الرئيسية  /  تحقيقات

الصيدليات السورية : لا دوام ولا لوحات دلالة.. وأدوية مهربة .. تحقيق : أحمد زينة


دام برس

ذهبت أم أحمد بعد منتصف الليل مسرعة باتجاه إحدى الصيدليات القريبة من بيتها , كي تحضر دواء خافض حرارة لابنها ذو العشرة أشهر من عمره , لكنها صدمت عندما رأت الباب مغلقاً , فنظرت مباشرة إلى الصندوق المتواجد على باب الصيدلية , وبدأت تبحث فيه عن أقرب صيدلية مياومة ليلاً , لتذهب إليها , وبالفعل وجدتها , لكن وللأسف كانت مغلقة أيضاً , وهكذا استمرت بالبحث لبعض الوقت , وقلبها وعقلها في جسد ابنها أحمد , خوفاً من أن تسيطر عليه الحرارة وتفقده , وبعد بحث استمر لساعات عادت بخفي حنين , حيث لم يكن أمامها سوى مستشفى خمسة نجوم , لأنها وجدت أن حياة ابنها أغلى من كنوز الدنيا , هكذا حال عامة الناس في معظم المحافظات السورية كحال أم أحمد مع الصيدليات المناوبة ليلاً , حيث لا دوام ولا لوائح إرشاد , ومعظم من يداوم يفكر في بيع الأدوية المهربة , فلماذا يا وزارة الصحة ويا نقابة الصيادلة , كل هذا التشديد على الصيدليات في جعلها تحترم مواعيدها , والحفاظ على حياة الناس والتي سخرت لتكون في خدمتهم ؟
       التزام مشكوك فيه

هذه الشكوى التي أوصلتها أم أحمد إلى الجريدة لم ولن نمر عليها مرور الكرام , بل تابعناها بكل حيثياتها سواء مع الجهات المعنية أو في الشارع لنرى إن كانت هذه الحالة فردية أم معاناة معظم الناس كما قلنا سابقاً , وتابعناها أيضاً مع أصحاب الشأن , أي الصيادلة , فماذا كانت النتائج ؟ لنتابع:

بداية رصدنا حال أصحاب الشأن حيث قمنا بجولة ميدانية على الصيدليات , حيث تباينت وجهات النظر وطبقوا المثل القائل ,لا أحد يقول عن زيته عكر
وأولى اللقاءات كانت مع يوسف الذي قال : بالنسبة للوائح المناوبة فأنا أضعها تقريباً بشكل يومي , و لكن هناك أشخاص يقومون بنزعها ,وحتى الآن لا أستطيع وضع لائحة لها ومع أنني في بعض الأحيان كنت أضع اللائحة داخل صندوق ,وبالطبع كسر هذا الصندوق و نزعت اللائحة و لا أعلم لماذا ؟ و بالنسبة للدوام فدوامي ألتزم به و فترة المناوبة لدي في ساعة الظهيرة و ليس في المساء ,لأنني طلبت ذلك من النقابة فهو شيء اختياري ,وفيما يتعلق بتهريب الأدوية قال : لا يخلو الأمر عند بعض الصيدليات و لكن في صيدليتي لا أقوم بهذا الشيء لأن أخلاقي لا تسمح بذلك و لكن هناك ضعاف النفوس ممن لا يشبعون و لا يقدرون الأوضاع الراهنة ,ونتمنى من المسؤولين مراقبة ذلك و العمل على الحد من هذا الموضوع و خاصة في هذه الفترة من الإصلاحات .
من جهتها قالت مريم : بالنسبة لي أنا ملتزمة بلوائح المناوبة و بالدوام و لكن يلاحظ وجود بعض الصيدليات التي لا تلتزم بذلك ( في بعض المناطق التي تجري بها الأحداث ونحن معهم في ذلك ) و غير هذا فهي لا ترى أي مخالفة لدى الصيدليات حول اللوائح و بالنسبة لتهريب الأدوية فهي لا تتعامل بهذه الأمور مهما كان السبب و لا تعلم عن الآخرين أي شيء .

أما لينا فقد أكدت بأن كل من في هذه المنطقة ملتزم بلوائح المناوبة وفترة الدوام و أغلب الصيدليات تناوب في وقت الظهيرة و على ما أعتقد لا أحد يقوم بالتهريب و خاصة في هذه الأوضاع الراهنة بالإضافة إلى أن هناك تعاميم تصدر من قبل وزارة الصحة كل فترة بوجود أدوية غير مناسبة للناس ( كالخلطة مثلاً ) و تؤدي إلى ضرر لذلك فإن أغلب الصيدليات لا تقوم بذلك و الالتزام موجود لدى الجميع .

لا دوام ولا صيادلة في الصيدلية

لكن هناك آراء أخرى أكثر صدقية من الأولى ,حيث ونحن في طريقنا إلى إحدى الصيدليات شاهدنا واحدة لا توجد بها لوائح المناوبة فذهبنا و قمنا بالسؤال عن السبب فكان الرد بأنه في هذه الأوضاع تعرضت الصيدلية للسرقة و بأن صاحب الصيدلية كان ملتزماً بوضع اللوائح و بأوقات الدوام ولكن هذه الأوضاع لا ترحم أحد و هناك أضرار كثيرة و حتى الآن لم يغلق ضبط الشرطة ,ولدى سؤالنا من تكوني أنت حتى قلت صاحبة الصيدلية , قالت أنا موظفة هنا بدوام صباحي فقط وهناك من يداوم مساءاً, أما في المناوبة الليلية أعتقد أنه لا يوجد أحد يداوم بسبب الظروف الحالية وعن الشهادة التي تحملها قالت : إن شهادتي ثانوية ولكن نتيجة الخبرة أصبحت أعمل في الصيدليات وجميع الناس لا تعرفني إلا صيدلانية .
و في لقائنا الأخير مع أحدى الصيدلانيات التي رفضت الكشف عن اسمها ,اكتشفنا بأنه لا توجد أي لوائح على باب الصيدلية أو حتى بجوارها و لا حتى التزام بالدوام أو المناوبة لأنها في منطقة بعيدة عن مركز المدينة لذلك تتم بعض التجاوزات التي لا يعلم بها أحد وبالنسبة لبيع الأدوية المهربة لا نقوم بها في الصيدلية , ولا نقوم بهذه الأعمال مهما كان .

المواطنون قالوا كلمتهم

لم نتوقف هنا , بل تابعنا كشف الحقائق , وهذه المرة ممن يعانون من هذه المشكلة ألا وهم الناس المرضى , فماذا قالوا :
معظم من التقيناهم أكدوا أن الصيدليات لاتلتزم بفترات المناوبة و لا أحد يحرك ساكناً ولسنا راضين عن أدائهم و هم أي أصحاب الصيدليات لا يقدرون الحالة المرضية التي قد تصيب الأشخاص في فترة الليل , والمعاناة التي تتولد لديهم نتيجة إغلاق الصيدليات أثناء المناوبة , خاصة أن المواطنين يقولون إن وزارة الصحة متابعة لمناوبة الصيدليات ليلاً , وفوق هذا إن ضميرهم لا يسمح لهم بالهروب من عملهم , لشعورهم بأن هناك من سيأتي إليهم طالباً الدواء سواء له أو لأحد أطفاله أو لمريض آخر قد يكون جاره أو غير ذلك .
وقال آخرون : يجب في حال المخالفة وعدم الدوام يجب ترك رقم الهاتف على باب الصيدلية للحالة الضرورية والإسعافية , ولكن لا حياة لمن تنادي , حيث لا يوجد لا رقم هاتف ولا جدول بأسماء الصيدليات المناوبة ليلاً , و خاصة في هذه الأوضاع فإن الصيدليات التي تكون فترة مناوبتها في أوقات متأخرة من الليل لا تتقيد بكل هذه الأمور .
و أضاف البعض بأنه لا يخلو الأمر من وجود بعض الصيدليات التي تلتزم بالدوام , لكنها تخالف لأسباب خارجة عن الإرادة ( كالدوام ) و هذا ما يبرر لهم ذلك و أما بالنسبة لتهريب الأدوية يوجد البعض منهم لا يزال يقوم بذلك و نرجو المراقبة حول ذلك

الصيدليات تحولت إلى محلات للماكياج

ورداً على سؤال روتيني للمواطنين عن ما هو رأيهم بشكل عام بالصيدليات و دوامها و عن مدى التزام أصحابها بالمناوبات و مدى تحملهم للمسؤولية و خاصة في هذه الأوضاع و كانت الآراء كالتالي :
جاء الرأي الأول بأنه في بعض الأحياء من مدينة دمشق و خاصة في الأماكن البعيدة عن مركز المدينة لا توجد صيدليات مناوبة ليلاً مما يجعل من يحتاجون إلى الدواء القيام بالتفتيش عن الصيدليات المناوبة داخل دمشق و عددها قليل جداً و خاصة في هذه الأحداث أصبح البعض يخاف من المناوبة المسائية .
أما الرأي الثاني فتحدث بأن بعض الصيدليات تعاني من عدم توفر الدواء و لذلك فأن المواطن يعاني أيضاً من البحث عن هذا الدواء فهناك بعض الأدوية لا توجد في كل الصيدليات و بالطبع هو غير مخالف للمواصفات الطبية , وهناك أسباب أخرى مثلاً في بعض المناطق يمتنع الناس عن شراء أدوية غالية الثمن و يكتفون بشراء الأدوية المعتادة , التهاب – رشح و بعض الأدوية التي يحتاجونها تكون غالية لذلك يبحثون عن صيدليات تتواجد بها أدوية مناسب لهم و بالسعر المناسب لحياتهم .
والرأي الثالث قال : أن الصيدلية التي يذهب إليها تكون مناوبة في أغلب الأحيان و لكن منذ هذه الأحداث التي نشهدها أصبحت تغلق أبوابها لأنني اسكن في منطقة بعيدة عن المدينة و ذلك ما آثر على دوام الصيدلية و مناوبتها مما جعل بعض الناس ينزعجون من ذلك .
والرأي الرابع رأي بان بعض الصيدليات تحولت إلى محلات للماكياج العادية فنجدها تحوي على أغلب مستلزمات التجميل من شامبو – كريمات لتفتيح البشرة – مكياج – ألعاب أطفال أكثر مما تحويه من أدوية و إن وجد فتكون لأمراض سطحية يأخذها الناس دون وصفة طبية .
الرأي الخامس تحدث على أن أغلب الصيدليات تهتم بأدوية خاصة لشد البشرة و غيره من مستلزمات البشرة و لا يعلمون حتى ما هي مضارها و إن علموا فلا يخبروا المريضة حتى لا تتوقف عن شراء الدواء , و خاصة إذا كان الدواء غالي الثمن و هو شيء مفيد للصيدلية .
جاء الرأي السادس بأنه ليس ممن يذهبون كثيراً إلى الصيدليات و لكن عندما يستلزم الأمر و يحتاج إلى الدواء فان كل الصيدليات التي يراها تكون موجودة و حاضرة لتعلم ما احتاج رغم كل الظروف التي نمر بها و رغم كل الخطر الذي من الممكن أن يتعرضوا له و بالفعل نشكر جهودهم .
و في الرأي الأخير جاء بأن كل الصيدليات كانت على قدر المسؤولية في هذه الأحداث و إذا وجدت مغلقة فهذا يرجع لأسباب خارجة عن إرادتهم و خاصة في أطراف المدينة و الضواحي و لذلك لا نستطيع أن نحملهم المسؤولية كاملة و أما بالنسبة لتهريب الأدوية فذلك يرجع إلى أخلاق الشخص و مدى مهنيته و صدقه و نحن نريد من الدولة مراقبة هؤلاء و الحد من تواجدهم .

وكي لا يكون التحقيق مختصراً على دمشق قمنا بالاتصال بعدد من المواطنين في محافظتي اللاذقية وحلب وحمص فكانت آراؤهم متطابقة لما قاله المواطنون في دمشق , وهناك اختلاف بسيط في محافظة اللاذقية , يتمثل بوضع رقم الهاتف على باب الصيدلية كون صاحبها يسكن في البيت نفسه التي تتواجد فيها الصيدلية , وفي حمص كان لها وضع مختلف عن باقي المحافظات بسبب الظروف التي مرت بها ومعاناتها من العناصر الإرهابية المسلحة التي خربت الصيدليات والدواء بل قتلت الناس الأبرياء .
جواب الصحة من عهد الإغريق
بعد كل هذا وذاك حملنا هذه المعلومات والشكاوى إلى وزارة الصحة ونقابة الصيادلة بدمشق علنا نصل إلى إجابة مقنعة , وحلاً إيجابياً لمعاناة المواطنين مع أصحاب الصيدليات كي يعودوا إلى رشدهم ويحققوا أحلام الناس في العيش , ويحققوا ما نذروا أنفسهم لأجله , فماذا كانت النتيجة؟

كان الجواب من وزارة الصحة الآتي :
بالنسبة للتساؤل حول عدم التقيد بالدوام في الصيدليات فقد صدر القرار رقم 1002 / د6 /97 تاريخ 7/8/1997 عن نقابة الصيادلة حيث بحث نظام الدوام في الصيدليات وفق ما يلي :
1 – يحدد الدوام بالصيدليات ب /8/ ساعات يومياً في المدن و / 6 / ساعات في مناطق خدمة الريف .
2 – يحدد مجلس الفرع المختص تحيد الفترات حسب طبيعة و ظروف المحافظة .
3 – تغطى بقية الأوقات بمناوبات موزعة بشكل يغطي كافة المناطق .
4 – سيقوم مجلس النقابة بمراقبة تطبيق هذا القرار في كافة فروع النقابة .
أما بالنسبة للتساؤل حول موضوع عدم تقيد الصيادلة بوضع قوائم المناوبة في اللوحات المحددة لها و عدم تبديل قوائم اللوائح فلا علاقة لوزارة الصحة بها .
و بالتالي فأننا نقترح الإحالة لنقابة صيادلة سوريا للإجابة عليها.
طبعاً هذا هو جواب وزارة الصحة المقنع بكل تأكيد لها , مطبقة المثل القائل : الكحل أفضل من العمى , وأنا متأكد بأن هذا الكتاب وضع من عهد الإغريق لكن يتغير التاريخ فقط , لأن كل إنسان يعرف هذا الكلام , والسؤال : لماذا لا يطبق على أرض الواقع؟
وبالفعل انتظرنا نقابة الصيادلة أيام وأيام كي ترد على تساؤلاتنا , رغم أن وزارة الصحة وجهت لها الكتاب نفسه , إلا أن الإجابة لم تردنا حتى الآن , لأن نقابة الصيادلة وأية جهة أخرى لا تريد التحدث مباشرة مع الإعلاميين , بل تفضل المراسلة بشكل خطي والجواب يكون في الوقت الذي يحلوا لها , ونحن مازلنا ننتظر الجواب .
أخيراً
نريد حلاً يا وزارة الصحة ويا نقابة الصيادلة لمعاناة الناس من الصيدليات لاسيما بعد انتهاء الدوام الرسمي لها , فعدم تقيد الصيادلة بتنفيذ تعليمات نقابتهم بوضع لوائح الصيدليات المناوبة في واجهة صيدلياتهم , وكذلك عدم قيام بعضهم الآخر بتبديل الجداول الخاصة بالمناوبات بعد انتهاء موعدها، كما أن بعضهم لا يلتزم بالوقت المحدد بالمناوبة , فيغلقون صيدلياتهم حسب مزاجهم , ضاربين حاجة المواطنين المرضى للدواء عرض الحائط , دليل على أن حياة الناس لا تعنيهم , رغم أنهم خلقوا وسخروا أنفسهم لخدمتهم , فهل نرى أم أحمد تعود لتشكرنا وتشكر الجهات المعنية لتجاوبها , أم أنها تستسلم للأمر الواقع ؟


أحمد زينة - صحيفة البعث 



Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=19181