دام برس:
لا شك أن المرونة التي برزت مع الرئيس الإيراني حسن روحاني كان يحتاجها النظام السياسي في إيران لكسر القطيعة الدولية والحصار الإقتصادي، وكان روحاني بهذا المعنى حاجة إيرانية ملحة لتقليص التداعيات السلبية الناجمة عن الضغوط الخارجية، إذ جاءت التحركات الدبلوماسية لحكومة روحاني في الآونة الأخيرة، لتعيد الوعود التي قطعها روحاني على نفسه إلى الواجهة من جديد والمتمثلة في تعزيز علاقات الصداقة مع جميع دول الجوار وخاصة دول الخليج العربي بوصفها من أولويات السياسة الخارجية لحكومته، وتأتي زيارة أمير الكويت الذي ترأس بلاده حالياً مجلس التعاون الخليجي والقمة العربية فرصة لطهران لفتح صفحة جديدة مع دول الخليج، وذلك فيما تتقدم المحادثات مع الدول الكبرى حول الملف النووي الإيراني، كما تأتي في ظل تحسن في العلاقات بين ضفتي الخليج،
على الرغم من استمرار التوتر الناجم عن النزاعات ذات الطبيعة الطائفية في العراق وسورية، حيث تتهم ايران بالتدخل في شؤون دول عربية، وبالتالي تعتبر هذه الزيارة مهمة وتشكل فرصة كبيرة لإثبات نية إيران في تطوير علاقاتها مع دول الخليج وإطلاق مرحلة جديدة معها، على الرغم من مخاوفها المشتركة حيال القوة الإيرانية الصاعدة وتهديدها النووي المحتمل، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست مُوحَّدة في ردّها وغير راغبة في مواجهة إيران علناً، إذ هي تتأرجح بين مبادرات حُسن النية وبين النزاعات حول الحدود وحقوق النفط والطائفية الدينية، فالمتضرر الأول من التقارب الأميركي – الإيراني هو إسرائيل التي تعتبر أن ايران خطرة سواء كانت نووية أو غير نووية ما دامت ليست حليفة لها، ومن هنا فإن مرونة الرئيس روحاني أمر يزعج إسرائيل، فهذه المرونة إستتبعت تقارباً إيرانياً - تركياً على حساب علاقات تحالف تركية -إسرائيلية في الأساس، كما أن إحتمالات التقارب الإيراني - السعودي تغلق أبواب التطبيع مع إسرائيل وتنسف إمكانية أي تحالف إسرائيلي - خليجي تحت عنوان مواجهة الخطر الإيراني.
وبالتالي إن من يفهم جيداً طبيعة ايران يدرك إن الموقف الإيراني الإستراتيجي لن يتغير حتى لو جاء رئيس آخر غير روحاني، ويكاد يكون الموقف واحداً بين المحافظين والتجديديين في إيران، وخاصة اتجاه إسرائيل إذ ليس من قبيل المصادفة أن يشير مسؤول في الحرس الثوري إلى أن حدود ايران هي في الجنوب اللبناني، كما أن سعي ايران إلى جمع وتعزيز العلاقات بين فتح وحماس والجهاد كفاعلين فلسطينيين ركيزتهم طهران في مواجهة إسرائيل هو مؤشر كبير على أن فلسطين تبقى في صلب الحسابات الإيرانية على الصعيدين الأيديولوجي والسياسي، ولا ننسى سوريا التي تؤكد إيران على تدعمها حتى النهاية، كونها تعتبر في الجغرافيا السياسية فعالة في معادلة السياسة الخارجية الإيرانية وأي خلل في المعادلة يؤثر في وضع العراق وحزب الله والمنطقة ككل.
على الرغم من أن دول الخليج بقيت في الواقع خلال المفاوضات في شأن برنامج إيران النووي مُتفرجة على عملية ستحدِد نتيجتها الولايات المتحدة وإيران والدول الأوروبية الكبرى وروسيا والصين، إلا أن لهذه الدول دوراً هاماً تؤديه في العملية الصعبة المتمثلة في إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي، من شأن تطبيع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران أن يكون خطوة إيجابية في عملية إعادة الدمج هذه، إذ أنه يساعد على استقرار المنطقة، وعلى خفض التوترات ويُقلص من إحتمال نشوب نزاعات حول قضايا ثنائية قد تؤدي إلى مشاكل أكثر خطورة، وهذا هو السبب في أن الإتفاق النووي يحمل في طياته إمكانية تغيير منطقة الشرق الأوسط بأكملها بطريقة قد تكون إيجابية وبناءة.
إن ما سبق يؤكد حاجة البلدين إلى آليات تساعد على تحديد الأسس أو الأرضية المشتركة التي يمكننا من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات الإيرانية الخليجية في ضوء المعطيات الراهنة للوصول إلى أقرب نقطة ممكنة للحد من القيود والضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها في ظل هذه التحديات.
وأخيراً ربما أستطيع القول أن هناك خلافات ولكنها أقل بكثير من القواسم المشتركة بين إيران ودول الخليج العربي وتظل المشتركات بين دول الخليج العربي وإيران قاعدة أساسية من الممكن توظيفها لردم الفجوات التي تحول دون الوصول إلى تفاهمات تساعد بدورها في تحقيق السلم والاستقرار ونبذ التوتر، وبالتالي تحقيق حلم التنمية المستدامة التي تعود بالنفع لشعوب المنطقة، ومن هنا فإن على الإدارة الأمريكية التي تعيش في حالة من الحيرة والتردد في التعاطي مع إيران أن تعترف بقوتها سياسياً وإقليمياً وتقنياً، وكما لجأت أمريكا إلى لغة الحوار مع إيران فمن المناسب أن تلجأ دول الخليج إلى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها بما يعود بالنفع والخير لكل شعوب المنطقة.
khaym1979@yahoo.com