الرئيسية  /  كتاب وآراء

كل من ينتمي لهذا الوطن مسؤول عما آلت إليه سورية من تمزقٍ و تشرذم .. بقلم: الدكتور عاصم قبطان


دام برس : كل من ينتمي لهذا الوطن مسؤول عما آلت إليه سورية من تمزقٍ و تشرذم .. بقلم: الدكتور عاصم قبطان

دام برس:

و في يومنا هذا و نحن نردد أناشيد العزةِ و الكرامة و نمضغ انتصارات من سبقونا، تهاجر بنا الذاكرة في أعماق التاريخ القريب البعيد ، كناية عن بعدنا المتمادي عن تواريخنا السابقة التي ما زلنا نمضغ رحيقها حتى اللحظة ، و تتحرك بنا كوامن الشجن لنستعيد ذكرياتٍ سياسيةً في التاريخ ، و في هذا اليوم اسمحولي أن أعبرَ بكم  في التاريخ و أستعيد في ذاكرتي إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا الألباني و حسه السياسي في يوم لم تكن فيه السياسات و نظرياتها تكتب في الكتب و إنما كانت تعيش في أفكارِ العظماء ، كان ابراهيم باشا يدرك أن أهل هذه البقعة الجغراقية  هم المؤهلون لقيادة العالم ، كانت رؤيته أنه لن تقوم لهذه البقعة من العالم قائمةً ما لم يلتقي شمالها بجنوبها فهي مركز الأرض و منها انطلقت الديانات السماوية و تلك البقعة التي نعيش في محاريبها و التي نعيش بين أنهارها العظيمة يحدها  في شمالها الشرقي فراتها العظيم القادم من الشمال و يجانبها و يرويها في غربها و جنوبها القاصي النيل العظيم قادماً من مجاهل إفريقيا ، كان العظيم ابراهيم باشا هو الذي أدرك فعلاً أن هذه المنطقة هي التي ستحرر العالم كل العالم وهي تتأرجح في وسط العالَمينِ شرقاً و غرباً ، و فيها قال الباري عز وجل كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر ، في كتابه العزيز لم يوجه الباري عز و جل كلامهُ إلى المسلمين و لم يوجه كلامه إلى المؤمنين و لم يوجه كلامه لا للنصارى  أو اليهود أو الصابئة أو العلمانيين .

 لقد وجه الباري عز وجل ( و أعتذر مسبقاً ممن لا يتفق معي في هذه القراءة السياسية و أستغفر الله العظيم حتى لا أتهم بالكفر و الخروج عن الملة ) كلامه إلى سكانِ هذه المنطقة من العالم ، و تلقفتها و فهمتها الصهيونية العالمية أكثر مما فهمتها شعوب المنطقة الأصيلة و التاريخية  ، و كان الغزو المبرمج لفلسطين لتكون إسرائيلخنجراً مسموماً في خاصرتنا ، لقد عرف إبراهيم باشا و من بعده تحول عبد الناصر من الانقلابي العسكري الذي قاد حركة الثالث و العشرين من تموز عام 1952 ليحولها إلى ثورة رائدة تحولت بمحتواها الثوري في تلك المرحلة لتصبح ثورةً أممية ضد الصلف الاستعماري القديم منه و الحديث  لتحرير البشرية ،  أراد عبد الناصر أن يستعيد ألق نظرية ابراهيم باشا على أرض الواقع ، و بتوفر الظروف الزمانية و المكانية كانت الجمهورية العربية المتحدة التي أعادت لأهلِ المنطقة في تاريخهم المعاصر ،  عزتهم و كرامتهم و قوتهم و استعيدت سواحل الأبيض المتوسط الشرقية و الجنوبية الشرقية إلى حضن أهل المنطقة .

هكذا كانت دولتنا الناهضة التي كانت محط آمالنا و طموحاتنا ، و فيها انتشر الفكر الناصري التحرري ليعم آسيا و إفريقيا و بذلك الفعل الثوري تحررتغالبية دولها و في 28 أيلول الأسود كانت الفاجعة نعم فاجعة الانفصال و تمزق الحلمالثوري في أيامنا المعاصرة ، لا شك اختلفت مواقف الجميع العفويين و المفكرين تجاه الانفصال ما بين مؤيدٍ و رافض و لكن الجميع بات يدرك اليوم أن مصيبة الأمة كانت بدايتها في ذلك التاريخ و بدأنا القهقرى و من فشلٍ إلى فشل ، و الكل يدعي الانتصارات و يدعوا إلى التحرير و القضاء الافتراضي على إسرائيل ، و تحولنا في إعداد قوتنا و تحضيرنا من العمل لحماية حدود البلاد من الخارج و التمهيد للملحمة الكبرى ، لتتغير العقيدة إلى محاربة الداخل المتمثل بالإرهاب ، و تضيع المعادلة الصعبة ما بين الأهداف المتداخلة و يكثر الطباخون ، رحم الله ابراهيم باشا و رحم الله جمال عبد الناصر الذين وحدوا الأمة ، و كان الله في عون المخلصين الذي يعملون على رأب الصدوع و المحافظة على ما تبقي ، و سامح الله أولئك الذين يساهمون بأعمالهم و نظرياتهم في تقسيم  الأمة تحت مسمياتٍ و أهداف لا نعلمُ مصداقيتها و مآلاتها ، وبكل الأسى نقول لقد تبدلت الآمال إلى العمل بما أمكن للحفاظ على بلدان المنطقة موحدةً بما تبقى منها و لن تكونَ سورية بعيدةً عن الفاجعة  ،  بما تبقى منها و قد انسلخ منها شمالها الغربي ( الاسكندرون ) ، و بوادرُ انسلاخ  شمالها الشرقي ( تحت مسمى الإدارة المحلية ) ، و جنوبها الغربي ( جولاننا ) ، و من يدري ما تحمله لنا قادم الأيام ، ما لم تحدث الصحوة الحقيقية لدى أصحاب القرار و في كل المحاور ، قــد تحدث المفاجأة  و تتبدد أحلام أعداء الأمة الجاهدون على إبقائها مجزأة و فاشلة .

نكتب هذه الكلمات و نحن نستعيد ذكريات ما سمي بالعيد عيد الجلاء السابع عشر مننيسان ذلك التاريخ الذي تحررت فيه سورية من ربقة الاستعمار و الهوان ، و اليوم و بعدثمانٍ و ستون عاماً نقول هل تحررت إرادة سورية فعلاً ، و هل هي سورية التي أردناهاًمالكةً لإرادتها ، رافعةً علمها مرددة نشيدها ، أم أنها اليوم و بعد ثمانٍ ستون عاماً فإنهاما زالت تبكي شهدائها و تبكي وحدتها الوطنية ، لقد كنا نتحدث عن بطولات الشهداءالذين قارعوا الاستعمار الفرنسي و كنا نفتخر بهم و نحن نردد أسمائهم ، تعلمنا منآبائنا حب الوطن و رضعنا من أمهاتنا الحنين إلى الحرية و الكرامة ، و لكننا فشلناجميعاً في الحفاظ على سلامة الوطن و حريته و كرامته ، كل من ينتمي لهذا الوطنمسؤول عما آلت إليه سورية من تمزقٍ و تشرذم ، و ما زلنا نسمع في كل لحظة و في كلساعة و في كل يوم من يشير إلى المؤامرة و من يردد نعيق المؤامرة و ما زلنا نستمع لكلالمتنطحين الذين يدعون الوطنية و يرددون نشيد الانتصار على المؤامرة فكلٌ يغني على ليلاه ، و لكن هل هناك من يملك الجرأة و المصداقية ليقول أو ليضع النقاط على الحروففمن هم الذين ينفذون المؤامرة ، و من هم الذين قوضوا الوحدة الوطنية و من هم الذينذبحوا سورية و من هم الذين هدموا الأخلاق و القيم ، و من هم الذين تآمروا على الوطنفي الداخل و الخارج ، و من هم الفاسدون و من هم القتلة ، سؤال برسم الجميع وينتظر الإجابة

 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=42709