بدأت خمسينية الشتاء في الأول من شباط، وقد هلت على صحو في هذا العام حسب المأثور، وهو فأل سيء عند المتابعين لأحوال الطقس، ولكنها جاءت أكثر برودة من الأربعينية ليصدق عليها في هذا العام المثل الشعبي (الصيت للأربعينية والفعل للخمسينية).
وكان من المعتاد في أن البرد يشتد منذ بداية الخمسينية ويستمر في الارتفاع تدريجيا إلى فترة أقصاها منتصف شباط, وتتعاقب موجات البرد بسبب الرياح الشمالية وبعض العوامل الجوية.‏‏
وقسم الأقدمون الخمسينية إلى أربعة أقسام يسمى كل قسم سعداً مدته اثنا عشر يوماً ونصف اليوم وقد وضع الأقدمون هذه التقسيمات المذكورة بناء على استقصاء ومتابعة لأحوال الطقس,وهي حسب ترتيبها:‏‏

1- سعد الذابح ويبدأ في الأول من شباط، وسمي بهذا الاسم نظرا لاشتداد البرد فيه، وجاء في الأمثال الشعبية (سعد دابح البرد فيه دابح) وكان سعد الذابح منذ ثلاثة أعوام لطيفا وكتبنا (سعد غير ذابح يدشن خمسينية الشتاء) لأننا لم نشعر ببرد قارس، وها هو في عام 2011 يعود إلى صفاته الأصلية.‏‏

2- سعد بلع ومعده في الثالث عشر من شباط ويستمر حتى الخامس والعشرين منه، ويكون مطره غزيرا، وعسى أن يصدق الموروث الشعبي في هذا العام، فقد قالوا قديما فيه: (بسعد بلع السما بتمطر والأرض بتبلع).‏‏

3- سعد السعود في السادس والعشرين من شباط وتستعد فيه الأشجار والخضار للإزهار، ويبدأ قبل قدومه بأيام سقوط الجمرات وسريان الدفء.‏‏

4- سعد الخبايا في العاشر من آذار، حيث لا يعرف ما يخفي عنا من دفء أو برد أو مطر وربما ثلوج، ومع نهايته ينتهي فصل الشتاء، ويليه مباشرة فصل الربيع.‏‏

وقد نسجت حول تسمية السعودات حكاية عن سفر شخص في بداية الخمسينية، فذبح ناقته حسب وصية أمه أو أبيه، وبقر بطنها وأخرج كرشها وجلس مكانه داخل بطن الناقة، وأخذ يأكل من كبد الناقة ولحمها مدة ثلاثة أيام حتى انتهت الرياح الباردة، فخرج من بطن الناقة، وقفل راجعاً إلى بيته بعد أن خسر رحلته وراحلته لكنه لم يخسر حياته.‏‏

وثمة خلاف في مواعيد بداية ونهاية السعودات وأسباب تسميتها في التراث العربي القديم، وتحديدا عند الفلكيين عن المتداول في التقاويم المطبوعة، ولا يزال عدد من سكان البادية والقبائل العربية تأخذ بما جاء في التراث.‏‏

وتتعلق تقسيمات الخمسينية في قديم التراث بمنازل القمر عند الفلكيين, وهي مجموعة النجوم التي يقطعها القمر في دورة له تامة حول الأرض في28 يوماً.‏‏

وتقطع الشمس في حركتها الظاهرية خلال فصل الشتاء بروج الجدي والدلو والحوت, وتقطع سبعة منازل قمرية هي (سعد الذابح, سعد بلع, سعد السعود, سعد الخبايا, الفرغان (المقدم والمؤخر) وبطن الحوت.‏‏‏

وسبق أن ذكرنا طوالع الشتاء في كانون الثاني من النجوم، ومنها طالع البَلْدَة الذي بدأ في 28 كانون الثاني 2011م، ويوافق طالع البَلْدَة بين النَّعائم وسعد الذابح من برج القوس، وهو ستة كواكب مستديرة خفيفة أوله مُحرق وآخره مُورق.‏‏

وفي العاشر من شباط 2011 يبدأ طالع الذَّابِح بالظهور، وسمي بالذابح لأن معه كوكباً صغيراً غامقاً يكاد يَلْتصَق به، فكأنه مُكِبٍّ عليه يذبحه،والذابح أنور منه قليلاً، ويقول الفلكيون: إن الذابح كوكبان غير نيرين أحدهما مرتفع في الشمال والآخر هابط في الجنوب.‏‏

وفي العشرين من شباط 2011 يحل ثالث بروج الشتاء، ويوافق برج الحُوت.‏‏

ثم يحل طالع البُلَع في الثالث والعشرين من شباط 2011، ويوافق أول طالع (سَعْد البُلَع) وهما نجمان مستويان في المجرى، أحدهما خافٍ لا يُرى إلا بجهد، والآخر واضح ضوؤه.‏‏

وسُمِّي بذلك لأن الكوكب الذي معه يقترب منه كأنه يريد أن يبلعه، وفيه تكثر الأمطار بإذن الله في أغلب الأقطار.‏‏

وقالت العرب قديما: إذا طلع بُلَع اقتحم الرُّبع، هو ولد الإبل أول النتاج، يولد في الربيع، وهو يوسع الخطو حال المشي ولحق الهُبَع، وهو ولد الإبل آخر النتاج، يولد في الصيف، يمد عُنقه حال المشي، فالرُّبع أسرع منه، وصار في الأرض لُمَع، أي لمعان سببه السَّراب.‏‏
دام برس - الثورة