دام برس :

يقتحم الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الحدود المقدونية اليونانية، في خطوات حثيثة منهم للوصول إلى أوروبا الغربية، وفي وسائل الإعلام تأكيدات على إن معظم هؤلاء المهاجرين من سوريا، ولا يخجل التلفزيون الألماني من صناعة مادة إعلامية عن هروب أحد قادة المسلحين من المعارك في سوريا، وكله طموح أن يخظى برتبة لاجئ في هولندا، وإن كانت حكومة سلوفاكيا ترفض استقبال اللاجئين من غير المسيحيين في أراضيها في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، فإن الحديث عن لعب الأتراك بورقة ترحيل هؤلاء المهاجرين من دول أوروبا إلى اراضيها مقابل منح دول الاتحاد الأوروبي للمواطن التركي حق دخول أراضيها بدون فيزا، يوضح كيفية تعامل المجتمع الدولي مع الإنسان السوري.

وفي الوقت الذي تناقش فيه دول أوروبا الهجرة غير الشرعية بشكل جدي كواحد من الأسباب الموجبة لإيجاد حل للأزمة السورية خشية من تبعيات هذه الهجرة على تركيبة المجتمعات الأوروبية واقتصادياتها، فإن خطر تسلل الجهاديين إلى الدول الأوروبية ضمن قوارب هؤلاء المهاجرين خطر أكبر، فما أعلنت عنه الحكومة الإسبانية من كون مهاجم قطار تاليس هو مغربي عائد من سوريا، يؤكد على إن ارتداد الجهاديين إلى أوروبا لتنفيذ عمليات يسميها تنظيم داعش بعمليات (الذئاب المنفردة) هو واحد من الأسباب القوية التي سترغم الدول الأوروبية على الضغط على الشريك الأمريكي لنقاش حل جدي للأزمة السورية انطلاقا من الحرب على داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، وهذه الحرب لن تكون منتجة بشكل حقيقي إلا إذا كانت بالتنسيق مع الدولة السورية التي تمتلك كماً هائلاً من المعلومات نتج عن طول حربها مع الميليشيات المسلحة المتعددة الانتماءات.

ولأن الحرب على الإرهاب ملف لا يرضي الكيان الإسرائيلي وحلفاءه الإقليميين خاصة في الخليج، كان من الطبيعي جداً أن تقوم حكومة الاحتلال بافتعال سبب لتنفيذ اعتداء على الأراضي السورية، لم تتوقع حكومة تل أبيب أن الجيش السوري حاضر للرد عليه بشكل مباشر، فبرغم محاولة الميليشيات المسلحة التقدم للسيطرة على النقاط العسكرية السورية تحت الغطاء الجوي من مروحيات العدو، إلا أن الرد السوري الذي أجبر المروحيات على الانسحاب هو ذاته الرد الذي أحبط الهجوم الميليشياوي موقعاً عدد كبير من المسلحين قتلى ومصابين، لتبقى خطوط التماس غرب دمشق، على حالها، مع انكشاف النوايا الإسرائيلية على المستوى السياسي والعسكري.

فالكيان حاول اللعب بورقة الفصائل الفلسطينية وإطلاق الصواريخ عليه من الأراضي السورية لتوجيه رسالة للميليشيات بأنه مازال قادرا على دعمها والتدخل وقت اللزوم لإنقاذ هذه الميليشيات، كما إنه يحاول الضغط على أمريكا وأوروبا لكسب تعهد من الحكومة الإيرانية بوقف دعم فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي الرسائل الإسرائيلية إيضاً، أن على الدول الساعية لحل في سوريا أن تضمن عدم وجود أي من الفصائل الفلسطينية أو حزب الله في المنطقة الفاصلة لشريط الفصل، لكن الرد الأمريكي كان من خلال تضمين تحذير السفارة الأمريكية في تل أبيب لمواطنيها بعدم التوجه إلى الجولان، إشارة إلى أن الجولان أرض محتلة من قبل إسرائيل، وهذا التضمين يعتبر رد أمريكي على الرسالة الإسرائيلية الساعية لإبقاء الفوضى في سوريا والاعتراف الدولي باحتلال الكيان الإسرائيلي للجولان، ومفاد هذا الرد، إن الضرورات القاضية بإيجاد حل من سوريا قد تغير الخطاب الأمريكي تجاه تل أبيب، فقواعد الاشتباك السياسي والميداني تغيرات في الشرق الأوسط، ويجب إيجاد حلول للأزمة السورية والوضع الأمني في العراق، والعلاقة المتوتر مع إيران، ليكون الشرق الاوسط منطقة هادئة، والتمدد الروسي نحو المياه الدافئة بقاعدة عسكرية جديدة، سيوسع قاعدة الحرب الباردة الجديدة، بين روسيا وأمريكا، لكن هذه الحرب لن تكون محصورة في سابق تسلح بين قطبي السياسة العالمية.

فمن قواعد الحرب الباردة الجديدة الانتشار العسكري في خارج الدول أكثر، والذهاب نحو كسب حلفاء جدد، وتسليح الحلفاء الحاليين بأحدث التقنيات بما يضمن توازن القوى في الشرق الأوسط، وضمن هذا تحضر صفقة الميغ 31 وأسلحة أخرى لسوريا، وS-300 لإيران، مع دفع روسي للحكومة المصرية نحو مغازلة الحكومة السورية والبحث عن إعادة العلاقة، وضمن هذه الأجواء يحضر الروس بشكل عملي لمؤتمر موسكو3، والذي سيكون حضور الائتلاف والإخوان وجماعة القاهرة فيه، انعكاس للتحول في مواقف مشغلي هذه القوى فيما يخص الأزمة السورية، وبالتالي سيكون الذهاب نحو الحل السوري متسارع بشكل دراماتيكي، وسيمنح موسكو 3 الفرصة أمام تشكل التحالف الدولي الذي طرحه الرئيس الروسي ضد الإرهاب، ومن هذا المنطلق، كان إلزام الأمريكيين للنظام التركي بعدم شن عمليات منفردة ضد داعش، وإذا ما تم الأمر، فإن أوروبا ستنظر إلى سوريا وإيران وحزب الله كشريك في الحرب على الإرهاب، فالروس سيعتمدون بشكل اساسي في تحالفهم على القوات السورية والمقاومة اللبنانية للمواجهة الميدانية البرية مع الإرهاب، وبالتالي سيخلق المناخ السياسي المناسب لحل الأزمة السورية سياسياً، وإذا ما ثبت لدمشق حسن النوايا الأوروبية من التوجه نحو حل سياسي ومحاربة للإرهاب بعد التخلي عن ازدواجية المعايير الأوروبية فيما يخص الأزمة، فإن استفادة الاوروبيين ستكون أكبر، إذ إنها ستجد حلا لإنهاء ملف الهجرة غير الشرعية واستقبال اللاجئين من سوريا، وسيكون أمامهم الفرصة للحصول على معلومات أمنية من دمشق يمكن أن تساعد على الكشف عن أوكار الذئاب المنفردة، وتتجنب دول الاتحاد الأوروبية، الهزات الإرهابية التي قد تطيح بالحكومات الحالية.

عربي برس - محمود عبد اللطيف