الرئيسية  /  كتاب وآراء

في دور الأحزاب والمنظمات الـــوطــنية والــقــومــيـة..بقلم : الدكتور عبد اللطيف عمران


دام برس : في دور الأحزاب والمنظمات الـــوطــنية والــقــومــيـة..بقلم : الدكتور عبد اللطيف عمران

دام برس

جاء في افتتاحية صحيفة البعث السورية الصادرة صباح اليوم , تحت عنوان : في دور الأحزاب والمنظمات الـــوطــنية والــقــومــيـة..بقلم : الدكتور عبد اللطيف عمران , مايلي : هناك شبه إجماع على تراجع حضور وتأثير الأحزاب والمنظمات والاتحادات الوطنية والقومية ببنيتها ووظيفتها التقليدية في تطورات الواقع العربي الراهن والمعاصر، فقد مضى على انكفاء هذا الدور أكثر من عقدين من الزمن.

وهذا ليس من قبيل التشاؤم، فالتراجع والنكوص لايعنيان الانكفاء والنهاية. فمازال المشروع الوطني والقومي راسخاً في الوجدان، وضرورة ملحة ومتجددة، وإن غابت عنه المراجعة العملية المطلوبة والمجدية، فإنه لم يفتقد تماماً المراجعة النظرية، فهناك أصوات لاتغيب في مشرق الأمة ومغربها تعمل باستمرار على استنهاض التفكير والعمل العروبي النهضوي بشقيه الاجتماعي والسياسي.

ومن المعروف أن هذه الأحزاب والمنظمات استطاعت - أحياناً قليلة - في العقد الماضي تطوير تجربتها وتوسيعها، وانتقلت من «بنى» تنظيمية الى «قوى» وطنية وقومية فاعلة، فاتسعت على سبيل المثال عضوية مؤتمر الأحزاب العربية الذي عقد في دمشق 2006 لتضم تيارات وقوى وأحزاب ومنظمات وطنية وقومية يسارية وإسلامية وليبرالية. لكن حدث انقضاض وتقويض سريع لمفهوم "التنوع والتكامل" بين هذه القوى الملتزمة بالمشروع الحضاري القومي والإسلامي على الساحة العربية الى أن وصلت الأمور الى ماهي عليه الآن مما يشبه الكارثة.

فنحن الآن أمام تحولات كبيرة في بنية ووظيفة الدولة العربية المعاصرة، وفي نظام وأهداف عمل الجامعة العربية، وكذلك الأمر مع كافة مؤسسات العمل العربي المشترك - السابقة ولا شك - تحولات تقترن بغياب حقيقي للدور الوطني والعربي في البنى الناتجة عن المشهد الاحتجاجي المقلق، وبحضور فاعل للقوى التقليدية: الاستعمارية الغربية والرجعية العربية في بداياته ونتائجه.

هذه التحولات تتطلب استحضار الغائب وتعزيز حضوره وهو المشروع الوطني والعروبي الجديد، فهل هذه الأحزاب والمنظمات قادرة على ذلك، أم ستبقى تعيش حالة استسلام الخاسر لخسارته؟

لايُعتقد ذلك، فما يحدث الآن مع مرسي في مصر دليل، فبينما يتم الترويج له يخرج هو في تصريحاته عن دور مصر العروبي ليدخلها في دور آخر يركب فيه العربة الغربية الرجعية، ويمارس مزايدة مكشوفة يتماهى فيها مع السعودية وقطر وتركيا، ومع ما لا يليق برئيس أكبر دولة عربية، وهو يعرف أن الثورة في مصر لم تقم لاستمرار سياسات الإلحاق والتبعية. ففي الوقت الذي يرتضي عن تجاهل قتل الجنود والمدنيين السوريين على أيدي العصابات المسلحة فإنه يبيح لنفسه أن يرسل الدبابات والطائرات الى رفح، ولا قياس بين ما يجري في سورية وما يجري في سيناء. لذلك نتأكد من أن مصر ستشهد على يديه تجدد أشكال من الاحتدام الداخلي والخارجي.

كما أن ما يحدث من تآمر على سورية يكشف جرائم العاملين على ترسيخ قناعة مفادها أن المشكلة مع القيادة السورية هي مشكلة وجودية، فلا حوار ولا مصالحة، في الوقت الذي يعرف المتابع أن أساس المشكلة مع هذه القيادة مرتبط برفضها تعديل سلوكها الخارجي «المقاومة والصمود» وليس أبداً سياساتها الداخلية.

لذلك على هذه الأحزاب والمنظمات أن تنجز المراجعة المطلوبة للإجابة على تساؤلات عديدة منها أسباب تقلّص برامجها، مع تمدّد ثقافة وإعلام ومجتمع السلفية والوهابية والجهادية في المنطقة والعالم، وتمكّنها من دور فاعل ومراوغ مقترن بدعم مخاتل لسلطات الغرب والخليج. علماً أنه من حيث الظاهر هناك خلاف واضح بين الطرفين، إلا أنهما التقيا بالمحصلة لقاءً استخباراتياً في نقاط عديدة، وساعد على تطوير منجزات هذا اللقاء وتفعيله ضعف التنسيق بين القوى اليسارية والليبرالية والإسلامية الوطنية والقومية، فغاب ضغط هذه القوى وحضورها المعهود في القرن الماضي.

وعليها مهمة أخرى تنجم عن نجاح القوى المضادة في تقديم تصور خاطئ مثلاً في بعض الميادين عن محور مقاومة المشروع الصهيوني، فعمدت الى نقله وإحالته الى سياق خلاف مذهبي عربي وإسلامي، فارتاحت إسرائيل والغرب مع هذه الإحالة.

وكذلك الحال مع تمكّن القوى الرجعية والغربية من شراء بعض الأقلام والذمم لإضفاء إطار حداثوي على الفعل الجهادي الإسلامي التكفيري، وإطار شرعي ومشروع للعمل الإرهابي، فوضعت الخطاب الوهابي في نسق مفاهيم وأعمال إنسانية حداثوية، وتضافرت جهود المعارضة الخارجية، ومنظّري الارتزاق على تقديم الجهود الاستخباراتية الأطلسية المرتبطة بدعم المال والسلاح على أنها تهدف أولاً الى تحرير الذات العربية، بعيداً عن الحاجة الى تحرير الأراضي العربية المحتلة، والإرادة والكرامة.

وتزداد المهمة إلحاحاً بعد أن عمدت هذه القوى الى الاستعانة بالغرب الاستعماري الذي راكم تاريخه المعاصر على دمائنا وثرواتنا وحقوقنا، ليكون منقذاً ومحرراً وهو الذي يرى ويعمل على أن تسلّم الأجيال والجامعة العربية البائسة بالمشروع القطري السعودي لتحرير الأرض والإنسان.

وبالنتيحة فلا شك أن هذه الأحزاب والمنظمات أمام تحديات كبيرة الآن تتطلب منها الانتفاضة على واقع السكون والنكوص، والعمل على رسم ملامح جديدة في بنيتها ووظيفتها.

د. عبد اللطيف عمران  

المدير العام - رئيس هيئة التحرير في صحيفة البعث

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=22327