دام برس :
تصر المملكة السعودية على شخصنة موقفها من الأزمة السورية، وعلى مايبدو فإن التوجهات الأمريكية نحو تبديل السيناريو فيما يخص التعامل مع دمشق بات يرعب أسرة آل سعود التي تحاول ألا تخرج خالية الوفاض من الأزمة بعد كل ما أنفقته من مال في تمويل المعارضات السياسية والميليشيات المسلحة بما في ذلك جبهة النصرة، كما إن خفض أسعار النفط عبر ممارستها الضغوط داخل منظمة أوبك كان بتوجيه أمريكي لتحقيق أكبر ضغط اقتصادي ممكن على من الحكومتين الإيرانية والروسية لتبديل مواقفها من الأزمة السورية، وحكومة دمشق، لذا كان من الطبيعي أن تتجه حكومة آل سعود نحو البحث عن مواقف دولية داعمة لرأيها في ضرورة أن يتنحى الرئيس السوري بشار الأسد وفرض واقع سياسي جديد على سوريا يتناسب و الرأي السعودي.
ومرد السبب في توجه السعوديين نحو أوروبا للبحث عن هذا الدعم بكون المملكة أعجز من أن تخرج عن النص الأمريكي، فثمة دور مطلوب من السعوديين في المرحلة الحالية يجب تنفيذه، ومن لندن يبدأ وزير الخارجية السعودية جولته، فبريطانيا حينما كانت "عظمى" كان لها الفضل الأكبر في خلق الفكر الوهابي من خلال دعم الدينية المطلقة في المملكة وكلاهما مجرد أدوات. محمد بن عبد الوهاب لإيجاد الشرخ بين العرب من بوابة التطرف الديني، ولبريطانيا أيضاً يعود الفضل بتزاوج فكر آل سعود وآل الشيخ لتأسيس المملكة، فكان لسلالة "بن سعود" الحكم في المملكة و لسلالة "بن عبد الوهاب" السلطة.
للسعوديين أسبابهم في شخصنة موقفهم من الأزمة السورية، فالرئيس الأسد حافظ على نهج كانت السعودية تعانده منذ البداية، فالسعوديون تاريخياً ميالين إلى التعاون المطيع مع أمريكا، والمرن جداً مع إسرائيل، فالكيان أمر واقع ولابد من التعامل معه وفق وجهة نظر آل سعود، ولعل الخلاف السوري السعودي حيال التعامل مع أمريكا بدء منذ اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي لبيروت خلال الثمانينات من القرن الماضي، وتوالت الأزمات الدبلوماسية بين دمشق والرياض وصولاً إلى القطيعة نتيجة لمواقف آل سعود الداعمة للإرهاب في سوريا، ومسألة تنحي الأسد أولوية لدى السعوديين لكونه يشكل حالياً رأس حربة في المواجهة مع إسرائيل من خلال التحالف مع إيران وحزب الله، وترى السعودية إنه من الضروري إنهاء القضية الفلسطينية بما يضمن "حسن الجوار" مع إسرائيل لتفعيل التعامل التجاري مع الكيان الإسرائيلي، ولا يقبل المنطق القول بأن السعودية دولة مؤثرة، وذلك بطبيعة إن أسرة آل سعود تقوم بما يطلب منها في أي من الملفات العربية، وإن كانت لدى السعوديين أي رغبات فعليهم أن يطوعوها ضمن الإطار العام للتوجهات الأمريكية، وبالحديث عن رغبات الأخيرة يحضر ملف أمن إسرائيل أولاً، وما يفرضه هذا الملف من أولويات يأتي في رأس قائمة الأهداف الأمريكية، وعلى ذلك يعتبر بقاء الأسد في منصبه كرئيس لسوريا رقم صعب في المعادلة السورية، وبكون الولايات المتحدة الأمريكية تتملك اليوم القدرة على المناورة لتبديل السيناريو إلا أنها ترغب بالإبقاء على بعض أوراقها قيد الفاعلية من خلال تحريك آل سعود في عدة ملفات، وعلى ذلك تبنى نتيجة إن آل سعود بتوجههم إلى الأوروبيين لخلق نوع من الضغوط على واشنطن هو بدفع أمريكي بحت، بمعنى إن أمريكا تحاول الدخول إلى "التفاوض" مع الحكومة السورية على إنهاء الإرهاب في سوريا من خلال بعض الاوراق التي منها "ضغوط حلفاء واشنطن"، أي إن واشنطن ستضع على الطاولة عدة مطالب بحجة إنها مطالب شركاء واشنطن ومصالحهم وعلى الدولة السورية أن تقدم بعض المرونة في هذه المطالب، واللافت إن واشنطن تدرك تماماً معنى كلمة "السيادة السورية" بالنسبة لدمشق.
السعوديون في شخصنتهم للأزمة السورية يحاولون لعب الدور القذر المسند إليهم من قبل الحكومة الأمريكية بتفعيل إعلامي لمصلطح "الخلاف الطائفي" بين الحكومتين، لتظهر الازمة على إنها خلاف إيدلوجي أصلاً بين سوريا والسعودية، وللحقيقة فإن هذا الخلاف الإيدولوجي موجود ولكن بخلاف ما تصوره وسائل الإعلام العالمي، بمعنى إن إيدولوجيا دمشق في التعامل مع الشأن الخارجي تعتمد فلسطين بوصلة للسياسية، وفي حين إن النظام السياسي في سوريا هو نظام علماني يفرق بعقلانية بين السياسة والدين، فلا تديّن السياسة ولا يسيس الدين، في حين أن السعودية تمتلك إيدلوجيا التكفير على المستوى الداخلي والخارجي، وترفض التعامل مع الآخر دون مباركة من أمريكا، ومن مصلحة السعودية تصوير الخلاف مع سوريا على إنه خلاف يرقى لمستوى صراع طائفي، لتكون إيران "حليفة سوريا" متهمة من قبل الرأي العام العربي، وهذا ما يخدم المصلحة السعودية في إرضاء الإدارة الأمريكية و الكيان الإسرائيلي.
لكن هل تنتهي الأزمة السورية بتنحي الرئيس الأسد عن منصبه، خاصة وإنه – الأسد- أكد في غير مرة إنه لا يتمسك بمنصب بقدر ما يتمسك بسيادة دولة، وبكون الفهم الاستراتيجي لدى سوريا يدرك إن المستهدف من الأزمة السورية هو وجود سوريا كدولة، فإن مقاومة المشروع التكفيري نهج تتمسك به دمشق لتبقى البوصلة فلسطين، ومن هذا المنطلق يحاول السعوديون أن يمثلوا دورهم في السيناريو الأمريكي الجديد في التعامل مع سوريا بحرفة، والبداية طبعاً من بريطانيا التي كانت يوماً "عظمى".
عربي برس - محمود عبد اللطيف
