لا يتورّع عن تغيير الولاءات حسب توجّه الرياح... والمصالحات الحالية خير دليل...
•
لأن بعض المعارضة خسرت الداخل السوري ولم تربح الخارج النفطي... وندمت ساعة مندم لأن "الراعي" نسي دعوتها.
وذهبت سوريا الدولة والمؤسسات، سوريا الشعب والجيش الى جنيف 2 بقيادة شيخ الدبلوماسية والمعلم وليد المعلم مدعوما بوفد قوامه رجال دولة وسيدات وطن نحترم ونؤيد ونعتزّ به وبنشاطه وغيرته، فقد أعطى للإعلام العالمي صورة مشرقة واقعية عن سوريا، مستغلاً كل مناسبة ليُسمع صوتا صارخا بالحق منددّا بالباطل وبِلغة يتقنها الغرب. كلمة للتاريخ لا بدّ من ذكرها : " لا أحد في العالم، سيّد كيـري، لا أحد في العالم له الحق بإضفاء الشرعية أوعزلها او منحها الى رئيس أو حكومة أو دستور أو قانون إلاّ السوريون أنفسهم... " وقد جاء في الإنجيل : "من له أذنان سامعتان فليسمع" يا سيد كيـري...

وأمام وفدنا السوري المميّز شاهدنا وفداّ هشاً مؤلفاً من مجموعة غير متجانسة ردّدت طوال أيام المؤتمر معزوفة مملّة لقّنهم اياها سفيرسابق في سوريا قبل أن تبعده الأحداث :

"جئنا الى جنيف منتظرين من التظام السوري التوقيع على انتقال السلطة وعلى تشكيل حكومة انتقالية تنفيذا لمقررات جنيف 1 ..."

ولكثرة ما ترددت هذه الأسطوانة على المسامع ملّ منها الإعلاميون والشعب ونعتوا ممثلي المعارضة  بِ "البارانويا". وحين بيّن الوفد السوري للجميع أن تشكيل الحكومة الإنتقالية هو البند الثامن من اتفاقية مؤتمر جنيف 1 وبندها الأول يبحث في كيفية ايقاف المعارك وانهاء المظاهر المسلحة على أرض الوطن، فهم الإعلاميون ـ ذوي النوايا الحسنة ـ دواعي إصرار المعارضين على الإنتقال فورا الى البند الثامن كما عرفوا أن الإئتلاف لا يتمتّع باية سلطة على المجموعات المسلحة المحاربة وليس بامكانه ايقاف الأعمال الحربية أو السيطرة على المجموعات المسلحة.                                 

بعد أشهر طويلة من المشاورات واللقاءات والضغوط، ذهبت بعض المعارضة الى ضفاف بحيرة الليمان، للقاء وفد الدولة بحثا عن حلّ يعيد الوطن الى ميناء الأمن والأمان، ذهبنا كلنا كَ سوريين دولة ومعارضة... لكن الطريق لم تكن معبّدة، لذا افترقنا بجفاء دون أن نتصافح، امام اربعين دولة مشاركة في المؤتمر وتحت أنظارالعالم المحدق بالتلفاز... لماذا فشلنا ؟...

لأن "الأخ الأكبر" أحد راعيي المؤتمر كان يريد للمؤتمر أن يفشل، ولتبيان صحة هذا القول هذه بعض الوقائع :

•
كان اتفاق راعيي المؤتمر دعوة ثلاثين دولة للمشاركة... وفجأة اضاف الأخ الأكبرعشر دول مؤيدة للمعارضة !
•
أمين عام الأمم المتحدة ارسل دعوة لِ ايران للمشاركة في المؤتمر ثم سحب الدعوة بإيعاز من "ضميره الحي !"
•
طائرة الوفد السوري توقفت في اثينا خمس ساعات لأن سلطات أميركا عفوا اليونان رفضت  تزويدها بالوقود !
•
كان الإتفاق أن يتم التركيزعلى محاربة الإرهاب وإذا بأحد الراعيين يطالب بتسليم السلطة وتشكيل حكوة انتقالية !
وهنا التساؤل : هل هذه الأمور حصلت صدفة أم ان النوايا الحسنة عفى عنها الزمن واحترام المنطق أصبح للضعيف فقط ؟ المهم فشل المؤتمر وعاد الوفد السوري الى سوريا وعاد اعضاء المعارضة الى تركيا وفرنسا ولندن والرياض والدوحة...

لقد قرأت للوزير وليد المعلم الرجل الطيب، كلمة حقّ موجهة للشعب الطيب :

"انا خجول لأننا بحـثـنا الأن فقط ما سبق واتـفـقـنا عليه في جـنيف 1 "

وبعد النتائج الهزيلة لمؤتمرٍ طال انتظاره، جاء القرار الروسي بدعوة رئيس الإئتلاف الى موسكو سعياً لما فيه خير سوريا والسلام الأهلي على أرضها... في حين فوجىء العالم بقرار الراعي الأميركي للمؤتمر بمتابعة تسليح المعارضة... وقد جاء قبل ايام على صفحات  موقع دام برس النبأ التالي :

"...وأفادت شبكة الوحدة الإخبارية الأردنية نقلا عن مصادر أردنية أن طائرة أمريكية محملة "بالأسلحة الفتاكة" وصلت إلى مطار المفرق لصالح العصابات الإرهابية المسلحة في سورية لافتة إلى "تخريج فوج جديد من المسلحين من نزلاء مخيم الزعتري للمهجرين السوريين بلغ عدد افراده 1500 ممن تم تدريبهم على القتال واستخدام الأسلحة للانضمام إلى ما يقارب 50 ألفا آخرين موجودين حالياً في سورية".

وتعطلتْ لغة الكلام بين الوفدين السوريين، نتيجة رغبة جاهلية الأقربين ومصلحة الغرب المنافق والسعيد ان معامل السلاح لن تتعطّل عن انتاج ادوات الموت والدمار... وانطلقتْ لغة السلاح تحصد الأرواح وتحرق البلاد وتغتالالعباد دون بارقة امل في حلّ منتظر... وهنا اقترح الوسيط الأممي السيد الأخضر الإبراهيمي العودة الى ضفاف بحيرة الليمان في سويسرا. وافقتْ بعض معارضة اسطمبول إذ أنها اعتبرت وجودها في المؤتمر مكسباًكبيراً، في حين تباطأت الموافقة السورية لأنها تفضّل أن ترى أمامها معارضة سورية ممثلة للجميع وقرارها في يدها و ليس في العواصم الممولة الداعمة. 

من المعلوم أن الإنتخابات الرئاسية في سوريا على الأبواب وستجري تحت رقابة أممية صارمة. والإدارة راعية الإئتلاف، تعرف أن نتائجها محسومة مقدماً لصالح الرئيس بشارالأسد، يكفي التطلع الى المصالحات ونتائج ما يحصل على الأرض. فأخذت تسابق الزمن، عساها تجد بين المعارضات ـ على تعدادها ـ مرشح إجماع أو شخصية مقبولة من مختلف التشكيلات، بمقدورها استقطاب أكثرية سورية تأهّله لاستلام زمام الدولة وإيقاف نزيف الدم...

وسوريا العارفة بِ باطنية القوى الغربية، التي تعلن ما لا تضمر، تتخوّف من مخططات تُبحث فى الغرف المظلمة، لتجديد شباب سايكس بيكو أو مؤتمر يالطا، بعد ان تبدّلت موازين القوى، بريطانيا العظمى لم تعد عظمى وفرنسا بونابارت صارت صوت الأخ الأكبر... وخوفا من هكذا مخطط لتفتيت بلاد الشام، على كل السوريين ـ دولة ومعارضة ـ أن يتنبهوا ويوحّدوا كلمتهم حفاظاً على وحدة الشعب والوطن، خاصة وأن المعارضة واقعة تحتسيطرة "الحلف غير المقدس" الداعم لها، من دول خليج الجاهلية واتباعهم الى تركيا الحالمة بالعثمانية الى أحفاد المستعمرين القدامى منهم والجدد.                     

برهان جديد على النوايا الظلامية نجده في ما جاء على لسان السيد كمال اللبواني، وهو عضو في الإئتلاف، في لقاء مع السيد فيصل القاسم على قناة الجزيرة، قال: يريد الأميركيون اعترافنا بأن "الشعب السوري متعدّد" وقددخلوا علينا بقضية "الأكراد" وهي قضية حق، لكن ليشرّعوا "دويلة" علوية ودويلات أخرى في سوريا... لذا من المنطق أن نقول :

لنذهبنّ كلنا الى جنيف 3  لنتسامح ونتصالح فنعيد بناء سوريا الجديدة وتبقى سوريا " قلب العروبة النابض"...

لنذهبنّ كلنا الى جنيف 3 كي لا يلقي التاريخ علينا لعنة ابدية، ويردّد صداها البعيد والقريب، الصديق والعدو...

لنذهبنّ كلنا الى جنيف 3  كي يترحم علينا احفادنا ويتلون في بيوت الله الصلاة الربية والفاتحة كي يرحمنا الله...

وفي حال فشل المؤتمر أو فشّله ذوو النوايا الظلامية، لنذهبنّ جميعنا ـ حكومة ومعارضة ـ الى مطار واحد ونركب جنبا الى جنب، في طائرة واحدة ونسمع صوت المضيفة يصدح مغرداً : الخطوط الجوية السورية ترحبّ بكم وترجو ربط الأحزمة،

" سنهبط في مطار دمشق الدولي "

حيث قررنا أن نتصافح ونتسامح و نعمل على بناء سوريا الجديدة...

الهمّ حققّ حلمنا كي تبقى سوريا عيونها خضر...

شكرا لكم جميعا والسلام عليكم.

 فؤاد عزيز قسيس