الرئيسية  /  تحقيقات

المونة.. ذكرى طواها الزمن


دام برس : المونة.. ذكرى طواها الزمن

دام برس : بتول ربيع

المونة .. ذكرى طواها الزمن

تقليد سوري قديم هو إعداد مأكولات (المونة) والتي لطالما تفنن بها السوريون وكثيراً ما تعددت اصنافها، فمن الزيتون بنوعيه الأخضر والاسود إلى دبس البندورة والفليفلة والمربيات إلى الصنف الاشهر من مأكولات المونة وهو (المكدوس)، هذا التقليد الذي بدأ السوريون يعتادون غيابه – مكرهين- لارتفاع أسعار مواده بشكل كبير جداً، فبعد أن كانت البيوت في سورية لا تخلو من هذه الاصناف أو على الأقل معظمها، صار من النادر أن يتمكن البعض من إعدادها، وهذه الأكلات التي كانت لا تدل على حالة مادية لأنها موجودة في كل البيوت مهما اختلفت درجات الحالة المادية اصبحت اليوم إثبات واضح على الراحة المادية لبعض العائلات التي ظلت دون سواها تستطيع شراء المواد اللازمة لإعداد أطعمة المونة.

المكدوس أصبح حلماً..

أم نادر تقول : اعتدت كل العام أن أقوم أنا بإعداد نوعين من المربيات وهما مربى المشمش والفريز، ولكن بسبب ارتفاع اسعار الفاكهة لم أتمكن هذا العام من إعداد أي نوع من أنواع المربى. وعند سؤالها عن باقي الأطعمة أجابت أم نادر: المكدوس اصبح حلماً وكذلك الأم بالنسبة للزيتون، الكيلو الواحد من الجوز الأوكراني اي النخب الثاني سعره اليوم 3500 ليرة، وأنا ربة منزل وزوجي موظف حكومي يتقاضى 21 ألف ليرة شهرياً، ولوازم المدارس قد كست ظهرنا وراكمت علينا ديون كبيرة جداً، وللعام الثاني على التوالي يخلو بيتي من أطعمة المونة التي كانت سنداً كبيراً لمائدتنا في الإفطار والعشاء.

\"\"

معيب ما يحصل بهذا البلد..

أمينة قسّام أكدت الراي السابق بقولها : "المكدوس هذا العام كما العام السابق، حلم صعب التحقيق". وعند سؤالها عن السبب أجابت : فلنحسب سعر المواد المطلوبة، سعر الكيلو الواحد من الجوز البلدي كما قال لي البائع البارحة هو 6300 ليرة أي مايعادل الثلث من راتبي الشهري، وسعر الكيلو الواحد من دبس الفليفلة المستخدم بالمكدوس هو 850 ليرة، فكيف لي أن أفكر حتى تفكير بإعداد المكدوس، وبالنسبة للمربيات فهي محذوفة تماماً لأن أسعار الفاكهة تجعلها أجمل إن ظلت معروضة، وأضافت أمينة لتختم أسفها : معيب مايحصل في هذا البلد، اصبحنا مثل السياح في بلدنا وغير قادرين على شراء أي شيء وحتى الطعام.

  زوادتي باتت لا يملأها إلا الخبز..

غيث رستم (حارس ليلي) قال بأن أطعمة المونة كانت تشكل زوادته الدائمة من زيتون ومربيات وحتى المكدوس والزعتر ولكن اليوم ماعاد يستطيع أخذ زوادة طعام ليقتات اثناء عمله الليلي وذلك حسبما قال بسبب ارتفاع اسعار المواد الاولية وعدم قدرته على تحمل كلفتها، وتحدث عن ذلك قائلاً : واجهت وزوجتي صعوبة كبيرة جداً في العامين المنصرمين لتغطية النقص بالغذاء في بيتنا لأن المكدوس والزيتون كانا ركنين اساسيين في مائدتنا، أما اليوم فلم يعد بوسعي تحمل كلفة مواد المكدوس، وكذلك الأمر بالنسبة للزيتون لأن لا اقارب لي يملكون اراضٍ زراعية حيث يمكن أن أحصل منهم على الزيتون، ولست أنا بمقتدر مادياً حتى اشتري الزيتون، ولهذا تخليت مجبراً عن أحب نوعين من الأطعمة إلى قلبي، ويبدو أنني قريباً ايضاً سأتخلى عن الزعتر لأن سعر الليتر الواحد من زيت الزيتون أصبح 1000 ليرة وهذا ما لاطاقة لي بشراءه ما إن تنتهي الكمية التي عندنا في المنزل.

\"\"

مجبرون على التقنين..

سميرة الضيف قالت أنها اعتادت شراء دبس الفليفلة جاهزاً من السوق لتكتفي فقط بتهيئة الباذنجان لإعداد المكدوس، وتحدثت قائلة : إعداد المكدوس يحتاج جهداً كبيراً جداً من سلق للباذنجان و طحن الفليفلة الحمراء وعصرها تهيئة لوضعها ضمن حشوة المكدوس، ولكن الاسعار الفظيعة جعلتني أغيّر قليلاً، حيث امتنعت هذا العام عن شراء الجوز البلدي لأن سعره حوالي 6 آلاف، واكتفيت بالجوز الأوكراني ذو النوعية الأاقل من البلدي ومع هذا فغن سعره لم يكن أقل من 4 آلاف ليرة، وعبوة زيت الزيتون ذات 20 لتر اختصرتها فبت اشتري عبوة ال12 لتر، وبالنسبة لدبس الفليفلة الذي كنت اشتريه جاهزاً اضطررت هذا العام لصناعته يدوياً لأن سعر الكيلو الجاهز وصل إلى 1000 ليرة، وهذا ماليس من المعقول أن أدفعه ثمن كيلو واحد من دبس الفليفلة لذلك قمت بشراء 3 كيلو من الفليفلة الحمراء الطازجة بسعر 175 ليرة للكيلو الواحد، وقمت بإعدادها من سلق وعصر حتى نتج عندي ثلاثة ارباع الكيلو من الدبس، والقشور التي زادت عن عملية العصر لم أتخلص منها وإنما استخدمتها في الحشوة أيضاً، وهذا ما لم أتوقع أن افعله، بالأخص أننا مقترون مادياً، ولكن القدرة المادية ليست مبرراً حتى نرمي النقود في الهواء، ومن يشتري المأكولات أو المواد الجاهزة من السوق هو يرمي نقوده حقاً.

قريباً سنموت جوعاً..

أبو أكثم الذي يعمل كسائق سيارة أجرة قال وباختصار :كانت مأكولات المونة جزءاً لا يتجزء من بيوتنا فقراء أو اغنياء، ولكنها اليوم صارت مأكولات الأغنياء فقط، والدراويش أمثالنا ليس لهم سوى الله يشكون له الفاقة وقلة الحيلة، وأتوقع قريباً أننا سنموت جوعاً، ولم يعد هناك من أمل أن تنصفنا الجهات المعنية.

وفي حساب بسيط لتكلفة أطعمة المونة نجد أنها أصبحت تكلف ثروة لايملكها فقراء هذا البلد، فالكيلو الواحد من الباذنجان اليوم يباع ب105 للنوع الجيد و85 للنوع المتوسط، والكيلو الواحد من الفليفلة الطازجة هو 175 وسعر الكيلو الواحد من دبس الفليفلة يتراوح بين 800 إلى 1100 ليرة حسب الجودة والنقاء، وسيد الأشعار الباهظة هو الجوز الذي تراوحت اسعاره بين 4 آلاف ليرة للنوع الأوكراني و 7 ىلاف ليرة للبلدي، وكذلك الأمر بالنسبة لزيت الزيتون المستخدم في تخزين المكدوس حيث اصبح سعر اللتر الواحد يتراوح بين 1000 إلى 1400 ليرة حسب الجودة أيضاً، وبالنسبة للمربيات اصبحت ترف لايحلم به السوريون، وإلى حين يصبح سعر الأطعمة أبهظ من أن يتحمله السوريون سيبقى هؤلاء المواطنون المساكين يحاولون جاهدين تأمين لقمة العيش لاسرهم وعائلاتهم.

\"\"

تصوير: تغريد محمد

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=33180