الرئيسية  /  تحقيقات

صفقنا للسيارة الهجينة فبدد سعرها الحلم ... بعد التشجيع والتخفيض والدعم.. سعرها يقفز إلى ثلاثة أضعاف ثمنها المعلن


تمضِ بعد سنوات قليلة على العهد الذي أصبح بإمكان أي مواطن سوري ذي دخل معقول أن يقتني سيارة بعروض تقسيط أو تمويل مصرفي.. فبالكاد تمكنا من ابتلاع فكرة امتلاك سيارة، وتمكنا من استيعاب هذه النقلة، بعد أن أرهقتنا لعقود وعقود من «الشنططة» في الباصات والركوب وقوفاً بين الكراسي والممرات المكتظة، ولم نخرج بأذهاننا ومخيلتنا الجمعية بعد من دوامة العثور على مقعد في ذروة الازدحام، ولو كان مكسوراً أو مائلاً في أحد السرافيس العابرة للمدينة، أو الانحناء وجلوس القرفصاء في المسافات المتبقية بين أبوابها، حتى يصبح الحديث عن سيارة هجينة تكون صديقة للبيئة وتوفر علينا هدر أموالنا في العلاج من الأمراض التنفسية، بسبب ما تنفثه وسائط النقل العام والخاص، أمراً ممكناً وواقعاً نعيشه.
هذه النقلة تشبه إلى حدّ ما الحالة التي كانت تشيعها فينا قصص النقل والسفر عبر الزمن، ولكن بالعودة إلى الوراء قليلاً نستذكر أن الموضوع كفكرة كان يتوارد في أحاديثنا وأحلامنا، وقد فُتحت أبواب الأحلام على مصراعيها، حين صُممت أول سيارة سورية تسير على الطاقة الشمسية، وبمحرك كهربائي مستعينة بسيارة شاحنة للتجربة، رُكِبت عليها /9/ خلايا شمسية، استطاعة كل منها /60/ واط فوق السيارة، حيث تمكنت السيارة «التجربة» من السير بسرعة /80/ كم/سا، وأن تقطع /200/ كم اعتماداً على الطاقة المخزنة التي تعمل حتى /10/ ساعات.
وبعد ومضة الفكرة الأولى، وتبدد الحماس والفرح بالتصميم الأول، كانت هناك نوايا للتعاون المشترك بين قسم هندسات الطاقة الكهربائية في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، وقسم التصميم الصناعي في كليةالفنون الجميلة لتصنيع سيارة كهربائية تدعمها الطاقة الشمسية، لكن الأحلام بقيت أحلاماً.

المبادرة الأولى
أما المبادرة الرسمية الأولى، فكانت تلك التي قامت بها محافظة دمشق، بعد التقارير الكثيرة عن التلوث الكبير الذي أصاب العاصمة المأهولة الأقدم في العالم، جراء الانبعاثات النارية للسيارات ووسائط النقل، وهذا التلوث لم يضرب صحة القاطنين فيها فحسب، بل بات يهدد جدران المدينة القديمة والمواقع الأثرية التي لا تقدر بثمن، بالتآكل والتخريب، فكان الاقتراح الأول الذي تقدمت به المحافظة، هو استقدام سيارات كهربائية تخصص للتجول في المدينة القديمة، وتكون صديقة للبيئة وعلى أثر ذلك أجرت وزارة النقل عدداً من الدراسات حول السيارات صديقة البيئة لتدخل إلى جانب السيارة الكهربائية سيارة أخرى هي السيارة الهجينة، التي تعمل على نوعين من الوقود، البنزين والكهرباء، وبعد استعراض طريقة عمل السيارتين وتقنياتهما، توصلت هذه الدراسات إلى أهمية التشجيع على اقتناء السيارة الكهربائية والهجينة، وتوفير البنى التحتية اللازمة لها «محطات الشحن وورشات الصيانة»، وأشارت إلى أن السيارة الهجينة إذا ما اعتمدت ستساهم بتخفيض انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 40٪، وتخفض غاز الفحم والآزوت بنسبة تزيد عن 44٪، حتى إنها أوصت بأن تعتمدها الجهات الرسمية عند شراء سيارات جديدة أو استبدال أسطولها القديم.. وهنا توقعنا أننا وقعنا على معلومات قيمة وأمسكنا بخيوط الحل لأزمة تلوث الهواء الخانقة التي بدأت تضغط على سكان دمشق، وتحوّل رئاتهم إلى مناجم فحم، لكن الخطوات كانت بطيئة، والاهتمام كان كالموج يعلو ويخبو حسب المناسبات والقرارات الرسمية، فعاد الحديث يدور من جديد حول السيارات صديقة البيئة، بعد أن صدر مرسوم بتخفيض الرسوم الجمركية عليها وإعفائها من رسم البيئة، وعندها انهالت التصريحات، إضافة للتأييد والتشجيع، حتى ان الاهتمام وصل ذروته، فتشكلت «لجنة» من وزارة المالية والمديرية العامة للجمارك وهيئة المواصفات والمقاييس وجامعة دمشق، لوضع المواصفات الفنية الواجب توافرها، ودراسة الرسوم المتوجبة على هذا النوع من السيارات، والغريب أن وزارة المالية بقيت لأشهر تُبدي تحفّظها على أي معلومات تقدمها للصحافة، على الرغم من أن أحد أهداف اللجنة المفترضة، هو التشجيع على اقتناء هذا النوع من السيارات بإتاحة المعلومات الضرورية عنها لعموم الناس، ولا نعتقد أن هناك من هو أجدر من الصحافة بالضلوع بهذه المهمة، غير أن وزارة المالية مشكورة ردتنا ولأكثر من مرة، بعد أن طرقنا بابها ومعنا إشارات استفهام عديدة، ما لبثت أن تحولت إلى إشارات تعجب بعد أشهر من المماطلة والتسويف دون أي مبررات.

اهتمام استثنائي
أما وزارة الدولة لشؤون البيئة، وعلى الرغم من عدم تواجدها في اللجنة إلا أنها أبدت اهتماماً استثنائياً، وأشارت في ردها على تساؤلات «البعث» إلى أنها من أكثر المهتمين والمشجعين لاستقدام السيارات الهجينة والسيارات الكهربائية، منوهاً إلى أن الوزارة تحبذ استقدام السيارات ذات النوعية الجيدة، والتي أثبتت فعاليتها العملية لسنوات عديدة، إضافة إلى أهمية توفر الخبرة اللازمة لصيانة هذا النوع من السيارات، وإنشاء ورشات صيانة خاصة من أجل معالجة الأمور الفنية وإصلاح الأعطال، بالإضافة إلى إنشاء منشآت خاصة بمعالجة مخلفات البطاريات.
وحول الوفر الذي يمكن أن يتحقق جراء استخدام هذا النوع من السيارات من تكاليف التدهور البيئي، يشير هيثم نشواتي، مدير الغلاف الجوي في وزارة البيئة إلى أن الدراسات التي أعدتها وزارة النقل بالتعاون مع الوزارات المعنية، أكدت أن هذا النوع من السيارات يخفف استهلاك الوقود بنسبة 50٪، وبالتالي تخفيض غاز ثاني أوكسيد الكربون 20٪ عن السيارة التقليدية، كما أنها تخفض غاز الفحم وغاز الآزوت بنسبة 45٪، وبالتالي هذه التخفيضات ستنعكس إيجاباً على صحة الإنسان وتحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي فإن ذلك سيؤدي حكماً إلى وفر في تكاليف التدهور البيئي نتيجة تلوث الهواء، بقدر ما نستبدل السيارات التقليدية بسيارات هجينة، وذلك تبعاً لحجم هذا الاستبدال.

من يحلّ الأحجية
السيارة الهجينة دخلت إلى السوق السورية، ولكن من باب الفرقعة الإعلانية، واستعراض العضلات في بعض المعارض المتخصصة بالسيارات، وليس من باب الحرص على البيئة والتشجيع على اقتنائها ممن لم يقرر أي سيارة سيختار بعد، وصممت إعلاناتها وإطارها الجذاب لتجتذب ذوي الأنامل المخملية القادرين على دفع ثمنها ليستمتعوا بميزات الرفاهية الخمس نجوم، فقد وصل سعرها في الأسواق السورية إلى /3/ ملايين ليرة سورية مع الفراغ، مما يجعلها بعيدة عن متناول العدد الأكبر من الباحثين عن سيارة مقبولة الثمن واقتصادية بالوقت نفسه، وما يزيد استغرابنا أن السعر الذي أدرجته الشركة المنتجة لهذه السيارة على موقعها على الانترنت لا يزيد عن /33/ ألف دولار «مليون ليرة سورية تقريباً»، فكيف وصل الرقم إلى ثلاثة أضعاف السعر الحقيقي، وهل هناك من يتمكن من حلّ هذه الأحجية؟!.
ومن يحتاج إلى مساعدة يمكن أن نورد بعض التعليقات لزبائن عاينوها على أرض الواقع وبحثوا عنها على الانترنت، ووضعوا تعليقاتهم الساخرة على السعر المرتفع للسيارات في سورية على أحد المواقع المتخصصة بالسيارات، فهناك من يقول إنه ربما لأن الوكيل يشحنها من القمر، فتصبح تكلفتها ثلاثة أضعاف ثمنها، وهناك من يراهن على أن الوكلاء سيفاجئون زبائنهم بأنهم وضعوا لهم بداخلها عقوداً من الماس تقدمة وهدية على اقتناء مثل هذه السيارة.. وتشير الهوية الفنية للسيارة الهجينة التي دخلت مؤخراً إلى السوق السورية إلى أنها من نوع «سيران» متوسطة تتسع لـ /5/ ركاب، وهي يابانية المنشأ، تعمل بقوة 99/5200 + 82 لمحرك الكهرباء، وسعة خزان الوقود /45/ ليتراً، وتصل سرعتها القصوى إلى 180 كم/سا، أما استهلاك الوقود فيصل إلى 500 كم/ 20 ليتراً داخل المدينة، وانبعاث غاز CO2 فيها يقدر بـ 89 غ/كم، ويتوفر فيها نظام ABS ومرايا جانبية كهربائية، و/4/ أكياس هوائية وضبط كروم، إضافة إلى ميزات الرفاهية «أضواء ضباب وتحكم على المقود، ودخول السيارة وتشغيلها دون مفتاح، وكمبيوتر الرحلة، ومثبت سرعة نظام ملاحة».
فورة الاهتمام بالسيارات صديقة البيئة وصلت إلى حدّ تسريب شائعات عن نوايا بتوطين صناعة السيارات الهجينة في سورية عبر شراكة سورية - استرالية، لكنها بقيت شائعات، بل لقد نفت وزارة الصناعة صحة مثل هكذا معلومات، في حين أن المؤكد أن هناك مستثمراً سورياً مغترباً حصل على ترخيص لتصنيع سيارات كهربائية في ريف دمشق، لكن دون أن تكون هناك تسريبات عن مزايا تشجيعية لدعم مثل هكذا مساعٍ لدخول ساحة تصنيع سيارات تكون صديقة للبيئة بدلاً من استيرادها.

وليس آخراً
الدعم والتشجيع يقفان عند الحدود المعنوية ولا يغادران أوراق الخطابات، وعلى الرغم من أن المعنيين والمسؤولين يبادرون في كل مناسبة بيئية إلى إظهار دعمهم الصريح والشديد لأي إجراءات تخفف من تلوث البيئة، ويبدون حماسهم للقوانين التي خفضت الرسوم عن السيارات الهجينة والكهربائية، وأعفتها من رسم البيئة لتفتح الباب على مصراعيه أمام اقتنائها، يتجاهلون تماماً ما يحدث على أرض الواقع، أو يغضون الطرف قليلاً وهم يعلمون أن ترسيم السيارة الهجينة «صديقة البيئة» قد وصل بعد كل التشجيع والحماس والدعم إلى /750/ ألف ليرة «بسعر سيارة حديثة»، وأن سعرها في السوق السورية اليوم يزيد ثلاثة أضعاف عن السعر الذي تباع به في فرنسا ومعظم الدول الأوروبية، وبأكثر من ضعفين عن سعرها في دول شقيقة مجاورة،لا تبدي حماسنا ذاته للدفاع عن البيئة، ولا تهتم لعقد صداقات معها.. فشكراً لكل التشجيع والدعم، ودمتم أنصاراً للبيئة.

سهام طلب: البعث 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=8583