الرئيسية  /  كتاب وآراء

سؤال اليوم والغد .. أيّ دور لمحور المقاومة في الجولة المقبلة ؟ بقلم : د. عصام نعمان


دام برس : سؤال اليوم والغد .. أيّ دور لمحور المقاومة في الجولة المقبلة ؟ بقلم : د. عصام نعمان

دام برس :

المقاومة في فلسطين بادرت وانتصرت . قادة فصائلها المقاتلة أعلنوا ذلك بقوة وثقة . الشعب الفلسطيني ، بوحدته ومشاركته الواسعة في الكفاح والمواجهة ، أكّد الإنتصار بدليل احتفاله به بفرح عظيم . العرب في وطنهم الكبير إبتهجوا وإحتفلوا ايضاً . كذلك فعل المسلمون في دول عدّة . العالم ، بصورة عامة ، إعتبر الفلسطينيين منتصرين في جولة القتال الأخيرة . المقاومة أعادت ، حصيلة ذلك كله ، لقضية فلسطين مركزيتها وصدارتها ، ودشنّت إنتقالها والمنطقة برمتها  من زمن الى آخر.
    بنيامين نتنياهو ، رئيس حكومة "اسرائيل" ، إدّعى بأن "العملية الأخيرة في قطاع غزة تُوّجت بنجاح منقطع النظير وأسفرت عن توجيه ضربة قوية الى حركة حماس". جمهور الكيان الصهيوني لم يتقبّل هذا الإدعاء بدليل انه لم يبتهج او يحتفل بما إنتهت اليه حرب "اسرائيل" الرابعة على قطاع غزة. لعل الموقف الحقيقي للجمهور الصهيوني عبّر عنه إيتي بارون ، نائب رئيس معهد دراسات الامن القومي ، بقوله ("مباط عال" ، العدد 1469، 20/5/2021) "إن الجمهور في "اسرائيل" محبط من إستمرار إطلاق الصواريخ ، ومن عجز الجيش عن منع ذلك ، ومن عدم تحقيق إنتصار إسرائيلي واضح وقاطع إذ كانت وتيرة الأحداث في هذه العملية أسرع مما كانت عليه في المواجهات السابقة . من هنا ايضاً الشعور بالمرارة الذي سارع هذه المرة الى الظهور".
    ماذا بعد؟ وكيف يمكن أن يتصرف اللاعبون الإسرائيليون والفلسطينيون والعرب والإقليميون والدوليون ؟
    "اسرائيل" ، بجميع أطرافها ، تبدو منهكة ومحرجة سياسياً وأمنياً . فهي تعيش أزمةً سياسية حادّة عنوانها العجز عن تأليف حكومة متجانسة رغم إجراء اربع انتخابات عامة في مدى سنتين، والخامسة تلوح في الأفق. الى ذلك ، لا يبدو نتنياهو، رغم فشله الثابت في حربه الأخيرة على غزة ، عازماً على التنحي عن رئاسة الحكومة او الإمتناع عن خوض الإنتخابات مجدداً اذا تعذّر على غريمه يائير لبيد تأليف حكومة جديدة . لذا اختار موقف التشدد مع المقدسيين صبيحةَ اليوم الاول لإعلان الهدنة إذ أقدم رجال شرطته القمعية على اقتحام الحرم القدسي الشريف بعد صلاة الجمعة واعتدوا على مصلين واعتقلوا آخرين ، كما نكّلوا بمتظاهرين مبتهجين في حي الشيخ جراح.
    صحيح ان سياسة "اسرائيل" الرسمية سوف تتحدد في ضوء موقف الرئيس جو بايدن مما جرى اخيراً ودعوته  الى اعتماد "حل الدولتين" لإحتواء الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، وفي ضوء الإتصالات التي سيجريها منتصفَ هذا الاسبوع وزير خارجيته انطوني بلينكن في "اسرائيل" وعواصم دول المنطقة، لكن الأرجح ان الكيان الصهيوني ، اياًّ مَن سيكون على رأس حكومته، سيبقى متشدداً وعدوانياً في مسألة القدس ، بما فيها قضية الحرم الشريف ومسألة حي الشيخ جراح ، خصوصاً ان احزابه السياسية المتصارعة تجد نفسها على عتبة انتخابات خامسة وليس من مصلحتها ان تبدو متهاونة في مسألة القدس امام جمهورها الحانق والمتعصب.
الفلسطينيون جميعاً صف واحد في اعتبار القدس عاصمة فلسطين الأبدية ويدافعون بعنف عن الأقصى وسائر الاماكن المقدسة كما عن حقوق اصحاب المساكن الفلسطينيين في حي الشيج جراح . الى ذلك ، فإن انتصار المقاومة في المواجهة الأخيرة لم توحّد الشعب الفلسطيني في جميع انحاء ترابه الوطني فحسب بل عبّأت اكثريته الساحقة ايضاً ضد كل مشاريع الإخضاع والتسوية كـ "صفقة القرن" و"حل الدولتين" ، و"الدولة الواحدة التي يتساوى فيها المواطنون اليهود والعرب" ، والإستيطان ، والتطبيع وما الى ذلك من التخريجات المشبوهة.
غير ان المسألة الاكثر تعقيداً وأهمية هي مواقف مختلف القوى الاقليمية مما تعتزم واشنطن تسويقه من مشاريع احتواء وتسوية للصراعات المحتدمة في المنطقة.
ما يهمّ المقاومة الفلسطينية وانصارها في عالم العرب هو موقف محور المقاومة بكل أطرافه من الإحتلال الاسرائيلي ومن سياسة ادارة الرئيس بايدن ، خصوصاً بعد المواجهة الأخيرة وتداعياتها الأمنية والسياسية.
لا غلوّ في القول إن انتصار المقاومة في المواجهة الاخيرة ("سيف القدس") دشّنت زمناً جديداً في المنطقة عنوانه نشؤ ميزان قوى مائل لمصلحة دول محور المقاومة ما يعزز ضرورة الإنتقال من مرحلة القبول ، ضمناً او علناً ، بتسويةٍ تصفويةٍ  مع الكيان الصهيوني الى مرحلة تعزيز المقاومة لتحرير كامل فلسطين التاريخية .
هذا التطور البازغ في ميزان القوى وفي مفاعيله الفلسطينية والإقليمية يعزز بالضرورة مساراً سياسياً ونضالياً متدرجاً وبالتالي متطلّباً قرارات وإجراءات سياسية وميدانية لها المضامين الآتية :
اولاً : الإرتقاء بمنظمة التحرير الفلسطينية من مجرد "حكومة" وكيلة لسلطة الإحتلال نتيجةَ اتفاقات اوسلو التصفوية الى كيان سياسي تمثيلي لكل الشعب الفلسطيني في شتى مناطق تواجده ، تنبثق منه قيادة سياسية وعسكرية تدير مقاومة مدنية وميدانية ضد الإحتلال الإسرائيلي لغاية التحرير الناجز والكامل.
ثانياً : الى ان تتمّ إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية  بالصيغة الثورية المرتجاة ، يُصار الى التوافق بين مختلف فصائل المقاومة على انشاء هيئة قيادية عليا مؤقتة لإدارة الصراع السياسي والعسكري ضد العدو الصهيوني في المرحلة الإنتقالية.
ثالثاً : تتحالف الهيئة القيادية الفلسطينية المؤقتة مع اطراف محور المقاومة ، منفردين ومجتمعين ، في كل ما من شأنه تعزيز الكفاح والمواجهة ضد الكيان الصهيوني وحلفائه لغاية تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني من الإحتلال.
رابعاً : يستوجب التحالف  بين الهيئة القيادية الفلسطينية المؤقتة (وتالياً منظمة التحرير بعد إعادة بنائها) إتخاذَ قيادة محور المقاومة، بلا إبطاء، قراراً بتوحيد وتفعيل جبهات المواجهة على الحدود بين دول المحور وفلسطين المحتلة في جميع الجهات المتاحة.
خامساً: مبادرة اطراف محور المقاومة (بما فيها الطرف الفلسطيني) منفردين ومجتمعين الى التواصل والتوافق مع الدول العربية  والإسلامية وغيرها من دول العالم على تأمين مستلزمات الدعم الإقتصادي والإجتماعي لإعمار المناطق والمباني المدمرة في قطاع غزة ، وتوفير العون المادي والصحي والغذائي لشعبه الصامد.
سادساً : عدم الموافقة على اي اتفاق ثنائي او قرار دولي يتعلق بقضية فلسطين إلاّ بعد مناقشته وإتخاذ موقف متفق عليه ضمن القيادة الموحدة لأطراف محور المقاومة.
سابعاً : إقامة هيئات ولجان شعبية وديبلوماسية مشتركة للدفاع عن قضية فلسطين بما هي قضية تحرير وعودة الفلسطينيين الى وطنهم الأصلي والاصيل وذلك في مختلف الدول والساحات وبالتعاون مع المنظمات الدولية السياسية والإقتصادية والإجتماعية ذات الصلة.
اخيراً وليس آخراً : ليكن واضحاً ان فعالية المقاومة ونجاحها داخل فلسطين يتوقفان من الآن فصاعداً على مدى فعالية دور محور المقاومة في الجبهات الموحدة على الحدود البرية والبحرية والجوية مع فلسطين المحتلة .
هذا هو معيار الجدّية والفعالية.

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=103065