الرئيسية  /  كتاب وآراء

على طريق الحوار ..الجزء الأول .. بقلم الكاتب والمحلل السياسي عفيف دلا


دام برس : على طريق الحوار ..الجزء الأول .. بقلم الكاتب والمحلل السياسي عفيف دلا

دام برس - خاص:

على الرغم من مرور عامين على بداية الأحداث في سورية إلا أن هناك حتى الآن اختلاف في توصيفات البعض لواقع الأحداث في سورية فمنهم من يرى أن ما جرى في سورية ثورة شعبية من وحي ثورات شعوب المنطقة على الأنظمة السياسية فيها ومنهم من يعتبر أن ما جرى هو حراك شعبي مطلبي سلمي تم استغلاله من قوى خارجية معادية لتغيير المعادلة السورية وفق أجنداتهم وهؤلاء يقرنون هذا الاستغلال الخارجي بتوفر مجموعة من الأخطاء والسلبيات المتراكمة في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة السورية ويحملون    " النظام السياسي " مسؤولية هذه التراكمات وهناك من يرى أن الحاصل في سورية هو جزء من مشروع استعماري كبير يستهدف المنطقة بغية تفتيتها وإعادة رسم الخارطة السياسية وكسر محور المقاومة في المنطقة وعموده الفقري المتمثل بسورية ..
وباعتبار أن المرحلة الحالية في سورية هي مرحلة الحوار الوطني ولأننا نريده حواراً وطنياً تشترك فيه جميع مكونات الشعب السوري السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتطرح هواجسها وأفكارها وآراءها وليس حواراً سياسياً يقتصر على الطبقة السياسية دون باقي طبقات ومكونات المجتمع وليس فرصة لمحاصصة بين القوى السياسية الموجودة بل فرصة للنهوض بسورية أقوى وأكثر منعة وحصانة مما قبل مستفيدين من التجارب السابقة جميعها ولاسيما تجربة الأزمة بكل مرتسماتها فلا بد أن نتوقف عند توصيف ما جرى في سورية من أحداث ونضع مقاربة منطقية وموضوعية لها بعيداً عن الإطار الأيديولوجي أو الحزبي منطلقين من مناقشة التوصيفات السابقة ومعرفة مدى دقتها وصلاحيتها في توصيف الأزمة السورية .
أولاً : لمناقشة فكرة أن ما جرى في سورية ثورة شعبية تشكل امتداداً للثورات الشعبية في بعض دول المنطقة تحت مظلة ما سمي بالربيع العربي لإسقاط النظام السياسي في سورية  نقول :
دون أن نغرق في توصيف حقيقة ما جرى في بعض الدول العربية بأنه ثورات شعبية أم لا نقول بأن لا ثورة بغير نظرية ثورية ففي كل التجارب الثورية لم نقرأ أو نسمع عن ثورة شعبية قامت في بلد ما دون أن ترتكز إلى نظرية ثورية تلخص منظومتها المفاهيمية والقيمية ويقوم على نشرها وترويجها بين الناس مجموعة من المنظرين والمفكرين السياسيين وعلماء الاجتماع ممن يشكلون النخبة المثقفة في الثورة التي تقود بقية أفراد الشعب في سياق زمني تراكمي أي أنه لا تقوم ثورة شعبية بين عشية وضحاها ولو حدث شيء من هذا القبيل فلا يمكن لها أن تبلور ذاتها لأنها في هذه الحالة تكون رد فعل شعبي على حدث ما أكثر من كونها  ثورة منظمة لها إطارها الفكري ورؤيتها لما بعد تحقيق أهدافها إذا افترضنا جدلاً أنها حققت جميع أهدافها أو جزءاً منها فيكون لها برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي التقدمي التطويري، وهذا ما يشبه إلى حد بعيد ما جرى في مصر فلم تكن ثورة بقدر ما كانت حراكاً شعبياً مطلبياً دونما رؤية لما بعد تحقيق الهدف الرئيس المعلن فدخلت في متاهات النزاع السياسي بين القوى الموجودة وضاعت في النفق المؤدي إلى الإجماع الشعبي المفقود ..
إضافة إلى أن قيمة الثورة إضافة لنظريتها الثورية تكون بشموليتها فلا تعبر عن لون واحد أو طيف واحد من أطياف المجتمع الاجتماعية والسياسية حتى لو كانت نخبتها من لون سياسي معين فعندما قامت حركة الضباط الأحرار في مصر بثورة يوليو 1952 كانت تعبر عن تطلعات الشعب المصري بكل فئاته على الرغم من قيادة الطبقة العسكرية لها كما أن ثورة آذار المجيدة التي قام بها حزب البعث العربي الاشتراكي لم تعبر عن مصلحة البعث كحزب بل عبرت عن مصلحة الشعب العربي السوري الذي كان يعاني من طغيان الإقطاعية واستغلال الرأسمالية ..
كما أن قيمة الثورة أيضاً تعبر عنها منظومتها القيمية والأخلاقية البناءة الدافعة إلى الأمام والتي تنطلق من تعريفها للفرد بمعناه القيمي كإنسان وبمعناه السياسي كمواطن وتحدد دوره في المجتمع في سياق بنائي تقدمي لأن هدف أي ثورة حقيقية هي الانتقال من واقع سيء إلى واقع جيد أو من واقع جيد إلى واقع أفضل وبالتالي تتجلى قيم هذه الثورة في منطلقاتها النظرية وسلوكها العملي أما ما يكون قائماً من ثورات على حركية إلى الوراء وعقلية استئثارية إقصائية للآخر بكل الوسائل وفكر هدام لا بناء للفرد كإنسان ومواطن من خلال تقويض مفهوم الدولة ودورها في حياة الأفراد ونسف العقد الاجتماعي القائم وتعويم العلاقة بين الفرد والدولة دونما أسس واضحة أو معايير محددة فهنا نكون أمام حراك عبثي عشوائي رجعي لا يمت للثورة ومفهومها بصلة . 
أما سلوك الثورة أو ما يمكن أن نسميه الفعل الثوري فهو الدال على ماهية الثورة وطبيعتها فلكل مدلول دال عليه، وفعل الثورة وسلوكيتها تدل على طبيعتها وحقيقة أهدافها وإمكانية استمرارها فما من ثورة قامت تحت شعار مصلحة الشعب وقامت بتدمير منشآته أو الإطاحة بمكتسباته التي راكمها على مراحل زمنية طويلة وحققها بجهده وتضحياته فالثورة الفرنسية على سبيل المثال وعلى الرغم من أن العامل الطبقي والاقتصادي كان محركها ودافعها للإطاحة بالنظام الملكي وطبقة النبلاء المرتبطة به إلا أنها لم تدمر القصور الملكية ولا بيوت النبلاء ولا المنشآت العامة بل حافظت عليها كإرث للحضارة الفرنسية وتوثيق لمرحلة تاريخية عاشتها الأمة الفرنسية ..
وباعتبار أن الثورة تأسيساً على ما عرضناه آنفاً حركة شعبية تعبر عن تطلعات الشعب بكل فئاته فهي بالضرورة تعبر عن ثقافة المجتمع وخصوصيته الحضارية والثقافية فلا تكون مصطنعة على مستوى شعاراتها المطروحة وناسخة لشعارات الشعوب الأخرى دونما تبيان الخصوصية المجتمعية لها فالثورة الحقيقية هي تلك التي تظهر في كل مكون من مكوناتها خصوصية الشعب الحضارية والثقافية وموروثه التاريخي، فمن العجب أن تكون جميع الثورات في المنطقة لها نفس الهدف العريض المتمثل بإسقاط النظام على الرغم من التباينات في الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول فتونس سياسياً واقتصادياً لا تشبه مصر ولا تشبه ليبيا ولا تعاني ما تعانيه مصر من تناقضات سياسية وليس فيها ذاك النفوذ للتيارات الدينية كما هو الحال في مصر لا في البرلمان ولا في الحكومة ولا في المجتمع حتى، ومع ذلك كان الهدف في كل تلك الدول ذاته وكانت نتيجة الحراك الشعبي ذاتها أيضاً فمن حصد نتيجة هذا الحراك هي التيارات الإسلامية السياسية فقط فأين الخصوصية التونسية التي على الأقل قد تفرز نتيجة متمايزة عن نتيجة حراك الشعب المصري ولو كانت جدلاً متفقة معه في هدف الحراك وهو إسقاط النظام ؟ فنرى على سبيل المثال القوى اليسارية أو العلمانية أو الليبرالية في سدة الحكم انسجاماً مع واقع البنية الاجتماعية السياسية لدولة علمانية كتونس، فالخصوصية في هذا السياق تتجلى على مستوى أهداف الثورة وآلية حراكها وفلسفتها السياسية بمعنى نظريتها الثورية وبالتالي نتائج قيام هذه الثورة، أمّا أن تكون الخصوصية هنا منتفية بالمطلق فلا تظهر بأي من تجليات حركية هذه الثورة إضافة إلى غياب النظرية الثورية والنخب المثقفة لكل هذه الثورات يزيد من حجم الشك والريبة في منطلق هذه الثورات برمتها وحقيقة أنها ثورات فعلاً انطلقت كل منها من واقع خصوصيتها فكانت في مكان ما أكثر نضجاً من مكان آخر أو حققت في بلد ما لم تحققه الثورة الأخرى في بلد آخر فبالتالي هل يمكن أن نقبل بأن الصدفة خلقت هذا المشهد المتشابه في كل الساحات العربية فكانت ذات مطلب واحد وظفر بالسلطة تيار واحد ووصلت جميعها إلى نتيجة واحدة هي الفوضى السياسية وبدايات الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وفقدان الأمن والأمان.
والجدير بالذكر هنا أننا لا يمكن أن ننكر وجود أي حالة مطلبية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لشعب ما من شعوب المنطقة لا بل ربما لكل فرد من أفراد هذه الشعوب إلا أن الحالة المطلبية لا يجب أن تكون على تناقض مع مفهوم السيادة الوطنية فتجعله على المحك وفي عين العاصفة التي تهدد وجوده وإنما يجب أن تكون معززة للسيادة ومكرسة لها فالحالة المطلبية بالأصل تنطلق من الإحساس بفقدان مرتسمات السيادة الوطنية على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي عبر وجود تشوهات في ممارسة السيادة الوطنية في بعض المواضع فتكون هنا الشعوب المنطلقة من حسها الوطني هي المصحح والمقوم لأي اعوجاج في البنية الوطنية أو الممارسة الفعلية لها ولذلك كان الشعب ولا يزال مصدر كل سلطة وسيادة في كل القوانين الدستورية والأعراف الديمقراطية ورغم كل ذلك لم نر حراكاً في الدول ذات الأنظمة الملكية الأوتوقراطية التي هي أحوج ما تكون لمثل هذا الحراك كدليل حياة وعافية لشعوبها فهل من المعقول أن كل شيء لديهم على ما يرام على مستوى التمثيل السياسي للشعب بكل فئاته هناك وعلى مستوى الوضع الاقتصادي لمجتمعاتهم والوضع الثقافي والتعليمي وغير ذلك من متطلبات الحياة وأسس النهوض الحضاري وإذا كان كل شيء متوفر لديهم لماذا لم نشهد في تلك الدول الملكية الخليجية ثورة صناعية فنرى صناعات متطورة لديهم تغنيهم عن الاستيراد من دول الغرب من البسكويت إلى الطائرات الحربية أو ثورة تكنولوجية فيرتفع في الفضاء أقمار صناعية خليجية لأغراض البحث العلمي أو ثورة علمية فنرى مفاعلات طاقة نووية للأغراض السلمية أو على الأقل نسمع بأسماء علماء ومفكرين وفلاسفة وباحثين في تلك المنطقة فهل تحرك شعوب الأنظمة الجمهورية وسكون شعوب الأنظمة الملكية الأوتوقراطية على سبيل المصادفة أيضاً أم أن هناك ما وراء الأكمة ؟؟
إضافة لكل ما سبق ذكره وفي خضم كل تلك الأفكار ألا يوجد مكان لفكرة المؤامرة الاستعمارية على أمتنا ووطننا لأسباب منها ما بات معروفاً تاريخياً بالنسبة لمن يقرؤون التاريخ فعلاً من شعوبنا أو لمن على الأقل يملك ذاكرة جيدة فيستحضر معالم المشاريع الاستعمارية وإرهاصاتها ونتائجها في مراحل سابقة من تاريخنا الحديث ففي ظل وجود هيمنة أمريكية أحادية وانزياح للشعور القومي على مستوى العالم لحساب البراغماتية المتطرفة والقطرية العمياء وتغير مفهوم الأمن القومي وظهور نزعات إقليمية وطائفية ومذهبية في زمن الديمقراطيات المفروضة بالقوة في حال انعدام الانقياد الشعبي للنموذج الأمريكي لها وتدهور واقع الكيان الوطني الجامع في ظل دعوات الانفصال والاستقلال تحت شعار حقوق الإنسان وحقوق الأقليات ، ودخول المشروع القومي العربي مرحلة الموت السريري في عصر التسليم لإسرائيل بأحقية قيادة المنطقة على مستوى النظام الرسمي العربي الذي لولا وجود منظومة المقاومة كمعادل إستراتيجي للمشروع القومي في مواجهة المشروع الصهيوني ملأت جزءاً من الفراغ المتولد عن غيابه وموته السريري؛ لكان ربما لم يتبق للعرب قضية يناضلون من أجلها ولا تاريخ يتذكرونه ولا حاضر يعيشونه ولا مستقبل يفكرون به .. هذه هي بعض العوامل الموضوعية لحضور القوى الاستعمارية في ساحتنا العربية مضاف إليها عوامل ذاتية ترتبط بحسابات المصالح الإستراتيجية لهذه القوى في منطقتنا العربية فهل من المعقول أن تبقى أمريكا في موقع المتفرج مما يجري في بلدان تمثل مصلحة إستراتيجية لها ولحليفتها إسرائيل فهل كان من المنطقي أن تقف أمريكا مترقبة التغير المحتمل في الجغرافية السياسية في المنطقة وما يمكن أن تمثله من خطر على ما حققته أمريكا وإسرائيل في المراحل السابقة على مستوى تفكيك المنظومة العربية في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي منذ كامب ديفيد الأمر الذي يعرض مصالح إسرائيل الإستراتيجية للخطر فهل كانت أمريكا لتضحي بنظام حسني مبارك مثلاً دون أن تكون ضامنة أن البديل سيكون أشد ارتهاناً لها وأكثر حرصاً على مصالحها ومصالح إسرائيل في هذه المرحلة التاريخية بالذات، ولن أتحدث في هذا السياق عن رؤيتي للتدخل الاستعماري في المنطقة وإنما طرحت مجموعة من المفاهيم والتساؤلات المنطقية التي أترك للقارئ الإجابة عنها ليتلمس طريق الحقيقة فيما جرى في منطقتنا دون إقحام وجهة نظر معينة في عقل القارئ .

  يتبع..
 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=25935