Logo Dampress

آخر تحديث : الاثنين 10 حزيران 2024   الساعة 14:19:40
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
سيناريوهات الأزمة الروسية وتأثيراتها المحتملة على مصر .. بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي
دام برس : دام برس | سيناريوهات الأزمة الروسية وتأثيراتها المحتملة على مصر .. بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي

دام برس:
إن الموقف الروسي حيال الأزمة الأوكرانية يقلق الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية، مما جعل الغرب يشحذ كل طاقاته في سبيل الحفاظ على مصالحه في هذه الدولة الواقعة على حدود روسيا، وفي الوقت الذي تحاصر فيه القوات الروسية قواعد عسكرية أوكرانية في شبه جزيرة القرم، رفع الجيش الأوكراني حالة التأهب الى أعلى درجة، الأمر الذي يثير مخاوف من إندلاع نزاع مسلح في أي لحظة.
تحولت اوكرانيا خلال الأيام الأخيرة الى مركز للإستقطاب الدولي وساحة نزاع بين روسيا والغرب، بحيث بات خطر الإنقسام یخیّم على هذا البلد، خصوصاً بعد أن طلب الجزء القریب من الحدود الروسية، تدخل موسكو، فیما طلب الجزء المحاذي لأوروبا، مساعدة مالیة من الغرب لتحسين أوضاعه الإقتصادية وتسديد مديونته لروسيا، وما سيدفع بروسيا للتدخل في المناطق الشرقية هو المكانة الخاصة التي تحظى بها منطقة القرم وتأثيراتها على مستقبل أوكرانيا، وكذلك الفوضى وأعمال العنف التي تقوم بها جماعات مسلحة دخلت الى المنطقة بدعم من الغرب الذي يعرف مدى أهمية المنطقة بالنسبة لموسكو، لإستغلالها كورقة ضغط عليها.
في سياق ذلك يبدو أن الأزمة الأوكرانية ستكون بؤرة تكسير العظام بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وستدفع الجانبين إلى إستخدام حلفاء كل طرف ضد الآخر، حيث يحاول باراك أوباما إثبات أن الدب الروسي إنتهى إلى الأبد، بينما يؤكد فلاديمير بوتين أن روسيا عائدة من جديد للمسرح العالمي، إذ إعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما إن روسيا هي "في الجانب الخطأ من التاريخ" في الأزمة الأوكرانية، مؤكداً إن موقف المجتمع الدولي موحد لرفض تدخل موسكو في شؤون كييف، وقال أوباما للصحافيين في مستهل لقائه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض إن ثمة إجماعاً على أن روسيا إنتهكت القانون الدولي في أوكرانيا.
وفي إيماءة تهدف إلى الإعراب عن مدى غضبه بشأن مسار الأحداث الحالية، وجه أوباما تحذيراً عنيفاً إلى موسكو من عواقب أي عمل عدائي في أوكرانيا، إذ أعلن مع دول حليفة بأنه مستعد للذهاب إلى أقصى مدى لعزل روسيا سياسياً وإقتصادياً، كما أكد إنه سيؤجل مشاركته المقررة في الإجتماعات التحضيرية لقمة مجموعة الثماني المقرر أن تعقد في يونيو المقبل في مدينة سوتشي جنوب روسيا.
وبموازاة ذلك قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جنيفر بساكي إن الولايات المتحدة تدرس "مجموعة واسعة من العقوبات" التي يمكن أن تفرضها على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا، وفي السياق ذاته أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين نظيريه الأميركي باراك أوباما والفرنسي فرنسوا هولاند أن روسيا ستحمي مصالحها ومصالح الناطقين بالروسية في أوكرانيا، إذا انتقل العنف إلى مناطقها الشرقية.
وفي الوقت نفسه إختار الغرب أوكرانيا لتفجير القنبلة الناعمة بوجه روسيا، لإنها على حد تعبير بريجنسكي :" المفتاح للسيطرة على روسيا إما لتفكيكيها أو لتطويعها" ، ومقابل ذلك فإن الروس لا يخشون تورط الغرب في صراع عسكري معهم، لأن أوكرانيا ليست دولة من دول حلف الناتو كي يجد الغربيون أنفسهم مضطرين إلى الدفاع عنها، كما أن الصراع العسكري مع روسيا ليس صراعاً عسكرياً مع العراق أو أفغانستان، فروسيا دولة عظمى وليس من مصلحة الغرب التورط في أي نزاع عسكري معها، هذه الحقيقة جعلت الروس لا يترددون في إستخدام القوة والتلويح بها أمام الناتو، فهي لا تخشى ردة فعل مماثلة من الغرب، وفي هذا الإطار سيستخدم الغرب وسائل الترغيب والترهيب غير العسكرية ضد روسيا من أجل إيجاد حلول سلميّة للمأزق الأوكراني قبل تفاقم الموقف وحصول المضاعفات.

فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن المفاوضات السلمية بين الأطراف إن لم تسفر عن حل ووفاق مناسب بين الطرفين، فقد تؤول الأمور إلى تقسيم أوكرانيا إلى مناطق تتمتع بحكم ذاتي كبير الصلاحية أو إلى انفصال كامل لمناطق أو أقاليم كإقليم القرم الذي ربما يلتحق بالوطن الأم روسيا ليضمن السلامة والأمان، وبالتالي لن تكون عمليّة التقسيم سلسة وسهلة، إنما ستكون معقدة وصعبة بسبب التداخل الإجتماعي وإمتزاج الأقليات، كما ستكون متوازية مع شد سياسي وعدم إستقرار بين الروس والغرب وهذا يعيد الى الأذهان أيام الحرب الباردة من جديد بين الطرفين.
وهنا يمكنني القول إن الصراع الدائر بین المعسکرین الشرقي والغربي في أوکرانیا، ینذر بنشوب حرب طاحنة،  فنجاح الغرب بالمجيء بحکم موال له في کییف، یدفع روسیا الى التحرك السريع لمنع إقتراب الغرب من حدودها، خصوصاً وهي تعلم أن أمريكا والإتحاد الأوروبي یتطلعون الى الشرق منذ أمد طویل، كما ان أمریکا تبحث لها عن ورقة أمنیة وسیاسیة في أوکرانیا لتستخدمها للضغط في القضایا الخلافیة ربما قد تکون الأزمة السوریة والملف النووي الإيراني أحدها، وهذا ما دفع بأوباما الى توجيه تحذيراته لروسیا من عواقب تدخلها في أوکرانیا، خصوصاً وأن موسكو أعربت عن قلقها البالغ من التطورات الحاصلة في هذا الإقليم، وبالنتيجة إن هذا البلد لن يشهد إستقراراً في المستقبل القريب على الأقل، بسبب تشابك  قضية مكونات المجتمع الأوكراني، فمنطقة القرم بشرق البلاد تسكنها نسبة عالية من ذوي الأصول الروسية، اي إن سكان تلك المناطق سيصوتون لصالح الإنفصال والإنضمام الى روسيا، وهو ما لاحت بوادره مؤخراً من خلال رفع العلم الروسي على مبنى البرلمان في كريمة، ناهيك عن إن روسيا ستتدخل حتماً في هذا البلد، لمنع الناتو من التدخل في أوكرانيا والإقتراب من حدود روسيا، التي تعتبرها موسكو خطأ أحمر وجرس إنذار لا يمكن المساس به.

وفي ضوء إحتمال توقيع عقوبات من قبل أكبر 10 إقتصادات في العالم على روسيا، تتزايد المخاوف الإقتصادية وخاصة بعد إعلان  وزير الخارجية الأمريكي ، أن بلاده ترغب في درس عقوبات على موسكو، كما أن الرئيس باراك أوباما "يدرس حاليا كل الخيارات، وعلى هذا الاحتمال أن لا يغادر أذهان المسؤولين الروس الذي يفحصون حالياً بكل جدية التداعيات الإقتصادية لتحركاتهم العسكرية والسياسية، بعد أن أصبحت روسيا مرتبطة بالإقتصاد العالمي أكثر مما كانت عليه قبل 10 سنوات فنصف تجارتها الآن أصبحت مع دول الإتحاد الأوروبي، كما أنها تعيش على الواردات الأوروبية التي تملأ رفوف البضاعة التي إعتاد مواطنوها عليها.
وحول إنعكاسات تطورات الأمور في أوكرانيا على مصر، فإن روسيا  ستنشغل عن مد مصر بالأسلحة وعن السياسة المصرية مؤقتا ً لكن ليس إستراتيجياً  بمعنى أن روسيا قد تستخدم مصر كورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة إخراجها من المحور الأمريكي، لذلك يجب على مصر أن تستغل هذه الفرصة وتحاول الخروج عن دائرة السيطرة الأمريكية بتقاربها مع روسيا، و أن نجاح ذلك سيعتمد على رغبة الإدارة المصرية في الخروج من العباءة الأمريكية، كما يجب على مصر أن تستغل الأزمة الأوكرانية للتقارب مع روسيا بالقيام بزيارات وتوقيع مزيد من الإتفاقيات على كافة المستويات، كما أن أمريكا ستكون مشغولة بأوكرانيا و لن يكون لديها فرصة للضغط على مصر، فتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية دفعت أسواق المال العربية والعالمية للهبوط الجماعي بضغط من مخاوف المستثمرين بشأن إندلاع حرب وهو ما إنعكس جلياً على أداء المؤشرات الرئيسية للأسواق الخليجية والسوق المصرية بالتحديد والتي نزفت نقاطها خلال جلسة التداول.
وأخيراً ربما يمكنني القول إن أوكرانيا تدفع اليوم ثمن التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، إذ أصبحت ساحة جديدة للصراع الشرقي-الغربي، صراع من الممكن أن يحرق هذا البلد ويمزقه، وليس سراً على أحد أن الناتو يحاول جر دول أوروبا الشرقية إلى مستنقعه، في حين تحاول روسيا الحفاظ على أمنها القومي، فالسيناريو الذي حدث في الدول العربية يتكرر الآن في روسيا، لكن ربما بأدوات مشابهة وليست نفسها، وبالتالي إن المنطقة مقبلة على شبه حرب باردة روسية -أمريكية ستُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة الإقتصادية والدبلوماسية والأمنية، والمؤكد أن الخاسر الأكبر في مثل هذه الحرب ستكون شعوب المنطقة.
Khaym1979@yahoo.com

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz