Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 12:46:58
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
ثلاثة آلاف ليرة سورية وكيس شوكولا ، كل ما تحتاجه لتصل إلى أوروبا

دام برس - سعيد شرف :

ثلاثة آلاف ليرة سورية ، وسلة غذائية لايتجاوز وزنها الخمسة كيلوغرامات كانتا الدافع لياسين كي يلتحق في صفوف ما يسمى "الجيش الحر" ضمن مجموعاته المنتشرة في بعض أحياء مدينة حلب شمال سوريا ، هكذا يفتتح الشاب الحلبي قصته التي بدأت في العام 2013 وانتهت قبل أشهر مع استقراره في أحد مقاطعات ألمانيا الشرقية هو وعائلته عقب رحلة شاقة استمرت قرابة السبعين يوما .

لن يستغرق سقوط "النظام" في سوريا سوى بضعة أشهر ، هو الوعد الذي قطعه أحد قادة "الجيش الحر" أمام عناصره ومن بينهم "ياسين" الذي يتابع حديثه بنبرة المغبون وهو يروي تفاصيل أحداث السنوات الثلاث التي قضاها كعنصر مرابط بين محوري الصاخور والقلعة في مدينة حلب دون أن يتحقق ماوعده قائده به ، يستطرد ابن الثلاثين عاما : كنت أقوم بين الحين والآخر ببيع رصاصات بندقية "الكلاشنكوف" الخاصة بي بسعر مئة وثلاثين ليرة سورية للرصاصة الواحدة ، وكان بائع القهوة في حي الصاخور هو التاجر الذي يشتري مني ومن أصدقائي ذخيرتنا ويقوم ببيعها لقادة من "جبهة النصرة" والذين كانوا ينتشرون في الريف الجنوبي لمدينة حلب ، أما غطائي عند حضور قائدي لتفقد الذخيرة فكانت الاشتباكات الليلية التي لم أطلق خلالها رصاصة واحدة لتأمين استكمال عناصر كذبتي وخبز عائلتي ، حيث أن انعدام مقومات الحياة دفعني للدخول في هذه المغامرة الخطيرة مؤخرا وهو ذاته السبب الذي دفعني للقبول بالراتب الأسبوعي الذي لايتجاوز العشر دولارات في حين كان قائدي براتب شهري يفوق راتبي لعام كامل .وبعد مرور الأيام لم يجد "ياسين" مبررا لبقائه ضمن حدود مدينته المكلومة ، خاصة بعد تضييق الجيش السوري الخناق على المناطق التي ينتشر فيها "ياسين" ورفاقه ، بالتزامن مع سيطرة "جبهة النصرة" داخليا على معظم المناطق التي كانت تحت سيطرة "الجيش الحر" الأمر الذي أدى إلى فرار معظم قادة "الحر" سابقا إلى تركيا ومبايعة ماتبقى منهم لجبهة النصرة مما دفع "ياسين" الذي استشعر حرارة الكمين الذي أزلق نفسه فيه إلى مغادرة مدينته وبلده هو وعائلته بثيابهم التي لايملكون غيرها وبجرح في فخذه الأيمن والذي بقي تذكارا من غمار حماقة أقر باختيارها واتجه إلى أوروبا .

"إيمتى رح نرجع على حلب؟" هو السؤال الذي اشترى لأجله "ياسين" كيسا من الشوكولا كي يعطي منه لابنته "فاطمة" صاحبة السنوات الخمس عندما تلح في السؤال عن موعد انتهاء نزهتها المتعبة ضمن مراكز الإيواء في "مانيا" كما تلفظها تلك الطفلة ، يتابع "ياسين" في هذا المخيم طابور للطعام ، طابور للاستحمام ، طابور للمساعدات العينية ، وها نحن ندخل الشهر الثالث الذي لم تستطع فيه زوجتي "أم فاطمة" خلع حجابها ولو ليوم واحد بسبب إقامتنا برفقة عائلتين سوريتين في ذات الغرفة ، نتشارك خلال سهراتنا مضغ واجترار ماسلف من ذكريات سوريا قبل الحرب ، وتنتهي هذه السهرات يوميا بطي أوجاعنا المتباينة ودسها تحت وسادات محشوة بهواء اصطناعي لم نعتد على استنشاقه سابقا ، أردد كل يوم قبل النوم ماحفظته من "جدارية" محمود درويش : كن هادئا وجديرا بما سوف تحلم ، ثم أغمض عيناي والكلام لياسين .

يشعل "ياسين" سيجارته الثانية ببقايا الأولى ، يهز رأسه محتسبا ويقول مبتسما : الرحلة إلى أوروبا ليست صعبة ! هي فقط تتطلب قبول ثلاثة آلاف ليرة سورية ، ومطية مثلي تملك جسدا قويا كي يحمل في جيده ذنب طفلة وزوجة تحملتا عناء رحلة الخمسة آلاف كيلو متر بسببي .

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz