الرئيسية  /  تحقيقات

قصة العرق سوس تعود للفراعنة .. مفيد في علاج أمراض الكلى ومهدء للسعال


دام برس – بتول ربيع :
مهنة العرقسوسي هي المهنة التي تكون بأوجها في شهر رمضان المبارك، حيث أن الصائمين يسارعون في رمضان إلى شراء هذا الشراب تبعاً للعرف الذي يقول بأن لاشيء يطفيء عطش الصائم إلا كأس من العرقسوس، لكن الإقبال على هذا الشراب ليس حكراً على شهر رمضان بل هو على مدار السنة، وكان أن أصبحت هذه المهنة اسم عائلة دمشقية عريقة في هذه المهنة، حيث يقول مؤمن عرقسوسي عن هذه المهنة : أنا لا أزاول هذه المهنة ولكنها كانت مهنة جدي حيث كان يملك محلاً في حي العمارة لبيع العرقسوس، وكان يخبرني بأن إسم عائلتنا العرقسوسي هو لعراقة أفراد العائلة في هذه المهنة، التي لم تعد اليوم مهنة رائجة إلا في شهر رمضان حيث يسارع الناس لشراء العرقسوس.
أما محمد عرقسوسي فقد تحدث عن هذه المهنة شارحاً : مهنة صناعة شراب العرقسوس مهنة دمشقية قديمة جداً وتعود إلى ثلاثة قرون من الزمان إن لم يكن أكثر وهي تقوم على تقطير واستخلاص شراب العرقسوس من الجذور الثانوية للنبتة المسماة "عرق السوس" ، وهي نبتة تكون ذات جذور متفرعة ومتعمقة تحت التراب ويصل طولها من 8 إلى 15 متر, إلا أننا نستخدم الجذور الصغيرة الأقرب للسطح بحوالي 30 سم في صناعة شراب العرقسوس، لأن هذه الفروع الثانوية الصغيرة تحوي المادة الفعالة التي لا يحويها اي جزء آخر من عرق السوس أو جذر السوس، وهذه المادة هي " الغليتسيرين" وتحوي مواداً سكرية وأملاح معدينة من أهمها (البوتاسيوم والفوسفات والكالسيوم والمغنيزيوم) وكذلك يحتوي على زيت طيّار اي قابل للتبخر.
وأضاف محمد عرقسوسي أن شراب العرقسوس كان الشراب الأكثر رواجاً في العقود الماضية حيث كان يكثر تناوله صيفاً لما فيه من مواد تحفظ السوائل في الجسم، وبغياب الاختراعات الحديثة الموجودة حالياً كالمراوح ومكيفات الهواء البارد، كان شراب العرقسوس أحد الوسائل التي كان يحاول بها السوريون التخلص من الظمأ والحرّ, وليست هذه هي كل خصائصه، يقول محمد عرقسوسي متابعا : هناك كذلك خصائص طبية لشراب عرق السوس  وهي أنه مفيد في علاج أمراض الكلى، ومهدء للسعال المصحوب بفقدان الصوت نتيجة تجريح يصيب الحبال الصوتية، كما أن فيه خصائص مقوية ومنقية للدم إلا أنه ممنوع على من يعاني من الارتفاع بضغط الدم حيث يمكن أن يكون له أثر سلبي عليه وذلك عائد إلى أنه يسبب احتباس في السوائل.
وتحدث توفيق عرقسوسي عن عمله في هذه المهنة حيث قال : عملت في هذه المهنة منذ نعومة أظافري وقد ورثتها عن أبي الذي ورثها عن ابيه وجده، فهي مهنة عائلتي منذ أكثر من مئة عام، و قد تعلمت المهنة وأتقنتها منذ أن كنت شاباً في في السابعة عشرة من عمري، و صناعة العرقسوس تتم عن طريق المادة النباتية وهي جزء معين من نبات جذر السوس، وبعد أن كان والدي وجدي يرسلونها إلى إحدى الورشات لتنظيفها، باتت اليوم عملية أكثر سهولة، حيث أن هناك معاملاً متخصصة بتنظيف جذور نبتة عرق السوس وطحنها حتى تتخذ شكل البودرة، وبعد التنظيف والطحن نقوم بتخمير هذه المادة من خلال وضعها في القماش ونبدأ بعملية التقطير حيث نصب الماء عليها تباعاً إلى ان يخرج الماء صافياً خفيف اللون، وعندها تكون المادة قد استُخلصت منها كل خواصها.

\"\"
وحول مقادير صنع شراب العرقسوس يقول توفيق عرقسوسي : صناعة شراب العرقسوس تعتمد على العادة وليس على مقادير محددة فعلاً، فمثلاً أنا حفظت المقادير نقلاً عن والدي وتعلمت أن أعتمد على حاسة النظر قبل أي شيء آخر في صناعة الشراب ، إذ يجب أن ألحظ كثافته، لأن العرقسوس له لون محدد ما إن يبدأ بالخفوت حتى أعلم بأن المادة بدأت تفقدت طعمها، كما أن تذوقي لقطرة واحدة منه كفيلة أن تعلمني بوصول الشراب إلى كثافته  المطلوبة حتى يتم مزجه بالماء البارد أو الثلج بحيث يحافظ على طعمه ونكهته اللاذعة وألا يكون ثقيلاً على اللسان وهذه عيارات أو مقادير تحتاج إلى خبرة حتى تعطي كل مرة النتيجة المطلوبة نفسها, مشيراً إلى أنه اكتسب هذه الخبرة بعد أعوام طويلة قضاها إلى جانب والده يرقبه في كل حركة يقوم بها اثناء صناعة العرقسوس، حتى بات اليوم يصنعه بنفس الطريقة التي كان والده وجده يصناعنه بها على مدة 80 عام.
ويقول مضيفاً : شراب العرقسوس هو شراب لا يشرب إلا طازج، فهو ليش كشراب التمر هندي حيث يمكن صنعه وتركه لعدة ايام، العرقسوس يجب أن يستخدم طازج أي لطالما هو محافظ على لونه القاتم المعروف، وما إن يتبدل هذا اللون ولو قليلاً تكون هذه إشارة إلى أنه قد أصبح فاسداً وغير قابل للشرب.

ويتحدث سامر أحد وارثي مهنة العرقسوسي عن صناعة الشراب قائلاً:
أصبحنا اليوم نحضّر شراب العرقسوس من جذور نبتة عرق السوس الموضوعة في أكياس مغلفة جاهزة بعد أن قامت الوشات المختصة بتجميعها وغسلها و تنظيفها، ثم نقوم بإفراغ أكياس الجذور في وعاء ضخم ونقوم برشه بكمية بسيطة من الماء بحيث تبتل كل الجذور، ونقوم بفرك هذه الجذور حتى يصبح لونها بني محمرّ، ثم نخرجهم من الوعاء ونقوم بفدهم في طبق كبير من نصف ساعة إلى ساعة كاملة بحسب الحرارة، ومن ثم نجمع الجذور ونقوم بلفة بقماش ومن ثم نبدأ بسكب المياه عليها تباعاً حتى يبدأ الون الأاسود بالظهور، وما أن يمتليء الوعاء المخصص بالسائل الاسود نبدأ بعملية التكرير لاستخراج النكهة الحلوة او السكرية من هذا الشراب، ونقوم بتكرير العملية عدة مرات حتى يصبح لون الماء الخارج صافياً ، وبالتالي فإن الجذور ستكون قد تحولت إلى خشب فقط لأننا قمنا باستخراج كل النكهات والخواص منها.
"يوجد عرق في جسمة الإنسان يطلب مادة العرق سوس"
وبالحديث إلى السيد " محمد فتحي رمضان "الملقب بأبو سعيد  الذي ورث هذه المهنة عن أبيه وهو صاحب محل "رمضان" في منطقة الشيخ سعد لصنع شراب العرق سوس، أخبرنا عن رواية توارثها أهل دمشق فقال :أن سبب تسمية هذه النبتة بالعرق سوس، هو وجود عرق في جسم الإنسان يطلب ماد العرق سوس، وأضاف السيد محمد أن نبتة العرق سوس تنبت بمفردها في المناطق البعلية في شمال سورية، حيث كانت هناك العديد من المحاولات لزراعة هذه النبتة ولكن جميعها بائت بالفشل..
"اكتشاف أعواد من نبتة العرق سوس في إحدى قبور الفراعنة"
وروى السيد محمد قصة عن تاريخ هذا الشراب حيث أكد أن اكتشاف نبتة العرق سوس وصناعة الشراب منها تعود إلى آلاف السنين، حيث تم اكتشاف أعواد من هذه المادة في إحدى قبور الفراعنة المصريين..

  تصوير : تغريد محمد
 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=32378