الرئيسية  /  تحقيقات

بفعل الأزمة السورية الأمراض الوبائية تنتشر في اللاذقية وطرطوس ... والوقاية والعلاج في أدنى مستوى


خاص دام برس _ بلال سليطين :

قبل أيام كان طالب مهجر يظهر في حالة غير طبيعية في صفه، فاقترب منه الأستاذ لمعرفة حاله وعندما تبين له أنه يعاني من "الجرب" قام باستخدام إصبعين من يده وسحبه بهما من طرف ردائه وأخرجه خارج الصف وطلب ألا يعود حتى يشفى.

ذهب الصبي إلى منزله ليجد أباً عاجزاً غير قادرٍ على الوقوف وأماً ترعى أطفالها وتعمل جاهدة لتأمين لقمة العيش لهم، فما كان منه إلا أن بكى على ما أصابه وبكت معه أمه التي لا تمتلك القدرة على شراء الدواء لطفلها فهو مكلف وفوق استطاعتها.

مرض "الجرب" من الأمراض المعدية وبمجرد دخوله إلى المنزل فإن ذلك يعني إصابة كافة الأطفال به، وبالتالي فإن العلاج يجب أن يشمل جميع المقيمين بالمنزل من أطفال، ولا يكفي بحسب المختصين أن تعالج الولد المصاب فقط حيث يجب أن يشمل العلاج كل الأطفال حتى لو لم تظهر عليهم علائم المرض.

الطفل المصاب وجد من ينظر إلى حاله حيث قدمت له إحدى المنظمات المحلية الدواء له ولأخوته وبالتالي فإن مشكلته حلت لكن بقي عشرات ومئات الحالات الأخرى التي قد لا تجد حلاً لمشكلتها بسبب ضيق الواقع المعيشي وانتشار الأمراض الوبائية.

تقول الدراسات المحلية أن هناك مجموعة من الأمراض تنتشر في أماكن إقامة الأسر المتضررة والمهجرة إلى محافظتي اللاذقية وطرطوس، وأكثرها انتشاراً هي ""الجرب، القمل، التهاب الكبد، والديدان"، ناهيك عن الأمراض الخطيرة الأخرى التي مازالت في حدودها الدنيا وسنفرد لها تحقيقاً خاصاً قريباً.

انتشار هذه الأمراض وغيرها يعود إلى عدة عوامل منها سوء واقع الصرف الصحي في أماكن تواجد التجمعات البشرية من الأسر المتضررة كما هو الحال في قرية "بصيرة" في محافظة طرطوس حيث تنتشر مياه الصرف الصحي في الطرقات وتنتشر معها الحشرات والروائح الكريهة، فالواقع في "بصيرة" لا يطاق ولا يعاش ومع ذلك فإنها تحتضن أكثر من /10000/ إنسان.

كما أن سوء المرافق يلعب دوراً في ذلك كما هو الحال في مراكز الإيواء أو حي الرمل الجنوبي باللاذقية حيث المرافق غير الجيدة من تمديدات وحمامات ومطابخ ووووو....إلخ، ففي حي الرمل الجنوبي (العشوائي) تتشارك كل /5/ عائلات في الحصول على المياه من صنبور واحد وهو خارج المنزل، فيما تم وضع الحمامات تحت الدرج أو انعدم وجودها واستعيض عنها بالمطبخ الذي أصبح مكان الاستحمام، كما أنهم يستخدمون الأوعية المكشوفة لتعبئة المياه نظراً لصغر حجم الخزانات والعدد الكبير للمقيمين في نفس المنزل.

انتشار هذه الأمراض دفع جمعيات المجتمع الأهلي للعمل على مواجهتها وأطلقت مؤخراً حملة للتوعية حولها، وتقول السيدة "سميحة" وهي رئيسة جمعية أطلقت مبادرة في هذا الخصوص، تقول أن التوعية للوقاية لا تكفي لوحدها حيث أنها يجب أن ترفق بتأمين الأدوات اللازمة من أجل ذلك لأنها الأساس.

وتضيف أن هذه الأمراض انتشرت كثيراً في صفوف العائلات المهجرة مما خلف واقعاً صحياً سيئاً، وقد لفتني خلال الحملة التي أقمناها أن أسئلة الأهالي بأغلبها تمحورت حول أعراض أمراض "التهاب الكبد والديدان" وهذا يشير إلى أنها الأكثر انتشاراً بينهم.

السيدة "فاطمة" وهي مهجرة من "الرقة" تتحدث عن غلاء الأدوية وعدم قدرتها على شرائها لأطفالها المصابين، وتضيف :«ثمن علبة دواء الجرب "300" ليرة سورية وهي لا تكفي لأكثر من يوم ويستهلكها مريض واحد، أي أنني أحتاج إلى "900" ليرة يومياً لتأمين هذه الأدوية لأطفالي الثلاثة وهذا فوق استطاعتي».

كما أن مرض التهاب الكبد المنتشر أيضاً يحتاج علاجه إلى حمية خاصة قد تكلف العائلة يومياً حوالي /1000/ ل س، وهو مبلغ كبير جدا بالنسبة لمن هجر من منزله حاملا ثيابه فقط.

حتى أن الوقاية لم تعد بهذه السهولة فتقول السيدة "إيمان" وهي مهجرة من حلب أنها تعيش مع /15/ شخصاً في غرفةٍ واحدة وتأمين وسائل النظافة وظروفها لهذا العدد أمر صعب جداً.

وتضيف "إيمان" التي شملتها حملة توعية حول هذه الأمراض:«نحن بحاجة بشكل دائم للدعم في هذا المجال وتقديم حصص صحية، وقد قدمت لنا البطريركية حصة منذ أيام ونتمنى أن تكون الحصة دورية لأنها خير وقاية».

الدكتورة "رباب" تؤكد أن معظم الحالات التي تراجع المستوصف _في حي شعبي تتجمع فيه الأسر المهجرة_  يعاني أصحابها من "الجرب، القمل، التهاب الكبد، والديدان" وهي أمراض الوقاية منها بسيطة نوعاً ما، حيث لا تتعدى القيام بأعمال النظافة الاعتيادية "غسل الأيدي بالماء والصابون، غسل الخضار والفواكه، عدم تناول الأطعمة المكشوفة" هذه الأمور على بساطتها تساهم كثيراً في الوقاية من هذه الأمراض.

وتضيف الدكتورة "رباب" أن الشفاء من هذه الأمراض ممكن جداً وهو ليس صعباً، فهناك أدوية معينة بمجرد استخدامها يتعافى المريض تدريجياً.

لكن المشكلة في عدم قدرة الأهالي على شراء هذه الأدوية، لقد حاولنا مراراً وتكراراً نشر التوعية حول هذه الأمراض لكن حتى الوقاية تفوق استطاعة هذه العائلات التي تعاني الأمرين، ونحن في المستوصف ليس لدينا هذه الأدوية وإنما نكتبها وصفة ونعطيها لذوي المريض لكن كثيرون منهم يمزقونها عقب الخروج من المستوصف لعدم قدرتهم على شرائها كما تقول "رباب".

الدولة لوحدها لا تستطيع مواجهة هذه الأمراض ومكافحتها وهي تحتاج بحسب الدكتورة "رباب" إلى تضافر الجهود وتعاون الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية لتأمين الأدوية ومستلزمات الوقاية.

مصدر في مديرية الصحة أشار إلى أن الدولة تسعى لتوزيع الأدوية على كل الأسر الموجودة في مراكز الإقامة المؤقتة، لكن بفعل الظرف الذي تمر به بلادنا فإن هذه الأدوية قد تفقد من المستودعات في وقت يصعب فيه تأمينها بفعل الاعتداءات على معامل الأدوية أو الهجوم على قوافل الإمداد المتجهة نحو اللاذقية وطرطوس وما إلى ذلك وحتى بفعل الحصار الخارجي الذي قد يمنع دخول المواد الأولية التي يصنع الدواء بواسطتها، كل هذه العوامل تعود بالسلب على المواطن السوري الذي هو المتضرر الأول مما يحدث.

لقد تحولت التجمعات البشرية للأسر الوافدة إلى أرض خصبة لانتشار مجموعة من الأمراض الوبائية التي إن لم تواجه بحزم وبتعاون كل الجهات ستتحول إلى كارثة صحية قد تكون مواجهتها صعبة جداً خلال المرحلة القادمة.

 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=37077