الرئيسية  /  كتاب وآراء

جيمس جيفري.. وسرُّ أوكرانيا.. بقلم: خالد العبود


دام برس : جيمس جيفري.. وسرُّ أوكرانيا.. بقلم: خالد العبود

دام برس :
لا نعتقد أنّنا نضيف جديداً حين نتحدّث عن صراع مصالح كبيرة، ثمّ صراع نفوذٍ واسع، بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، وبين روسيا وحلفاء لها من جهة أخرى، فهذا أمرٌ بديهيٌّ جدّاً، ولا يحتاج إلى جهودِ اكتشاف له..
-ولا نعتقد أنّنا بحاجة إلى استحضار نظريّات في السياسة أو في الاقتصاد أو في العسكرة، حتّى نبرهن على أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، يحاولون التضييق على روسيا وحلفائها، وصولاً إلى الحدّ من صعود نفوذ الاخيرة، في ظلّ مواجهة ونزال كبيرين، يعبّر عنهما بأشكال ومستويات عديدة..
-لكن السؤال المركز في هذه المشهديّة من المواجهة في "أوكرانيا"، والذي يحتاج إلى بحثٍ وإجابة، هو: لماذا "أوكرانيا"، ثمّ لماذا "أوكرانيا" الآن؟!!..
-نحن نعتقد أنه هذا هو السؤال الهام الذي كان، ولم يزل، مطلوباً منّا أن نجيب عليه، أمّا أن نتحدّث في بديهياتٍ معروفةٍ ومفهومةٍ تماماً، حكمت خارطة القوى الكبرى على مستوى العالم، وأن نستفيض فيما تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيّون، في وجه روسيا وحلفائها، فهذا موضوعٌ أضحى من الثوابت والمسلمات، وهو وراءنا من زمنٍ بعيدٍ..
-إذن.. السؤال الهام الآن، هو: لماذا "أوكر*انيا"، ثمّ لماذا "أوكرانيا" الآن؟!!..
-للجواب على سؤالنا، لا بدّ من أن نعود ونتابع مجموعة مواقف وتصريحاتٍ، تخصّ دبلوماسيّاً أمريكيّاً، وهو "جيمس جيفري" المبعوث الأمريكيّ السابق إلى سورية، حيث كانت مهمّتُه تتعلّق بإدارة الملف السوريّ أمريكيّاً، لفترة زمنيّة شكّلت القسم الأساسيّ من مرحلة العدوان على سوريّة..
-نعتقد أنّ هذا السياسيّ الأمريكيّ، شكّل نقطة فهمٍ دقيقٍ، لما كانت تعمل عليه الولايات المتحدّة، خاصة بعد فشلها في إسقاط النظام السياسيّ في سوريّة..
-إنّ رصداً بسيطاً لما فعله وصرّح به هذا المبعوث، يصل بنا إلى مواقع خطيرة، لم يستطع "تسونامي" الإعلام اليوم، أن يقارب هذه المسألة من هذه الزاوية، باعتبار أنّ هناك تركيزاً شديداً على أن يُؤخذ الوعي العام للجمهور باتجاه عناوين أخرى مختلفة..
-يقول جيفري في إحدى لقاءاته:
إن “السياسة الأمريكية تتمحور حول مغادرة القوات الإيرانية الأراضي السورية كافة، جنبًا إلى جنب مع كل القوات العسكرية الأجنبية الأخرى التي دخلت البلاد عقب عام 2011، وهذا يشمل قواتنا، والقوات الإسرائيلية، والقوات التركية كذلك”.
وحول القوات الروسية، يوضح "جيفري":
أنها “دخلت الأراضي السورية قبل عام 2011، وبالتالي، فإنهم مستثنون من ذلك”..
-ماذا يعني "جيفري" بذلك؟، يعني بأنّ الولايات المتحدّة كانت تتطلّع إلى خطّة، مفادها أن تخرج كلّ القوات الأجنبيّة من الأراضي السوريّة، بما فيها القوات الأمريكيّة، باستثناء القوات الروسيّة..
-لكن "جيفري" يعود في مكان آخر، ويكشف أنه ذهب مع وزير الخارجية السابق "مايك بومبيو"، وتحدثا إلى الرئيس "بوتين"، في موسكو عام 2019، وعرضا "صفقة" تتضمن مقايضة روسية - أميركية حول سورية، لكن "جيفري" يؤكّد على أنّ الرئيس بوتين:
"لم يقبل الخطة، لأنه اعتقد أنّنا في نهاية إدارة ترامب، الذي كان يريد سحب قواتنا، لذلك ظن بوتين أنه لا داعي للتفاوض معنا، وسيحصل على سورية على طبق من فضة"..
-طبعاً "الصفقة" أو "الخطة" التي يتحدّث عنها "جيفري" هنا، هي خطّة الاتفاق على خروج جميع القوات الأجنبيّة من سوريّة، وبقاء القوات الروسيّة، مقابل تقديم ضمانات كاملة من أجل "أمن سsرائيل"، وذلك من خلال الضغط الروسيّ على كلّ من سورية وإيران!!..
-وهذا ما يؤكّده بوضوح في مكان آخر حين يقترح "جيفري" إجراء مقايضة "تقوم على مبدأ خطوة مقابل خطوة، تتضمن أموراً تخصّ العقوبات، واعتراف دبلوماسي، والإعمار والاستثمار والتعامل مع النظام"، ويعني به: "النظام السوريّ"..
وبالمقابل تُلزم "المقايضة" التي اقترحها جيفري، "النظام السوري بخطوات في ملف إعادة اللاجئين، ووجود إيران، وأمن إسرائيل، وأمن تركيا"..
-إذن.. "أمن إسرائيل" الذي أكدنا عليه أعلاه، وهو المطلب الرئيس للخطة، والغريب أيضاً أنّه يؤكد على "أمن تركيا"، لكنّه لم يتحدّث عن "أمن سوريّة" أو "أمن إيران"، وإنّما تحدّث عن "وجود إيران"، ويعني به وجود إيران في سورية..
-هنا يبدو لنا شيء هامٌّ، طالما توقفنا عنده ومنذ سنوات، وهو دور تركيا بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يعتبره "جيفري" هنا رئيسيّاً بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة عندما يتحدّث عن "أمن تركيا" مع "أمن إسرائيل"!!..
-الغريب في الأمر أن "جيفري" يذهب بعيداً لتوضيح موقع النظام التركي، بالنسبة للولايات المتحدة، حين يؤكّد في موقع آخر، ليقول:
"بأن الرئيس أردوغان يشكل عقبة أمام توسّع كلٍّ من روسيا وإيران في المنطقة"!!..
ويضيف:
"بأن تركيا تُعتبر في نهاية المطاف جزءًا من أوروبا وشمال الأطلسي، اقتصاديّاً وعسكريّاً، وفي كثير من الحالات نفسياً"..
-إذن.. لم تمرّ "الخطة- الصفقة"، ولم تستطع الولايات المتحدة أن تضغط على الرئيس "بوتين" لتمريرها، وهو ما بدا واضحاً من ملاحقة تصريحات المبعوث الأمريكيّ إلى سوريّة "جيمس جيفري"!!..
-الخطير في الأمر أنّ تصريحاً للبيت الأبيض، يأتي بعد أول لقاء للرئيس "بايدن" مع الرئيس "بوتين"، يكشف فيه "بايدن" أن اللقاء شهد مناقشة "الملف السوريّ" و"ملف إيران النوويّ"، والواضح هنا أنّ شيئاً لم يتمّ الاتفاق عليه، من خلال هذا اللقاء!!..
-في هذه المرحلة يكون "جيفري" قد غادر موقعه، ويشعر بأنّ "المقايضة" التي كان يعمل عليها، من خلال: "الخطة- الصفقة"، لم تتمّ، فيعبّر عن ريبته من تصرفات الإدارة الأمريكيّة الجديدة، وفقده لإمكانية فهم ما تقوم به إدارة "بايدن"، فيقول:
"إما أنّ إدارة بايدن تعتقد أن سورية غير مهمّة، أو أنّهم يريدون القيام بشيء لا يريد أحد معرفته"!!..
-لاحظوا هنا كلامه حول أنّ هذه الإدارة، كانت تعمل على شيء لا تريد أن يعرفه أحد، وهو الاحتمال الآخر الذي يركّز عليه "جيفري"، إذ أنّه من المستحيل أن تكون سوريّة، وما يحصل فيها، غير مهمّ للإدارة الأمريكيّة..
-نعم.. لم تنتهِ "الخطّة - الصفقة"، ولم تستطع الولايات المتحدة تمرير "المقايضة" التي كانت تعمل عليها مع روسيا، لهذا كان مطلوباً الضغط الإضافيّ على روسيا، وعلى الرئيس "بوتين" تحديداً، من أجل أن تمرّ "الخطّة - الصفقة"..
-كانت "كازاخستان" اللّكمةَ الأولى نحو "بوتين"، من طرف الولايات المتحدة، غير أنّ روسيا استطاعت تجاوز هذا النزال بالضربة القاضية السريعة، وفي الجولة الأولى، فلم تستطع الولايات المتحدة التأثير على "بوتين"، وصولاً إلى "الخطّة - الصفقة"، أو إلى "المقايضة" في سوريّة..
-لذلك كان لا بدّ من لَكْمةٍ أخرى، تأتي بالرئيس "بوتين" إلى طاولة "الخطّة - الصفقة"، من أجل أن تكون "المقايضة"، فكان التحريك في "أوكرانيا"، ومحاولة الضغط على "بوتين" من خاصرته الرخوة، والتي كانت طازجة تماماً، كي تكون ذات تأثير تكتيكيّ لموقف "بوتين" من "الخطّة - الصفقة"، ومن "المقايضة" أخيراً..
-هنا يجب ألا يغيب عنّا، أنّ ما كانت تعمل عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيّون، في "أوكر*انيا" وبعض دول الجوار الروسيّ، لم يكن وليد اللحظة، وإنّما هو عملٌ تراكميٌّ، مرّ عليه سنوات عديدة، تمّ ترتيبه من أجل إبقاء عناصر احتكاك غربية مع روسيا، تمنع الأخيرة من تمدّد مصالحها، وبالتالي من اتساع نفوذها على حساب الآخرين..
-إنّ مراجعة سريعة لما مرّ على "أوكرانيا" خلال السنوات القليلة الماضية، تجعلنا ندرك أنّها كانت تعدّ كي تكون خنجراً في خاصرة روسيا الصاعدة، ونفوذها الذي يتمدّد، لذلك حاولت الولايات المتحدة ترتيب "أوكرانيا" كي تمنع "بوتين" وتعيقه في صعوده الذي بدا مخيفاً، على أكثر من مستوى وأكثر من صعيد..
-نعم.. إنّها "أوكرانيا" المخفر المتقدّم للولايات المتحدّة على حدود روسيا، وعندما احتاجت له كي تحرّكه تكتيكيّاً للضغط على "بوتين"، من أجل "الخطّة - الصفقة"، وصولاً إلى "المقايضة" في سوريّة، كان الرئيس "بوتين" قد أدرك أن اللحظة حانت لاقتلاع المخفر من جذوره، خاصة وأنّه كان يدرك ويعلم ويتابع تماماً، ما خبّأت وجمّعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيّون في هذا المخفر!!..
-في هذه اللحظة الحاسمة بالنسبة للرئيس "بوتين"، وبعد أن ردّ "لكْمتهم" الأولى في "كازاخستان" بالضربة القاضية، أراد أن يأتي بالدرس نفسه على "أوكرانيا"، خاصة وأنّ الولايات المتحدة بدأت تحريك يدها، لتوجيه "اللّكمة" من جديد، إلى روسيا والرئيس "بوتين"، ومن "أوكرانيا" تحديداً..
-نعتقد أنّه من أجل ذلك كانت "أوكر*انيا"، ومن أجل ذلك أيضاً، كانت "أوكرانيا" الآن، ليبدو واضحاً ما كان يجهله "جيمس جيفري"، وهو يصرخُ في أروقة وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، دفاعاً عن "الخطّة - الصفقة" التي ظنّ لزمنٍ أنّ إدارة "بايدن" قد نسيتها، ونسيت معها سوريّة، أو أنّ "بايدن" كان يريد أن يفعل شيئاً بخصوصها، لكنّه لا يريد من أحدٍ أن يعرف تفصيل ذلك!
-نعم.. كانت إدارة بايدن تعدّ لتحريك مخفر "أوكرانيا"، ضغطاً على الرئيس بوتين، من أجل "الخطّة - الصفقة، وصولاً إلى المقايضة يا جيفري.

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=106055