دام برس: عندما تتحدث القلوب عن الوطن تتدفق بدل الدماء انهارٌ من العاطفة الوطنية وبحارٌ من الحب ، وعندما تتوجه ذات القلوب بالحديث إلى قلوب أخرى عاشقة لذات الوطن تتوسع شرايينها وتسكب ما في جوفها من ينابيع الهوى عطراً من ماركة الإنتماء ، وعندما يكون معشوق القلوب جريحاً مكلوماً مفجوعاً نازفاً .. تفتح صماماتها لتسقط دفقاتٍ من الدمع حزناً عليه وأسفاً لحاله وإحساساً بفجيعةٍ اصابتها إذ اصابته ، لكن القلوب ذاتها لا تلبث أن تستمد من حبها لتربة الوطن قوتها ومن عشقه ألقها لترفد الوطن المعشوق بما يحتاجه من البلسم ولتعطه قبلةً يزكيها ترياق القلوب .... . هكذا تقريباً بدأت أول أمس مقالةً ضاعت وتاهت في غياهب الحواسيب وشبكات الانترنت قبل حفظها ، واليوم أصمم على إعادة صياغة بعض ما كان فيها وأضيف إليه بعض ما يتسكع في شوارع الدماغ عن ذات الموضوع وعن بعض ما يخصه ويتعلق به . منطلقاً من إيماني بأن بعض المضامين لا وقت يؤطرها ولازمن يمحو بريقها وألقها ، هكذا اتحدث أنا إن تحدثت عن سوريا ، وهكذا قرأت ولي كل الفخر حديث الرئيس الأسد الأخير عن سوريا وأهلها .. كما عن أعدائها ... .
بعض المواضيع والأحداث و الأقوال تتربع بعد حدوثها على رفوف أرشيف الأدمغة ويكسوها الغبار وتهترئ صفحات مجلداتها وتتلون بالصفار ولا تمتد إليها أيادي العقول مجدداً نظراً لتفاهتها وعدم أهميتها أو تأثيرها في مجرى الأحداث الخاصة أو العامة لبلد ما أو شعبٍ بعينه أو مجموعة بشرية تعيش حقبة محددة أو مجموعاتٍ قد تهتم لاحقاً بذات الحدث أو الفعل أو القول ، خير أمثلة على هكذا شرح أو توصيف هي الأفعال أو الأقوال التي ينهشها تقادم الزمن ويفقدها مضمونها ويلغيها كأقوال وتصريحات كل افرقاء العدوان على سوريا وكل ما سكبوه من قيح أفواههم النتنة من الإعلانات المتتالية عن قرب رحيل الأسد بشكل خاص ، وعن قرب تحقيق إسقاط الدولة السورية شعبان وجيشاً وقيادة ، وعن توصيف الإرهاب القاعدي في سوريا بالثورة وإعطاء ذباحي جبهة النصرة صفة المجاهدين في سبيل الحرية والديمقراطية ، هذا الفريق الذي تزعمه اوباما و أولاند وكاميرون ونتنياهو فيما كان البقية أبواقاً في يد أولئك كالبوق العثماني والبوق الآل ثاني والبوق الآل سعودي والبوق الجنبلاطي والبوق المتولدن ذو الملمس الحريري والبوق الجعجاع ، والبوق الملتحي القرضاوي والناعق عزمي بشارة والقلم الأصفر عبد الباري عطوان وأبواقٌ أخرى لا عدد لها ولا حصر بات يعرفها القاصي والداني ولا حاجة لتعدادها . وبعض الأحداث والمواضيع والأقوال تكون كاللآلئ تزداد جوهرةً ولمعاناً وقيمةً ومصيريةً وتأثيراً مع الوقت وتحتفظ بها الذاكرة في خزائنها الحية ويفرد لها التاريخ أبهى صفحاته وأجملها وأكثرها أهمية ، لا هي تعترف بالتقادم ولا هو قادر على النيل من فاعليتها وأهميتها وحيويتها كأقوال عظماء القادة السياسيين و العسكريين و أولئك أيضاً لن نخوض في تعدادهم لأن كل من قرأ التاريخ يعرف بعضهم و كل من يعيش الواقع يعرف بعضهم الآخر ، لكن ما يهمنا أن نؤكد هنا أن الرئيس الأسد فرض نفسه واحدٌ من أولئك .. شاء من شاء و أبى من أبى ... . من هذا المنطلق كان لا بد لي من الخوض وإن متأخراً ولكن بطريقتي أو لنقل " بتصرف " في بعض الجوانب ذات الدلالات البالغة الأهمية من حديث الرئيس الأسد الأخير .. الحديث الذي كان ولا زال وسيبقى له بالغ الأثر في مجريات أحداث القادم من الأيام لأنتهي بما يفرضه المنطق من تصور مبني على نتائج معارك الميدان ... .
وكما كان لسيل محبة الأسد حضوره كان لقذائف براكينه وحممها حضورها ، تلك القذائف التي أصاب بعضها رأس أردوغان فأسقط عن وجهه قناع الخليفة الإسلامي المحارب في سبيل قضية فلسطين و نصرة الإسلام فيما هو مستعدٌ لبيع دينه ودنياه ووطنه في سبيل أمجاده الشخصية ، بعد أن حول تركيا مع صديقه أوغلو من دولة هدفها تحقيق حالة صفر مشاكل إلى حكومة تغرق في بحرٍ من صفر الأخلاق وما يحيط به من بحار أصفارٍ أخرى عددها الرئيس الأسد بحنكة وذكاء . وكان لبعض الحمم أن تصيب دماغ القزم الجنوبي الذي ينطبق عليه المثل الشعبي المصري " أسمع كلامك أصدقك .. أشوف أمورك استعجب " ، لكن الملفت كان تلك الرسالة المبطنة التي تفيد بأن القيادة السورية لن تكتفي بحالة الدهشة والإستغراب فقط وإلى ما لا نهاية ، وأن إجراءات تتخذ في الميدان لمواجهة أية تطورات على الحدود مع " الجار الشقيق المعادي " إلى الجنوب من سوريا ... .
تجاهل الرئيس الأسد للحالة الأعرابية ونشاطاتها وقراراتها وعمالتها ونذالة افرقائها كان ملفتاً ، وكان لافتاً تأكيده أنهم مجرد أدوات وأنهم لا يملكون قرار أنفسهم فكيف لهم أن يمتلكوا قرار مصير دولة بحجم ومكانة ودور وأهمية سورية ، لكنه شملهم حين تحدث عن أعداء الوطن بالقول أن مسألة إسقاط سورية بالنسبة لهم هي قضية حياة أو موت ، ولا ريب أنهم ألد الأعداء وأشدهم وضاعةً وخسةً . أطلق الأسد نيرانه باتجاه معظم افرقاء المعارضة فأصابها معنوياًوة تشريحياً في مقتل وأظهرت مفرداته النارية كل نواقص " المعارضة السورية " و- كل آثام وجراثيم وعفن وقرف وأمراض الجماعات الإرهابية التي يطلق عليها بعض من يسمي نفسه معارضاً معتدلاً " المعارضة المسلحة " ، وكشف حين ثبت تلك المعارضة بكل اشكالها على المشرحة و مزق جلدها ليتدفق السم الزعاف من اوردتها ولتظهر للعيان ودونما الحاجة لمجهر أو عدسات مقربة أورامها السرطانية المعندة على العلاج وآفاتها المستفحلة والمستشرية على طول وعرض جسدها من الرأس حتى أخمص القدمين ، فاضحاً من تعامل منها مع العدو وباع الوطن من أجل بضعة براميل من النفط أو الغاز أو من أجل أمجادٍ شخصية رسم له أسياده شكلها ومكانها وحددوا له ساعات أصفارٍ تتلوها ساعات أصفارٍ لاستلامها وتبوئها بعد الرحيل الموعود للقيادة السورية وسقوط سوريا شعباً وجيشاً وقيادة ، وهو ما أثبت الواقع الميداني أنه كما حلم إبليس بالجنة ،، وأنه ببساطة الهدف المستحيل العصي على التحقيق .... . |
||||||||
|