Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 08 حزيران 2024   الساعة 23:54:14
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام؟ الحلقة العاشرة.. بقلم: عبد الحق العاني
دام برس : دام برس | هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام؟  الحلقة العاشرة.. بقلم: عبد الحق العاني

دام برس:

لا بد أن نذكر أنفسنا أن هدف الكتابة في هذا الموضوع هو محاولة معرفة أصل ثقافة القتل في الإسلام، كيف نشأت وكيف تمكنت من عقول المسلمين حتى أصبح من المقبول أن يقف خطيب المسجد ليحدث الناس عن مجد القتل في سبيل الله كما يدعي. وقد تقودنا معرفة هذه الحقائق إلى إعادة النظر في ثقافتنا الموروثة من أجل تصحيح فهم التأريخ... ذلك لأنه بدون ذلك لن يكون لنا موقع قدم في العالم وسوف نبقى في موقعنا حين يسير الأخرون قدماً إن لم نقل نرجع للخلف وهذا هو عين التخلف!
وقد إنتهينا في الحلقة السابقة الى حقيقة بروز طبقة ممن سموا فقهاء كتبوا في أمور الدنيا أكثر من أمور الدين لكنهم تمكنوا من الهيمنة على عقول الناس واسترهبوهم حتى أنه لم يجرؤ مسلم أن يسأل في أمر لم يقره أولئك الفقهاء خوفاً من أن يتهم بالزندقة أو الكفر... وهذا يفسر سبب تخلف العقل الإسلامي عن إنتاج أي فكر مستقل. فرغم أن المسلمين قدموا الكثير في مجالات الطب والعلم خصوصاً في الرياضيات والبصريات إلا أنه لم يخرج من بين المسلمين فكر فلسفي يمكن أن يوضع في مصاف الفلسفات التي أنتجتها شعوب الأرض قبل الإسلام أو بعده. وهذا لم يكن لأن العرب لا يحسنون التفكر وتقليب الأمر، فقد أجادوا في دراسة الفكر الفلسفي اليوناني وشرحوه وعلقوا عليه مطولاً. وقد فعلوا أكثر من ذلك في أنهم حفظوا للبشرية التراث الفلسفي اليوناني ذلك أن الترجمة العربية لذلك التراث هي التي حفظته من الضياع وحين عادت أوربا بعد النهضة لدراسة الفكر اليوناني فإنها اعتمدت النص العربي مرجعاً أصيلاً لفهمه. فمساهمة العربي في شرح الفكر اليوناني والتعليق عليه مؤشر جيد على إمكانية العقل الإسلامي العربي على تقليب الأمور إلا أن سطوة الفقه واستبداد الفقهاء في أنهم أعلم بأمر السماء من غيرهم حجمت بل وأرعبت الناس من الخوض في الفلسفة، وهي أم العلوم، فلم يولد عن الإسلام فيلسوف واحد بفكر عربي إسلامي أصيل.
وتطاول الفقهاء على العبارة القرآنية فاستعملوها كما يشاؤون. فغدا الفتح الرباني غزواً عسكرياً وتمجيداً للقتل والسلب والإغتصاب... وغدا الجهاد يعني حمل السلاح، وكأنهم لم يقرؤا قوله (ص) عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وحين سئل وما الجهاد الأكبر يا رسول الله قال هو جهاد النفس! وغدت الشريعة التي وضعوها هم لخدمة سياسة الدولة أمراً من الله تعالى. وأضحت الوراثة قاعدة الحكم الإسلامي رغم أنهم ما انفكوا يؤكدون أن الحكم في الإسلام شورى! فاي شورى اتبعت في الدولة الأموية أو العباسية أو العثمانية؟ وأي مسلم سئل في أي  يوم عن رأيه في الخليفة المتسلط على رأسه؟ وكم فقيه خرج على ولي الأمر المستبد وسأله عن تصرفه بمال المسلمين وجبروته بحق أهل الإسلام قبل أن نسأل عن الفقهاء الذي سألوا ولي الأمر عن حقه في غزو الآخرين من غير العرب في عقر دارهم وقتل رجالهم وسرقة أموالهم وإغتصاب نسائهم؟
فأي أمر إلهي في الكتاب العزيز أجاز للمسلمين سرقة أموال الآخرين؟ فإذا كانوا حملة رسالة إلهية فاي رب أجاز لهم السرقة وهي محرمة منذ الأزل؟ فالسرقة حرام سواءً ارتكبت بحق المؤمن أم بحق الكافر. فكيف أصبحت السرقة تعد غنيمة؟ وكيف أصبح حق المقاتل في درع وفرس غريمه في الحرب يفسر على أنه حق مطلق لسرقة كل ما في البلد المستباح من مال وخيرات فجيء بالذهب والمجوهرات إلى دمشق وبغداد وإسطنبول عدواناً وظلماً؟
بل إن وقاحة بعض أدعياء الفقه تجاوزت هذا لحد أنهم أفتوا بأن أنفس وأموال وأعراض بعض فرق المسلمين المختلفة معهم حلال لهم ولأتباعهم، كما فعل إبن تيمية! فهو الذي أسس لما لحق من ثقافة التكفير والتي سادت مؤخراً لأنه ومن على شاكلته لم يقرؤوا قوله تعالى: "أهم يقسمون رحمة ربك."
ثم استبدوا أبعد من ذلك فقالوا إن باب الإجتهاد أغلق ولم يعد بمقدور أحد أن يجتهد بعدهم... فأغلقوا عقول الناس على أفكار عمرها سبعة قرون. وهل يعقل أن رب العزة الذي حدثنا عن الكون أنه "كل يوم هو في شان" أجاز لهم أن يوقفوه متى شاؤوا؟ ويفسر هذا سبب قناعة بعض الجهلة من "فقهاء" الوهابيين اليوم أن الأرض مسطحة وانها لا تدور وأن الشمس تدخل في بحر القدرة كل ليلة وأن رب العزة ينزل كل ليلة إلى سمائهم التافهة ثم يصعد عند الصبح بعد أن يكتفي ليلاً من وجوهههم البائسة!
ثم إنقضى العصر العباسي وسقطت بغداد بسبب الفساد السياسي الذي أسس له الخليفة الفاسق المعتصم بن هارون الرشيد حين جاء بالترك ليفسدوا في الدولة ويحولوا سامراء إلى مبغى كبير تعبث به الجواري والغلمان! ودخل العرب في غيبوبة دول الطوائف وتوقف الفكر تماماً. ثم طلعت علينا بدعة دولة العثمانيين الجهلة الذي ادعوا حرصهم على الإسلام رغم أنهم لم يعرفوا من الدين إلا إسمه ومن القرآن إلا رسمه.. وقد سبق لي أن كتبت عن قناعتي بان من لا يستعرب لا يمكن له أن يكون مسلماً ذلك لأن الإسلام عربي ومن لا يعرف العربية لا شأن له بالإسلام فهو ليس غطاءً ولا منة بل هو عهد بين الله والعرب كما كانت التوراة عهداً بين الله والعبرانيين.
وأنتج الجهل التركي ظاهرة جديدة في الإسلام فقد اصبح مفتي إسطنبول، وهو خادم الخليفة، أعلى سلطة في الإسلام رغم جهله بالعربية في أغلب الأحيان... فإذا أدركنا أن العقل التركي منذ نشأ حتى اليوم لم يقدم لنا مساهمة واحدة في الفكر الإنساني أو في العلوم عامة ولو من قبيل المقاربة لما قدمته بغداد، فإننا نقدر على أن نفهم ما فعله المفتي العثماني بالإسلام وكيف أنه اصبح أداة للخليفة ليفتي له في فتح أوربا وسرقة مالها وإغتصاب نسائها  والعدوان على المسلمين عامة وفرض اللغة التركية الساذجة والمحدودة المفردات أداة للتعليم... وربما يفهم القارئ ما يشعر به بعض الأوربيين تجاه الإسلام.. وإذا لم يفهم ذلك فليقرأ ما فعله العثمانيون بأهل صربيا وبالأرمن على سبيل المثال دون أن نتوسع.... وحين يفعل ذلك سوف يدرك أن شعور الأوربي نحو الإسلام وما يمثله له أسبابه المسوغة.. فقد أعطى العثمانيون صورة قبيحة للإسلام في غزوهم المستمر لأوربا.. وحتى نفهم كيف تأصلت ثقافة القتل في العصر العثماني يكفي أن نتذكر أن ما من خليفة عثماني إلا وقتل أحد أبنائه أو إخوانه أو أقاربه من أجل تأمين إنتقال للسلطة على وفق ما يرتأيه. فإذا كان الخليفة يجيز باسم الإسلام قتل أهل بيته فكيف حال الغرباء من أهل الأرض على يده؟ 
وحين خفف الله عن العرب في أنه إزاح عنهم الطغيان العثماني فإنهم أكتشفوا أنفسهم في فراغ كامل.. فهم لم يجدوا أنفسهم في فراغ فكري فحسب بل إنهم وجدوا أنفسهم دون لغة ذلك لأن سياسة التتريك، التي إنتهجها "الحريصون" على الإسلام كما ادعوا، خلفت أجيالاً من الأمية بين العرب وأحسن متعلم فيهم كان يجيد فقط اللغة التركية والتي لم تنفع يوماً في شيء. وهناك سببان أبقيا على العربية لا يمكن للمتابع إلا يشهد بفضلهما ولولاهما لضاعت العربية إلى الأبد. أولهما مدارس القرآن في المساجد و"الكتاتيب"، وثانيهما النهضة اللغوية التي أسسها النصارى العرب بشكل عام ونصارى بلاد الشام بشكل خاص. ولعل أحد أسباب ضعف العربية وتفشي العجمة اليوم هو أن تسعين عاماً منذ زوال الحكم العثماني ليست كافية لكي تستعيد فيها العربية عافيتها!
ولعل مما غاب عن أذهان أغلب الناس أن جزيرة العرب لم تشهد أية نهضة منذ إنتهاء دورة الخلفاء الراشدين وإنتقال الخلافة للعراق ثم للشام ثم للعراق...بل إن الحقيقة الأدهى هي أن جزيرة العرب، والتي لم تعرف يوماً بالدولة المحمدية أو البكرية أو العمرية أو العثمانية والتي تسمى اليوم بالمملكة السعودية، دخلت في عصر من التخلف المميت ولم تخرج منه حتى اليوم. وهذا ليس غريباً إذا ما نظرنا نظرة فاحصة لطبيعة الجزيرة وسكانها.
ذلك لأن الأعراب الذين يشكلون أعلى نسبة لسكان جزيرة العرب لم يدخلوا الإسلام صدقاً سوى قليل منهم. وأظهر أكثرهم الإسلام رياءً.. وهذا كان حالهم يوم ظهر بينهم النور المحمدي فكيف حالهم بعد ألف عام؟ ولا أقول هذا متجنياً عليهم وإنما هو فهمي للإرادة الإلهية التي ثبتت في القرآن والحديث. فقد لعن تعالى في كتابه الكريم ثلاث فئات وخصهم بالإسم وهم المشركون والكفار والأعراب! وما إرتفعت اللعنة عن أي منهم. فقال في الأعراب:
" الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "
  
"وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ"
"إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا".
فيكون قد حكم عز وجل بكفر الأعراب ونفاقهم مطلقاً. وحين إستثنى منهم من إستثناه من الكفر والنفاق فإنه إستعمل كلمة "من" وهي للتقليل في قوله:
"وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"
وهكذا يكون حكمه أزلاً ليس فقط في ضلالتهم ولكن في منعهم أن يعرفوا حدود الدين. ولعل من الواجب التوقف عند هذه الحقيقة ذلك لأنه تعالى عرض الإسلام على أهل الكتاب ولم يمنع نبيه الأكرم (ص) أن يحجب عنهم حدود الإسلام لكنه منعه (ص) من أن يطلع الأعراب على حدود الدين. فهل هناك لعنة أكبر من ذلك؟
ولم يرد في السيرة النبوية أن كثيراً من الأعراب أسلموا على يده. بل إن حادثة واحدة رواها أبو هريرة تثبت ما قلته باليقين. فقد روى أبو هريرة في حديث طويل أنه استضاف إعرابياً لثلاثة أيام وحين إنصرف سأله النبي الأكرم (ص) أتعرف من كان ذلك الأعرابي ولما أنكر ابو هريرة معرفته أخبره الرسول الأعظم (ص) أنه كان إبليس جاء ليعلم أبا هريرة القرآن. فاي شاهد أكبر من ذلك أن يظهر تعالى إبليس على شكل إعرابي لكي يعطي الأعراب صفة اللعنة الأبدية؟ وكتب اللغة والأدب تعج بالشواهد على جهل الأعراب بالقرآن أو حتى عدم قراءته، ولا يتسع المكان هنا لذكر تلك الشواهد إنما تغني واحدة منها لدلالة على ذلك. فقد نقل عن الأصمعي أنه قال:
"كنت أقرأ "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم". وكان بجانبي أعرابي فقال: كلام من هذا. فقلت: كلام الله. قال: أعدت فأعدت. فقال" ليس هذا كلام الله. فانتبهت فقرأت "والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم". فقال: أصبت. فقلت: تقرأ القرآن. قال: لا. فقلت: فمن أين علمت؟ فقال: ياهذا عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع."
فهذا مثال من العصر العباسي الذي إنتشر فيه الإسلام لأعرابي يتقن لسان العرب فيصحح بالسليقة لحن أحد علماء العربية في بغداد، لكنه في الوقت نفسه لا يقرأ القرآن.... هكذا كانوا وهكذا ظلوا!
أعرف أن هناك من قد ينتفض ليقول إن ذلك كان في زمن النبي الأكرم (ص) وأن الأعراب دخلوا الإسلام بعد ذلك وصلح إسلامهم ... لكن من يقول قولاً كهذا يصور القرآن وكأنه كتاب تأريخ يحدثنا عن حدث نسخه الزمن ولم يعد له حكم. وهو بهذا أجهل من الجهل! لأن القرآن ليس كتاب تأريخ وما فيه واقع أزلاً وأبداً فمن لعن فيه فهو ملعون أبداً بحكم كون القرآن كلام الله وكلام الله لايقع عليه انتقال ولا حدوث ولا نسخ ولا زوال أثر...وقد كتب على نفسه الرحمة أن يعفو إذا شاء وأن يعذب متى شاء وحين قرر أن الأعراب اشد كفراً ونفاقاً فقد قضى بضلالتهم "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"، ولا مرد لهذا الحكم!
ثم جاءت أول موجة من الإستعمار الأوربي لأرضنا بما عرف لاحقاً بالموجة الصليبية حين استوطن الأوربيون بلاد الشام بحجة أنهم يدافعون عن الصليب. ولم تكن تلك سوى حجة لجأ إليها الكبار والمنتفعون من بابا الفاتيكان إلى أمراء وملوك الدويلات الأوربية. وهي الحجة ذاتها لتي لجأ لها الخلفاء المسلمون والقادة في استباحة الأرض بحجة نشر الإسلام. فإحتلال بلاد الشام من قبل الأوربيين بحجة الدفاع عن الصليب وإستعادة مولد السيد المسيح، وهم لا علاقة لهم به حيث إنه كان وما زال إبننا، لا تختلف كثيراً عن حجة المسلمين لاستباحة إسبانيا بحجة نشر الإسلام! لكن أوربا لم تكن بعد قد وصلت لمرحلة النضج والتطور السياسي والعلمي لكي تتمكن من فرض هيمنتها في عصورها المظلمة فكرياً وإن كان العرب في ذلك الوقت في طريقهم للسقوط الفكري والسياسي كذلك. فانهارت الدولة الأوربية الإستعمارية في أرض العرب وخرجوا منها قبل ان يعودوا بعد قرون لكن بحجة الحضارة والديموقراطية وهي حجج لا تقل ضعفاً عن سابقتها في حماية الصليب.
لكنهم فكروا ملياً هذه المرة وأعدوا لها عدة أصلب في قواعدها.. فقد درسوا الإسلام وعرفوا أثر الفقه في الهيمنة على عقول المسلمين. فوجدوا أن الهيمنة على المنطقة يجب أن تتم من خلال الإسلام وإن التحكم بالإسلام يجب أن يتم من خلال جزيرة العرب حيث يعتقد أغلب المسلمين أنها أرض الوحي ولن يقع فيها خلل. لكن إحتلال جزيرة العرب من قبل الأوربيين النصارى قد يكون من المحرمات التي يصعب تصور وقوعها في القرن الثامن عشر.
إلا أنه لم يغب عن المستشرقين، الذين درسوا الإسلام دراسة أعمق حتى من المسلمين، أن سكان جزيرة العرب من الأعراب هم أقل الناس معرفة وتمسكاً بل حتى إهتماماً بالإسلام. فكان لابد من طريق يمكنهم من الإستحواذ على الأعراب ثم منحهم الدعم لكي يمدوا سيطرتهم على عموم المسلمين. فتفتق الذهن البريطاني عن فكرة قد تكون من أبرع ما جاء به العقل الأوربي لمواجهة الإسلام والعرب خلال ألف عام: فإخترعوا الوهابية!
فجمع المندوب البريطاني في الخليج بين بدوي ساذج يحمل طموح سلطة وبين بدوي لامع يمكن أن يقود فوجدوا في الأول مقدرة واستعداداً بدوياً لعمل أي شيء من أجل السلطة. أما الثاني فقد نقل إلى بريطانيا حيث قضى ست سنوات بين أوكسفورد ولندن وهو يتدرب على أيدي الخبراء الذين لقنوه أمور الدين والدنيا وأعادوه ليعلن صرخته ببعث الإسلام الحنيف مدعياً أنه جاء بالتوحيد لأن الآخرين اشركوا! وليس عسيراً فهم إمكانية أية صرخة في كسب عرب الجزيرة في نهاية القرن الثامن عشر إذا كانت ستبعث فيهم أملاً في الحياة وتعدهم حياة أفضل مما كانوا فيه من البؤس والخيبة...
فشكل المندوب البريطاني حلفاً أصبح من أطول الأحلاف في تأريخ البشرية فقد دام أكثر من مائتي عام، تم بموجبه اقتسام الدولة بين آل سعود لأمور الدنيا وآل الشيخ لأمور الدين. ولم يكن البريطانيون أغبياء ليعتقدوا أن هذا المشروع سيكتسح العالم الإسلامي في غمضة عين لأن الظرف التأريخي لم يكن مهيئاً بعد لقبوله كما ان الدولة العثمانية كانت ما تزال قائمة وقوية بعض الشيء. لكنهم كانوا يخططون للقرون القادمة. ومن أجل ذلك شجعوا أصدقاءهم في القارة الهندية فجاء نفر منهم إلى جزيرة العرب واجتمعوا مع محمد عبد الوهاب ونقلوا عنه المذهب الجديد إلى الشمال الغربي من القارة الهندية حيث ظل المذهب حياً منذ القرن الثامن عشر إلى أن بعث في القرن العشرين حركة طالبان والقاعدة وما شابهها.... وأعتقد أن قليلين من العرب يعرفون هذه الحقيقة عن تفرع الوهابية منذ القرن الثامن عشر لأن البريطانيين حرصوا على جعلها سرية ما أمكن ذلك.
ودعم البريطانيون صنيعتهم الوهابية السعودية بكل ما أمكن في الظرف التأريخي والسياسي القائم. إلا أن حقيقة الفقر القاتل في جزيرة العرب بسبب عدم وجود أي مصدر للمال من تجارة أو صناعة أو ثروة طبيعية أعاق إمكانية الحركة الوهابية من تحقيق تقدم كبير في تنفيذ المشروع الصهيوني القديم الجديد. وتأريخ الحركة الوهابية منذ أسسها البريطانيون حتى إكتشاف النفط موجودة في الكتب وليس في إعادتها اية فائدة. إلا أن إكتشاف النفط غير قواعد اللعبة وأعطاها القوة لكي تتحرك أسرع مما كا يتوقعه خالقوها.
إن ما سأكتب عنه لاحقاً هو دور الحركة الوهابية في بعث ثقافة القتل والتخريب باسم الإسلام منذ إكتشاف النفط وما تزامن مع ذلك من حركات دينية أخرى سنية وشيعية وكيف يعمل كل هذا في حاضر المسلمين اليوم.

وللحديث صلة...
عبد الحق العاني 
www.haqalani.com

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   
المشكلة في الاديان لأنّها عبارة عن ؟؟؟؟؟؟ وإليكم الدليل ....لو افترضنا أنّ لديك شركة وتحتاج لبعض المهندسين فما هي الوثائق المطلوبة ? طبعاً هناك وثائق روتينيّة مثل لا حكم عليه وبعض الطوابع ولكن أهم وثيقة على الاطلاق هي وثيقة شهادة الهندسة .......والآن ماهي الوثيقة اللتي تثبت أنّكَ مؤمناً?إذا كنتَ مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً فأنتَ بحاجة الى وثيقة تثبت ذلك فمن أين ستأتي بهكذا وثيقة?الوثيقة الصحيحة والحقيقية هي تلك المكتوبة بخط وخاتم وتوقيع الرب نفسه .......أمّا الوثائق اللتي يقدّمها رجال الدين /على اختلاف اديانهم / فهي وثائق مزورة وتصلح فقط في سوق ؟؟ حيث المزاودات ؟؟؟ و.... و.....واليكم دليل آخر عن التزوير ...قبل أيام كان هناك مايُسمّى بصلاة الاستسقاء فما اللذي حصل ? لقد نزل الثلج على أمريكا بكثافة شديدة جداً وتعطلت مرافق الحياة أمّا في بريطانيا فهناك الامطار والعواصف واللتي أدّت إلى فياضانات لم تشهدها بريطانيا منذ القرن الثامن عشر ومن المؤكد أنّهم لم يصلّوا صلاة الاستسقاء ....لأنّه كان يجب أن تُقام الصلاة في مرابض الغنم وإليكم مجموعة من الاحاديث ....وردت أحاديث صحيحة في الحث على الصلاة في مرابض الغنم، واختلف العلماء هل الأمر يفيد الوجوب أو أن ذلك سنة مؤكدة أو سنة أو جواز ذلك وقيل أن الصلاة في مرابض الغنم بركة ونهى عن الصلاة في أعطان الابل لأنها مخلوقة من شياطين: 117383 - كان النبي يصلي ، قبل أن يبنى المسجد ، في مرابض الغنم . الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 234 وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال صلوا فيها فإنها بركة الراوي: البراء بن عازب - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 184 179434 - أنه أذن في الصلاة في مرابض الغنم ولم يأمر بحائل وطاف على بعيره الراوي: - - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: ابن تيمية - المصدر: الطهارة من شرح العمدة - الصفحة أو الرقم: 1/113 .والسؤال هو لماذا الصلاة في مرابض الغنم? والجواب هو هذا الحديث...82152 - الغنم من دواب الجنة ، فامسحوا رغامها ، و صلوا في مرابضها الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4182. في المرّة القادمة يجب على /المؤمنين/ أن يصلّوا في مرابض الغنم ؟؟لأنّ الرب لن يستجيب لهم وربما ستهطل الامطار وتسقط الثلوج في الصين
طالب حسن/بلغاريا/  
  0000-00-00 00:00:00   هلأ الاسلام في أزمة أو هناك أزمة في الاسلام
أولا الخطأ الذي يرتكبه كل المسلمين هم في ترداد كلمة كافر ليفرقوا بينهم وبين من ليس مسلما وهذه إهانة ,ثانيا هناك أزمة في الاسلام وهي تواجه أزمة في كونها انغلقت على نفسها وبحسب أحد الباحثين وهو محلل نفسي تونسي يقول أن الاسلام قد انهار منذ مدة وهذا ما أعتقده, ومن الغريب أنه لم يظهر رجل دين صاحب حق ووجدان وينبه من مخاطر تشوه الين الاسلامي وحرفه وكأنهم كبيقية الآمة الاسلامية مستسلمة لثبات طويل,حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه وهو دخولنا في العصور الوسطى الذي خرج منه الغرب من زمان وأنا جازمة إن لم يبدأ رجال الدين بتصويب البوصلة وإظهار أن الدين الاسلامي هو فعلا دين محبة ومساواة وتقبل الآخر فلا أحد سينظر إلى ديننا إلا ما يشاهده على الشاشة قتل وسحل وسبي النساء والأهم إقصاء ورفض الآخر وأحب أن أضيف ما لاحظه صديقي مؤخرا عندما زار جامع الأموي وليس المرة الأولى الذي يزوره أن أحد الموجودين لفت نظره بأن من فترة ليست ببعيدة كان هناك صورة لعيسى عليه السلام والآن لم تعد موجودة فقد محاها أحدهم عمدا
يزن  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz