الرئيسية  /  كتاب وآراء

الـعـراق بيـن فكـي الديمقراطية التوافقية والاجـندة الـعـُربانيـة المتصهينة .. بقلم: د احـمـد الاســــدي


دام برس:

نـبيــح الــكــلاب خــيــفـــــه ... تقـافــز القـرود مـَدعــبــــــه ... صـمـت الأســود حــكمــــــه .... كـاتـب السـطـور لـســت بصـدد اســتـذكـار شــمـوليـة حـزب الســلطـة , الـتي اســتبـاحـت الانســان العـراقــي بـإسـم البعـث ولســت بفكــره وأوصــلـتـه الـى مـا هـو عـليــه , بعــد أنْ غـيـبت الوعــي الفكـري فـي الشــارع وجـاءت عـلـى كـل مـا فيــه , و اٍســقـطـتــه فـي مـســتنقـع الحـروب والحصـار والاحـتـلال لاحـقـا , وايضــا لا حـاجــة لــه فـي اعـــادة تـكـرار قـراءة طـبيعــة مـرحـلـة الاحــتـلال , والـتـداعيـات الـتـي فـرضتهـا عـلـى المكـون المجتمعـي بكـل اطـيـافــة ومـســميـاتـــه , والكـيفيــة التـي تـعـاطـى  وتفــاعـل  فـيـهاالشــارع بـشـقـيـه الشــعبـي والســـيـاسـي مـع الــواقــع الجـديــد الطـاريء الـذي خـلقــتـه ثــقـافــة الاحــتــلال , ولــكـن حـالـة اليـأس الـتي تســيـطر عـلـى مفـاصـل الحيـاة اليـوميـة للمـواطـن بــسبب مـوجـة الاحـتقـان والاحـتـراب الســيـاســي بيـن فـرقـاء العمليــة الســـيـاسـيـة , تــضـعنـا امـام المـسـؤوليـة الاخـلاقيــة قـبـل الانـتمـائيــة الـوطنيـة , لــتبيـان مـا قــد يــبـدو غـيـر واضحـة معـالـم صــورتــه عنـد البـعـض , ومـا هــو مـغـيـب عـن افكـار الكـثـيـريـن مـِنْ الـذيــن وقـعـوا ضحـيــة الـتـزويـق الاعـلامــي والخـطـاب الـتلفيقــي الـذي يمـارس مـِنْ عـلـى  شـاشـات القنــوات العهـريــة , والمـواقــع الخـبـريـة والتحـليليــة المدفـوعـة الثمـن , والـراعيــة للمشــروع الـتفـتيتــي الاســلامـوي العُـربـانـي المـتصهيـن فـي المنطقــة جمعــا .

الـديمقـراطيـة الـتـوافقيـة ومـفهــومهـا الـتـحـاصـيصـي الـتي وضــع لبنـات اســاسـيـاتهـا آرنـت ليـبهـارت الهـولـنـدي , واراد مـِـنْ وراءهـــا تـشــريـع الحـلـول والمعـالجـات لـلمشـاكـل الـتـي تــواجـــه تــطـبيـق الـنهـج الـديمقـراطـي فــي البــلـدان ذات التـعـدديـة الأثــنيــة ( عـرقيـة _ دينيــة _ مـذهـبيــة ) , عـلـى مــبـدأ الحـكومـات الائــتـلافــيــة والـتمـثيــل النـســبـي فـي الـوزارات والمـؤسسـات الحـكـومـيــة , وتــرك البـاب مفــتـوح امـام الادارات الــذاتيــة للمكـونـات المجتمعيــة , بــكـل تــأكـيــد لهـا دور فعــال فــي ارســاء العمـل الديمقـراطـي , وابعـاد تـلك المجـمتـعـات عـن ويــلات الحـروب والاقـتـتـال العـرقـي والطـائفــي , وتــجـنيبهـا مخـاطـر التفـكـك الـذي يــأتـي عـلـى جـميـع مكــونـاتهـا ســــلبــا , ويجعـل منهـا كـيـانـات هــزيلــة ضــعيفــة مســتهـدفــة مـِنْ محـيطهـا الاقـليمـي والـدولـي الاقــوى عســكريـا واقـتصـاديـا وبشــريـا , لــكـن الــنهـج الـتحـاصصي فـي ادارة مـنـظومــة الـدولــة ومـؤســسـاتهـا الـذي بــنيـت عـلـى اســاســة نـظـريــة الـتـوافـق الـديمقــراطـي  , تـصـبـح عــبـيء وعـامـل احـتـراب ســيـاســي عـنـدمـا تـفـتقــر تـلك المجتمعـات لثـقـافــة الـديمقـراطيــة , خـصـوصـا تـلك الشــعـوبالـتـي عـاشـت قـرون مـِنْ الـزمـن تحــت ظــل الاســتبداديـة والشــموليــة , وعـانت مـِنْ ويــلات الحـروب والحـصـار والاحـتـلالات والفقــر والتـفـرقـة عـلـى اســاس العرق والـديـن والانتمـاء المـذهـبـي , والتـي تـركـت بصـمـاتهـا عـلـى اجيـال متعـاقبــة وجـدت نفسهـا غـارقـة فـي مســتنقـع الاقصـاء والتـغييب الفكـري والتخـلف الاجتمـاعــي .

الفـهـم الخـاطـيء لـلمـارســة الدـيمقـراطيــة جمعــا , والـتطـبيـق القـاصـر للديقـراطيـة الـتـوافقيــة الـتـي اريــد لهـا أنْ تكـون نهجــا للعمـلية السـيـاسيــة فـي العـراق بعـد 2003 تحـديــدا , كـان ولا يـزال مـِنْ اهـم اســبـاب تعـقيـدات المـُشــكـل العـراقــي , فحـالـة الــتـوازن فـي اتخـاذ القـرارات والمشـاريـع تـصـطـدم بمعضـلـة عـدم قـدرة تمـريـرهـا داخـل قبــة البـرلمـان او فـي الحـكومـة , ويجعـلهـا ورقــة مسـاومــة رابحـة بيـد الاقـليــة عـلـى حســاب رغبــة الاغلبيــة , خصـوصـا اذا كـانت هـذة القـرارات مـرتبطـة بمصـالـح فـئـة وتتعـارض مـع مصـالـح فئـات اخـرى , وتـداعيـات عـدم الـتوافق والتصـارع التي اخـذت تتصـاعـد بصـورة غيـر مســبـوقــة خلال الشــهور المنصـرمـة ووصـلت ذروتهـا اللحظــة , لا يمـكن فـصلهـا فـي اي حـال مـِنْ الاحـوال عـن تـأثيــرات تقلبـات العـوامـل المنـاخيــة الســياسيـة فـي المنطقــة , وارتبـاطـات فئـات طيفيـة سيـاسيـة عـراقيــة بـأجـنـدة خـارجيــة , ومشــاريـع تخـريبيــة لا يـروق لهـا أنْ تـرى أي تــوافـق ســياسـي ومجتمعـي عـلى الخـارطـة العـراقيــة , وتـريـد العـودة بــواقـع الحـال الـى المـربـع الأول ,وبعض آخـر منهـا يحـلـم بـالعـودة بــه الـى مـا قبــل 2003 , ويمـنـي نفســة الجـلـوس عـلى كـرسـي الحكـم مـرة اخـرى , حـتى ولـو كـان ذلـك عـلـى حـسـاب ارواح ودمـاء الابـريـاء , وبالضـد مـِنْ الـرغبـة الجمعيــة للآغلبيـة المجتمعيــة وتطـلعـاتهـا فـي بنـاء تجـربـة ديمقـراطيـة ناضجـة تلبـي متطلبـات الجميـع , وتحـافظ عـلى حقـوقهـم بعيـدا عـن ثقـافــة الاقصـاء والالغـاء والتحييد القســري .

لســنـا فـي مقـتـرب تـزكيــة حـكومـة المـالكــي او الـدفـاع عـن شــخص رئيس وزراءهــا ,فـالـرجــل لــه مـالــه وعـليــة مـا عليــة , وحــكومـتـه غــارقــة بــوحــل فــشـلهـا , والـفســاد والـنهـب والتحـايــل عـلـى القـانـون مـِنْ الصـفـات المـميـزة لهــا , والجهــل الســياســي طـاغـي عـلـى الســواد الاعـظـم مـِنْ وزراءهــا ومـســتشـاريهـا , نـاهيـك عـن إنَ معظـم مـُنـتســبـي رئـاســة الـوزراء وطـواقــم الـوزارات أُنـاس غـيـر مـؤهـليـن , و يفـتقـرون الـى ابجـديـات العمـل الـوظيفـي ,و جـُلهـم تـســلـق الـى  وظـيفتــه عـلـى ســلـم المحـاصصـة ,والآخـر لإعـتبـارات حـزبيــة , وعـلاقـات شــخصيــة ووســاطـات عـائليــة , والحـال يــنطـبـق عـلى مجـالس المحـافظـات ومـكـاتب محـافظيهـا ودوائرهـا الرســميـة , ولــكـن هــذا لا يعـنـي تـحمـيل المـالكــي المـســؤوليـة المبـاشــرة انفــرادا عـن فــشل الحـكومـةبـتوفيــر ابســط الخـدمـات للمـوطـن وعـدم ايــفـاءهـا بـوعـودهــا بـالارتقــاء بـالـواقــع الخـدمــي فـي الشــارع , ومـِنَ الـغبـاء أعــتقــاد شـــركـاؤه بالعمليــة الســياسيــة , إنَ محـاولتهـم تـبـرئــة انـفـســهـم عــن كـل الاخـطـاء والممـارسـات الـتي غـرق فـي مســتنقعهـا  البـرلمـان والحـكومـة , و اوصـلـت المـواطـن فـي نهـايـة الأمـر الـى مـا هــو عليــه , يمـكـن أنْ تــنطـلـي عـلـى احـــد لمجـرد ركـوبهـم مــوجــة التـظـاهــرات والاحـتجـاجـات الـتي تشــهـدهـا مـنـاطـق معينــة بـالعـراق , المعـروفــة دوافعهـا والجهـات الخـارجيـة التـي تحـركهـا , والاســبـاب الحـقيقيـة الـتـي طـفحـت بهـا الـى الســطـح , فـهــذة المظـاهـرات او الاحـتجـاجـات خـروجـهـا لـم يــكـن عـفـويــا كمـا يــروج البعـض ويصـورهـا بالانتفـاضـة او الثــورة , فكـل العـراقييـن مـِنْ الشــمـال الـى اقـصى نقطـة فـي الجـنـوب يعـرفـون تمـامـا إنَ دوافعهـا كـانت مـسـيســة , وبـأوامــر مـِنْ جهـات ســـياسيـة مـوجـوده تحـت قبــة البرلمـان ومشــاركـة فـي الحـكومـة , حـشـدت اليهـا بعـد اعتـقـال حمـايـة وزيـر الماليـة رافــع العيســاوي المتهمـيـن وفق أوامـر قضــائيــة بـجـرائـم قــتـل وارهـاب ,  حـيث كـان اول المتحـدثيـن فـي هـذة التجمعـات العضـو البـرلمـانـي عـن القـائمـة العـراقيـة المدعـو احمـد العـلـوانـي والذي اناط اللثام عن وجهتها الطائفية ومغزاها منذ البداية , ولـكـن بعـد انكـشـاف عـورة هـذة المظـاهـرات وســقـوط القنـاع عنهـا نتيجــة الشــعـارات والهتـافـات الطـائفيـة القـذرة والنتنـة التي عـبـرت عـن قـذارة ونـتـانـة مـردديهـا ومـروجيهـا , وانفضــاح ارتبـاط مخـططـاتهـم بـاردوغـان وحمـد مــوزه والجهـات الـراعيـة للمشـروع التـآمـري عـلى ســـوريـة , بـرفعهـم لصــور اردوغـان ومـا يسـمـى بالجيش السـوري الكــر , واحـتضـان الخـنـزيـرة القطـرائيليــة لأكـاذيب تلك التظاهرات والتحـشــيـد لهـا اعـلاميـا , تـم الانتقــال الـى صـفحـة ( الفـروج المـُـغـتصبــة) ومـظـلومـيــة الـرجـال المعـتقـليـن  و النـســاء الســجينـات , التي تذكر كاتب السطور بصفحـة ( الـذكـور المقطـوعـة ) والاطفـال المعـتقـليـن فـي درعـا لحظـة بـدايـة التحشــيـد للمشـروع التـآمـري عـلى ســوريـا , و الـذي رعـتــه نفـس الجهـات العـُربـانيـة العثمـانيـةالـتـي تحـرك الادوات التخـريبيـة عـلى السـاحـة العـراقيـة , ومـع إنَ هـذة الصفحـة لــم تـدم طـويـلا او تــأتـي بثمـارهـا عـندمـا احـرقهـا المـالكـي بـتشـكيلـة للجنـة الحكمـاء ,والـذيـن كـان اغلبيتهـم مـِنْ علمـاء الســنـة , تلك اللجنة التي نجحت بـإغـلاق مـلـف النسـاء الســجينـات وتفنيـد مظلوميـة الاغتصـاب , لــم يجــد القـائمـيـن عـلـى هـذا المشــروع إلا الخـروج مـِنْ تحـت عـبـاءة التبـاكـي عـلى الحـقـوق الـمـسـلـوبــة و الفـروج المغتصبــة والشـرف المهـان والكرامة المـُداســة التي وعـوا عليهـا مـؤخـرا , والاشهـار بكـل اوراقهـم دفعـة واحـده واللعـب عـلـى المكـشــوف , فمطالبهـم مـا عـادت اصـلاحيـة ولا دفـاع عـن معـتقـليـن وســجينـات , بـل اصبحـت وجهتهـا الـزحــف نحــو بغــداد واحـتـلالهـا واســقـاط حـكومتهـا ( الـشــيعيـة الصـفـويــة الايـرانيــة ) , وتحـريـر العـراق مـِنْ ( الاحـتـلال الايــرانـي  ) حـسـب الشــعـارات المـرفــوعــة والخـطـابـات الـتـي تــروج لهـا الفضـائيـات والمـواقــع الاعـلاميـة المُـقـربـة مـِنْ الأذرع المـحـركـة للـتظـاهـرات ,والـراعيــة لـلمشــروع الــفـتـنـوي الـذي يـراد مـِنْ وراءه اكـتســاح الخـارطـة العـراقيـة والعـودة بهـا الـى مـربــع الاقــتــال والتـنـاحـر والـتخـنـدق والاحـتـقـان المـذهــبـي والطـائفـي .

تهـاوي اعمـدة المشـروع العـُربـاني العثمـانـي الصهيـونـي عـلـى ســوريــة , بعـد أنْ اســتطـاع الجيش العـربـي الســوري تـضـييق الخـنـاق على العصابات الاجرامية المسلحـة واقـتـرابـة مـِنْ ســاعـة اعـلان النصـر النهـائـي والحـاســم عـلى الارض بفضـلشجـاعـة رجـالـة ومســاندة الشـعب لــه , و الحنكـة الســياسـية للقيـادة الســوريـة ,والـرؤيـا الصـائبـة والعمـق القيـادي الاســتراتيجـي لـفكـر الاخ الرئيس بشـار الأســدالـذي قـصـقـص اجنحــة هــذا المشــروع وجـعلــه يــحـبـو عـلـى بطنــه , دفـع بـاصحـاب هــذا المشــروع الـى نـقـل معـركتهـم الخـاســرة الـى العـراق ,  عـن طـريـق تـأزيـم واقـعالتـوتـرات والاحتقـانـات فـي المنـاطـق التي لهـم فيهـا اذرع وخـلايـا نـائمـة ,  والـدفـع بهــم الـى الظهـور عـلـى الســاحـة مـرة اخـرى , وتحـت نفس الحـجج والـذرائـعالاســلـوب الذي تـم العمـل عليــة فـي ســـوريـة , مـُســتغـليـن مـراوحـة العمليـة الســياسيـة فـي مكـانهـا , وفشــل الحـكومـة بـتحـقيق برامجهـا الخدميـة للمـواطـنين نتيجـة تـراكمـات اخفـاقـات حـالـة التـوافق بين شــركاؤهـا , والتي اشــرنـا اليهـا ســابقـا,  حـيث اسـتطـاعـوا مـِنْ الـولـوج الـى عقـول البسـطـاء مـِنْ النـاس , وتحـشـيدهـم ليكـونـوا حـطبـا لنـار الاحـتـراب والاقتـتـال المذهـبـي والمناطقـي , الذي تعمـل عليــة تلكالقـوى المعـاديـة والحـاقـدة عـلى العـراق لأســبـاب مـذهـبيــة بـحــتــه , واخـرى متعلقــة بمـواقفــة المـتوازنــة والمـوضـوعيـة بصــدد الحـالـة الســوريـة , وعـلاقـاتـه المتميــزة مـع ايــران , ورفضـة وفضحـة للـدور القـذر الـذي يلعبــة اللـوبـي الصهيـونـي القطـري التـركـي فـي حـرق دول المنطقــة وتـفـكيك وحـدتهـا المجتمعيـة عـلى اســاس مـذهبي وطـائفـي   .

وحـتـى يـكتمـل رســمـنـا للصـورة بكـامـل ابعـادهـا , يجـب تـثـبيـت مـُسـلمـة الدور الخـبـيث الـذي يـلعـبـه الطـرف الكـردي فـي تمـريـر الأجـنـدة المـوكـلـة اليــه , والـتي تتـوافـق مـع هـدفــة الاســتـراتيجـي فـي ابقـاء الدولـة العـراقيـة ضـعيفـة , ومفككـة وغـارقـة دائمـا فـي مســتـنقعـات الصـراع و التنـاحـر العـربي العـربي عـلى اسـاس مـذهـبـي طـائفــي , فهـو الطـرف الـرابـح مـِنْ هــذا الصــراع , الـذي يــتيـح لــه الفـرصــة للتـوســع عـلى حسـاب الطـرف العـربـي , ويـهـيء لــه فـي نفس الـوقـت عـوامـل الاسـتـمـرار بـبنـاء ركـائـز دولتــه الكـرديـة المنشــودة , وهـو ذات البعـد التـأمـري الـذي تعمـل عليــة اســرائيــل فـي بـاحتضـانهـا ورعايتهـا بالتعـاون مـع حـلفـاءهـا مـِنْ العـربـان لـلتيـارات التـهـديميـة الاســلامـويـة , والـدفـع بهـا الـى اشـعـال نـار الاقتـتـال والحـرب والتخـريـب والتقسـيـم فـي ســوريـا ودول المنطقــة الاخـرى .

al_asadi@aol.com

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=25605