دام برس :
بلد ، يجري اغتيال رئيس وزرائه ، فيصر الأمريكي والأوربي والإسرائيلي والسعودي ، وأزلامهم وأذنابهم وأهل الضحية ، باتهام الجهة التي حررت لبنان من " إسرائيل " واتهام الجهة التي أوقفت الحرب الأهلية في لبنان ، بأنهما وراء عملية الاغتيال.
بلد يقوم فيه مجرم محترف باغتيال رئيس وزراء بلده الذي كان زعيما وطنيا متميزا .. فيخرج من السجن بعفو خاص جدا ، يصدره مجلس النواب ، ويطوب هذا المجرم " حكيما " ويتفرغ لتهديم لبنان ، إذا لم يلتحق ب " إسرائيل.. بل ولا يزال هذا المجرم زعيم كتلة نيابية وازنة .
بلد يعيش أزمة افتصادية ومالية خانقة ، فيعرض الصينيون والإيرانيون والروس ، إخراجه من هذه الأزمة ، بشروط ميسرة غير مسبوقة .. فيرفض أصحاب الشأن في هذا البلد ، ذلك ، ويصرون على البقاء أذنابا ملحقة بالأوربي والأمريكي والخليجي ، حتى لو مات مواطنو بلدهم من الجوع .
بلد يتنفس الطائفية والمذهبية ، في جميع مفاصله السياسية والاقتصادية والمالية والثقافية والتربوية والإعلامية .. ثم يصر بعض ذويه على أنهم " سويسرا الشرق " .
بلد يتشاوف أبناؤه بأنهم بلد " الحرية والديمقراطية والسييدة والاستئليل " ولكن رئيس جمهوريتهم ورئيس حكومتهم ومعظم وزرائهم ، يعينون بقرار من الخارج ..ولا يجدون في ذلك أي غضاضة ، بل يرونه تكريساً لـ " السييدة " .. ولا تنخدش تلك " السييدة " إلا إذا أبدى السوري أو الإيراني رأيه في ما يجري ، فتقوم الدنيا ولا تقعد لديهم احتجاجا على المساس ب " السييدة " .
بلد لا يجرؤ مرشح تقليدي للحكومة ورئيس حكومة وابن رئيس حكومة سابق .. لا يجرؤ على تسنم منصب رئيس حكومة ، لأن الضوء الأخضر السعودي البن سلماني لم يأت .
بلد يستدعى رئيس وزرائه إلى السعودية ويحبس ويهان ويجلد ، ومع ذلك لا زال ممنونا وشاكرا مملكة الخير التي ينتظر منها شلالات الخير .
بلد ليس ليس له حدود برية إلا مع الشقيق السوري والعدو الإسرائيلي . ومع ذلك يبقى ذوو الشأن فيه على قطيعة فعلية مع البلد الشقيق ، حتى لو أدى ذلك إلى اختناق اللبنانيين ، طالما أن العم سام الأمريكي والخال السعودي يريد ذلك .
بلد تحدث فيه جريمة كبرى تودي بمينائه وتدمر نصف عاصمته. ومع ذلك يصبح الهدف الأول لنفر من أبنائه هو كيفية " تلبيس " تلك الجريمة ، لأشرف ظاهرة في تاريخ العرب المعاصر التي هي المقاومة ، عقابا لها على مقاومتها لـ " إسرائيل " وعلى تشكيلها سدا ودرعا فولاذيا ، أمام الأطماع الإسرائيلية .
بلد ، هذه مواصفاته .. كيف يمكن له أن يعود إلى الحياة الحقيقية ، بعد أن وصلت به سياسته وساسته التقليديون وقسم وازن من مواطنيه ، إلى مصيره الحالي البائس الذي تتقاذفه فيه الرياح ذات اليمين وذات الشمال ؟
إن المقالة تعبّر عن رأي كاتبها فقط