الرئيسية  /  تحقيقات

خفايا العالم الافتراضي ... عروض إباحية مغرية أبطالها مستخدمون محليون وثمنها وحدات موبايل .. ومستخدمون يؤكدون أنها نصب واحتيال وقرصنة سببها سذاجتنا


لنقل إنك في مدينة متسعة.. متسعة إلى حدود لا نهاية لها، مفاتيح أبواب هذه المدينة بيديك، وأنت وحدك من يحدد زوارها، ومن يجيب طلب الإقامة بإحدى الكلمات (قبول أو رفض أو تجاهل)، وأنت من تقدم الطلبات أيضاً لاستقبال الوافدين الجدد.. وأنت من يقرر السماع للطرف الآخر أو إبقاءه منتظراً.. كل هذا بيديك، وكل هذا لتملأ بالحياة مدينة باختصار الكلام، أنت سيدّها.
هي صفحة بيضاء من العالم الافتراضي يسميها التقنيون برنامج المحادثة والتواصل عبر الانترنت.. أما شكل هذا التواصل فهو فترة بحث أمضيتها مدمناً أحد هذه البرامج، منتظراً ما فيها من أسرار وخفايا للمستخدمين عموماً، وللمستخدم المحلي خصوصاً.. فكانت المفاجأة..

السكايب
السكايب أو السكايبي (كما يحلو للبعض تسميته)، أحد هذه البرامج التفاعلية التي تحقق التواصل بين مستخدمي الانترنت، والبرنامج يقدم طريقة سهلة للتواصل عبر ثلاثة أشكال هي: الكتابة، والصوت، والصورة، إضافة لميزات أخرى جعلته المعتمد بالنسبة إلي كبداية في عالم الدردشة، فهو يوفر إمكانية البحث عن متصلين جدد، وإضافة جهات اتصال عديدة من مختلف الأجناس والأعمار والجنسيات واللغات، بعد عملية بحث بسيطة تحدد فيها الخيارات السابقة أو بعض منها، ثم وبوقوع الاختيار على أحدهم ترسل إليه دعوة للإضافة، وتنتظر القبول، وبالإمكان أيضاً بدء محادثة عشوائية (دون إضافة) في حال كان الطرف الآخر متصلاً، لكن استمرار الحديث والتواصل مرهون، بأي حال، برغبة الطرف الآخر أو عدمها.

بداية تقليدية
ما ينتظره المتتبع لأخبار هذه البرامج، وطرق استخدامها هو في الحالات العادية استخدام هذا البرنامج أو غيره من برامج المحادثة الأخرى استخداماً تقليدياً لتقريب المسافات، وإلغاء الحواجز، والتغلب على تكاليف الاتصال باهظة الثمن، وهذا ما يؤكده «مهند» أحد مستخدمي هذه البرامج، إذ يتحدث بإيجابية هذه الطريقة في التواصل وفائدتها من ناحية إلغاء حاجز المكان بالنسبة إليه ولأقربائه، فهو يدرس في فرنسا وأقرباؤه في سورية، والاعتماد على طرق الاتصال العادية سيكون مكلفاً للطرفين.. أما عن هذه الطريقة فهو يقول: إنه يتواصل بشكل شبه يومي مع أقربائه، ناهيك عن مزايا الاتصال الأخرى المتوفرة في برامج المحادثة، كإمكانية إضافة فيديو، وتبادل الملفات والصور باستخدام هذه البرامج.

أكثر إيجابية
قبل الانتقال لجوهر التحقيق والمفاجآت غير المتوقعة في طرق استخدام برامج المحادثة عند مستخدمين كثر، لنذكر قصة استخدام إيجابي أخرى لبرامج المحادثة، إذ يتحدث «ضياء» أحد المستخدمين المحليين عن توظيفه مثل هذه البرامج في تقوية اللغة الأجنبية لديه، حيث يعمد إلى إضافة جهات اتصال من دول تتحدث اللغة الإنكليزية، ويبدأ محادثة عامة مع من قبلوا دعوات الإضافة، ويقول: إن هذه الطريقة كانت ذات جدوى مضاعفة عن الدورات التقليدية لتقوية اللغة، ومكّنته من إضافة كم كبير من المفردات والمصطلحات لتحفيزه على الترجمة من وإلى الإنكليزية ليتواصل مع الطرف الذي يتحدث إليه.

عروض مغرية ثمنها وحدات!
الآن لنبدأ مرة أخرى .. كانت مفاجأة ربما ما قرأته في معلومات أحدهم - وهي أنثى- تتحدث فيه عن قبولها بعرض جسدها على المتصل الآخر مقابل 1200 وحدة موبايل، لأكتشف لاحقاً أنها نموذج من حالات كثيرة تستخدم البرنامج لهذا الغرض دون سواه (عرض.. مقابل وحدات) ورغبة بكشف تفاصيل أكثر عن طريقة الاستخدام هذه، وتقديمها للقارئ، أضفت جهة الاتصال وبدأت معها محادثة، هذا جزء منها أنقله كما حدث:
(هي: بدك تشوف جسمي عالكاميرا، هو: شو المقابل، هي: وحداتك جاهزين، هو: ليش كم وحدة، هي: حولي 1200 وحدة حتى تشوف وهاد المقابل، هو: طيب وغير هيك، هي: غير هيك الله معك خليني شوف غيرك، هو: ليش في كتير.. كم واحد كل يوم، هي: يعني 10 تقريباً، هو: وبحولولك، هي: أكيد، هو: بس أنا وحداتي يا دوب يكفوني، هي: تصطفل..حليق.. وهي: بلوك).
تنتهي المحادثة.. تبقى إشارة استفهام أمام اسم المتصل، كتأكيد بأن الطرف الآخر ألغاك من جهات الاتصال لديه، وحظرك عن الاتصال معه، والملفت أن هذه الطريقة في الاستخدام السلبي تأخذ أحد منحيين، فحسب تأكيد كثر من جهات اتصال أخرى بأن هذه الطريقة أطرافها إما إناث فعلاً يقبلن تأكيد هذه الحقيقة - بعد مفاوضات تطول أو تقصر- بعرض للكاميرا مدته 10 ثوانٍ للطرف الآخر كبادرة لحسن النية، وتأكيد الهوية، وبعدها يبدأ التحويل ثم العرض، أو في الحالة الثانية أن يكون المنتظر في الطرف المقابل أحد المحتالين وهو ما يتحدث عنه متصل محلي - يسمي نفسه «البرنس» - إذ يقول: إنه وفي إحدى المرات التي لن يكررها قبل وبسذاجة بأن يحول وحدات لأحدهم مقابل عرض على الكاميرا دون التأكد من هوية من يعتقد أنها أنثى، ليفاجأ بعد التحويل أن العرض الذي انتظره استُبدل باتصال على جواله بدأ بضحكة طويلة لصوت رجل، وانتهى بجملة (تعيش وتأكل غيرها).
والجدير ذكره.. أن بعض المستخدمين ذكروا أن هذا الأمر سابق للاستخدام في دول أجنبية كثيرة، بطرق مشابهة، وعروض إباحية، ينفذها متصلون من دول أجنبية، مقابل وضع رقم البطاقة الاتمانية (كرديت كارد) من الطرف الآخر، ولكن يبدو أن غياب استخدام هذا النوع من البطاقات بالنسبة للمتصل المحلي جعل تحويل الوحدات الطريقة الأفضل في التعامل، وكوسيط للعرض والطلب.

طرق أخرى للاحتيال.. القرصنة
نقطة أخرى يمكن الوقوف عندها في طرق أخرى لاستخدام المتصلين لبرامج الاتصال، فهذه البرامج بالنسبة لبعض الهواة من "الهكر" أداة يمكن من خلالها الوصول للضحية، وانتزاع المعلومات المطلوبة منه للاختراق عن طريقه.. بعض الحيل، وهذه إحداها.. تروي (أسما) إحدى مستخدمات "السكايب" عن طريقة قرصنة تعرض لها حاسوبها الشخصي، وبريدها الالكتروني عبر البرنامج نفسه الذي تستخدمه للتواصل مع أصدقائها إذ تقول: إنها وفي إحدى جلسات الاستخدام، وبينما كانت تتواصل مع أحدهم، فُتحت لها نافذة للمحادثة العشوائية بدأت بجمل باللغة الانكليزية فحواها اعتذار عن المقاطعة، والادعاء أن من يتحدث معها هم فريق عمل سكايب، ثم تحولت لغة المحادثة لتصبح باللغة العربية بالإدعاء أيضاً أن فريق العمل يستعين بموقع للترجمة للتواصل مع المتصلين من جنسيات مختلفة، والقول: إن سبب المقاطعة هو إعلام المتصلة بأنها ربحت جائزة مقدارها 10 آلاف دولار بعد عملية اختيار عشوائي لمستخدمي البرنامج.
وتكمل أسما: بداية أخذني الشك والريبة في مضمون الحديث، لكن تكملة المحادثة التي عرض فيها الطرف الآخر بعض المعلومات الصحيحة عن أوقات اتصالي، شجعتني على المضي ودون شك للوقوع في الشرك المنصوب لي، واعتقدت أني لن أخسر شيئاً، وكان المطلوب ملء استمارة فيها عنوان الإقامة ورقم الهاتف وعنوان البريد الالكتروني وكلمة المرور، وتقول: ملأت الاستمارة على عجل، وتفكيري كله منصب على الجائزة التي تنتظرني، وما حدث وبأسرع من طريقة ملئي للاستمارة هو أنني أصبحت خارج الحساب بلحظات، وأن كلمة المرور تم تغيرها ليس الخاصة ببرنامج سكايب فقط، وإنما لبريدي الالكتروني أيضاً.
الجدير بالذكر أيضاً أن هناك طريقة أخرى منتشرة بين القراصنة مستخدمي هذه البرامج يرويها متصل آخر، هي أن يرسل لك أحدهم - وغالباً يكون الاسم لفتاة- ملفاً يخبرك بأنه صورة شخصية له لبدء عملية تعارف، ولكن حقيقة الأمر أنه ملف تنفيذي ويمكن بعد استقباله من الضحية، أن يستخدم لأغراض التجسس وتمكين الاختراق.

روابط دعائية
الملفت أن بعض مستخدمي "سكايب" وبرامج المحادثة ليسوا أفراداً، وإنما مواقع وجهات مختلفة تستخدم البرنامج بغايات وأهداف مختلفة أيضاً.. وفي هذه الطريقة تعتمد هذه الجهات على خاصية (متاح للمحادثات العشوائية) -سنأتي على ذكرها لاحقاً- ويستخدمون أسماء لفتيات مثلاً بأعمار معينة ومن جنسيات مختلفة بحسب الأشخاص المستهدفين، وتكون المرحلة التالية التي تحدث للمستخدم بإضافة الاسم التابع لموقع ما هي عملية رد آلي عند بدء أية محادثة بجملة محتواها «رابط أو لينك» ينقل المتصفح للموقع المطلوب.. وبالنسبة لهذه المواقع فهي مختلفة المحتوى بحسب الملاحظ.. ولكن الغالب أن معظمها مواقع خاصة بالتعارف ومنها مواقع غير أخلاقية، أجنبية بمعظمها.

متاح للمحادثات العشوائية
"سكايب مي" طريقة لتعيين وضع الاتصال، متوفرة في أحد إصدارات "سكايب"، وتفسير هذه الكلمة يعني أن صاحبها متاح للمحادثات العشوائية، وبإمكان أي متصل يقوم بعملية بحث أن يعثر عليه بسهولة، ويبدأ محادثة معه.. ولتقصي أكثر عن طبيعة المستخدمين باستخدام هذه الطريقة سنفعل الخيار في حالتين، الأولى لمستخدم ذكر، والثانية لمستخدم أنثى.. وننتظر النتائج ونرى.
في الحالة الأولى بالنسبة لمستخدم ذكر من جنسية سورية: وضع "سكايب مي" قيد التشغيل، الانتظار مستمر ولا أحد بعد مضي أكثر من ساعة يريد بدء محادثة.
الحالة الثانية بالنسبة لمستخدم أنثى من جنسية سورية أيضاً: "سكايب مي" في وضع التشغيل، ما هي إلا لحظات لتمتلئ الشاشة بعشرات دعوات الإضافة ونوافذ للمحادثات العشوائية، هذا يعرّف بنفسه، وهذا يروي قصة حياته، وآخر يطلب الصداقة، وآخر ..، والمتصلون مع أنهم من جنسيات عربية مختلفة إلا أن كثراً منهم وبحسب ملفات تعريفهم هم مستخدمون محليون.

أرقام أكثر دقة
بحثاً عن نتائج أكثر دقة لطبيعة استخدام هذه البرامج، وعدد مستخدميها بالنسبة لمستخدمي الانترنت، يوضح مختصون من شبكة المعلوماتيين الشباب بعض هذه الاستفسارات، إذ يتحدث (م.فراس قاسم) عن عدم وجود إحصائيات دقيقة توضح نسبة استخدام برامج المحادثة على الانترنت، ولكن يمكن وبحسب بعض المواقع توضيح نسبة استخدام الانترنت على المواقع بشكل عام (How The World Spends Its Time Online) والنسبة تشير إلى تصدر مستخدمي البريد الالكتروني القائمة بنسبة تصل لـ 45% يليها استخدام محركات البحث بنسبة 40 %، تصفح الأخبار بنسبة 30%، التعامل البنكي بنسبة 18%، مشاهدة محتوى فيلمي بنسبة 15%، وربما يمكن الربط بين مستخدمي البريد الالكتروني ومستخدمي برامج المحادثة، نظراً لكون هذه البرامج تأتي كمرفق مع أي حساب جديد يتم إنشاؤه وهي برامج مجانية، أما بالنسبة لبرنامج المحادثة "سكايب" فيمكن الحصول على إحصائيات مفصلة من موقع ويكيبيديا تبين استخدامه وتشير هذه الإحصائيات في الأعوام الأخيرة لوجود ما يقارب 521 مليون شخص لديه حساب لاستخدام البرنامج منهم 42 مليون مستخدم نشط.

نتائج غير عشوائية
في حين يوضح (م.محمد عماد مهايني) مؤسس الشبكة بعض مزايا برنامج سكايب بالحديث عن إمكانية البحث والعثور على الأسماء التي تريد الاتصال معها، ويقول: إن آلية البحث تعتمد على المطابقة بين الاسم المراد البحث عنه والمعلومات الموجودة في الملفات الشخصية للمستخدمين المسجلين في سكايب، أما النتائج التي تظهر بعملية البحث فهي ليست عشوائية على الإطلاق، كما أن عددها ليس مقياساً لعدد المستخدمين لأنه لا يتم عرض كامل النتائج، بل يتم عرض النتائج الأكثر قرباً من الاسم المراد البحث عنه، ويكمل: يجب ملاحظة أن هناك بعض المستخدمين لا يملؤون المعلومات الشخصية (ومن بينها البلد والمدينة) أثناء إنشاء حساب جديد على السكايب، وإن ملء هذه المعلومات مهم فقط في حال أراد المستخدم أن يتم العثور عليه من قبل الآخرين.
وتتحدث (م.ريم حورية) عن نشاط لشبكة المعلوماتيين الشباب في هذا الجانب للتوعية بفوائد ومضار برامج المحادثة عن طريق سلسلة محاضرات بعنوان الانترنت المفيد، جرى الحديث في إحداها عن المحادثة عبر الانترنت، وكيفية استخدامها والاستفادة من ميزاتها للحصول على طريقة سهلة ورخيصة للتواصل بين الناس حول العالم وبجودة جيدة، وتم شرح بعض المخاطر التي قد تواجه المستخدمين كسرقة المعلومات الشخصية أو الخداع الذي قد يتم في حال لم يعطِ المستخدم الانتباه لكيفية استخدام هذه الأداة. وفي المحاضرات تم الحديث أيضاً عن برنامج سكايب، مع شرح بسيط لكيفية استخدام هذا البرنامج والاستفادة من خدماته في نقل الصوت والصورة بجودة عالية مقارنة بباقي تطبيقات نقل الصوت والصورة المنافسة له. كما قمنا بعمل مقارنة بسيطة بين أشهر تطبيقات المحادثة عبر الانترنت وشرح كيفية الاستخدام الأمثل لها.

مقاربة أخرى
يقارب (د. معمر نواف الهوارنة) المدرس في كلية التربية وعلم النفس موضوع شيوع برامج الدردشة وطرق استخدامها عند المتصلين من ناحية أخرى، فهو يميز بين نوعين من الاستخدام، السلبي: الذي ترافقه ساعات جلوس طويلة تقارب عشر ساعات يومياً فما فوق، لدرجة يمكن أن نسميها بتحفظ (إدمان)، والإيجابي: المقتصر على استخدام عدد قليل من الساعات، ويرى في الأشخاص المدمنين مرضى يعانون من مشاكل في التواصل الاجتماعي، والحرمان العاطفي، والكبت، وربما هناك خلل في الجوانب الجسدية والنفسية، إضافة للفراغ، فيلجؤون لبرامج كهذه كتعويض لمشاكل النقص لديهم، ويقول: تترتب على البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد مسؤولية متصلة أيضاً.
ويضيف: إن كان غرض التواصل في هذه البرامج ذو منحى إيجابي، كالتواصل مع الأصدقاء والأقارب في أماكن بعيدة، وضمن ساعات قليلة، فهو أمر جيد جداً، أما إذا كان يفضي بالضرورة إلى انعزال الفرد وسلخه عن محيطه الاجتماعي، فهذه البرامج بالتأكيد ذات تأثيرات مدمرة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.

خيارات مفتوحة
ما تم عرضه هو قصص ونماذج لطرق استخدام منتشرة وبكثرة عند مستخدمنا المحلي، وللأسف إنها كانت سلبية بمعظمها.. لكن وكأي متضادين في العالم، سيبقى الاستخدام السلبي والإيجابي لهذه البرامج خياراً مفتوحاًً أمام مرجح وحيد هو المستخدم، فالتحكم بضبط المحتوى صعب بل ربما مستحيل.. لكن العمل على خلق وعي وثقافة بطرق استخدام إيجابي لبرامج اختصرت الزمان والمكان بالنسبة إلينا هو الممكن .. فلنعمل عليه.

محمد محمود

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=7731