الرئيسية  /  تحقيقات

التأجير التمويلي هل سينعش سوق العقارات ويكسر جمود الأسعار ؟!


لاداعي لتشعر بالأسف بعد اليوم على دخلك المحدود، وسقف راتبك المنخفض الذي يعجز عن شراء منزل تعترف لك السجلات الرسمية بملكيته، فحتى أصحاب الدخول العالية والمهن الحرة باتوا يشتكون من الأسعار الجنونية للعقارات في دمشق التي فاقت كل حدود المعقول، وجعلت دمشق تصنف بين المدن العشر الأكثر غلاءً في أسعار العقارات في العالم.

وقد أبدى موقع الكتروني متخصص بالعقارات في سورية دهشته من الأسعار الأسطورية التي وصلت إليها العقارات، فقد تفوقت جادات المالكي على البيفرلي هيلز الأمريكية، وفيلات يعفور على قصور أوروبا التاريخية.. والمستغرب في الموضوع أن هذه الأسعار تتمرد على كل شيء ولا ينفع معها لا قوى السوق(العرض والطلب)، ولا قوة القوانين والإجراءات الحكومية وتبقى المشكلة عصية على الحل، ومصدراً للثراء السريع لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من ذوي النفس الطويل والحنكة والبراعة، وهذا ما جعل أصحاب الدخل المحدود يبحثون عن أحلامهم في السكن في مناطق العشوائيات التي التهمت أكثر من 40٪ من دمشق والمدن في المحافظات الأخرى.
ولم يعد مجدياً البحث عن وسائل تمويل تغطي ولو جزءاً من تكاليف اقتناء بيت صغير، فحتى القروض التي تطلقها المصارف الخاصة والعامة على اختلاف ميزانيتها، تبدو ضرباً من المزاح الثقيل أمام الأسعار المتضخمة والأقساط المترتبة، ويكاد لا يكفي راتب موظف لتسديد قسط شهري واحد.

بعد طول انتظار


واليوم يظهر في السوق السورية، بعد طول انتظار، أسلوب تمويلي جديد (التأجير التمويلي) بعد صدور مرسوم السماح بإنشاء شركات مساهمة تمارس نشاط التأجير التمويلي، وهو منتج تمويلي جديد يعول عليه أصحاب الباع الطويل في هذا المجال بأنه سيحدث تأثيراً إيجابياً في سوق العقارات ويحرك المياه الراكدة، ويقدم بعض الحلول لتلك المعادلة الصعبة التي وقفت أمامها حائرة نظريات السوق وقوانين العرض والطلب، فقد ازداد العرض ونزلت أسعاربعض مواد البناء، وصدرت قوانين استثمار وتطوير وتمويل وأسعار العقارات متمترسة في مكانها لا تتزحزح ولا تتغير، بل يروج المضاربون لمزيد من ارتفاع الأسعار على مبدأ أن العقار لا يخسر (بيزيد سعرو وما بينقص)، وكأنه الشيء الوحيد الذي استعصى على القوانين والنظريات الاقتصادية وبقي الأحجية التي ننتظر حلها بشك المتوجس من حيل السوق والأساليب الملتوية للمضاربين، وصبر الواثق من جدوى الإجراءات والقوانين ولو بعد حين.

الفجوة والاحتياجات


المشكلة أن الهوة تزداد اتساعاً، والفجوة التمويلية تكبر يوماً بعد يوم، طالما أن الاحتياجات كبيرة والدخل محدود وأزمة التمويل تشتد عند البحث عن الضمانات، لذلك ربما يكون التأجير التمويلي كمفهوم جديد للتمويل مخرجاً مناسباً لأزمة الضمانات، وبديلاً جيداً للزبائن يناسب مختلف الشرائح.. ويختلف هذا الأسلوب عن القروض التقليدية في أنه ذو مخاطر متدنية، فالممول لا يعيش هواجس الضمانات، لأنه يمتلك الأصل الذي يؤجره ويقدم خدمة مناسبة للزبون المستأجر، لأنه يرفع عن كاهله عبء الدفعات النقدية الكبيرة التي يضطر لدفعها في القروض التقليدية محدودة السقف أو كهامش جدية، كما أنه مصمم ليتم التسديد فيه على آجال طويلة من 20-25 سنة وبإيجارات تعادل الأقساط، لكنها قد تختلف من سنة لأخرى لتساير نسب التضخم في الأسعار، ليصبح الأصل في نهاية مدة الإيجار ملكاً للزبون المستأجر.. وهو أسلوب تمويلي مبتكر يمكن الاستفادة منه في أكثر من مجال وقطاع.. ويشجع أصحاب الأعمال الناشئة والمؤسسات المتوسطة والصغيرة أن تطور عملها دون كلف كبيرة ودون الاضطرار لشراء الآلات والتجهيزات بل استئجارها ويراهن عليه بعض الخبراء في أن دخول أسلوب التأجير التمويلي إلى مجال العقارات سيساهم في كسر جمود الأسعار وانتعاش السوق، في حين يعتبره آخرون أنه سيزيد الطلب على العقارات وربما على عكس ما هو مأمول سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار مجدداً.. فماذا يقول المتابعون والمهتمون وأصحاب القرار في هذا الموضوع؟!.


من يعيد التوازن للسوق


السيدة وفاء المغربي، مديرة هيئة الإشراف على التمويل العقاري، تعتقد بأنه يمكن لشركات التأجير التمويلي أن تزيد الطلب على العقارات، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة زيادة الأسعار، لأن هناك، بالمقابل، المطورين العقاريين الذين ينتظرون هذا النوع من التمويل، للبدء بمشاريعهم وإنشاء مجمعات سكنية تُطرح في السوق، مما قد يعيد التوازن إليه، وتشير إلى أن تبعية هذه الشركات ستكون لمصرف سورية المركزي، حيث سترخص لعملها، ولكنها ستحتاج لترخيص من هيئة الإشراف على التمويل العقاري، إذا كان جزء من نشاطها سيطال مجال العقارات، وتشير إلى أن الهيئة تعمل حالياً على جملة من القوانين ذات الصلة بشركات التمويل العقاري، بينها قوانين تأسيس وترخيص شركات التمويل العقاري واتفاقات التمويل، وحوالة الحق الناشئة عن اتفاق التمويل، إضافة إلى قانون خاص بتنظيم مزاولة مهنة التقييم العقاري، وتؤكد على أهمية تنظيم هذه المهنة لأنها ستفرز خبراء تقييم عقاري على أسس علمية، يحصلون على رخص مزاولة المهنة من الهيئة، وسيكون لهم دورهم في تخمين الأسعار الحقيقية للعقارات بعيداً عن المضاربة.

الأسعار ستنخفض


ويؤكد الأستاذ غسان عيد، معاون وزيرة الاقتصاد، بأن التعليمات التنفيذية في طريقها إلى الصدور في القريب العاجل، ويعول على هذا المرسوم للمساهمة في خفض أسعار العقارات، ويعتبر أن توفر هذا الأسلوب في التمويل مسألة هامة وحيوية، وأنه حتى لو رفع الطلب لن يزيد غلاء الأسعار، لأن هناك عرضاً كبيراًَ وواسعاً على العقارات في السوق، دون أن يرافق ذلك طلب حقيقي، بسبب عدم توفر السيولة وغلاء الأسعار الذي افتعله المضاربون، منوهاً إلى أن المساكن التي أنجزتها المؤسسة العامة للإسكان وتعرضها بأسعار منطقية، ستساهم أيضاً في خفض الأسعار، كما أن الهجرة المعاكسة التي نشهدها اليوم في عدد من المحافظات، وخاصة في المحافظات الشرقية من المدينة إلى الريف بعد المباشرة في العديد من مشاريع البنية التحتية، وإقامة المدينة الصناعية بدير الزور لتشجيع الاستثمارات في تلك المنطقة وتوسع الخدمات في الأرياف، كل ذلك سيخفض من الطلب على العقارات في المدن ويعيد التوازن إلى سوق العقارات، وهذا متوقع خلال العامين القادمين.

أفق استثماري جديد


الدكتور أحمد العلي، الأستاذ في كلية الاقتصاد، يتمنى أن يساهم «التأجير التمويلي» في تخفيض أسعار العقارات، فالعقارات المعروضة حالياً كثيرة، ولكن لا أحد يُقبل على الشراء، لأن الأسعار عالية وغير منطقية، وحتى لو ظهر منتج جديد ومؤثر بشكل إيجابي، سيبقى رهناً بالتعليمات التنفيذية التي ستحدد بالضبط الشرائح التي ستستفيد منه، وستظهر التعليمات حين صدورها الميزات الإيجابية والسلبية، ويجب أن ننتظر لنعرف المستهلك النهائي الذي سيتمكن من الاستفادة منه، فإذا كانت الشروط صعبة، لن يختلف الأمر عن القروض الموجودة في المصارف، والتي لم تتمكن من تقديم خدمة تمويل السكن لذوي الدخل المحدود بسبب ضعف إدارة المخاطر، غير أن التأجير التمويلي كمنتج جديد سيفيد المصارف بشكل أساسي والمستهلكين، لأنه يشكل أفقاً استثمارياً جديداً ذا مخاطر متدنية، ولكن لكي يتحقق ذلك نحتاج إلى جملة تعريفية بمكونات هذا المنتج وميزاته، لأن قلة جداً يعرفون ما هو المقصود بالضبط بـ «التأجير التمويلي»، ويخلطون بينه وبين القروض التقليدية.
ويضيف الدكتور العلي: من المفترض أن أسعار العقارات تخضع للعرض والطلب، وعندما يحدث تحفيز على الطلب بفعل هذا المنتج الجديد أو غيره سترتفع الأسعار، وبالمقابل الركود يخفض الأسعار، وعلى الرغم من الجمود السائد حالياً في سوق العقارات، إلا أن ذلك لم يؤدِّ لانخفاض الأسعار، على الرغم من صدور العديد من القوانين والقرارات التي يُؤمل أن تؤدي غرضها في السنوات المقبلة.
ويرى الدكتور العلي أن المشكلة تبدأ من عقلية المستثمر السوري في سوق العقارات، الذي يصر على أن يحقق أرباحاً عالية تصل إلى 200٪ أحياناً، ويبقى الرهان على من يملك نفساً أطول ليحقق الربح، حيث لا يزال المستثمر يعتبر أن العقار هو الاستثمار الآمن، على الرغم من أنه معرض ولو بعد حين للاستهلاك وانهيار الأسعار، وعلى الرغم مما يشوب سوق العقارات اليوم، لكنه في النهاية سيخضع لقانون العرض والطب.

أخيراً


المهم أن شركات التأجير التمويلي ستصبح، ولو بعد حين، حقيقة، ويعول عليها في تقديم الدعم للمشاريع الناشئة والتمويل الميسر للكثير من احتياجات الحياة الأساسية، وننتظر أن يكون لها في سوق العقارات بصمة مميزة، لعل الحلم بامتلاك المسكن اللائق يصبح أكثر يسراً ويرحم الراغبين بامتلاكه من أن يقضوا نصف عمرهم وهم يركضون وراء القروض لتأمين ثمنه أو اللجوء لبدائل لا تليق بإنسانيتهم.


سهام طلب

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=10574