الرئيسية  /  دراسات وأبحاث

فلويد لم يكن الأول.. ودون مصارحة لن يكون الأخير


دام برس : فلويد لم يكن الأول.. ودون مصارحة لن يكون الأخير

دام برس :

حادثة مقتل الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد تفتح الجدل العنصري اليوم من أوسع أبوابه، وتكشف مستوى الخوف وعدم الثقة بين الشرطة وذوي البشرة السمراء وقد تعد بحوادث وأعمال شغب أكبر في حال غابت المصارحة.

ساعدت هذه المرة وسائل التواصل الاجتماعي إلى حدٍّ كبير، بنشر الصورة الوحشية كما هي من دون إدخال أي تعديلات أو مؤثرات على مشهد من 10 دقائق صوّره شاهد على الجريمة، لعناصر من الشرطة الأميركية في ولاية مينيسوتا، وهي تخنق الشاب الأميركي من أصول أفريقية، جورج فلويد.

كلمات فلويد الأخيرة وصلت إلى أسماع كل العالم، فقط "كان يريد أن يتنفس"، طالباً من الشرطي عدم قتله. وبحسب الفيديو،  يقول أحد الشهود "أنفه ينزف"، بينما يصرخ آخر للشرطي "انزل عن رقبته". وفي اليوم نفسه للحادثة، انتشر فيديو يظهر امرأة بيضاء في نيويورك، تستدعي الشرطة للقبض على رجل أسود، بعد خلاف حول كلبها.

المسلسل العنصري في بلد يقال عنه "بلد الحريات" ليس وليد اللحظة، بل  يمتد طوال تاريخ وجوده.

ففي العام 2019 قتل 1014 شخصاً من أصحاب البشرة السمراء، وفق بيانات صحيفة "واشنطن بوست". كما بينت عدّة دراسات أن الأميركيين من أصولٍ أفريقية، أكثر عرضة لأن يقعوا ضحايا للشرطة مقارنة بالأعراق الأخرى.

في شهر أيار/مايو لم يكن فلويد الضحية الوحيدة، فقد حصلت جريمة مشابهة دون أن تثير انتباه الكثير على مواقع التواصل، حيث أنه من دون سابق انذار قتل عناصر من شرطة ولاية كنتاكي في مدينة لويزفيل الواقعة في وسط الولايات المتحدة المسعفة السمراء بريونا تايلور (26 عاماً) بناءً على أمر تفتيش في إطار مذكرة بحث خاطئة عن مشتبه به لم يعد يقطن في المبنى وسبق أن اعتُقل، وأصيبت الشابة بما لا يقلّ عن ثماني رصاصات.

واعتبرت حركة "بلاك لايفز ماتر" حينها أن "بريونا تايلور تشكل جزءاً من العاملين في القطاع الصحي الذين ساعدوا في عبور مرحلة تفشي وباء كورونا لكن، في حين أنها كانت تساعد في إنقاذ الأرواح، خطف عنف الشرطة حياتها".

في كل حلقة من المسلسل الإجرامي استعملت طريقة مختلفة في القتل، من ضمنها الخنق والرصاص واستخدام صاعق كهربائي أو حتى نشر خبر انتحار معتقل داخل السجن كما حصل في تموز/يوليو في العام 2015 مع  الشابة ساندرا بلاند (28 عاماً).

لكن قضية الشابة بلاندا ساهمت يومها بالترويج لحركة "قولوا اسمها #SayHerName" الاجتماعية، الهادفة للتوعية حول ضحايا وحشية الشرطة من النساء. وألهمت قصتها فيلماً وثائقياً في عام 2018.

معظم جرائم القتل التي حصلت لا تصل عقوبتها إلى "القتل بدم بارد"، مثل قضية الشاب إريك غارنر (44 عاماً) الذي توفي مختنقاً في نيويورك، بعد اعتقاله  حيث اشتبه ببيعه السجائر غير الخاضعة للضريبة. وفي اللقطات المصوّرة التي أخذت للحادث، يكرّر غارنر الاستغاثة قائلاً "لا أستطيع أن أتنفس"، فيما واصل الشرطي دانيال بانتاليو لفّ ذراعه حول عنقه.

ورفضت هيئة محلفين كبرى في الولاية توجيه اتهامات جنائية ضد الشرطي بانتاليو، مما أشعل احتجاجات في مدن أميركية عدّة.

أما فريدي غراي (25 عاماً) اعتقل لحمله سلاحاً بعد عثور شرطي على سكين في جيبه، ويظهر فيديو صوّره أحد الشهود على الحادثة، صراخ غراي، خلال حمله إلى سيارة الشرطة. وأدخل غراي بعد ساعات إلى المستشفى، حيث شخص بإصابة خطيرة في العمود الفقري، وتوفي بعد ذلك بأسبوع، ما أدّى إلى اندلاع احتجاجات عنيفة، أصيب خلالها 20 ضابطاً على الأقل.

العنصرية مسلسل أميركي طويل

لم تستطع الولايات المتحدة تضميد الجرح العنصري والنهوض بسلام، فمن زمن العبودية إلى الحرب الأهلية والاستقلال واغتيال أبراهام لينكون و"تحرير ذوي البشرة السمراء" في العام 1863، كان الصراع لإنهاء التمييز العنصري ولا يزال من أهم قضايا المجتمع الأميركي الحديث.

رغم ذلك بقي الجرح ينزف، فخاض المدافع الشرس عن حقوق أصحاب البشرة السمراء مارتن لوثر كينغ الابن ورفاقه معركة الحقوق المدنية والمساواة في ستينيات القرن الماضي.

وعندما استلم مارتن جائزة نوبل للسلام قال  "إنني أقبل جائزة نوبل للسلام في الوقت الذي يناضل فيه 22 مليون أميركي من ذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة، ويشاركون في معركة خلّاقة من أجل إنهاء ليلٍ طويلٍ من التفرقة العنصرية غير العادلة".

وخلص إلى أن الجائزة التي أُعطيت له "جاءتْ بعد تفكيرٍ واعترافٍ عميقين، بأنّ كفاح اللاعنف هو الجواب عن الأسئلةِ السياسيةِ والأخلاقيةِ لعصرنا، التي يحتاجُها الإنسان في عصرنا من أجل التغلّب على الاضطهاد والعنف... لقد أثبتَ أصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة، محتذين بالهنودِ، أن سياسة اللاعنف ليستْ سياسةً سلبيةً عاقراً، بل هي قوّة أخلاقية تعملُ من أجل التغيير الاجتماعي".

حتى أن انتخاب باراك أوباما في العام 2008 لم يشكل منعطفاً تاريخياً كأول رئيس ببشرة سمراء للبلاد، فإنه لم يطوِ صفحة العنصرية والتفاوت العرقي والطبقي في أميركا.

حادثة فلويد فتحت قضية الجدال العنصري اليوم على أوسع أبوابها، ومع مرور الوقت ستكشف مستوى الخوف وعدم الثقة بين الشرطة والأقلية، وقد يتبعها حوادث وأعمال شغب أكبر في حال غابت هذه المصارحة.

الكاتب: ندين عباس
المصدر: الميادين نت

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=102&id=98846