الرئيسية  /  لقاء دام برس

عفيف دلا لدام برس :أطالب الحكومة السورية بافتتاح مكاتب للمعارضة الخليجية في سورية وعوائد الحج في السعودية تصرف على طاولات القمار والكازينوهات في أوروبا


دام برس : عفيف دلا لدام برس :أطالب الحكومة السورية بافتتاح مكاتب للمعارضة الخليجية في سورية وعوائد الحج في السعودية تصرف على طاولات القمار والكازينوهات في أوروبا

خاص دام برس – بهاء نصار خير
كلام تسمعه, يتراءى في مُخيلتك مباشرة شخصية كبيرة في السن عاصرت أحداثاً كثيرة, حضور ملفت وكلام ينم عن ثقافة عالية المستوى وبعد نظر, مثال للشباب السوري الذي يوكل على كتفيه بناء سورية المستقبل. ضيفنا هذه المرة شاب سوري متميز, الكاتب والمحلل السياسي عفيف دلا فكان لنا معه هذا الحوار المتميز.
- لنبدأ كلامنا بتوصيف صغير ومختصر للأزمة السورية؟
بصراحة المتابع للسياق يُحاول دائماً الاجتزاء منه بحكم التطورات الحالية, فيقفز مباشرة نحو قضية معينة حديثة العهد كبابا عمرو والانجاز العسكري والأمني فيها, ويتم القفز عليه ويكون السؤال ماذا بعده؟ منهجياً ومن وجهة نظري علينا أن نُذكر بالسياق العام لأنني إذا أردت إطلاق حكم قيمة سلبي أو إيجابي على قضية معينة لا يمكن أن آخذها بشكل مجتزأ. والمشكلة حتى الآن هو عدم وضوح السياق بشكل عام الذي أتت فيه الأزمة. وهذا الشيء موجود بشكل كبير لدى الكثير من الأشخاص ومنهك من يظهرون على الشاشات الإعلامية للكلام, وللأسف نسمع بعض الكلام الذي يؤثر سلباً على ما تُواجهه سورية, فلا نجد أحياناً من يوصف الأزمة بشكلها الذي أتت عليه. والجميع يرى الظاهر ولا يدرس بواطن الأمور والخلفيات, وبسوء تقدير وعدم حسابات ينسفون بكلامهم فكرة المؤامرة الخارجية والتي رأينا دلائلها على الأرض في الأنفاق والأسلحة الغربية والإسرائيلية التي وجدت وحتى الآن مازلنا نجد من يقول أن المسألة لو أُنهيت منذ البداية بطريقة مصالحة أو كما يُقال بالعامية (بوسة شوارب) لما وصلنا لما نحن عليه الآن, وهذا خطأ للأسف نسمعه على ألسنة بعض الأشخاص.
لذلك ومن وجهة نظري فموضوع السياق مهم جداً وكيف ترتبت الأمور مسألة لها عاملين, عامل داخلي وعامل إقليمي وطبعاً المشروع الكبير هو مشروع تفتيت المنطقة, وهذا له مبرراته وأسبابه, لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وعلينا أن لا نتجاهل الحقيقة وهي بأن العالم يتغير وأي تغيير دولي سيكون له منعكسات, والتغيير الدولي حصل بعد ما سُمي بالأزمة المالية العميقة ودائماً الأزمات الاقتصادية على مستوى التاريخ كانت بمثابة بداية إعلان منظومة دولية جديدة, وهذا ما حصل في الحرب العالمية الثانية وقبلها الأولى.
ونحن الآن أمام أزمة اقتصادية خانقة ولدينا نهوض لقطبين وهما روسيا والصين, والولايات المتحدة الأمريكية مُتنبهة لهذا الشيء, ومشروع الشرق الأوسط الكبير هو إعادة إنشاء للخريطة الجيوسياسية للمنطقة على مستوى العالم بما يسمح لأمريكا الحفاظ على مصالحها وإبقاء أوراق إستراتيجية في يدها تسمح لها بالبقاء كقوة عالمية مُهيمنة. لذلك كان لابد من إعادة ترتيب خريطة المنطقة بما لا يسمح أولاً بوجود منافس دولي في المنطقة على المستوى الاستراتيجي, وعدم وجود قدرة للشعب كمجموع عام على خلق حالة تغيير كخروج عن سيطرة الإدارة الأمريكية وبالتالي خلق ما يُسمى بالربيع العربي وتحت عنوان كبير كان سبق وسُوق له وهو الفوضى الخلاقة, تحت عنوان أكبر هو مشروع الشرق الأوسط الكبير. لذلك هذا السياق خلق وأسس لمناخ ملائم في بعض الدول العربية لتكريس فكرة أن الشعوب تقود عملية تغيير سياسي. ونحن بصفتنا محور مُقاوم حاولنا فهم هذا التغيير وكنا منجذبين له على أمل خلق حالة تغيير في الاصطفافات السياسية على مستوى المنطقة يردف محور المُقاومة. أما الحقيقة فقد كانت عبارة عن تبديل أوراق بالنسبة للولايات المتحدة. فكل ورقة تكون مناسبة لمرحلة معينة, وعندما تنتهي منها تقوم برميها وتستبدلها بورقة أخرى مُتناسبة مع المرحلة, وهذا ما حدث في تونس ومصر وليبيا وما سنراه في الخليج لاحقاً.
- كيف تقرأ الثورات التي حصلت في كل من مصر وتونس والدول العربية؟
في الحقيقة لقد تم خلق حالة حراك شعبي غير واضحة المعالم, لكن يتم توجيهها في اتجاه خدمة مصالح إسرائيل وتغذية كل مظاهر التناقض المذهبي والسياسي والطائفي, وخلق حالة من الفوضى تحت مُسمى الديمقراطية, لذلك بدؤوه بالتسلسل فلا يوجد صراع في مكان معين إلا وسينتقل إلى مكان آخر. وتم خلق واستحضار صراع قد يكون أحياناً عمره 1400 سنة وهنا تكمن المشكلة. واستفادوا من الحالة الانفعالية الموجودة لدى الشعوب العربية والتوق لخلق حالة تغيير معينة, واستفاد من أدار الحراك وأقصد هنا أمريكا وإسرائيل من عدم وجود نُخب ثقافية أو طليعة تقود على مستوى المنطقة. وحتى الآن لم نر الشارع الذي تحرك في مصر أو تونس قد أنجز شيء على مستوى النظام السياسي. فقد أسقط رأس النظام لكنه لم يُسقط النظام, وهذا يعود لعدم وضوح فكرة النظام السياسي, لذلك لم يكن هناك ثورة بمعنى الثورة لأن مفهوم الثورة غير واضح المعالم أيضا, وارتكزوا كثيراً على عدم وضوح المفاهيم وعدم تحديدها نتيجة غياب النُخب السياسية المُثقفة والطلائع الفكرية الفاعلة, وصعود التيار الديني الناتج عن غياب فاعلية القوة اليسارية والعلمانية والقومية فكان الأمر الطبيعي لصعود التيارات الإسلامية والتي ارتكزت على عدم وجود ذهنية فكرية مفاهيمية لدى الشعب وجعلوه يتحرك تحت مسميات عريضة جداً وهي الحرية والديمقراطية وتداول السلطة المفاهيم الغير واضحة لدى الكثيرين.

 

- ما هي قراءتك لمؤتمر أصدقاء سورية الذي عُقد في تونس وهل من الممكن أن نشهد مؤتمرات أخرى؟
مؤتمر أعداء سورية وهو المصطلح أو الاسم الأمثل له لم يكن إلا بمثابة عرض مسرحي كان الهدف منه التهويل والإيحاء للرأي العام العالمي أن النظام السوري يعيش عزلة إقليمية وعربية ودولية, لكنهم فشلوا في تحقيق ذلك سياسياً لأنهم لم يُصدروا شيئاً في الختام, وظهر ذلك جلياً من خلال الانسحاب السعودي الدال على الاختلاف بينهم وهذا يعني أن حلف المُتآمرين على سورية تصدع. و كلام وزير الخارجية الفرنسي عندما قال بأن جنود فرنسا أهم من المؤتمر الذي عُقد, دليل آخر على فشلهم في الاتفاق على كلمة واحدة. لذلك كل ما فعلوه و سيفعلونه في المستقبل لأن ذلك متوقع لن يكون سوى حالة تهويلية خاصة في ظل وجود موقف روسي صيني ثابت ظهرت نتائجه في مجلس الأمن, لكن التأثير سيقتصر على الجانب الاقتصادي فقط.
- كثُر الحديث عن أوراق مهمة بيد القيادة السورية. برأيك أما آن الأوان لسورية أن تستثمر أوراقها خاصة أن هناك بعض المواطنين الذين يتوقون لرؤية مثلاً بعض المقاتلين لتعزيز ثقتهم بالدولة؟
هي الآن تقوم باستثمار هذه الأوراق, ولكن لا يتم الإعلان الرسمي عنها لأن الإعلان عنها يُسقط أهمية هذه الأوراق, فالورقة الأمنية يتم استثمارها بسريتها وليس بعلنيتها, كي لا تفقد قيمتها التفاوضية وتأكدوا بأنه يوجد هناك عروض تُقدم لعدم الكشف عن تلك الأوراق وهذا هو مصدر القوة. ولكن المشكلة تكمن وراء رغبة المواطنين في رؤية بعض المعتقلين هو بأن عقلية الدولة تختلف عن عقلية المواطن, فالمواطن معتاد على الرؤية وفق مستوى معين وهو الشيء الملموس على الأرض, أما الدولة فتعمل وفق إستراتيجية معينة, والإستراتيجية تكون سياستها بطيئة نسبياً, والمواطن لا تهمه الإستراتيجية بقدر ما يهمه ما يراه على الأرض.
- ما هو تأثير اعتقال بعض الضباط الفرنسيين والذين كان آخرهم الكولونيل الذي اُعتُقل في بابا عمرو ويعد مسئولاً عن الاتصالات خاصة مع إسرائيل؟
حالياً لن يكون هناك تغيير, لأن التغيير يعني بأن الفرنسي في مأزق مع سورية, وهذا لن ينفع ساركوزي انتخابياً, ولن يُغير لأنه في مرحلة لا تسمح له بالتغيير لأنه غير ضامن لمدى تأثير هذا التغيير على بقاءه من عدمه, وهو الآن في حالة استمالة للوبي الصهيوني لما يُشكله من داعم له في حملته الانتخابية. ودل على أسلوبه وتخطيطه لتلك الحملة جفاؤه لتركيا وكلامه عن مجزرة الأرمن, فالهم الوحيد لساركوزي الآن هو الحملة الانتخابية. وهنا أريد أن ألفت الانتباه لنقطة مهمة وهي بأنه ليس كل ما يظهر ونراه على الإعلام هو ما يحدث بالفعل فهناك أمور تتم من تحت الطاولة.
- ما هو تأثير تصريحات أوباما الأخيرة عن سورية وقيادتها؟
هذا الكلام سمعناه كثيراً على لسان أوباما وغيره, وهذه التصريحات هي للاستهلاك السياسي لا أكثر مدفوعة الأجر, وقد ذكر السيد الرئيس بشار الأسد في كلامه في مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عن حجم الهجمة الإعلامية على سورية وقال "بأنهم في الفضاء أقوى منا لكننا على الواقع أقوى بكثير". ولو لم نكن أقوى لما كنا الآن بهذا التماسك وفي حالة تصاعد لانفراج الأزمة.
- لماذا نشاهد صعوداً كبيراً للتيارات الإسلامية على حساب باقي التيارات؟
لأن الإسلامي يؤسس لحالة صراع مع العلماني ومع الليبرالي ومع السلفي وحتى في مصر هناك خلاف ما بين الإخوان والسلفيين, ووجود الدين في السلطة السياسية هو بحد ذاته عامل أساسي في تكوين الصراعات وخلق بيئة خصبة لاحتدام ذلك الصراع, خاصة بعد أن تم تشويه وتشرذم الدين فنحن لدينا مسلمين ولكن أين الإسلام ولدينا مسيحيين ولكن أين الدين المسيحي.
- كيف هي رؤيتك للأزمة بعد مرور سنة تقريباً عليها؟
حقيقة لقد اختلفنا كثيرا وفي عدد كبير من المؤتمرات عما هو سبب الأزمة, هل ما رأيناه حالياً هو الأزمة, فأنا من وجهة نظري ليس هو الأزمة فلا المظاهرات التي ظهرت في بداية الأحداث ولا الحراك الإرهابي المسلح لاحقاً الذي استهدف المواطنين والجيش ليس هو الأزمة بل هو تجليات وانعكاسات الأزمة. الأزمة الحقيقية كانت في العقلية والذهنية, في الإنسان, في وجدان الإنسان. فكيف يمكن لنا فهم حالة حراك سياسي قد تحمل السلاح لفرض رأيها. كيف لنا فهم تأسيسي لنظام طائفي على خلفية المطالبة بالحريات ومطالب إدارية وخدمية وسياسية. لذلك كنا أمام سقوط للمنظومة الإنسانية والفكرية والمفاهيمية والأخلاقية. وهذا الموضوع لم يكن وليد الصدفة بل تم العمل عليه إعلامياً, ومؤسساتياً, سياسياً, وللأسف داخلياً فالمؤامرة الداخلية كانت متوازية مع المؤامرة الخارجية فكان هناك وما زال أيادٍ عابثة بالوطن عملية على تخريب الوطن بشكل منهجي ومدروس والدليل على ذلك الأنفاق التي رأيناها في حمص مؤخراً والتي كانت بمثابة دلالة دامغة على مدى التآمر والتخطيط الذي تتشابك به الكثير من الأيادي الداخلية للأسف, والخارجية الغير مستغرب عليها فعل ذلك بنا. فبعد مرور سنة تقريباً بتنا أمام عالم من المتناقضات, فمفهوم الحرية والديمقراطية طبلوا وزمروا له لسبب وحيد وهو تحت هذا العنوان كان المطلوب خلق كل مظاهر التناقض على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي, ومن ثمة تغذيتها وإعطائها قالب شرعي معين وصولاً إلى حالة من الصراع والاقتتال. فأُفقد كل شيء معناه الحقيقي بدءً من الحرية والديمقراطية وحتى الاختلاف الذي اعتبروه ثقافة وهو ليس ثقافة بقدر ما هو حالة طبيعية, يُريدون منا الوصول إلى نفس الطريقة التي أوصلونا بها من ناحية ربط مفهوم الإرهاب بالمقاومة ومحاولة التسويق له على هذا الأساس.
- ماهي المنعكسات التي تتحدث عنها والتي بدورها أصبحت جزءً وعاملاً لما وصلنا إليه؟
الديموقراطية والحرية سمحت بوجود أشياء لم نكن معتادين على وجودها في مجتمعنا السوري تحديداً, خاصة خلال العشر سنوات الماضية بتنا نرى سلوكيات ومظاهر أجتماعية وسياسية واقتصادية لم نكن نراها من قبل والمشكلة بأننا بدأنا بقبولها خاصة مع وجود آلة إعلامية تقوم بتغذيتها وجعلها مسألة وفروضة علينا بحجة المتغيرات الحاصلة والتطورات الاجتماعية, وأحياناً لا يمكن قبولها من داخلنا ولكنه أمر مفروض علينا التعامل معه. فتم تدجيننا فكرياً, واختلف مفهوم المثقف وأصبح هو ليس الإنسان الذي يحمل مشروعاً سياسياً أو فكرياً, بل أصبح المُثقف هو الممثل والراقصة, فاختزل الإنتاج الثقافي العربي بفيديو كليب. فلم يعد لدينا أي شيء مختلف عن تلك الأشياء, فالقضايا الإستهلاكية هذه قد أصبحت مضمون الحالة الثقافية للأمة العربية. وبالتالي خلقنا نحن بيئة من المتناقضات, كانت كفيلة بان يتم توظيفها بمرحلة لاحقة بمرحلة مناسبة والتوقيت المناسب وهذا التوقيت هو الذي نعيشه الآن.
- ذكر الإعلامي العربي غسان بن جدو بأن الأنفاق التي وجدت في بابا عمرو بدأ العمل بها منذ العام 2003 أي في أعقاب زيارة وزير الخارجية الأمريكية كولن باول إلى سورية والشروط التي عرضها على السيد الرئيس بشار الأسد. ما رأيك وتعليقك على هذا الموضوع؟
هذا كلام أتفق معه تماماً وكما ذكرت منذ لحظات, لقد تم خلق بيئة محيطة بسورية ثم أتوا إليها على الرغم من علمهم المسبق بأن سورية ليس كباقي الدول في المنطقة. لذلك قاموا وفي عام ال 2005 تحديداً وتعقيباً لموضوع ال 2003 تم صعود قطبين جديدين على ساحة المنطقة وهما تركيا وقطر, والسؤال لماذا هذا الصعود؟ فتركيا أردوغان أشتغلت على الموضوع الفلسطيني, والتسويق الإعلامي المرافق لأردوغان لتصويره المدافع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني كبديل عن الرئيس بشار الأسد في الملف الفلسطيني, لذلك دخل عبر البوابة السورية الحاضنة الحقيقية للمقاومة اللبنانية والفلسطينية لشراء رصيد ومصداقية معينة. وعلى الطرف المقابل أي القطري رأينا التهليل الإعلامي لقناة الجزيرة على الطرف الأخر للمقاومة اللبنانية في حرب تموز ومن ثم أتى أمير قطر لزيارة الجنوب اللبناني بحجة إعادة إعماره على أمل أن يعرف مكان السيد حسن نصرالله الذي لم يلتقي به أبداً. لذلك واعتماداً على كل ما ذُكر حاولوا تسويق أنفسهم سواء على ملف المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية كبدائل محتملة في المرحلة المقبلة وهذا ما تم بالفعل, فأردوغان بعقليته وخلفيته الإخوانية عمل على ملف حماس ورأينا ما حصل, والبديل عن الرئيس بشار الأسد كداعم للمقاومة اللبنانية كان أمير قطر لكنه لم ينجح وفشل فشلاً ذريعاً. لذلك حاولوا شراء رصيد خلال العشر سنوات الماضية يُصرف خلال الفترة الحالية, لذلك كان المطلب بأن الناس ستصدق الجزيرة لوجود رصيد مسبق من دعمها لسورية وحركات المقاومة. ثم قاموا بخطوة أخرى وهي المصالحة الفلسطينية التي تمت مابين فتح وحماس في قطر هي بمثابة رسالة مبطنة لحزب الله بأننا قادرون على تقديم دعم معين كما قدمناه لحركة حماس, وعلى هذا نجحوا نسبياً بعزل حزب الله عن حركة حماس كحركة مقاومة. وكل هذا يصب في تجريد سورية من أوراق القوة التي بيدها, واستثمار كل الرصيد الذي تم شراءه خلال المرحلة السابقة بتصريحات ومواقف سياسية متقدمة بحق القيادة السورية والشعب السوري.
- من هذا المنطلق, كيف ترى موقف حركة حماس خلال المرحلة الحالية والقادمة إن صح التعبير؟
أولاً إن حركة حماس لا تُمثل كل المقاومة الفلسطينية بل هي جزء منها, وحتى حركة حماس ليست فقط خالد مشعل, ومن وجهة نظري فأنا أرى حركة حماس منقسمة لشطرين في المستقبل, فمشكلة خالد مشعل ليست مع سورية وإنما مع قواعد حركة حماس, فالتزام سورية مع القضية الفلسطينية كان قبل ظهور حركة حماس, والتزامنا بالقضية الفلسطينية خلال حماس وبعد حماس. وأريد التنويه لنقطة هامة جداً وهي بأن حركة حماس عندما دخلت للسلطة فقد جمدت بذلك الفكر المقاوم بالمطلق لأن الفكر المقاوم لا يتماشى بوجودك في السلطة, فوجودك في السلطة يفرض عليك التفاوض مع الإسرائيلي وأنت بثقافتك وأدبياتك وعقيدتك النضالية والقتالية كحركة مقاومة لا تعترف بهذا الإسرائيلي فكيف تقوم بهذا الدور الآن. أين دورك الآن مما يحدث في الأقصى ومشروع الدولة اليهودية وعاصمتها القدس, وأي تسوية بإمكانك القيام بها وأية نتائج ستحملها هذه التسوية إن وجدت.
- إن حدث هناك تسوية كما ذكرت ماهي من وجهة نظرك؟
ما أتوقعه شخصياً من التسوية القطرية للموضوع الفلسطيني وهو خلق وطن بديل للفلسطينيين في الأردن, حيث سيتم تقسيم الأردن واعطاء جزء من أرضه للفلسطينيين لتكوين دولة بديلة عن فلسطين يكون رئيسها خالد مشعل الملبي بشكل كبير للمطالب والمصالح القطرية. والدليل على ذلك هو إعادة النظر في دعوة الأردن للإنضمام لمجلس التعاون الخليجي, وهذا إن دل فإنه يدل على المخطط المرسوم للأردن من أجل تقسيمها. لذلك التسوية المنظورة كما ذكرت هي دولة فلسطينية بديلة عن فلسطين يرئسها خالد مشعل يلم فيها الفلسطينيين من الشتات مقابل نسيان فلسطين والقدس كوطن للفلسطينيين. وهذا هو الهدف المنظور مما يُسمى الربيع العربي, الذي يجعل من إسرائيل هي القوة المسيطرة على المنطقة بالكامل.

 

- كيف ترى مصير الدول التي حصلت فيها ما سمي بالثورات الآن خاصة أن بعضها احتفل أو سيحتفل بالذكرى السنوية للثورة؟
أمامنا ثلاثة أمثلة حاضرة, ولنأخذ المصر التي أُسقط فيها النظام سلمياً نوعاً ما ولنسأل أو بالأحرى لندرس الواقع على الأرض. إلى أين وصلوا وأين هم الآن بعد حراكهم الذي قاموا به؟ فحتى الآن لم يتفقوا على لجنة تشكيل الدستور على أقل تقدير, وحتى الآن المسائل ذاهبة على عكس ما يتمناه الشعب المصري, حتى حزب الإخوان المسلمين الذي برز حالياً وكان له حضور على الساحة المصرية لا يشكل غالبية ساحقة لكنه تم تسويقه بأنه ذو حجم كبير لأنه امتداد لمشروع الحركة الوهابية التي تقودها السعودية, وهو مشروع استلام الدين للسلطة السياسية بكل الدول الجمهورية وليست الملكية, لأن الملكية ستقوم بتأسيس تكتل مستقل. واليوم هناك فاتورة ستُدفع نتيجة فشل المشروع على سورية, والذي سيُفشل المشروع في المنطقة بأكملها. وكل النجاحات النسبية التي رأيناها في مصر وغيرها من الدول سيعقبها انتفاضة أخرى حراك شعبي منظم أكثر من قبل الذي كان عبارة عن حراك شعبي غير منظم تم توظيفه وتضخيمه إعلامياً على أنه ثورة شعبية.
- على ذكر التحالفات الدولية, فمنذ أيام اعترف الاتحاد الأوروبي بمجلس اسطنبول كممثل شرعي للشعب السوري كيف تقرأ هذا الاعتراف وما هي انعكاساته على الموقف السوري؟
ليس له أي تأثير, وليس له أي فاعليه على الأرض وسواء اعترفوا فيه أم لم يعترفوا فهم معترفين به منذ البداية فقد تأسس على أيدي أجهزتهم الاستخباراتية, ولكن كما قلت ليس له أي تأثير يُذكر على الواقع والموقف السوري, فأوروبا ليست كل العالم, فنحن لدينا إن تكلمنا اقتصاديا فسورية لديها أسواق عالمية لا يستهان بها متمثلة بالصين وروسيا ودول الألبا (أميركا اللاتينية) وهذه تشكل ثلثين العالم كأسواق تصريف وتعامل تجاري. والمشكلة لدينا هو أن سياستنا الاقتصادية كانت تُتبع لاعتبارات سياسية. حيث ان تبادلنا التجاري مع الدول العربية بلغ ال 55% مع الدول العربية لتحقيق فكرة التكامل الاقتصاي العربي بموجب اتفاقية الكافتا. وهناك نسبة 25% مع الدول الأوروبية لتحقيق حالة ضمان سياسي جاذب لتلك الدول التي تملك ثقل عالمي لا يمكن انكاره, لذلك حاولنا وعبر البوابة الاقتصادية خلق حالة تقارب من قضايانا. أما مع باقي دول العالم فكانت نسبة التبادل التجاري بنسبة 20% فقط. وهذا الشيء أثبت عدم صحته مئة بالمئة. وبالعودة لموضوع الاعتراف بمجلس اسطنبول وأبرموا اتفاقيات معه لو فرضنا, ولكن كيف سيتم التنفيذ إن لم يكن له وجود في الداخل السوري, ويعلمون تمام العلم بعدم الاعتراف به شعبياً داخل سورية, وبأنه بحد ذاته كمجلس يعاني من انشقاقات ما بين أعضائه, وحتى المعارضة الداخلية غير معترفة به, لذلك نحن أمام ظاهرة صوتية لا أكثر.
- هل من الممكن في هذه الحالة وفي حال تغيرت المعطيات الدولية أن يتم سحب الاعتراف بذلك المجلس المزعوم؟
طبعاً وهذا أمر مؤكد ومتاح وليس غريباً أن نراه في المستقبل المنظور. خاصة بان هذا الاعتراف لن يُقدم ولن يؤخر على سورية بشيء.
- هل من الممكن أن نشهد انهيار للاقتصاد السوري ولماذا لم نر لغاية الآن أي محاسبة للمضاربين على الليرة السورية من قبل الدولة كما أُعلن؟
للعلم فقط فالسعودية تقوم حالياً على ضرب العملة السورية وهو هدف من أهدافها اليوم.
ونحن الآن نحاول مُعالجة الأزمة على أنها أزمة بعيدة المدى, لا نعرف متى تنتهي. لذلك يجب أن يكون هناك احتياطي نقدي كبير من العملات في المصرف المركزي لذلك فالمصرف المركزي ليس مضطراً لفرد عملة في السوق. سيكون هناك غلاء في الأسعار نتيجة استيراد بعض السلع أو المواد الأولية الداخلة في تصنيعها بالدولار. ولكن للتنويه فباستطاعة المركزي السوري أن يُخفض الدولار ويُرجعه إلى حالته الطبيعية خلال يومين. ولنتذكر معاً ما حصل خلال العام 2005 عندما ارتفع الدولار وفق تسعير المصرف المركزي إلى 61 ليرة وما لبث الأسبوع حتى عاد ليستقر عند ال 45 ليرة سورية. والآن مطلوب حركة كبيرة للاقتصاد السوري ولكن هذا الموضوع لا يمكن تحقيقه في المدى المنظور, ولا يمكن حتى لمس نتائجه, أما أن ينهار الاقتصاد السوري فهذا أمر بعيد ولكنها مرحلة اقتصادية صعبة جداً وخانقة فهذا أمر مؤكد. أما بالنسبة لمحاسبة المضاربين على العملة السورية فهذا الشيء سيتم وقريباً جداً, ولنأخذ الموضوع من زاوية أخرى فموضوع الانتقال من شكل اقتصادي إلى شكل اقتصادي آخر هو موضوع مُعقد وله متطلبات, واقتصاد السوق الاجتماعي الذي تبنته الحكومة السابقة وفريقها الاقتصادي السابق أثبت فشله بشكل كبير وللمعلومات أيضاً, لم يكن لدى الدولة بكل مؤسساتها وثيقة واحدة تحدد مفهومها لاقتصاد السوق الاجتماعي. أي اننا اتجهنا باتجاه اقتصاد السوق ونحن لا نملك مقومات التحول نحو اقتصاد السوق, فنحن لا يمكن الانتقال نحو هذا الشكل الاقتصادي ولدينا متوسط الدخل في مجتمعنا متدني جداً, لا يمكن التحول نحو اقتصاد السوق ونسبة 96% من مؤسساتنا هي مؤسسات صغيرة ومتوسطة. لذلك هذه السياسة الاقتصادية تسببت في تركز الثروة في أيدي فئة قليلة من الناس وزيادة نسبة الفقر.
- ماهو السبب برأيك لوصولنا إلى هذا الوضع الحالي؟
نتيجة تحالف رأس المال مع السلطة أدى لما نحن له الآن, فقد تعطلت الدولة بشكل كامل, وحزب ابتعد عن قواعده كحزب قائد في الدولة والمجتمع, وأريد أن أسأل أين حزب البعث الآن؟, حزب البعث الذي كان يستطيع حل خلافات موجودة في ابعد نقطة نائية في سورية, نتيجة لجوء الناس للمسؤول الحزبي نتيجة ثقتهم فيه, ولقرب المسؤول منهم. لذلك أنا أقول بأن الحزب غير جدير بالمادة الثامنة, فنحن لدينا فكر للبعث ولكن لا نملك بعثيين للأسف, فالبعث عندما تحالف مع رأس المال ابتعد عن جماهيره وقواعده. لذلك لدينا الآن مجتمع, اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً يعاني من أزمات ومشاكل كبيرة جداً وبحاجة لحلول بعيدة المدى فرضتها الأزمة.
- كيف تقرأ أو بالأحرى تصف موقف الشعب الخليجي من الأزمة الحاصلة في سورية وهذه الهجمة الشرسة الصهيوعربية؟
هناك من يقول بأن موقف الشعب الخليجي والقيادات الخليجية شيئين مُتباينين ومنفصلين, فأنا أقول بأنهما ليسا شيئين مختلفين فعندما يقدم الشعب الشعب الخليجي موقف متمايز عن حكومته عندها سأعترف به أنه متمايز. وحتى الآن لم نر أي تحرك شعبي خليجي للتعبير عن رفضه أو حتى تعاطفه مع الشعب السوري لما يُحاك ضد سورية ويُرسم لها من مخططات على أيدي أمرائهم وملوكهم. فالشعب الخليجي يتحمل المسؤولية الإنسانية والسياسية والأخلاقية إن لم يُقدم موقف متمايز عن حكومته. وإن لم يتحرك الشعب العربي في الخليج فهو من يتحمل مسؤولية الاخفاق على المستوى القومي كفكرة وعلى المستوى القومي كأمن بشكل عام فما حصل في سورية فسيحصل في بلادهم.
- كيف ترى المستقبل المنظور لسورية من وجهة نظرك؟
سترون في المستقبل القريب كيف أن التحالفات ستعود جميعها إلى سورية. فسورية ستُشكل عقدة غاز ونفط مهمة جداً على المستوى الاستراتيجي, وسورية ستُشكل النظام الأقوى في المنطقة. وأنا أقول الآن بأنه يحب أن يكون ردنا عابر للحدود, وتمتينا للجبهة الداخلية عامل أساسي لتعزيز الصمود, ولكن أن يترافق مع هجوم عابر للحدود كما ذكرت سواء في لبنان أو تركيا, فإما أن يقوموا بأخذ دورهم وتسليم المطلوبين وضبط الحدود أو سنقوم نحن باتخاذ الخطوات اللازمة لذلك. وأنا أرى اليوم بأن سورية مؤهلة لقيادة المنطقة ويجب أن يحدث ذلك, فوجود أمثال دول الخليج تلك هي عامل ضعف في منظومة الأمن القومي العربي وهو عامل ضعف وتأثير سلبي على وجودنا وصمودنا في سورية لأنهم لن يكفوا عن مشروعهم في المنطقة وإحاكة المؤامرات ضد شعبنا وقيادتنا, وضد نموذجنا الديني والاجتماعي الراقي والسامي جداً لذلك لابد من وجوب الرد بالمثل, والغير مبني على حالة انفعالية بمقدار ماهي مبنية على مقتضيات قومية تفرضها المرحلة التاريخية التي نمر بها.
- في ظل المواقف العربية المُتخاذلة, هل من الممكن أن نشهد موقف معادي للعراق ضد سوريا؟
لا أتوقع أن يقوم العراق باتخاذ مواقف معادية سواءً في ظل الحكومة الحالية أو أي حكومة قادمة على العراق, فلا أحد ينكر النفوذ الايراني والسوري القوي جداً في العراق, والعراق يطمح لأخذ دوره في منطقة الخليج العربي, في الوقت الذي تدرك فيه بأن الدور الخليجي في حالة تداعي وانهيار, وبالتالي السعي حثيث لاعادة امتلاك دور اقليمي قوي جداً والمقومات التي يمتلكها العراق تسمح له بلعب هذا الدور. وهناك معادلة جيوسياسية مهمة جداً تجمع العراق وايران وسورية, هذه المعادلة تُعطي حالة دعم وتكامل اقتصادي كبير جداً لتلك الدول الثلاثة وخاصة العراق العائد من لأخذ دوره بعد انسحاب القوات الأمريكية, وهو بحاجة سياسياً لظهير وعمق استراتيجي قوي وايران وسورية تشكل له ذلك العمق, وصمود النظام السوري الآن شكل مصدر استقطاب لكل الأنظمة التي تقرأ وتفهم الاستراتيجية الصحيحة.
- الآن وبعد بابا عمرو, الأزمة السورية إلى أين؟ خاصة بأن أعداء سورية عولوا كثيراً على ما وصفوه بمعركة بابا عمرو؟
بعد أن أُنهي موضوع الدستور أصبحت المسائل أسهل بكثير, لأن خيار الشعب قد تحدد أين بالتحديد, فلم يعد هناك أي مجال للإنقسام الشعبي. لذلك الجيش الآن مستمر, وبسرعة كبيرة في مهمته في القضاء على الإرهاب والجماعات التكفيرية, والأمن سيعود كما كان بنسبة كبيرة جداً, ولكن قد يتخلل ذلك بعض العمليات الإرهابية كتفخيخ السيارات والاغتيالات بحق بعض الشخصيات, فعدونا لن ييأس بسهولة. ولن نستطيع انتزاع الاعتراف بالهزيمة منه بهذه البساطة, فسيستمر الاستجداء من الولايات المتحدة الأمريكية فرصة للبقاء, وسيبذل قصارى جهده لذلك ومن المتوقع أن نصل قريباً لمرحلة الذروة التي اختلف في وصفها مع كثير من الأشخاص الذين قالوا بأننا قد وصلنا لمرحلة الذروة. فهناك خضة كبيرة جداً قد يُطلقها خصمنا كضربة يائس. لكننا الآن أمام مرحلة جديدة خاصة في ظل الدستور الجديد والانتخابات القادمة لمجلس الشعب والحكومة الجديدة. لكننا نحتاج لمنظومة إدارية حقيقية مبنية على الكفاءات وأسس علمية ومعيارية حقيقية. و التركيز على المواطن فصفته جوهر ومرتكز الإصلاح الأساسي, فلا إصلاح دون مواطن حقيقي يُشارك في مشروع الإصلاح. و يجب أن يتحول الشعب لرقيب وحسيب, ويجب محاسبة كل من كان مشاركاً في سفك الدم السوري, حتى من كان ومازال في السلطة, فهناك من خرب عن قصد أو غير قصد وكان مُساهماً بما وصلنا إليه الآن.
bahaa@dampress.net
facebook.com/bahaa.khair
تصوير : تغريد محمد

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=51&id=18510