دام برس - خاص:

بعد الممارسات الوحشية التي تمارسها الجماعات الإسلامية المتشددة في سوريا، والتي تعيث بالأرض فساداً كيفما حلت وأينما ارتحلت، اضطرت مجموعة كبيرة من الأهالي أن تغادر بيوتها قسراً هرباً من بطش داعش والنصرة وأخواتها، واللجوء إلى بلدان أخرى والعيش في مخيمات أبعد ما تكون عن الإنسانية.

صحفية فايننشال تايمز البريطانية نشرت تحقيقاً عن المعاناة التي تعيشها الفتيات السوريات القاصرات دون ثمانية عشرة عاماً، والمآسي التي تعانيها في المناطق التي تخضع تحت سيطرة المجموعات الإسلامية المتشددة، وتروي الصحيفة قصة فاطمة ابنة الثلاثة عشر عاماً وهي واحدة من آلاف الفتيات اللاتي استطعن الهروب بأعجوبة مع عائلاتهم إلى ملاذ آمن منطقة هرباً من حالات الإعدام الجماعي والاغتصاب القسري الذي كانت تتعرضن له.
وتقول الصحفية في تقريرها بأنها ليست المرة الأولى التي تُضبط بها مثل هذه الحالات ضمن الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتتحدث عن الحالات الصعبة التي تعيشها الفتيات السوريات اللاتي في عمر فاطمة في مخيمات اللاجئين، من حالات الاكتئاب والانتحار وإيذاء النفس، والاضطرابات العقلية التي تصبهن جراء الضغط النفسي الذي تعشنه.
وتصف فايننشال تايمز الوضع المأساوي للاجئين في المخيمات، فالناس في حاجة ماسة للمأوى والغذاء، و المعدلات تشير بأن هناك أكثر من خمسة آلاف نازح سيتوافد يومياً إذا ما استمر الوضع سوءاً، وهي نتيجة ساحقة على حد قول الصحيفة.
فاطمة وأمها وجدتا الامل في مركز دعم المرأة تديره لجنة الإنقاذ الدولية، ويعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1933 على يد العالم "آلبرت إينشتاين" بهدف إنقاذ الأسر الألمانية التي تواجه الاضطهاد النازي، وينشط هذا المركز في أكثر من ثلاثين دولة انطلاقاً من ميانمار إلى زيمبابوي، وتعمل على إنشاء عيادات صحية للمرضى على المدى الطويل.
وفي عام 2014 قدمت هذه الجمعية المساعدات لحوالي 15 مليون شخص حول العالم من بينهم 4 ملايين شخص سوري.
وتقول فاطمة التي تظهر العلامات السوداء تحت عينيها بتأثير الإرهاق النفسي الذي تعيشه ،أنها تستمع يومياً إلى أصوات الزوجات ليلاً وهم يبكون في المخيمات بسبب التعذيب والضرب الذي تتلقينه من أزواجهم دون تدخل أحد وأن معظم أعمارهن تحت 14 عاماً.
مع الفرص الضئيلة لإكمال تعليمهم من الممكن للعديد من الفتيات اللاجئات أن يفقدن مستقبلهن، ولكي لا يبقوا عالة على أهاليهم الفقراء يتم موافقة الأهل على زواجهم المبكر في سن 12 و13 عاماً، وبحسب عمال الإغاثة فإن هذا سيزيد من احتماليات الوقوع في أحداث غير أخلاقية كالدعارة على سبيل المثال.
وتقول والدة فاطمة بأن المركز يقدم الكثير من الخدمات ويدعم الأسر الموجودة في المخيمات باستمرار، إضافةً إلى المعالجة النفسية التي تتلقاها الفتيات من مركز العناية النفسية، والتي ساعدت كثيراً في دعم معنوياتهم بعد أن كانوا على مشارف الانتحار وعاشوا الكثير من حالات الاكتئاب.
ويملك المركز أكثر من ثلاثين مركز نسائي تنتشر في مخيمات اللاجئين في شمال سوريا والبلدان المجاورة، ومن أبرز أهدافها إيجاد استقرار طويل الأمد للاجئين السوريين وخلق جو اجتماعي مناسب بعيد عن العنف والتحرش والاضطهاد الذي لاقوه في مناطق الصراع بين المجموعات المقاتلة في سوريا، وتأتي هذه الخطوة بعد أن أعلنت الأمم المتحدة أنها ستُخفّض القسائم الغذائية للاجئين السوريين إلى 1.7 مليون دولار بسبب نقص التمويل.
وعملت لجنة الإنقاذ الدولية مع ما يقارب من اثنان وثلاثين ألفا من اللاجئات السوريات، وتعمل على التهيئة النفسية للقاصرات ومحاولة توعية الأهل حول مخاطر الزواج المبكرة، ولكن كانت تذهب جل هذه المحاولات سدى، وفاطمة أكبر مثال عندما تزوجت بابن عمها الذي يكبرها بثلاثة عشر عاماً تحت ضغط والدها بذريعة أنها تسبب له أعباءً مادية من الصعب أن يتحملها في ظل الضيق الذي يعيشه.
وتتابع الصحيفة بقولها إنه من المستحيل أن تتوقف الزيجات المبكرة، خصوصاً بأن الأمر كان يعتبر شائعاً في بعض المناطق الريفية في سوريا، ولكن على الأقل كان الأهل ينتظرون حتى تنتهي بناتهم من تعليمهم المدرسي، أما الآن مع عدم وجود مدارس أصبح أمر الزواج كالسلعة التجارية لمن يدفع مهراً أكثر وبثمن بخس من بعض الأثرياء من دول الخليج وتركيا والأردن.
مراسلة الصحيفة هبة دخلت أحد المخيمات الموجودة في تركيا بلباس شرعي كامل معرضةً حياتها للخطر، ووثقت العديد من الحالات هناك حيث سمعت بكاء النساء وأصوات ضرب الرجال لزوجاتهم لأسباب تافهة لا يصدقها العقل، وأغلب ممن يتعرضون للتعنيف في سن أربعة عشر عاماً فما دون ويعاملون على أنهم بالغات سن الرشد.
المخيف في الأمر كما تقول المراسلة هبة أن بعض النساء أو الفتيات لا تعرف ما هو وضعها القانوني فيما إذا كانت متزوجة أم لا، فالكثير منهم يُجر إلى ممارسة الدعارة تحت تأثير المال من أثرياء دول الخليج ورجال الأعمال، فيذهبون إلى بيوت مستأجرة ثم يعودون بعد بضعة ساعات إلى المخيم وعليهم آثار تعذيب وضرب.
وفي النهاية تعد لجنة الإنقاذ الدولية حالياً دراسات وتوصيات شاملة عما شاهدته وأحصته في المخيمات التي زارتها في لبنان والأردن وتركيا، وتقوم برفعها إلى هيئة حقوق الإنسان للبت فيها.

ترجمة وإعداد: وسيم قشلان