الرئيسية  /  تحقيقات

بين مؤيد ومعارض الضريبة على القيمة المضافة شر لا بد منه ... حملة الوزارة الترويجية للفاتورة أحد مؤشرات قرب تطبيق الضريبة


منذ أن أعلنت وزارة المالية عن إنجازها قانون ضريبة القيمة المضافة و عزمها تطبيقه مطلع عام 2010 قبل أن تأجل تطبيقها ، اختلفت وجهات النظر والآراء بين مؤيد ومعارض و متحفز ورافض ، شأنه شأن القرارات التي تمس حياة المواطن المباشرة ، فقد أعتبرها البعض عبأ جديداً يفرض على المواطن ، بينما ذهب آخرون لوصفها كمورد إضافي لخزينة الدولة في حال تمكنت وزارة المالية من ضبط آلية تحصيله وقضت على التهرب الضريبي ، فيما أطلقت وزارة المالية حملة ترويجية لتعميم ثقافة الفاتورة كمقدمة يراها البعض مؤشرات لقرب تطبيق الضريبة .

وسيلة لرفع الأسعار

بالرغم من عدم معرفة الكثيرين بمفهوم ضريبة القيمة المضافة وآلية تحصيلها ، فقد شكلت هاجس قلق لهم فمفهوم الضريبة يعني بالنسبة للمواطن دفع مبالغ إضافية كثمن للسلعة أي ارتفاع بالأسعار وانخفاض لمستوى المعيشة ، فيقول أبو هشام " هي طريقة جديدة لرفع الأسعار المرتفعة أصلاً مما يعني انخفاض بمستوى المعيشة "، وتابع " هل يتوافق القرار مع خطة الحكومة بتحسين الوضع المعاشي للمواطن ، وهل يدرك القائمون على القرار بأن الدخل الشهري المنخفض ويكاد يفي بالحاجات الضرورية ولن يتحمل أي هزة أخرى " .
ويرى أحمد (40 عام متزوج ولديه طفلين ) بفرض الضريبة أسوة بالدول أخرى في ظل الواقع المعاشي الحالي وانخفاض مستويات الدخل ، بالنظرة من طرف واحد فيقول " لتمنحني الخزينة أجور مرتفعة أسوة بالدول المجاورة قبل أن تطلب مني الخزينة ما يدفعه مواطن تلك الدول من ضرائب " .
وشكك جوزيف بتطبيق الحكومة هكذا قرار على اعتبار أن المزاج العام للمواطن السوري غير قابل لتقبل فكرة دفعه للضرائب خاصة وسط غلاء المعيشة هذه الأيام .
من جهته يرى الخبير الاقتصادي صافي شجاع ضريبة القيمة المضافة من سمات اقتصاد السوق (الاجتماعي) والذي بدأ الاقتصاد السوري بتحديث تشريعاته وقوانينه تمهيداً للتحول لهذا النظام الاقتصادي ، وأضاف بالقول " ومن المعروف أن الحكومة السورية بدأت تركز اهتمامها على جانب مكافحة العجز في موازنة الدولة بأي طريقة كانت، ومن ثم تفكر في كيفية التعويض على المتضررين من هذه الإجراءات .
وعن الضرر الذي ستلحقه الضريبة بالمواطن يقول شجاع " بالطبع ضريبة القيمة المضافة سيدفعها المستهلك النهائي عبر إضافة نسبة معينة على كافة السلع الاستهلاكية، وذلك سيؤدي بلا شك إلى ارتفاع اكبر في أسعار هذه السلع وبالتالي زيادة الوطأة على المواطن السوري الذي يعاني بالأصل من ارتفاع معدلات التضخم " .
ووصف شجاع الضريبة بشر لا بد منه مثل كافة أنواع الضرائب الأخرى نتيجة الحاجة الاقتصادية لها ، وطالب الحكومة بالتفكير بكيفية زيادة دخول أصحاب الدخل المحدود المتضررون الوحيدون من فرض الضريبة .


الإنفاق الاستهلاكي أساس للقيمة المضافة

لطالما اعتبرت وزارة المالية رسم الإنفاق الاستهلاكي أساساً لتحصيل الضريبة على القيمة المضافة حيث سيلغى هذا الرسم عند الانتقال لتطبيق الضريبة على القيمة المضافة ، مع استكمال إصلاح الإدارة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي ، وبالنظر للآلية التي طبق بها تحصيل رسم الإنفاق وما رافقه من تجاوزت فإن نظرة الكثيرين لرسم الإنفاق ستنسحب على ضريبة القيمة المضافة ، فيرى علاء طالب بكلية الاقتصاد بالقرار فرصة لزيادة أرباح التجار على حساب المستهلك باعتبارهم أكثر المستفيدين من فرض أي ضريبة على المستهلك ، في ظل قدرتهم الكبيرة على التهرب الضريبي عبر التصريح بأرقام مبيعات أقل بكثير من الأرقام الحقيقية ، وبالتالي ستذهب الأموال لجيوب التجار . واستشهد علاء برسم الإنفاق الاستهلاكي الذي فرض على المطاعم ، ولم يصل لوزارة المالية سوى القليل من المبالغ التي حصلت ، وبحسب أرقام وزارة المالية فقد بلغ التهرب الضريبي ما يقارب 4% من الناتج المحلي الإجمالي .
ويرى صافي شجاع بأن إحلال الضريبة محل رسم الإنفاق الاستهلاكي المطبق ، الآن ستساهم في رفع الأسعار بشكل اكبر في المرحلة الأولى ، نظراً لحداثة المفهوم على التجار والمستهلكين معاً ، ومن ثم يمكن أن يعتاد عليها المستهلكون لتدخل كعنصر أساسي في سعر السلعة على المستهلك النهائي.

وفر في الخزينة

يرى من يقف بجانب القرار بأنه يشكل فرصة مناسبة لزيادة موارد الخزينة التي ستعود بالخير على المواطن بشكل عام وعلى ذوي الدخل المحدود بشكل خاص ، من خلال دعم القطاعات الخدمية أو زيادة محتملة للأجور ، فيقول زياد " القرار من مصلحة الفقير نظراً لإنفاقه المنخفض وبالتالي مقدار ما يدفعه كضريبة أقل ممن ينفق الكثير خاصة وأن إنفاق الأغنياء يتركز على السلع الكمالية ذات الضريبة المرتفعة " .
و يعتبر الدكتور شوقي كريم مدرس مادة الضريبية بكلية الاقتصاد جامعة دمشق الإيرادات الضريبية من المصادر الهامة لتأمين الايردات العامة للدولة و اللازمة لأدائها للمسؤوليات الملقاة على عاتقها ، والقيام بوظائفها المتمثلة بتأمين التعليم والصحة والعدل حيث توجهت معظم الدول للمصادر الضريبية خلال السنوات الأخيرة ، على اعتبار إمكانية نضوب النفط في المستقبل من جهة ، ووضع قضية الرسوم الجمركية المفروضة على المواد المستوردة على طاولة التفاوض بين الدول أثناء مناقشة بنود الاتفاقيات التجارية المتبادلة ، أو أثناء مناقشة شروط الانضمام إلى المنظمات العالمية كمنظمة التجارة العالمية ، مما أبقى الموارد الضريبية المباشرة وغير المباشرة المورد الوحيد الدائم للدول لذلك اتجهت معظم الدول إلى زيادة الاهتمام بالضرائب غير المباشرة ، ومن أهم هذه الضرائب هي الضريبة على القيمة المضافة .
ويرى كريم بأن أهم الأسباب التي دفعت العديد من الدول لتطبيق هذه الضريبة ، سهولة تحصيل الإيرادات بواسطتها للتحول من التركيز على الضرائب المباشرة إلى التركيز على المصادر المالية الكبيرة التي تؤمنها الضرائب غير المباشرة ، وكونها تشكل خطوة هامة على طريق الإصلاح الضريبي ، وتحديث الإدارة الضريبية ، والإعداد لإدخال الضريبة الموحدة على الدخل و تساهم في الإعداد للمشاركة في الاتفاقيات التجارية للتلاؤم مع التجمعات الاقتصادية في العالم كمنطقة التجارة العربية الحرة ، الاتحاد الأوروبي ، منظمة التجارة العالمية . ولفت كريم بأن هذا النوع من الضرائب ليس بالجديد فقد بدا تطبيقه في فرنسا عام 1948 ، و استند إليها الاتحاد الأوروبي في كل الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي كشرط للانضمام إليه .
وأشاد كريم بميزات الضريبة على القيمة المضافة كونها تفرض على جميع السلع والخدمات المستوردة أو المنتجة مع بعض الإعفاءات المحددة ، إضافة لكونها ضريبة حيادية لأنها تطال حجم الاستهلاك و لا تطال الدخول غير المنفقة أو الإيداعات في صناديق التوفير .و تابع بالقول " مع إعلان وزارة المالية إعفاء المواد الغذائية من الضريبة فإن أثارها ستقل كونها ستطال السلع الكمالية وسلع الرفاهية ".

نظام استعلام ضريبي قوي

يستلزم تحصيل هذه الضريبة وجود نظام استعلام قوي ، واحتفاظ المكلفين بسجلات على درجة كبيرة من الدقة ، وهي متوفرة في الدول المتقدمة التي تطبق هذه الضريبة ، أما في الدول النامية فيقول الدمتور شوقي كريم " فان تطبيق الضريبة على القيمة المضافة يحتاج لجهود كبيرة ، سيما أن بعض هذه الدول غالبا ما تقوم بالتقليد غير المدروس للدول المتطورة في فرض الضرائب ، أو بالنسخ الحرفي لنظام الضريبة المطبق في البلدان المتقدمة بدون الأخذ بالحسبان الظروف والمعطيات التي تتصف بها مجتمعاتها واقتصادياتها ، مما يؤدي إلى حدوث نتائج غير مناسبة على اقتصاديات هذه الدول و تابع كريم بالقول " دلت التجارب على أنه من الصواب دعم تطبيق هذه الضريبة بالإضافة إلى تشجيع هذا التطبيق كمحور هام في عملية الإصلاح الضريبي الجارية في العديد من البلدان النامية ، لاسيما وأن ضريبة القيمة المضافة قد ساعدت على تحقيق الاستقرار لعملية تعبئة الإيرادات العامة ودعمها في بلدان عديدة ، فقد تزايد عدد التي تعتمد هذه الضريبة بحيث أصبح أكثر من 150 دولة " .

حملة ترويجية للفوترة كمقدمة لتطبيق الضريبة

سبق أن أعلنت وزارة المالية بأن تطبيق الضريبة على القيمة المضافة يحتاج إلى بيئة محددة واقتصاد يستوعبها و بأن الظروف الاقتصادية والوضع العام في سورية غير مهيأ لمثل هذه الضريبة حيث أعلن وزير المالية محمد الحسين بأن تطبيق الضريبة " لا يمكن أن ينجح إلا بتعاون المواطن ومن خلال نظام فوترة, و بدونه لن تكون هناك ضريبة قيمة مضافة" .
وأطلقت وزارة المالية خلال العام المنصرم حملة ترويجية لطلب الفاتورة لتشجيع المواطن على طلب الفاتورة الممهورة بخاتم الوزارة وبحسب إعلان الوزارة فإن الهدف من الحملة الترويج لفكرة طلب الفاتورة بين المواطنين وتوضيح الفوائد التي تعود عليه من خلالها ، تمهيداً لإصدار قانون "الفوترة" في سورية الذي تعده الوزارة ، لتنظيم عمليات البيع والشراء للحفاظ على حقوق المواطنين والتجار معاً بحيث تعود الفائدة على خزينة الدولة ، و بحسب المصادر المطلعة فإن الحملة مقدمة لتطبيق الضريبة التي ربما ستطبق بالعام القادم .


سعد الله الخليل
sadalakh@yahoo.com

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=7900