دام برس – بلال سليطين :
في 21 آذار 2011 اجتمعت أم غياث مع أبنائها "حسام، ماجد، حسن" وصنعت من أجلهم أشهى الأطعمة التي يحبونها، ومن ثم ودعتهم إلى جبهات القتال كلٌ حسب موقعه في الجيش العربي السوري.
لم يعد الأبناء إلى أمهم مجتمعين بعدها ولم يلتقوا مع بعضهم في بيتها، كان آخر اجتماع للعائلة في ذلك اليوم قبل أن تقطف الحرب الأبناء من هذه الأم الصامدة واحداً تلو الآخر حتى باتت أماً لثلاثة شهداء وجريح.
تستذكر أم الشهداء في حديثها مع "دام برس" ذلك اليوم من الماضي وتقول:لقد بات تاريخاً لهذه العائلة ماقبله ليس كما بعده، هو يوم لا ينسى اجتمعوا فيه إلى جانبي في عيدي وقدموا لي هدية جميلة تعزف موسيقى أستمع إليها وأرى وجوههم النيرة من خلال مقطوعاتها.
أم غياث التي استضافتنا بمناسبة عيد الأم أطلت علينا بوجه مبتسم وعينان ملؤهما الكبرياء والنور المشع أملاً بغد أفضل لكل السوريين.
تتحدث أم الشهداء لدام برس عن اللحظات التي رافقت تلقيها أنباء استشهداء أبنائها الثلاثة:كنت في مستشفى تشرين أزور ولدي علاء المصاب وخلال الزيارة اتصلت مع ولدي الثاني الرائد حسام واطمئنيت عليه، وعدت للبيت في السادسة مساءً بعد أن قال لي ولدي الجريح سوريا تستحق شهيدا وكان يقصد ذاته.
لكن الشهيد الذي قطفته الحرب كان "حسام علي محمد"، تقول "أم غياث":بينما كنت أحمد الله على صحة علاء وسلامته جاء نبأ استشهاد حسام صرخت بأعلى صوتي منادية باسمه لكنه لم يكن ليسمع، حملت صورة ابنته وقلت لها خسرنا والدك ياحفيدتي الجميلة.
تركت أم حسام بيتها في حي القدم الدمشقي وذهبت إلى قريتها "وادي القلع" لتدفن نجلها ومن ثم عادت لتجد بيتها وقد أحرقه المسلحون بشكل كامل، لم يبق من البيت شيء، أحرق بما فيه من ذكريات وما جمعته العائلة من مدخرات وأثاث، وباتت العائلة بلا منزل لتغادر الشام مكرهةً.
حسام كان أول شهداء العائلة، بعد فترة قصيرة لحق به "ماجد علي محمد" ومن ثم "حسن علي محمد" تقول: هؤلاء الأبناء لا ينتسون، كل يوم أكلمهم وأحدثهم عن الوطن وإلى أين وصلت الأمور والنصر المنتظرعلى الإرهاب والظلام والتكفير.
الشهيد الرائد حسام كان محبوب أمه التي تقول إنها لطالما اشتاقت له خلال دراسته العسكرية في اليونان، وتصفه بأنه كان أملها وقد خسرته سورية كما خسرته أمه.
بينما كان الشهيد النقيب "حسن علي محمد" فرحة أمه وصاحب أجواء المرح في المنزل، حيث ماتزال الأم تذكره وهو يلاعبها ويتجاهل أسئلتها عن الحرب والأمور العسكرية ويفضل التكتم عليها والانتقال لأحاديث المرح.
أما الشهيد م1 ماجد فتصفه والدته بجميل القلب والروح صاحب الإطلاة البهية، وتقول:كنت أعتمد عليه في كل شيء، كما أنني لطالما أعجبت بشجاعته وشهامته ومازلت.
أم غياث الفخورة جداً بأبنائها ترى أنهم أعزوها في حياتهم وباستشهادهم، وتضيف:لم يعز الله أماً أكثر مني بهؤلاء الأبناء الصالحين المناضلين، حزينة جداً على فراقهم، لكني قوية مؤمنة بالنصر ولي الفخر بأنهم أبنائي وأنهم الأبطال الذين دافعوا عن الوطن.
أبناء أم غياث كانوا مكافحين من أبناء الطبقة الفقيرة ينتظرون فصل الصيف لكي يعملوا فيه ويؤمنوا دخلهم بينما يعودون بالشتاء إلى المدرسة، وعندما كبروا وباتوا ضباطاً في الجيش السوري لبوا النداء على الفور.
كلمة "ست الحبايب" التي كان الشهيد يقولها لأمه تساوي عندها كل الدنيا ومافيها، وفرحة أم غياث حسب وصفها تكمل باجتماع أبنائها، وتحمد الله أنها اجتمعت بهم في العام 2011 في يوم عيدها.
تأمل أم الشهداء مع دخول الحرب عامها السادس أن يزهر الوطن سلاماً في نيسان القادم وهو الشهر الذي ولد فيه نجلها حسام، وتشير إلى أنها لا تكره ولا تحقد على أحد.