الرئيسية  /  كتاب وآراء

الأستخبارات التركية وأدوارها في الحدث السوري.. بقلم : محمد احمد الروسان


دام برس

في المعلومات والخلفيات التاريخية، يعد السيد "زبيكنيوبرجينسكي" هو مصمم مشروع "العرب الأفغان الجهاديين"، والأخير كمشروع ناجح قاد الى النمو المتفاقم للبنى التحتية لأفاق الأصولية الإسلامية المتطرفة وتحركاتها، عبر حركة طالبان في مواجهة السوفيات في أفغانستان وقبل نهاية الحرب الباردة.
لقد جرت جلسات عصف ذهني في زمن غابر، حول ما هو الشيء المهم أكثر من أي شيء أخر في العالم؟ حركة طالبان أم الامبراطورية السوفيتية في وقتها؟ تحريك وتحريض المسلمين، أم تحرر أوروبا المركزية ونهاية الحرب البادرة بين المعسكرين الغربي والشرقي؟ في زمانه ووقته.
طبعاً بالنسبة للأشخاص الذين تعوّدوا أن يدفعوا نفقات سياساتهم من جيوب الآخرين، هناك خطر ماثل لتكرار حدوث هذا الأمر كل أكثر من نصف قرن، لكن بالنسبة للشعوب التي تعيش في المنطقة، هي من تقوم بشكل يومي جراء انتهاج هذه السياسات بدفع نفقاتها الباهظة، من موردها البشري ونطاقات تطورها الأقتصادي والأجتماعي والثقافي الفكري.
وخلال نصف قرن تقريباً، دفع الشرق الاوسط  لمرتين متتاليتين الفاتورة الباهظة للصراع في أوروبا، وتمثل هذا الأمر أولاً في احتلال فلسطين وتشكيل الدولة الإسرائيلية "كديّة" عن دماء الضحايا اليهود الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية، وثانياً ايجاد مشروع جهادي "العرب الأفغان" الذين كان هدفهم النهائي إسقاط سلطة الروس في الشرق ومركز أوروبا.
الفيروس الذي زرعه برجينسكي، مفتخراً بأنه أحد أهم الإنجازات التي تمت خلال توليه مسؤولية مستشار الأمن القومي في البيب الأبيض، فبعد اجتثاث نفوذ الإمبراطورية السوفيتية في أوروبا سرعان ما تحول إلى مرض فتّاك مزمن، ويشكل زعماء القاعدة "الملا عمر" "أيمن الظواهري" و"أسامة بن لادن" قبل قتله أول إصدار من هذا الفيروس، يكفي أن نستذكر جرائم طالبان فقط في وادي "باميان" الواقع في منطقة "هزارهجات" في أفغانستان، حتى ندرك الطبيعة الخطرة لهذا الإصدار من فيروس الأصولية الأسلامية المتطرفة.
لم يمضِ الوقت طويلاً حتى أخذ فيروس برجينسكي يحصد أرواح المواطنين الأمريكيين – أحداث أيلول 2001 م، التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى وهذه المرة مع الجيش الأمريكي الأحتلالي، الذي دخل إلى أفغانستان مكان الجيش الأحمر  لمواجهة العدو الذي صنعته أمريكا نفسها – سبحان الله انّها مفارقة عجيبة غريبة.
لقد كان لمشروع مكافحة الإرهاب تحت الشعار المعروف: "من ليس معنا فهو ضدّنا" إصدارات وأجيال جديدة من فيروس الأصولية الأسلامية المتطرفة، ظهرت هذه الإصدارات في العراق بعد الغزو العسكري الأمريكي له تحت عنوانين الجهاد ضد المحتلين والكفّار، حيث قتل عشرات آلاف العراقيين الأبرياء، وهجّروا الملايين منهم  في كل انحاء المعمورة .
الإصدارات الجديدة من فيروس الأصولية الأسلامية المتطرفة خطيرة جداً أكثر من السابقة، ويكفي أن نقارن إصدار نسخة "أبو مصعب الزرقاوي" مع إصدار نسخة "أيمن الظواهري"، عندها سندرك كم تحول وتطور هذا الفيروس بعد دخوله إلى العراق إلى فيروس فتّاك مزمن متنقل بحريّة.
طبعاً يجب الاعتراف أن مشروع المجاهدين العرب، حاول امتطاء القوالب والأيدولوجيات الفكرية المتجذرة عميقاً في التاريخ الإسلامي، لشخصيات أمثال ابن تيمية، والذين يعتبرون أن كفر الشيعة أكبر وأخطر من الكفّار المسيحيين واليهود ويحكمون عليهم بالموت! وهل نمط تفكير شخصيات مثل الزرقاوي مختلف عن بعض فقهاء اسلاميين من السنّه والذين يعلنون أن كل الشيعة كفّار! ورحم الله الشيخ نوح القضاة عندما كان يسأل عن المسلمين الشيعة يقول: لنبحث عن القواسم المشتركة بيننا وبينهم، نبحث عن ما يجمعنا لا ما يفرّقنا.
أليس هذا هو اللحن نفسه – تكفير كل الشيعة - الذي يسمع من فقهاء الوهابية السعودية، الذين يعلنون أن قتل الشيعة والمسيحين والعلويين أمر مباح، وأنّ المجاهدين الذين يقتلون في هذا الطريق يصبحون جلساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الجنة!؟ لا حول ولا قوّة الاّ بالله العلي العظيم – اللّهم اهدي قومي فهم لا يفقهون ولا يعلمون.
الممتع في هذا أن هؤلاء المجاهدين في سبيل الله، حتى الآن لم يرموا ولو حجراً واحداً على جدار السفارة الإسرائيلية الصهيونية في بلدين عربيين، وهذا يظهر ماهية قياداتهم التي تتحكم بهم وتسيطر عليهم، عن طريق أجهزة استخبارات الدول التي تتعهد أنظمتها السياسية الحاكمة وتفعيلاً لمعاهدات موقعة، بالحفاظ على آمن الكيان الصهيوني الطارىء على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة.
أي فيروس يحتاج إلى ظروف مناسبة وبيئة حاضنة لاستمرار بقائه، والبيئة الحاضنة لفيروس التكفيريين تكمن في الحروب، وحسب ما يدّعون "الجهاد" في سبيل الله، وهذا ما صارت تستثمره أجهزة الأستخبارات المختلفة والمتحالفة بصورة مباشرة وغير مباشرة، مع محور واشنطن – تل أبيب ومن ارتبط به من بعض العرب المتخاذل، ازاء الحدث السوري الآن، لكي تكون كل سورية محرقة لهؤلاء التكفيريين، وحتّى تتخلص تلك الدول المصدره لهم بما فيها بعض دول الجوار السوري من عبء استضافتهم.
حسب التقارير المتعددة المنتشرة في الصحف الغربية والعربية خلال الآونة الأخيرة، والتي تتحدث عن تحول سوريا إلى قبلةً ووجهة رئيسية لعناصر القاعدة والتيارات التكفيرية، فقد دخل إلى سوريا في الوقت الراهن المئات من المجاهدين العرب من دول مختلفة مثل السعودية، العراق، ليبيا، اليمن، السودان، الجزائر، الشيشان، برفقة عدد كبير من العرب الأوربيين، وذلك عن طريق تركيا ولبنان، حسب ادعائهم ليقاتلوا الجيش العربي السوري بالأسلحة التي تزودهم بها السعودية وقطر، عن طريق جهاز الاستخبارات التركية (ميت)، الذي يقوم بدوه بتوزيع السلاح وتدريب هذه العناصر على القتال، و"حسب ادعائهم" فإن أجر وثواب مقاتلة الجيش السوري هي حور العين في الجنة – لا حول ولا قوّة الاّ بالله العلي العظيم.
بلا أدنى شك نعم، هناك أمر مسلّم به: وهو أن حكومة الرئيس بشار الأسد ليس حكومة ديمقراطية بالكامل والمطلق، ولدى السوريين مطالب إصلاحية محقة، لكن واقع ما جرى بخلاف منظومات تلك الأفاق السياسية والحياتية الملحة، فقد تسلل السلفيين واندسوا وسط المعارضة السورية وسيطروا على قواعد اللعبة، فلنفرض أنه استطاعت عدة مجموعات مسلحة أغلبها يشبه ما تسمّى كتيبة "الفاروق" ذات النزعة السلفية، والفاروق رضي الله عنه بريء منها براءة الذئب من دم يوسف ابن يعقوب عليهم السلام، بالإضافة إلى المجاهدين العرب الذين دخلوا إلى سوريا،  أن تسقط النظام الحاكم في هذا البلد، عندها ماذا سيحدث؟ هل ستبقى الطبيعة التعددية القبلية، والنسيج الطائفي المتنوع في سوريا، في مأمن من الأذى والتعرض الحتمي من قبل هذه العصابات؟ وقد يكون هذا ما أراد أن يشير اليه الملك عبدالله الثاني في اشتبكاته السياسية والأعلامية الأخيرة، مع بعض وسائل الميديا الأمريكية، وقد أفهم كمراقب ومتابع دقيق بمهنية، أنّ الملك عبدالله الثاني عبّر بصورة غير مباشرة عن مخاوف المعارضة السورية بين سطور كلامه الموزون بدقة، حيث تخشى الأخيرة أن تنتقل من هذا النظام والنسق السياسي القائم، لتقع تحت سلطة هؤلاء السلفيين والتكفيريين مثلاً.
طبعاً التخوف من نمو المجموعات التكفيرية، لا يعني أبداً أن تُغيبْ مطالب الشعب السوري الحقيقية عن الواقع، لكن الواقع الذي وصلت إليه الأزمة السورية في الوقت الراهن، أصبح المواطنيين يخشون على حياتهم قبل أن يفكّروا بمطالبهم، لهذا السبب هناك الكثير من السوريين المتواجدين في المناطق الساخنة، فضّلوا إما أن يبقوا في منازلهم أو أن ينتقلوا إلى المناطق الهادئة والأمنة، إنهم يفكّرون بحرقة وحزن كيف قام السلفيون التكفيريون، بمصادرة حركتهم الاصلاحية واتجهت الأمور نحو إراقة الدماء.
الواقع يقول أن أي مكان ينفذ إليه فيروس الأصولية والتطرف يقوم بسرعة كبيرة بالتأقلم والتكيف مع الظروف والبيئة المحيطة، حيث تطور في اليمن نظراً للنسيج القبلي هناك، وفي العراق تطور وتمحور وفق قواعد مذهبية خاصة، وفي حال استطاع أن يجد لنفسه جذوراً في سوريا وفق النسيج الطائفي المتعدد في هذا البلد ستكون حركته ونموه متسارعة جداً وهذا ما حدث الآن، وفي علاقة المجاهدين بالمسؤولية الشرعية والقانونية، لا يوجد شيء يدعو للقلق لأنه دائماً هناك قوانين وتعاليم لفقهاء التكفير، توجد أحكام يمكن استعمالها وتفعليها في ظروف وشروط متنوعة ومتعددة، حيث يقومون بإصدار فتاوى ترسل بموجبها جميع الإرهابيين إلى الجنة، للأسف التاريخ هو تكرار للتجارب التي لا يعتبر أحد منها.

المحامي محمد احمد الروسان
عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd_ahamd2003@yahoo.com
هاتف منزل – عمّان : 5674111   خلوي: 0795615721
سما الروسان في 12 – 8 – 2012 م.
24 رمضان.
 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=22040