الرئيسية  /  لقاء دام برس

د أشواق عباس لدام برس: الانتخابات الرئاسية السورية صراع بين شرعيتين والمعارضة أضاعت الفرصة


دام برس : د أشواق عباس لدام برس: الانتخابات الرئاسية السورية صراع بين شرعيتين والمعارضة أضاعت الفرصة

دام برس- بلال سليطين :

تقبل سورية على استحقاق انتخابي هو الأول من نوعه على مستوى رئاسة الجمهورية، ويعتبر حدثاً تاريخياَ بالنسبة للسوريين، حيث يتنافس لأول مرة أكثر من مرشح على رئاسة البلاد.

الاستحقاق الرئاسي كان موضوع حوار دام برس مع دكتورة العلوم السياسية "أشواق عباس" خلال زيارتها للساحل السوري:

نص الحوار:

* سورية مقبلة على استحقاق رئاسي، أي أهمية سياسية لهذا الاستحقاق؟

** يشكل الاستحقاق الرئاسي في سوريا نقطة تحول جوهرية في الحياة السياسية في سورية، لاسيما أنه يأتي في ظروف الحرب المركبة التي تجري على الأراضي السورية. وأنا أعتقد أن الانتخابات وإجرائها في موعدها المحدد وفقاً للدستور يعد انتصاراً حقيقياً للدولة السورية، وفق المعطيات السياسية الإقليمية منها والدولية، والتي كان إسقاط الدولة السورية واستلاب سيادتها يشكل أهدافاً رئيسية للعديد من القوى، ممن تدخلت وتورطت بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب التي تجري على الأرض السورية.

ما يزيد من اهمية الاستحقاق الرئاسي، ويؤكد الفكرة السابقة، هو أنه بات يعكس في حقيقته صراعاً بين شرعيتين، الأولى "شرعية" غربية تحاول فرضها القوى الكبرى، عبر جوقة "المعارضة الخارجية"، وأخرى شرعية وطنية صاحبها ومصدرها الشعب السوري المخول الوحيد بإضفاء الشرعية على انتخاباته الرئاسية ونتائجها. أي أن نتائج الانتخابات ستحسم ما إذا كانت سوريا الجديدة على المقاس الوطني لشعبها، وهو المقاس المكرس لسيادتها واستقلالها، أو أن تكون على المقاس الخارجي المفصل من قبل القوى الكبرى، والذي يكرس استلاب سيادتها واستقلالها. من هنا أعتقد أن أهمية هذه الانتخابات تتجاوز فكرة اختيار الناخب السوري لرئيسه الجديد، مع التأكيد على أهمية ورمزية هذه المهمة، إلى اختيار مستقبل بلده السياسي بين الاستقلال أو التبعية، بين السيادة واللاسيادة. فالانتخابات الرئاسية السورية يبدو أنها باتت تعني للقوى الخارجية وجوقتها "المعارضة الخارجية" شأناً غير سوري، تقرره هي في التوقيت والزمان المناسبين لها، وبالأسماء التي تراها مناسبة لسورية التي تريدها هي. أما الشعب السوري، فهو خارج حساباتها.

من هنا فإن المطلوب على ما يبدو رئيس جديد مفصل حسب مقاسات مصالح وسياسات القوى الغربية، وليس على مقاس  الشعب السوري الذي من المفترض أنه هو صاحب القرار الوحيد باختيار رئيسه استناداً إلى المصالح الوطنية الكبرى، والشخصية القومية والوطنية للدولة السورية. لذلك نقول إن الشعب السوري لا يقترع فقط في الانتخابات الرئاسية على شخص مرشحه لمنصب الرئيس، بل يخوض حرباً ضد قوى خارجية تريد أن تنتزع منه شخصيته السيادية عبر مصادرتها لحقه في سيادته واستقلاله واختيار مستقبله السياسي. وهو ما ينظر إليه على أنه اعتداء سافر لحقوقه، وفي كونه صاحب الولاية الدستورية والسياسية والشرعية في تقرير مستقبله. وهي ولاية حصرية غير قابلة للمساومة أو الانتهاك.

* هل سيكون للانتخابات أي أثر على صعيد تهدئة الأوضاع؟

هذا السؤال يقودني لفكرة المصالحات التي جرت، وما زالت، في الكثير من المناطق السورية، والتي أظهرت وبشكل واضح فاعلية الدولة السورية في ابتكار الأفكار السياسية القادرة على إدماج المواطن السوري، حتى ممن اضطر تحت ظروف خاصة، إلى حمل السلاح. وبالتالي القدرة على إيجاد حلول سياسية فاعلة وناجعة للأزمة السياسية التي أفرزتها الحرب على سورية. لكن تبقى هذه المصالحات محدودة في الإطار الجغرافي والسياسي والمناطقي.

من هنا يمكن القول، إن الاستحقاق الرئاسي ونتائجه، يمكن أن يشكل المقدمة للمصالحة السياسية الكبرى، التي ستشمل كل الأرض السورية. فالمرشح الذي سيحظى على أعلى نسبة تصويب على برنامجه الانتخابي، سيعني كذلك أنه حصل على موافقة ناخبيه على المبادئ والأفكار السياسية التي سيطرحها لسوريا الجديدة. أي توافقهم على الأهداف والآلية لتحقيقها، وبالتالي المصالحة الكبرى على أساس فكرة المواطن والمواطنة.

\"\"

* يقول بعض المعارضين في الخارج، أن النظام السوري فصّل الانتخابات على مقاسه، من خلال الشروط التي وضعها على المرشحين للرئاسة، ما هو تعليقك على ذلك؟

** أعتقد أن هذا الادعاء ليس إلا من قبيل إثارة الشكوك ومحاولة لسحب الشرعية من المواطن السوري، الراغب حقيقة في إنجاز الحل السياسي للحرب المجنونة الدائرة في بلاده. يضاف إلى ذلك، أن البعض يعلم تماماً (من المعارضة الخارجية) أنه بانتخابات حقيقية فعلية لن يصل إلى السلطة نظراً لعدم امتلاكه لشعبية حقيقية على الأرض. بالتالي فأي شروط سيفرضها الدستور السوري ستكون مرفوضة بشكل مسبق. يمكن هنا القول فقط، إن كل الدول تضع شروطاً لمرشحيها لهذا النوع من الاستحقاقات السيادية، والتي تكون واضحة ومحددة ومشددة. وسوريا قياساً بغيرها تفرض شروطاً معتدلة بهذا الصدد، أساسها أن يكون مرشحاً على دراية وتماس مباشر مع المواطنين.

* الغرب كان يعترف سابقاً بنتائج الاستفتاء، فلماذا اليوم يرفض الانتخابات؟

** رفض الغرب لنتائج الانتخابات يأتي نتيجة طبيعية لفشله في تعميم نموذجه الخاص "للديمقراطية" المراد تعليمها للشعب السوري. والذي حقيقة يقوم على المصالح الفعلية له في سورية، وشكل النظام السياسي الجديد الذي تريد فرضه عليها. وأنا أعتقد أنه مثلما أعلن مراراً وتكراراً منذ بداية الحرب على سورية، أن النظام فاقد للشرعية، وأن الرئيس لا شرعية له، فهو نفسه اضطر للاعتراف بذلك عملياً عندما عاد في النهاية للتعامل مع الدولة السورية بعد فشله ومجموعاته المسلحة ومعارضته المفصلة بحسب مقاس مصالحه. وهنا، وإن أعلن عن رفضه المسبق لأي نتيجة ستخرج بها صناديق الاقتراع السورية في المنابر السياسية والدبلوماسية الدولية، لكنه في الواقع سيكون مجبراً في النهاية على التعامل معها على أرض الواقع، وهو مدرك تماماً لهذه الفكرة. من جهة أخرى، سواء اعترف الغرب بنتائج الانتخابات الرئاسية أم لم يعترف، فهذا لا يعني للشعب السوري الذي ينظر إلى نفسه على أنه صاحب إرث سياسي وحضاري وثقافي ومدني لا يسمح للآخرين أن يعلموه كيف يجب أن يفكر، ومن يجب أن ينتخب. ناهيك عن أن الانتخابات الرئاسية السورية يجب أن تحظى بشرعية واحدة فقط، هي الشرعية الوطنية التي يمنحها الناخب السوري فقط، وليست تلك التي تحصل على أوراق اعتماد أمريكية أو فرنسية أو بريطانية أو سعودية أو غيرها.

* هل أخطأت قوى المعارضة لأنها أحجمت عن المشاركة في السباق الرئاسي؟

** عملياً، لقد ارتكبت قوى المعارضة الخارجية منها تحديداً أخطاء كثيرة منذ بداية الحرب على سورية، وأضاعت الكثير من الفرص التي كان يمكن لها أن تكسب من خلالها ثقة الشعب السوري. والمزاج الشعبي السوري اليوم واضح بهذا الصدد. لكن السؤال الرئيس هنا يطرح فكرة لماذا أحجمت قوى المعارضة حقيقة عن المشاركة؟ رغم أن هذه الانتخابات يمكن لها أن تأتي بها إلى السلطة، والجواب ليس كما تطرح أو تدعيه المعارضة، من أنها غير شرعية أو أنها فصلت على مقاس الرئيس بشار الأسد. الجواب الحقيقي هي ان صناديق الاقتراع ستعري حقيقة حجم التأييد الشعبي لها على الأرض، ولو امتلكت تلك المعارضة قاعدة شعبية فعلية، وليس كما تدعيه هي في الإعلام، لما كانت توانت أبداً عن المشاركة في الانتخابات بمرشح أو أكثر.

* بتقديرك لماذا اتخذ قدري جميل وتياره قرار الامتناع عن المشاركة في الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً؟

** عملياً يمكن طرح هذا السؤال عليه هو، لكن بقراءتي الخاصة، لا اعتقد أن امتناع شخص ما أو تيار ما عن المشاركة في الانتخابات يجب أن يوقف الاستحقاق الرئاسي أو يصيبه بأي نوع من الخلل. وهنا تبرز الفكرة التالية، وهي ما مدى الحرص الحقيقي لهذا التيار أو ذاك على المصلحة الشعبية العامة، وتقديمها على المصلحة الخاصة له؟ وما أهمية المواطن الفعلية في حسابات هذا الشخص أو ذلك، أو هذا التيار أو ذاك.

ما أود حقيقة أن أختم به، هو أن الشعب السوري الذي كسب الرهان في حماية سيادة دولته، واستقلالها طوال الحرب على أرضه، لن يسمح لأحد أن يحصل في السياسة على ما عجز عنه عسكرياً في الميدان. وهو بذلك أمام تحد يتمثل في قدرته على إنجاز الاستحقاق الرئاسي رغم الظروف المركبة التي يمر بها. والتي ستعلن في نهايتها انتصار الدولة السورية، والبداية الفعلية لسوريا الجديدة المتجددة دائما.
 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=51&id=43661