Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 12:08:09
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
لن أبيع ذكرياتي.. هل تصمد منازل دمشق القديمة أمام ضغوط المستثمرين؟
دام برس : دام برس | لن أبيع ذكرياتي.. هل تصمد منازل دمشق القديمة أمام ضغوط المستثمرين؟

دام برس :
كثيرة هي المعالم الأثرية التي تشتهر بها العاصمة السورية دمشق، من قلعتها التاريخية إلى الجامع الأموي وصولاً إلى الأسواق المقببة ذات الطابع الفريد، وليس انتهاءً بالمدينة القديمة بما تحتويه من شوارع ضيّقة فريدة تتناثر على جانبيها البيوت الشامية المعروفة بتفاصيلها المعمارية والفنية المميزة.
تلك التفاصيل الفريدة تعبر عن أصالة المجتمع الدمشقي، الذي لم يكن يفرّق بين غنيٍ أو فقير، أو بين مسلم أو مسيحي أو حتى يهودي، حيث عاش في المدينة القديمة المسلمون والمسيحيون واليهود جنباً إلى جنب في بيوتٍ متلاصقة.
لعلّ أبرز البيوت اليهودية القائمة إلى حد اليوم، مكتب "عنبر" الواقع في حارة اليهود وسط المدينة القديمة، وهذا البيت بناه رجل يهودي يدعى يوسف عنبر، ويعد واحداً من أكثر المنازل فخامة من الناحيتين المعمارية والفنية.
التنوّع الديني والثقافي والاجتماعي المترامي في أحياء دمشق القديمة، إلى جانب تصميم منازلها المعماري الفريد، ومعالمها الأثرية الاستثنائية جعل من هذه المدينة كتاباً جامعاً يروي حكاية التاريخ، وما يتضمنه من أحداث وإنجازات وحروب ومعارك، تكتب تفاصيلها على جدران الأحياء الدمشقية العتيقة.

أما منازل المدينة القديمة فتختزل العبق التاريخي في جدرانها، والتلاحم الأسري في أشجارها، كما يتميز البيت العربيّ الدمشقيّ بتفاصيل خاصّة، بدايةً من الدهاليز الضيقة التي تصل الباب الرئيس إلى باحة المنزل المعروفة بـ"أرض الديار" أو "صحن الدار"، التي تكون مكشوفة تحت أشعة الشمس المتناثرة على "البحرة" والأشجار في الباحة، وغالباً ما تكون أشجار "النارنج" و"الياسمين" حاضرة في تفاصيل المنزل الدمشقيّ.

إلى جانب الباحة الرئيسة في المنزل الدمشقيّ هناك "الليوان"، وهو مكان مغطى من جميع الجهات باستثناء جهة الباحة، وتكون في الغالب جهة "الليوان" نحو القبلة؛ كما يضم المنزل الدمشقيّ القديم أربع أو خمس غرف في طبقته الأول وعدداً مماثلاً في طبقته العليا، ويكون ذلك تبعاً لمساحة المنزل، فكلما زادت مساحته ازداد في المقابل عدد الغرف.

تجاوز عمر المنازل الدمشقيّة مئات السنين، وصمدت أمام الحرائق والزلازل والحروب، وبعد كل كارثة تعرّضت لها دمشق كانت تُبنى وتُرمم تلك المنازل من جديد لتعود إلى بهائها المعهود، وكثيراً ما انتقلت ملكية هذه البيوت من الآباء إلى الأبناء، حتى تتم المحافظة عليها.
الاستثمار يضرب بنية المدينة القديمة

برزت في العاصمة السورية دمشق في السنوات الماضية ظاهرة جديدة لم تألفها الحارة الشامية من قبل، تتمثل في تحويل البيوت القديمة إلى مطاعم وفنادق، حيث استغل المستثمرون في هذا المجال الشكل الهندسي المتميز للبيت الدمشقي من أجل تحويله إلى نشاط تجاري يدرّ عليهم أرباحاً كبيرة.

فكرة تحويل المنازل الدمشقيّة إلى مطاعم أو فنادق كانت جاذبة جداً للسوريين، وأصبحت عامل جذب للسيّاح العرب والأجانب، الذين يحبون قضاء وقتهم وسط مكان تراثي وجو هادئ بعيداً عن الضوضاء والضجيج.

وعن الأسباب التي تدفع إلى تحويل المنازل القديمة إلى مطاعم أو مقاهٍ، يكشف المهندس محمود أحدب للميادين نت أن الأمر يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة: "الأول: مشكلات عائلية تتمثل في الإرث، حيث لا يمكن لأحد الورثة في كثير من الأحيان شراء المنزل الدمشقي القديم منفرداً والحفاظ عليه، نظراً إلى ارتفاع ثمنه فيلجأ الورثة إلى بيع منزل العائلة للمستثمرين. والثاني: تحويل المنزل القديم إلى مطعم أو فندق يرفع قيمته المالية كثيراً".

أما الثالث فبسبب "عزوف بعض الأهالي عن سكن هذه المنازل بدعوى أنها تحتاج إلى الترميم والصيانة باستمرار، مع العلم أن تكلفة الترميم باهظة الثمن، وهذا ما يدفعهم الى السكن في الأبنية الحديثة".
أرباح خيالية على حساب الهوية التاريخية
لقد جاءت فكرة تحويل المنزل الدمشقيّ إلى فندق أو مطعم من حجم المنزل الكبير نسبياً في المرتبة الأولى، كما أن المستثمرين كانوا يريدون تقديم نمط مغاير من الفنادق أو المطاعم يختلف عن النمط المعروف خارج الأحياء القديمة، حيث الصخب والضجيج والاكتظاظ السكاني وهدير محركات السيارات والتلوث.
محمد الخير (63 عاماً) صاحب مطعم في دمشق القديمة، يتحدث إلى الميادين نت حول تحويله المنزل الدمشقي إلى نشاط تجاري: "في عام 2007 اشتريت منزلاً في منطقة القيمرية بوسط دمشق القديمة، وعمدت إلى ترميمه على نحو يوافق الهدف الذي أريد، مع التركيز على إبراز التفاصيل الأثرية التاريخية داخل المنزل، لكن الترميم بالتأكيد لم يشمل الهيكل العام والحجارة والزخارف، وحتى شجرتا الياسمين والنارنج بقيتا حتى اليوم".

وعن الهدف من هذا المشروع يضيف الخير: "بحثت عن كسر النمطية في المطاعم الحديثة الموجودة ضمن المناطق الحضرية، لذلك كان التوجه نحو الشام القديمة حيث العبق التاريخي والأجواء الهادئة، وهذه التفاصيل شكّلت عامل جذبٍ للسياح العرب والأجانب مع انطلاق المشروع".

المستثمرون عمدوا إلى شراء عدد من المنازل في قلب المدينة القديمة، وبدأوا بترميم تفاصيلها من فتحات سماوية، للزخارف والرسوم النحاسية والخشبية، مروراً بالستائر والتحف، مع إبراز هذه التفاصيل بدقة كما هو الأصل، لكي تتوافق والحاجة التجارية لمشروعاتهم.

عبد الرؤوف الأحمد صاحب فندق في منطقة باب شرقي بدمشق القديمة، يؤكد أن المشروع في بدايته كان جاذباً إلى حد كبير للسيّاح العرب والأجانب، فالمشروع الذي انطلق عام 2006 نجح في استقطاب عدد كبير من الزوّار، الذين يبحثون عن الهدوء والراحة والاندماج مع التفاصيل المعمارية الفريدة في البيوت الدمشقية القديمة، بعيداً من نمط الفنادق التقليدي في الأماكن الحضرية.

مع بداية الأزمة في البلاد تعرّض المشروع لركود كبير، في ظل توقف حركة السياحة في سوريا عموماً، والعاصمة دمشق على نحو خاص، كما أصبحت المدينة القديمة هدفاً رئيساً لقذائف الجماعات المسلحة، التي كانت منتشرة في مناطق الغوطة الشرقية القريبة من المدينة القديمة، ما تسبب بتوقف النشاط التجاري والاقتصادي سنوات عديدة.

المشروع عاد لينبض بالحياة مجدداً خلال العامين الماضيين، ويشير الأحمد إلى "أن الحركة السياحية في المطاعم والفنادق بدأت تستعيد عافيتها، وعاد الفندق ليجذب السيّاح بقوة". ومع أن الحركة لم تصل إلى ما قبل الأزمة لكن الأحمد يصف الإقبال خلال الوقت الحالي بـ"المقبول نسبياً" نظراً إلى الظروف التي تشهدها سوريا حالياً.
"لن أبيع ذكرياتي"
على الرغم من المبالغ الخيالية المدفوعة من قبل المستثمرين لشراء المنازل في دمشق القديمة، إلا أن مالكين كثراً يرفضون فكرة التخلي عن منازلهم، ويصرّون على البقاء فيها وعدم تحويلها إلى نشاط تجاري، وفي هذا السياق يقول هاشم الأشقر (74 عاماً) صاحب منزل في حيّ الإمام جعفر الصادق للميادين نت: "ورثت هذا المنزل الذي يتجاوز عمره 300 عام عن أبي وهو ورثه بدوره عن جدي، ولم أفكر يوماً في الانتقال إلى المنازل الطبقية الحديثة؛ كل تفصيل هنا يرتبط عندي بذكرى قديمة، فكيف يمكن أن أبيع ذكرياتي؟".

وعما إذا فقدت المدينة القديمة رونقها وهدوءها نتيجة كثرة المطاعم والفنادق والمقاهي، يقول الأشقر: "لم تعد المدينة القديمة كما كانت قبل سنوات، لقد تحوّلت إلى مكانٍ سياحي بامتياز، وبات الضجيج والصخب يسيطران على أجوائها طوال اليوم، والهدوء الذي كانت تتمتع به لم يعد موجوداً أصلاً، وأصحاب المنازل يعانون كثيراً بفعل الضوضاء التي تجلبها الأنشطة التجارية التي تحرمهم الراحة في مختلف الأوقات".

هذه الظاهرة قلبت هدوء المدينة القديمة إلى ضوضاء عارمة. ومن يجُل في الحارات والأزقّة الضيقة يلحظ عشرات المنازل الدمشقيّة القديمة التي تحوّلت إلى مطاعم ومقاهٍ وفنادق، وأصبحت رائحة النراجيل هي الطاغية على المكان، بعدما كانت رائحة أشجار النارنج والياسمين هي الطاغية دائماً.

يتحدث المؤرخ السوري سامي مروان المبيض إلى الميادين نت عن فكرة تحويل المنازل الدمشقية إلى نشاطات تجارية: "بداية تحويل هذه البيوت إلى مقاهٍ وفنادق كانت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وكانت خطوة جيدة بعد سنوات من الإهمال في دمشق القديمة، وهذه الظاهرة أدت إلى ولادة مشروعات عديدة في حارات دمشق القديمة، منها المركز الثقافي الفنلندي والمركز الثقافي الدينماركي ومجموعة من المراسم وصالات العرض وصالات الفنون، وكان هنالك نهضة كاملة في مدينة دمشق القديمة استمرت إلى مطلع عام 2011".

ويضيف المبيّض في حديثه: "غابت الأنشطة الأخرى عن المدينة القديمة وتزايد عدد المطاعم والمقاهي على نحو غير مدروس، وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة نظر كلياً، خصوصاً أن الضوضاء والسهر والحفلات الموسيقية تضرّ بالأحياء السكنية، وهذا ما يؤكد ضرورة إيجاد آلية لعدد تلك المطاعم وتوزعها في المدينة القديمة مع وضع بعض الشروط والضوابط لتواجد هذه الأنشطة التجارية، إضافة إلى ضرورة المحافظة على هوية المنزل وتاريخه وأصحابه الذين امتلكوه وسكنوه في السنوات الطويلة الماضية".
هل تحولت المدينة القديمة إلى منطقة تجارية؟
المشكلة لا تقف عند الضوضاء التي لا تنتهي إلى ما بعد مُنتصف الليل، ولا في الروائح العطرية الفريدة التي فُقِدَت من المدينة القديمة، بل تكمن في إلغاء بعض التفاصيل الأثرية والتاريخية للمنازل القديمة، حيث يلجأ بعض المستثمرين في أثناء عمليات الترميم إلى تدمير أجزاء جوهرية من المنزل، في حين يكتفي بعضهم الآخر بترميم الأجزاء الخارجية، فيما تتعرض الأساسات الداخلية للتحديث الكامل لتوافق النشاط التجاري الذي حوّل المنزل إليه سواء أكان مطعماً أو فندقاً.

وفي هذا الاتجاه يؤكد المهندس خالد الفحام رئيس جمعية "سوريون من أجل التراث" للميادين نت أن دمشق عاصمة أثرية على المستوى العالمي، لذلك كانت الأنشطة التجارية داخلها تحقق ربحاً مالياً سريعاً، لكن من دون أن يتوافق ذلك والمعايير الأساسية التي يجب أن تتعامل بها المدن القديمة، فهي مناطق سكنية بالدرجة الأولى، خصوصاً أن تلك المناطق لها خصوصية تاريخية وأثرية تعود إلى حقب متعددة.

ويتابع الفحام حديثه: "أمام هذا التفرد الذي تتمتع به دمشق القديمة، يجب الحذر في أثناء تجديد المنازل السكنية، خصوصاً من ناحية العبث بالبيئة الداخلية للمنزل، والخروج عن الخصوصية التي تتمتع بها المدينة القديمة، حيث تغيرت هوية البيت الدمشقيّ واختفى العمق التاريخي في ظل تزايد الأنشطة التجارية التي عبثت بهوية المدينة القديمة".
زجاجة العطر المفقودة
أمام التحوّل الكبير الذي تشهده المدينة القديمة في دمشق وانتقالها إلى منطقة سياحية بامتياز، كان لوزارة السياحة السورية رأيها في هذا الموضوع. إذ يؤكد ماجد عز الدين مدير سياحة دمشق للميادين نت أهمية المحافظة على البيوت الدمشقية التي يتجاوز عمرها 300 عام كمعالم تاريخية ويقول: "المنازل الدمشقية المغلقة حوّلت إلى أماكن سياحية يقصدها السياح ليشاهدوا عراقة هذه المنطقة".

وفيما يخصّ عملية ترميم المنازل القديمة، يؤكد عز الدين أنّ ما يحدث هو تجميل للبيوت فقط، مع المحافظة على تاريخها وعراقتها، بمعنى المحافظة على الهوية التاريخية من خلال الأوابد الأثرية في دمشق القديمة، مثل الجامع الأموي الذي يعد مقصداً دينياً وسياحياً مهماً جداً، وقصر العظم المُتاح دائماً للزوار، أما فيما يخصّ المطاعم والفنادق فإنها أصبحت مقصداً للسيّاح لمشاهدة المنازل التي تعد جزءاً من الحضارة الدمشقية.

"هل تعرفون ما معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة، هذا البيت استحوذ على كل مشاعري وأفقدني شهية الخروج إلى الزقاق"، بتلك الكلمات وصف الشاعر السوري الراحل نزار قباني منزل أسرته في دمشق القديمة، حيث يعبّر عن الأزهار والنباتات العطرية المتناثرة في المنازل القديمة، لكن اليوم تبدّلت الروائح في شوارع وأزقة المدينة القديمة، فاختفت رائحة الياسمين والنارنج وأصبحت رائحة النراجيل هي الطاغية، وذلك يحتاج إلى وقفة جادّة من أجل المحافظة على القيمة التي تمثلها المدينة القديمة.

ديب سرحان - الميادين نت

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2023-01-11 03:10:16   تلعثم
نعم لان الصمت امامك جمال وتلعثم....لا يعرف من يدفع لك المليون دولار وترفضينه ماذا تعني عين طورا ولا مشئ الزعرورة ولايعرف حتى من يذيعوا اغانيك اصلا بل تعرفه تلك العامة البسيطة بفطرها التي تقف الكلمات خجله.....لان يراع القصب مبحوح والشروقي بوجدان البسطاء ولا بمكبرات الصوت التي مهما جاهدت فلن تشرحه...اطال الله بعمرك
هانيبعل  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz