الرئيسية  /  تحقيقات

تحرشٌ جنسيٌّ يطالُ كوادر جامعاتنا السورية .. وشابةٌ تزوجت مغتصبَها خشيةَ الفضيحة ! فهل هناك قانونٌ يحمي ؟


دام برس : تحرشٌ جنسيٌّ يطالُ كوادر جامعاتنا السورية .. وشابةٌ تزوجت مغتصبَها خشيةَ الفضيحة ! فهل هناك قانونٌ يحمي ؟

دام برس - بتول الشيخ بكري :
خوفاً من نظرةٍ مجتمعية تغلب عليها الريبة واعتقاداً من الضحية أن القانون لن ينصفَها، قد لا تتجرأ الأخيرة الإفصاحَ علناً عمَّا حدث معها؛ قضيةٌ تفاصيلُها ليست بعيدة عن كلِّ شخصٍ منا، فكثيراً ما سمعنا بحالاتِ تحرشٍّ جنسي لكنها بقيت طيَّ الكتمان، إلا أنَّ حالتنا قررتِ التوجهَ إلى الصحافة علَّها تحصلُ على نتيجةٍ تُثلجُ صدرها بعدما ضاقت بها السُّبل.

 القضية
طالبةٌ جامعية في إحدى جامعاتنا السورية تعرضت لحالةٍ من التحرش الجنسيِّ اللفظي من قِبَلِ موظفٍ مسؤولٍ عن توثيق علاماتِ الطلاب في ذاك الفرع عارضاً عليها أن تقبلَ بعلاقةٍ وَفق أحدث الطرق الأوروبية محافظةً بذلك على عذريتها، كما أخبرتنا الأخيرة.

تفاصيل القضية
ذكرت الطالبة "م،ي" أن قصتها بدأت منذ عامين عندما كانت في سنتها الجامعية الرابعة والتي كانت قد دخلتها منذ عامين أيضاً، لكنها لم تنجح بترفيع أي مادةٍ من موادها التسعة المتبقية منذ عام ٢٠١٦ على الرغم من دراستها المتواصلة وتسجيلها دروساً خصوصية لتضمن النجاح، وأرجعت الطالبة سببَ ذلك لاحتمال عدم تجاوبها مع ذلك الموظف منذ عامين، والذي عرض عليها علاقةً جنسية في منزله  وفق أحدث الطرق الأوروبية مقابل أن تكتب له أسماء موادها التي تريدُ النجاح بها.

إلى أين وصلت القضية؟!
رفضت الطالبة الرضوخ لطلب ذلك الموظف محتفظةً بما حدث معها مستأنفةً بعدها دراستها ودروسها الخصوصية، وعند صدور النتائج ذهلتِ الأخيرة بعلاماتٍ متدنية جداً رغم ثقتها الكاملة بما كتبت على حدِّ قولها، عندها لم يكن أمامها سوى الذهاب إلى أحد أعضاء هيئتها التدريسية لتروي له قصتها وما حدث معها جملةً وتفصيلاً لِتَلقى ردَّاً مفاده أنَّ الفسادَ يُحاربُ خطوةً بخطوة!! كما ذكرت.

مناقشة ما سبق
لن نغوص في قضيةِ حدوثِ حالةٍ من التحرش في أحد جامعاتنا السورية! لنعتبر ذاك الأخير تصرفاً فردياً ليس إلا، ولن نفصِّل في عدمِ استجابة المسؤول في الهيئة التدريسية الآنفة الذكر لشكوى الطالبة متذرعاً في ذلك أنَّ الفساد يُحارَب خطوةً بخطوة! إذ إنَّ تحقيقَنا هذا بصددِ مناقشة قضية التحرشِ الجنسي بحالته العامة والتي انتشرت أكثر في سنوات الحرب، وهل من قانونٍ يحميها حقاً، وبعد ذلك سنُسقطُ ما سبق على حالتنا المذكورة.
التحرش من وِجهةِ نظرٍ قانونية
التقينا المحامية "رولا باش إمام" إذ أوضحت قائلة: مفهوم التحرش الجنسي لا يتضمنُ معنىً واحداً، لذلك قسَّمه القانون السوري إلى نوعين، أولهما "التحرش الجسدي" والذي ينقسم إلى اعتداءٍ جنسي و أفعال منافية للحشمة، والموضح في المادة 505 من قانون العقوبات السوري والتي تنص على أنه "من لمس أو داعب بصورةٍ منافيةٍ للحياء قاصراً لم تُتم الخامسة عشرة ذكراً كان أم أنثى، أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من 15 سنة من دون رضاها، عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف السنة، وثانيهما "التحرشُ اللفظي" والمذكور في المادة 506 والتي تنص على أنه "يُعاقب من تلفَّظ بكلامٍ مخلٍّ بالحشمة بالحبس التكديري، ولمن عرض على قاصر لم تتم الخامسة عشرة أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من 15 سنة عملاً منافياً للحياء أو وجه لهن كلاماً مخلَّاً بالحشمة، عوقب بالحبس التكديري ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد عن 75 ليرة أو بالعقوبتين معاً، وعن العقوبةِ الأخيرة نقول وأيَّما عقوبة!!

محاكمة من الواقع
إن تعرضَ أحدهم أو إحداهن إلى تحرشٍ من النوع الأول أي جسدي، وأرادت الضحية تقديمَ دعوةٍ قضائية فالأدلة التي سيؤخذ بها قد تكون واضحة، كوجودِ مظهرٍ من مظاهر العنف على الضحية، وقد يتبين ذلك في تقرير الطبِّ الشرعي، ولكن ماذا إن تعرض أحدهم أو إحداهنّ إلى تحرشٍ لفظي!! وقد يكون ذاك التحرش اللفظي ليس فقط من باب تلبيةِ رغبة وإنما قد يحمل في طياته ابتزازاً كالحالة التي تحدثنا عنها في بداية تحقيقنا، لنفرض أنّ الحالةَ المذكورة تقدمت بدعوةٍ إلى القضاء، فأين الدليل.. طالبةٌ بسذاجتها لم يخطر ببالها أن يحدث ما حدث، وهنا يُطرَح التساؤل التالي ما الفائدة من إنزالِ عقوبةٍ قانونية بالمتحرش تحرشاً لفظياً؟! وبذاك التساؤل توجهنا للمحامي "لؤي شنودي"والذي أفاد: إنَّ توفر الدليل في حال التحرش اللفظي مسألةٌ اختلفت الآراءُ حولها، إذ كلُّ حالةٍ تفرضُ ظروفَها و واقعيتها، وهنا ترجعُ القضية إلى القاضي نفسِه، وفيما يخصُّ الحالةَ الأخيرة فإنها تندرج تحت مسمى "التغرير" إذ إنَّ المراودة هنا تأتي مقابلَ ثمنٍ معين.

شرطُ الستر.. هتكُ الستر.. واقعٌ مؤلم.
عند طرح القضية على الشارع السوري صُدمنا بقصصٍ كان حلُّها الوحيد الكتمان!! خوفاً من فضيحةٍ تارةً وقناعةً أنَّ القانون لن ينصفَها تارةً أخرى، وأفادنا ما سمعناه من الناس أنَّ مفهومَ التحرش مفهومٌ فضفاضٌ يحتملُ أوجهاً كثيرة بدءاً من التحرش اللفظي إلى الجسدي مروراً بالتحرش عبر الانترنت انتهاءً بالتحرش بالأطفال، وهنا يبقى السؤال لماذا هناك فكرةً راسخةً  في العقول أن القانونَ غيرُ منصف!!

ثغرةٌ كانت في القانون تجعلُ المُغتصب يُكافَأ والضحية تُعاقَب!

تنصُّ المادة 489 من قانون العقوبات السوري أنَّه "من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل ولا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنة إذا كان المُعتدى عليها قاصراً" غَيْرَ أن المادة 508 من القانون نفسه كانت توقفُ الملاحقةَ القانونية بحق مرتكب إحدى الجرائم الواردة في المادة الأولى إذا ما تمّ عقد زواجٍ صحيح بينه وبين المُعتدى عليها لمدة لا تقل عن خمس سنوات شرط ألا يتم طلاق المرأة خلال هذه المدة من دون سبب مشروع.
وفي ظل تلك المواد كان عرضُ المُغتصب الزواج من الضحية مخرجاً اجتماعياً ملائماً يجعلُ الأهل مجبرين على قبول المُغتصب زوجاً لابنتهم خشيةَ الفضيحة وسعياً للستر.. وهنا يبقى السؤال أيُّ جحيمٍ ستعيشه الفتاة مع زوجٍ اغتصبها يوماً ما.


ضحيةٌ أجبرتها نظرة مجتمع ومُغتصب نالها حلالاً بعد الاغتصاب. 
رفضت الفتاة الإفصاح عن اسمها، إذ قالت: تزوجته تجنباً للفضيحة، كنت طالبةً جامعية وكان قد أحبني ورغبني، لكني لم ارضَ به وقد توعد لي كثيراً، لم آخذ كلامه على محمل الجد، وبعد فترة اغتصبني وحدثَ ما حدث، وعند وصول القضية إلى القضاء اضطررتُ أن أقبله زوجاً فقد أخبر أهلي بأنني كنت أعرفه منذ زمن وأنّ َ كلَّ شَيْءٍ تمَّ بإرادتي! إذ تنص المادة المعدِّلة للمادة 508
على أن يقضي المُغتصب عقوبة لا تقل عن الحبس سنتين حتى لو تزوج من الفتاة زواجاً صحيحاً، وهنا يبقى السؤال.. إلى متى ستبقى حقوقنا الإنسانية منقوصة بسبب نظرةِ مجتمعٍ مريضة؟!

حالاتٌ قُدِّمت إلى الطبِّ الشرعي
وفي تصريحٍ لمدير الهيئة العامة للطب الشرعي في سورية زاهر حجو أفاد: توثيق نحو 363 حالة اعتداء جنسي على ذكور وإناث في ست محافظات في البلاد، مؤكداً أن حلب احتلت المرتبة الأولى بنحو 165 حالة بينما جاءت دمشق ثانياً بـ110 ثم سجلت محافظة حماة 58 حالة اعتداء جنسي لتحتل في ذلك المرتبة الثالثة بينما في اللاذقية 13 والسويداء 6 وذات الرقم في حمص”، مشيراً إلى أن هذه الحالات مسجلة بالمدن دون الأرياف.

 الاختلاط المدرسي و ما يُقامُ على أرض الواقع
ظاهرةُ التحرش أصبحت منتشرة بطريقةٍ أو بأخرى، وقد يَكُونُ أيُّ موقفٍ من مواقف التحرش ما هو إلا نتيجةً لسوءِ تربيةٍ أو وعي أو ثمرةً لمفاهيمَ خاطئة، وقد يكون نتاجَ كبتٍ أو نقص ما يعيشه المتحرش، وللبحث في تلك الظاهرة بواقعية التقينا مديرةَ  الدعم النفسي في وزارة التربية السيدة "إلهام محمد" والتي أوضحت قائلة: في مدارسنا لا توجد حصة مخصصة بشكلٍ منتظم للتثقيف الجنسي وإنما هناك برنامج يُطبق على مستوى القطر تحت مسمى "التثقيف الجنسي" إذ يتوجه للمدرسين والمرشدين و فئات عمرية معينة من الطلبة، وهذا يتم بالتعاون بين وزارتي الصحة والتربية من خلالِ حملاتٍ تثقيفية بطريقةٍ محببة للأطفال يتعلمون من خلالها حدودَ أجسادهم ومَن هم الأشخاص المسموح لهم الاقتراب منها ك مقدِّم الرعاية أو لظروفٍ طبية، إذ يقوم على ذلك فريقٌ تطوعي في جمعية "نريد أن نفرح" قارئٌ للمرحلة العمرية الموجَّه إليها التثقيف، وعن ما يخص مسأله الاختلاط في المدارس أضافت: إنَّ الاختلاط أمرٌ صحي إن كان بطريقةٍ موجّهة، وأضاف نائب رئيس مجلس الإدارة في جمعية "نريد أن نفرح" المحامي "لؤي الشنودي" أن الجمعية عملت خلال عامي 2016 و 2017 ضمن حملة "كرمالك"  لتوعية الاطفال من سن 6 الى 12 سنة حول الحماية من التحرش الجنسي، كما عملت عام 2018 مع اليافعين خلال مشروع طريق النحل على التوعية من مخاطر الزواج المبكر، أما مادة التوعية المقدمة للاطفال ضمن حملة "كرمالك" من سن 6 ل 12 سنة، وهي مادة تفاعلية مدروسة بعناية لتلائم هذه الأعمار عن طريق الدمى والمهرجين والادوات التفاعلية.

خلاصةُ ما سبق
في تحقيقنا هذا لا نرمِ اللوم فقط على القانون فحسب، وإنما يُلامُ أيضاً مجتمعٌ يأخذ أحكاماً خانقة تُخيفُ صاحبَ الحقِّ المطالبة بحقه، إضافةً إلى لومِ أشخاصٍ تعتقدُ أنّ الفساد يُحارب خطوةً بخطوة وهي في أماكن مؤهلة لبتره من أساسه!
وأما اللومُ الأكبر على أهلٍ زرعوا في عقول أطفالهم عقداً نفسية لم يكن المجتمع منها بمأمن عندما كبروا، إذ يبقى البناء السليم في الأساس السليم.

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=90840