دام برس ـ سهى سليمان ـ طرطوس

هو ذا المكان نفسه الذي منحني الله تلك الـ "هبة" أن أكون أمّاً دون أن يرزقني الله بأي مولود، وفي تلك "الغواصة" التي داومت على وضع "ابنة أختي" فيها مرات عدّة وبانتظام، وفي تلك الغرفة التي سهرت فيها ساعات متواصلة أراقب نبضها وبكائها وطريقة نومها واستيقاظها... وعندما تأزم وضعها الصحي كذبت على أمها وقلت إن "الطفلة بخير"، حادثتها طويلاً: (هل ستذكرينني عندما تكبرين، وهل ستعرفين أني رافقتك لمدة 7 أيام متواصلة، وأني بكيت لصراخك ولألمك، وأني كنت قوية لأجلك؟ حتى وُلدت مرة أخرى عندما أجري لكِ "تبديل دم")، حينها جاءت أمها وسلّمت لها الأمانة ووضعت طفلتها بين أيديها.
كثيرة هي الأرحام العقيمة، لكن الخير والحبّ يولد من رحم القلوب، والأمّ ليست من أنجبت، بل من اعتنت وربت وحضنت.
اليوم أعود لذلك المكان لأزوره بمهمة إنسانية قبل أن تكون مهمة صحفية، وأشكر مؤسسة "دام برس" الإعلامية التي سنحت لي الفرصة أن أشارك فرحة الأمهات، وأن أسمع نبض الحياة مع أطفال لم يتجاوز عمرهم أياماً.
مؤسسة "دام برس" الإعلامية زارت "الحواضن" في قسم الأطفال بمشفى الباسل في مدينة طرطوس، لتشارك فرحة الأمهات بعيدهم وتقول لهم "كل عام وأنتم فرح الحياة".

المولود الأول... "حلا" سعادة العمر

بجملة "شايفتا ومو مصدقة" عبّرت السيدة سناء يوسف من صافيتا عن فرحتها بقدوم مولودها الأولى "حلا" بنت عمرها خمسة أيام، تعاني من ارتفاع نسبة اليرقان، لكن الأمل كبير بأنها ستخرج من المشفى بكامل عافيتها.
وتمنت السيدة سناء أن يمنح الله الأطفال لكل من يريد، فهم زينة الحياة الدنيا، ولولاهم لا فرحة في هذا الوجود، مؤكدة أن مولودها الأول منحها أن تكون أمّاً وسترعاها بكل ما تستطيع من جهد ومحبة وعطف.

"ماسة" لؤلؤة في أيدي عمتها الأمينة

وحين انتقالنا إلى غرفة أخرى وجدنا سيدة وحيدة بدون مولود، اعتقدنا للوهلة الأولى أن لا سمح الله أن تكون قد فقدته، لكن الحمد الله كان المولود بنتاً اسمها "ماسة" عمرها يوم واحد وقد وضعت في "الغواصة" بهدف خفض نسبة اليرقان، والأجمل من ذلك أن تلك السيدة التي ترافقها هي عمتها، السيدة نسرين شداد.
وتحدثت السيدة نسرين أن الأمّ في المنزل بسبب وضعها الصحي الذي لا يسمح لها بتواجدها في المشفى، مؤكدة أنها بمثابة الأم لها، وهي سعيدة جداً بالعناية بها.

"حسن": اسم على مسمى، فليحفظه الربّ

أما الأمّ رنين يوسف عيشة من الصفصافة رزقها الله بمولودها الثاني وأسمته "حسن"، ولديها مولود آخر "بنت"، أكدت أن لا تفرقة بين الأولاد صبي وبنت جميعهم مثل بعضهم.
ونوهت بأن الأطفال عندما يكبرون يحنّون على الأهل، ويرعوهم ويهتمون بهم، فكما نعطيهم الآن ونعمل على تربيتهم ونبذل ما بوسعنا لتنشئتهم يردّون لنا الجميل والمعروف عند الكبر، وهذه سنة الكون.

جميعهم مثل العسل على قلب أهلهم

الطفلة "بتول" عمرها 19 يوماً تعاني من بعض الأمراض الصدرية و"الكريب" نتمنى لها الشفاء العاجل والعودة إلى منزلها بكل خير وسلام.
والدة الطفلة السيدة أفراح حبابة من تلكلخ قالت إن بتول هي المولود الرابع لها، وأن جميعهم غاليين على قلبها، ولا يمكن أن تفرق بين ولد وآخر، لكنها أوضحت أنه عند المرض من الطبيعي الاهتمام بطفل عن الآخر حتى يتماثل إلى الشفاء.

الحياة مستمرة رغم الموت...

السيدة عائدة الحسين خليل من محافظة إدلب، قدمت إلى طرطوس بسبب الأحداث في مدينتها، وهي سعيدة بوجودها بين أهلها، حيث أرسلت معايدة لكل الأمهات متمنية لهم الصحة والعافية.
وذكرت السيدة عائدة أن الله رزقها بثلاثة أطفال، لكن توفي إحداها "بنت"، وهي الآن لديها صبي وبنت، وتحمد الله على هذه النعمة، مشيرة إلى أن ابنتها عمرها ثمانية أيام، وتتمنى أن يحفظ لها أولادها ويديم عليهم الصحة والعافية، موجهة معايدة لجميع الأمهات بمناسبة عيد الأمّ.

"جوري": ودرة تفتحت في منزل والديها

العناية بالطفل شيء جميل وممتع جداً، وتشعرك بأنك قريب منك ويعطيك فرحة كبيرة، هذا ما شدّدت عليه السيدة أروى عيسى من القدموس، خالة المولودة "جوري"، موضحة أن والدة الطفلة ليست بصحة جيدة ولا يمكنها المجيء والتواجد معها.
وعبّرت عن سعادتها بوجودها مع "ابنة أختها" لتعتني بها وتعطف وتحنّ عليها في مرضها، موجهة معايدة لكلّ الأمهات اللواتي يضحين في سبيل تربية أولادهن، وأن الأمّ هي كلّ شيء في الحياة بقلبها الصافي ونبع الحنان الذي لا ينضب.

الأمّ... وسادة تزهر حبّ وأقاح

الأم هي الذات الملائكية، والروح النقية، عرق الأرض الطيبة، الوسادة التي لا يصيبها اليباس، هي سرّ البهجة ومطلع الفجر بصدقه وعطاءه، ترتيلة الصباح، دواء الجراح، والوشم الذي لا يؤلم مهما حفرته عميقاً في جسدك.
في الختام نشكر الكادر الطبي والإداري في "الحواضن" ـ قسم الأطفال بمشفى الباسل بمدينة طرطوس على اهتمامهم ورعايتهم بالأطفال حديثي الولادة، كما تتوجه مؤسسة "دام برس" الإعلامية بالمعايدة لجميع الأمهات، ونقف بخشوع وصمت أمام أمهات الشهداء، متمنين من الله تعالى أن يمدّهم بالصبر والسلوان وأن يرحم أبناءهم ويسكنهم الله فسيح جنانه.
"الأمّ... طيب من الجنّة"...