لاحظ المراقبون أن اليابانيين أثناء الكارثة التي تعرضت لها بلادهم مؤخراً، قد اتسموا بهدوء حزنهم وسموه إذ لم يمارسوا النواح ولا الصراخ ولا ضرب الصدر، كما اتسموا بالاحترام إذ وقفوا بالدور، دون تدافع، لتأمين حاجاتهم من المتاجر والمخازن دون أن تبدر من أي منهم كلمة جافة أو تصرف جارح، كما اتسم سلوكهم بالرحمة إذ كان كل واحد منهم يشتري ما يكفي لسد حاجته فقط كي يستطيع الكل الحصول على ما هم بحاجة إليه. غير أن أبرز سمة برزت خلال الكارثة هي تضحية الفرد في سبيل المجتمع، فقد قرر خمسون شخصاً من العاملين في المفاعل النووي أن يبقوا فيه، لمتابعة عملية ضخ مياه البحر إليه لتبريد نواته ومنعه من الانفجار، كانوا يعلمون جيداً أن الإشعاع سيتسبب بموتهم قريباً، لكنهم قبلوا الموت عن طيب خاطر كي يمنعوا وقوع كارثة أخرى في بلدهم لا تقل خطراً عن كارثة التسونامي المريعة. العجيب هو أن المطاعم إبان الكارثة خفضت أسعارها، وكذلك الفنادق والشقق المفروشة، حتى بات كل شيء في كل مكان أرخص مما كان عليه قبل الزلزال! لكن الأكثر إدهاشاً هو أنه لم تسجل أي حالة سرقه أو نهب خلال الأسبوع الأول من الكارثة رغم غياب الحماية الأمنية عن البنوك والصرافات الآلية والمحال التجارية.
أعترف لكم أنني أشعر بالخجل إذ أقارن سلوك اليابانيين خلال كارثتهم الطبيعية بسلوكنا خلال أزمتنا الحالية. صحيح أنني لم أفاجأ بسلوك بعض المتمولين السوريين ممن هربوا أموالهم إلى خارج البلد، فقد سبق لي أن وصفتهم، قبل سنين، بأنهم ينتمون إلى شريحة ما دون الرأسمالية أي «الكرشمالية»، فهم لا يشعرون بالمسؤولية إزاء المجتمع الذي جمعوا ثرواتهم على حسابه، ذلك لأن حدود الوطن بالنسبة لهم لا تتجاوز جيوبهم وكروشهم.
كذلك لم أصدم بسلوك بعض تجار العقارات الذين استغلوا فرصة انشغال رجال الأمن بقضايا أخرى، كي يقوموا بتنفيذ آلاف الشقق التي لا يتوافر فيها الحد الأدنى من المواصفات الفنية، ما يجعل سكانها مشاريع ضحايا ويجعل منشئيها مشاريع مجرمين.
لكنني صدمت حقاً عندما علمت أن بعض أبناء الليل من طلاب الثروة يستغلون غياب الرقيب كي يقوموا باقتحام بعض المواقع الأثرية والتنقيب فيها بواسطة الجرافات والبلدوزرات(!) بحثاً عن كنوز يقومون بتهريبها إلى خارج البلاد.
قبل سنوات كتبت في دفتر ملاحظاتي الكلمات التالية: «ينتضي سكينه الحادة، يحدث فجوة في صدغه، يدخل يده في رأسه، يهبش من دماغه ويأكل، كذا حالنا عندما ندمر آثار الأجداد!».
تعلمون أنه لم يضرب بلدنا زلزال ولا تسونامي، كما اليابان، مع ذلك فسلوك بعضنا أسوأ من الكارثة. يجب علينا أن نعترف أننا لم نحسن الاستثمار في الإنسان.
حسن م. يوسف