الرئيسية  /  تحقيقات

هل نقف في صف الوطن أم أعدائه..؟! علاء أوسي


دام برس : هل نقف في صف الوطن أم أعدائه..؟!  علاء أوسي

دام برس:

على وقع النفير العسكري الغربي لإجراء ضربة عسكرية على سورية، يكمل السوريون حياتهم اليومية، غير آبهين أو خائفين من أي عدوان عسكري يسعى لتحقيق مصالح غربية على الأرض السورية، الأمر الذي وحّدَ غالبية الشارع السوري رفضاً لرؤية الصواريخ الأمريكية تتساقط على بلدهم مهما كانت المسوغات لذلك.
وعلى الرغم من تدمير آلاف المنازل وتشريد مئات الآلاف بين نازح ولاجئ بسبب الأزمة الاستثنائية التي نعيشها، إلا أن السوريين لا يرغبون في فرط العقد الاجتماعي الوطني. ولهذا لم يدخل غالبيتهم الصراع، فالسوري إنسان يعيش حياة بسيطة بعيدة عن التعقيدات، وهو ما يجعله يرى العدو الحقيقي بوضوح، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عزز وجود الاستعمار في المنطقة منذ عقود طويلة مفهوم الهوية الوطنية ورموزها وضرورة الحفاظ عليها، وزادت معها إرادة الشعب السوري في حماية وطنه.
ولكن السؤال الرئيسي الذي يراود الكثيرين اليوم: هل نقف في صف الوطن أم أعدائه..؟!
آراء كثيرة متباينة ومشاعر متناقضة يبديها الشارع السوري اليوم الذي باتت أنباء العدوان الأمريكي على بلاده تشغله، فأمسى هاجس الأمن الذاتي شغله الشاغل؛ فأضحى أسير نشرات الأخبار يتابعها بشغف بحثاً عما يزيح القلق عن كاهله. فوسيم سيمان (35عاماً) يشعر بالقلق من أن العدوان سيؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة، ويؤدي لتدمير أجزاء من الأرض السورية؛ كما أنه سيفتح الباب أمام المجموعات المسلحة المدعومة من الخارج للاستفادة من العدوان. وأشار إلى أن المجتمع تفاعل مع الموضوع بترقب وحذر ممزوجاً بعدم التصديق من البعض، إذ جهد الناس للاستمرار بحياتهم التي اعتادوها في أشهر الأزمة بكل صعوبتها، وأكد أن ظهور العامل الخارجي بهذا الوضوح قد يتحول من تهديد إلى فرصة لتوحيد معظم السوريين لمواجهته.
وعن دور الشباب قال وسيم: (إنه دور محوري، شريطة أن ينظم بعيداً عن الفردية التي هي من أهم مشاكل مجتمعنا، لأن النوايا الحسنة غير المقرونة بعمل جماعي منظم لا تكفي للإنجاز).
أما سليم الجمل (27 عاماً) فقد رأى أن الخبر مقلق، لأن تاريخ الوحش الغربي في المنطقة أسود، سواء في فلسطين، أو العراق، أو لبنان، أو ليبيا... وكان دائماً يتخذ من حماية المدنيين ذريعة، بينما هدفه الرئيسي هو الغزو والتدمير بغية السيطرة على السيادة الوطنية للدول.
وأشار سليم إلى أن سورية منذ عهد الاستقلال اتخذت خطاً سياسياً محدداً، ولم تغير في توجهاتها كثيراً، وهو ما خلق حالة من الثقة في اللاوعي لدى المواطنين في الدولة التي كانت دائماً تقدم لهم كل ما يحتاجونه، لذا لم يكونوا قلقين من ناحية فقدان الحماية بل تركوا للجيش والأمن (كمؤسسات وطنية) القيام بواجباتهم في الدفاع عنهم وعن أرضهم.
وتابع مؤكداً أن الشعب السوري لا يخاف الموت، بسبب عقيدة الشهادة في سبيل الوطن. وخير مثال على ذلك الثلاثة عشر طياراً الذين وقَّعوا على تعهّد لتشكيل طاقم من الانتحاريين لمواجهة أسطول الطيران الحربي الأمريكي، إضافة إلى ثماني آلاف انتحاري على الأقل جاهزين لمواجهة الضربات الغربية في حال تنفيذها.
أما الحال مع لينا (28عاماً) فوصل إلى درجة عالية من التوتر والتعصب للبلد، وقالت: (إنها المرة الأولى التي ألمس فيها معنى الوقوف على الهاوية واحتمال خسارة وطن كامل)، ولكن على الرغم من كل شيء فالإنسان السوري لم يتوجه إلى الملاجئ.. وهو اليوم يعيش حياة شبه طبيعية بغض النظر عن فكرة الاعتداء الخارجي.
وبالنسبة لمحمد (29عاماً) فالوضع مختلف، فهو يرى أن المجتمع السوري منذ بدء الأزمة يتعرض لشتى أنواع الانتهاكات في الحقوق من اعتقال وتشريد وإذلال وغيره، وتساءل: ماذا سيحدث في حال التدخل العسكري الخارجي، هل سيقصفنا الغرب بدلاً من إخوة لنا في الدم السوري..، وقال: (ليس هناك فرق من الذي يقصف، مادام الشعب السوري اعتاد ذلك).
كما رأى فراس (33عاماً) في قذائف الهاون التي تطلقها المعارضة المسلحة على العاصمة أسوأ من الضربة العسكرية الغربية المحتملة، خاصة أن (هذه القذائف تسبب لنا الخوف، لأنها تسقط على رؤوسنا وتدمر بيوتنا وتقتل الأبرياء والمدنيين).
وأشارت دكتورة نفسية (طلبت عدم ذكر اسمها) إلى أن الوضع الحالي الذي تعيشه سورية قد بدأ صراعاً داخلياً بين الإخوة، عمل فيه كل فريق على تجميع الإمكانات والوسائل للدفاع عن توجهه، ونتيجة لعدم وجود نقاط مشتركة بين الفرقاء وصلوا إلى مرحلة الصراع (القتال). وعلى الرغم من توجيه النقد لأفعال كلا الطرفين، إلا أن الصراع استمر، وهو ما يشير إلى أطراف خارجية لديه مصالح مباشرة على تحريك الصراع بما ينسجم مع مصالحها، وهو ما زاد من الانفصال والتمترس بين أطراف المجتمع السوري على أهداف عشائرية أكثر منها وطنية.
كل ذلك أدى إلى أن يعاود الناس حياتهم الطبيعية بغض النظر عن هؤلاء الأطراف؛ ساعين للبحث عن حماية شخصية ونقاط قوة في الدولة ومؤسساتها. لأنها هي الحامي، وأحد نقاط هذه القوة الجيش العربي السوري.
وعن ردة فعل الشارع السوري على تصعيد الخارج لتحقيق مصالحه أشارت الدكتورة إلى أن الناس يرفضون ذلك في اللاوعي، خاصة أن الأطراف الخارجية وصلت إلى مرحلة الصراع على أرض غير أرضها من أجل مصالحها، وهنا سيفكر الناس أيضاً بموقفهم وبمواطنيتهم، وسيفكرون: هل سيكونون في صف الوطن أم في صف الخارج، وقالت: (هنا ستكون اللحظة الحاسمة مهما كان الإنسان لامبالياً ومغيباً عن الواقع، يصير عندئذواقعياً، ويشعر بأن له مكاناً وله دوراً وهو المرتبط مباشرة بما يحدث الآن، لأنه سيمسه شخصياً، كما أنه سيعاود التفكر بمفاهيم ترتبط بالهوية الوطنية كطريق وحيد).
وأشارت إلى أنه حتى إذا هرب الإنسان إلى خارج القطر فسيشعر أنه مسؤول، لأنه مرتبط بالهوية الشخصية الوطنية، لذلك سيتخذ موقفاً جدياً، وبقدر ما تقسم هذه اللحظة المجتمع بقدر ما توحده أيضاً، فهي تقسمه على مستوى الفئات العاملة بالمجتمع، وتجعل الفرد يتساءل: إلى أي فئة يجب أن أنتمي لأحمي نفسي ومجتمعي، وعندئذ يحدث التوحيد على مستوى الوطن، وهو ما يساهم في تحقيق الهوية الوطنية.
أما بالنسبة إلى الضربة العسكرية فعددتُها من اللحظات الحاسمة لأي مجتمع على المستويين الوطني والقومي، لأنه عندما يهتز الأمن تطلق الشعوب صرخات قوة ومجابهة وصرخات تحدٍّ، لأن الأمن العميق هو الذي يهتز، ومن الممكن أن تنقلب موازين القوة ويتماهى الضعيف مع القوي، وينقلب إلى وحش كاسر يدافع عن نفسه، لأن طاقة الخوف تتحرر وتنطلق على مستوى الشعوب بسبب التماهي مع المعتدي. وسنشهد على المستوى السوري رغبة عارمة في إسقاط الخصم الأمريكي، بسبب طاقة الخوف التي تتحول إلى قوة فعالة تسري في عروق الإنسان، لأنه أصبح أمام الخصم الحقيقي وجهاً لوجه، وليس أمام الخصم الوهمي الذي كان ضرباً من الخيال المسقط أمام أي سوري.
ولدى سؤالها عن ترحيب جزء من الشارع السوري بالعدوان الخارجي قالت:(يوجد نسبة ضئيلة من الشعب السوري لديها موقف عدائي من الرموز، إذ إنها تستعد لاستدعاء العدو وتفجير أكبر قوة عدوانية ممكنة لتفجير ذاتها مع الوطن، وعن سبب ذلك قالت: (لأن لديها مشكلة في هويتها (وربما هويتها الجنسية)، وهذا يتقاطع مع مفهوم الجنسية السورية، وهذا ما نراه حقيقة في أشكال العنف الموجه نحو الإنسان الآمن). وأضافت إن هذه الفئة  تحتاج إلى علاج نفسي حقيقي للخروج من أزمتها الشخصية، ولا يمكن للمجتمع أن يندمج بخطها، ولا يمكن أن تجتذب أي فئة من فئات الشعب العادي فهي لا تمتلك المجتمع.
وفيما يتعلق ببحث الإنسان عن الأمان في ظلِّ الوضع الحالي: أكدت أنه من حق الإنسان أن يبحث عن المكان الآمن ويحذر من ضربة عسكرية مفاجئة، خاصة أن لدى الشعب السوري تجربة سابقة بعدوانية الولايات المتحدة، الأمر الذي يثير الخوف في قلب المواطن ويجعله مستعد لاحتمال الأسوء بطريقة البحث عن نقاط القوة والدعم والتشبيك بين أفراد المجتمع، والبحث عن تحقيق حياة أسرية آمنة قدر الإمكان.
ولفتت الدكتورة إلى أن الإنسان السوري يدعم مواقفه المدافعة عن الوطن ضد الأمريكيين بالإيمان الذي يعطيه طاقة جديدة ويدفعه للعمل اليومي ضمن مسيرة حياة عادية، وهو ما يشكل له دواء ومهدئاً لمرارة مواقف العنف الموجهة إليه.
ويبقى المواطن السوري هو من يدفع ضريبة الأحداث السياسية التي راح ضحيتها آلاف الشهداء والمفقودين، وتشردت بسببها عائلات كثيرة، وترملت نتيجة العنف المنتشر نساء وتيتم أطفال، ولم يسلم الشيوخ من الابتزاز. فاليوم بات ضرورياً نبذ العنف واللجوء إلى الحوار، فليس أمامنا من حل للأزمة التي نعيشها إلا الحل السياسي.
علاء أوسي
 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=31514