Logo Dampress

آخر تحديث : الاثنين 10 حزيران 2024   الساعة 00:06:55
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
عندما تكون مصر في أحضان أفريقيا ! بقلم: الدكتور خيام مجمد الزعبي
دام برس : دام برس | عندما تكون مصر في أحضان أفريقيا ! بقلم: الدكتور خيام مجمد الزعبي

دام برس:
لعبت مصر ومازالت تلعب دوراً مهماً فى ضبط التوازن بين دول القارة الأفريقية وأقاليمها وبين القوى المختلفة فى العالم، فضلاً عن دورها فى دعم جهود الإصلاح السياسي والإقتصادي فى القارة، ولا شك أن الحركة الواعية للدبلوماسية المصرية التي تقودها مصر الآن تعيد للأذهان العصر الذهبي للعلاقات المصرية الأفريقية خلال الحقبة الناصرية.
لو تتبعنا دور مصر في أفريقيا خلال العقود الماضية نجد أن الدور المصري تميز بالإعتدال والعقلانية في التصدي لمواجهة القضايا الإفريقية، مما جعل مصر طرفاً مقبولاً كوسيط إقليمي من جانب العديد من أطراف النزاعات، فضلاً عن الجهود الدبلوماسية النشطة والمكثفة التي بذلتها الدبلوماسية المصرية خلال جلسات وزراء خارجية منظمة الوحدة الأفريقية، إذ أسهمت في تهدئة الخلافات وحل العديد من النزاعات، منها أزمة النزاع بين موريتانيا والسنغال، ومشكلة النزاع بين تشاد وليبيا وغيرها من النزاعات التي نشبت داخل دول القارة.

والواقع أن الإجماع الأفريقي على الإشادة بفاعلية الدور المصري تجاه القارة، هو محصلة لتراكمات تاريخية لممارسات الدبلوماسية المصرية في أفريقيا منذ أن بدأت ثورة 23 يوليو 1952 بزعامة جمال عبد الناصر، والتي تؤصل الإنتماء المصري لأفريقيا، وتوضع أسس الإستراتيجية السياسية المصرية تجاه القارة، إنطلاقاً من حقائق التاريخ والجغرافيا السياسية، وإستهدافاً لتحقيق مصالح الأمن القومي المصري، التي تتمحور أساساً حول تأمين مياه نهر النيل الذي يمثل الحقيقة الأولى لوجود مصر.
وفي إطار ذلك كان هناك شبه إجماع على أن أفريقيا تخسر كثيراً من بقاء مصر خارج الإتحاد الأفريقي، وفي الآونة الأخيرة تبنت قمة الكوميسا مقترحاً مصرياً بالإجماع يدعو الإتحاد الأفريقي بإعادة نشاط مصر بأسرع وقت، وهو يمثل تطوراً كبيراً في موقف الدول الأفريقية، وبناءاً على ذلك أكد رئيس نيجيريا أن مصر مفتاح أفريقيا وبوابتها الشمالية، ومن غير المعقول بقاءها خارج الإتحاد، فهناك الكثير يمكن تحقيقه للمصالح المشتركة بين البلدين، وأشار الى أن هناك موافقة على أن تستضيف مصر ترويكا التجمعات الإقتصادية الثلاث "الكوميسا، والسادك وشرق إفريقيا"، التي تركز على البعد التجاري والإقتصادي وإهتمام مصر بإفريقيا.
ولعل الجولات الأفريقية التي يقوم بها وزير الخارجية المصري تعبر عن نقلة نوعية فى حركة مصر الخارجية إذ تنطلق من إطار رؤية إستراتيجية واضحة تستهدف إعادة مصر لموقعها الطبيعي فى قلب الفضاء الأفريقي، وإعادة تموضع الدور المصري فى أفريقيا فى ضوء المكانة المتقدمة التي تحظى بها العلاقات مع أفريقيا فى سلم أولويات السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 30 يونيو، وأهم ما يميز الجولة الأفريقية الحالية هو أمران أساسيان:  أولهما أنها تعبر عن فكر جديد تستند عليه الدبلوماسية المصرية فى تعاملها مع أفريقيا، أما الأمر الآخر فهو يرتبط بتوقيتها، فالملاحظ أنها جاءت عقب زيارة وزير الدفاع ووزير خارجيته لروسيا، وهو ما يعنى فتح آفاق جديدة فى دوائر الحركة الخارجية لمصر وخروجها من التبعية الأمريكية والغربية، كما أن الجولة جاءت أيضاً فى عقب التعنت الأثيوبي فى المفاوضات الخاصة بسد النهضة، وبالتالي أرى أن هناك إرتباطاً بين زيارة روسيا وفشل المفاوضات مع أثيوبيا، فالرسالة الحقيقية التي توجهها صفقة الأسلحة الروسية لمصر هي أن القاهرة أصبح لديها القدرة على المناورة الإستراتيجية، ولاسيما فى مواجهة أي دولة تحاول النيل من الأمن القومي لمصر.
والمتأمل في علاقات مصر بأفريقيا يدرك أنها تتأرجح صعوداً عندما تقوى مصر داخلياً، وهبوطاً عندما تضعف، ودلالة ذلك في مقارنة مصر في المرحلة الناصرية، ومصر في المرحلة الحالية، وهنا فإن الحديث عن تطوير هذه العلاقات وتنميتها يظل رهناً بالمتغيرات الداخلية وإنعكاساتها الخارجية، وتنامي قوة مصر لتنعكس في النهاية علي تقوية العلاقات بينها وبين دول القارة.
ولعل نقطة البداية الصحيحة عند صياغة أي توجه إستراتيجي مصري جديد تجاه أفريقيا تتمثل في التركيز والتأكيد على أولوية العلاقة وحسم قضية الإنتماء والوجه الأفريقي لمصر، وقد أحسن دستور الثورة صنعاً عندما حسم تلك القضية، ولعل صعود كل من مصر وأفريقيا يقتضي ضرورة تبني مفاهيم وأطر غير تقليدية ملائمة للعلاقة بين الطرفين، إذ تؤكد معاني الشراكة، وهو ما يتجاوز رومانسية الخطاب التاريخي ولغة الإبتزاز السياسي التي حكمت العلاقة لفترة طويلة من الزمن والتي إنعكست سلباً على كافة الأطراف في المنطقة.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن نجاح ثورة يناير يمثل فرصة مناسبة لإستعادة مصر دورها الإقليمي والدولي على كافة المستويات المختلفة، فالقيم والمثل (الحقوق المدنية والكرامة الإنسانية) التي قامت ونادت بها الثورة المصرية أعطت دفعة هائلة للقوة الناعمة المصرية لتكون عنوان المرحلة الجديدة للدور المصري، فضلاً عن الأدوات الصلبة التي تمكّن مصر من التفاعل مع محيطها الإقليمي، وبالتالي فإن قيام مصر بدور خارجي فاعل في القارة الأفريقية في المرحلة القادمة لا ينفصل عن الشأن الداخلي المصري، وصياغة نظام سياسي ديمقراطي، بحيث يكون نموذجاً ملهماً ومؤثراً لباقي دول القارة.
وفي سياق متصل يمكن القول إن الشعوب الأفريقية والعربية يملكون العديد من الإمكانات والثروات التي يمكن أن تسهم فى دفع عجلة التنمية فى المستقبل القريب إذا أحسن تنظيمها وإستغلالها على الوجه الأمثل ولكن ذلك يتطلب من القادة الأفارقة والعرب تهيئة الرأي العام لديهم، لتقبل هذه المفاهيم إجتماعياً وسياسياً لذلك يجب على القيادة السياسية فى مصر أن تكون في وضع المتأهب لكل الإحتمالات، في المرحلة المقبلة، ومتابعة كل ما يستجد من أحداث على الساحة الأفريقية، ويجب أن تلعب السياسة الخارجية المصرية بالتنسيق مع السودان وكل الدول العربية الأخرى  دور حيوي ومحوري فى إعادة بناء العلاقات العربية الأفريقية على صعيد كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وتفعيل الحوارات بين الدول العربية وتوحيد المواقف إتجاه القضايا التي تهم المنطقتين العربية والإفريقية، وموازاة ذلك  لعل مبادئ الإحترام والشراكة والربح المشترك سوف تجد الدعم والمساندة من قبل الأفارقة لأن المصالح الإقتصادية والأمنية هي أكثر ضماناً لإستمرار العلاقات المصرية الإفريقية مقارنة بالدافع الإنساني أو دبلوماسية الأزمة على فترات متقطعة من الزمن.
في إطار ما ذُكر فإنني أرى إن التغيير الأكبر والمتوقع بعد الزيارات المكوكية التي قامت بها وزارة الخارجية المصرية هو موافقة جنوب أفريقيا على عودة مصر إلى الإتحاد الأفريقي ومجلس الأمن والسلم، وإستعادة القاهرة لدورها الطبيعي فى المنظمات والإتحادات الأفريقية، والعودة من جديد إلى مرحلة التنافس السياسي الشريف، وبالمقابل تتطلع الشعوب الأفريقية لدور مصري فعال فى الدفاع عن مصالح هذه الشعوب فى مواجهتها للإستثمارات الأجنبية فى شرق أفريقيا التي تمثل إستعمار جديد لآراضي القارة والإستثمارات الغربية فى أقاليم القارة المختلفة والنفوذ الصيني المتصاعد فى القارة.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن مصر ستظل دائماً في طليعة العمل المشترك من أجل تحقيق السلام والإستقرار في القارة الأفريقية، فذلك لا يرجع فقط للإعتبارات التاريخية إنما يرجع أيضاً للعقيدة المصرية الراسخة التي تؤمن بالمصير المشترك لجميع شعوب القارة على جميع المستويات المختلفة.
Khaym1979@yahoo.com

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz