دام برس:

لا شك أن رياح التغيير و موجات الحراك الشعبي الثوري المزعوم التي اجتاحت عدداً من الدول العربية، كان لها ارتدادات عنيفة على العديد من دول القارة العجوز..

و لا نبالغ إذ نقول أنها قد عادت لتضرب وتعصف في المكان الذي نشأت فيه. فتلك الدول قد خططت لقلب أنظمة الحكم في عدة دول عربية بتنسيقٍ وبإشرافٍ أمريكي ، وتأييدٍ ودعمٍ خليجي ، و بمباركةٍ إسرائيليةٍ. وكيف لا ؟! فإسرائيل هي المستفيد الأول من انهيار الحكومات العربية التي تشكل خطراً عليها.

وبالتالي، فإن حالةً من الفوضى العارمة ستسود في المنطقة كلها ، ما يخدم المشروع الإسرائيلي الكبير.rلذلك دأبت على تجنيد قوى التطرف والإرهاب في المنطقة ، بل واستقدمت أعتى الإرهابيين والقتلة المرتزقة من أصقاع الأرض لمساعدتها في تنفيذ مشروعها العدواني، الذي استحوذ على رعاية دولية وتأييدٍ عربيٍ يعتريه التخاذل والخنوع.rوطغت على أروقة السياسة والدبلوماسية العربية والأممية حالة من النفاق والرياء بل والتواطؤ ، فشنت امبراطوريات الإعلام الكبرى حرباً شعواء على حكومات الدول المستهدفة وحكامها ، وبدأ اللعب بالمصطلحات والتعابير ، إذ وصف القتل والإرهاب بأنه حراك شعبي حق و مشروع لنيل الحرية و تحقيق الديمقراطية ؛ و صار كل إرهابيٍ همجيٍ ممن استباح الأرض والعرض رمزاً للمناضل الشريف من أجل العدالة الاجتماعية ، فاستحق عن جدارة لقب غيفارا العرب !!.

و قد انبرى العملاء والأعوان كأردوغان وسلمان والحمدان للعمل على إنجاح قيام هذا المشروع ، والسعي لضرب الاستقرار في المنطقة ، انطلاقاً من أحقادٍ دفينةٍ و أحلامٍ عدائيةٍ قديمةٍ كانت تداعب خيالهم المريض.rو بالرغم من النجاح الجزئي الذي حققه هذا المشروع الاستعماري التدميري في أكثر من مكان ، كمصر و ليبيا و تونس و غيرهم ... إلا أنه تعثر في سوريا و تلقى الكثير من الهزائم ، فأصيب بالخيبات والانكسارات وتحطم على صخرة الصمود السوري الأسطوري. والفضل في ذلك يعود لإرادة الحياة التي يتمتع بها السوريون في المقام الأول ، ولدعم ومساندة حلفائهم في المقام التالي.rو حسب قانون الفعل و رد الفعل ، فإن هذا الصمود قد أدى إلى ارتداد السحر على الساحر ، و عادت الأفعى إلى وكرها بعد فشلها في عدوانها . فما كان من تلك الجماعات البربرية الهمجية إلا أن قصدت وجهةً أخرى ، وجدت فيها ضالتها لتعبر عن تطرفها و إجرامها و تعطشها للدماء . و ارتأت أن الحضن الدافىء الذي رعاها في البداية هو خير موطنٍ لها . و هكذا بدأ الإرهاب يضرب العديد من دول أوربا الواحدة تلو الأخرى .

و في غمار تتالي الأحداث الإرهابية المتسارعة التي هزت أركان أوربا ، و لما بدى أن الإرهاب خطراً حقيقياً يهدد وجودها ، كثرت الأقاويل التي تفيد بأن الإرهاب المتطرف المتمثل بداعش هو وليد الظروف القائمة في منطقة الشرق الأوسط .

إلا أن تلك الادعاءات الزائفة لم تكن لتنطلِ على أحد ، فداعش هو صنيعة إسرائيلية بامتياز ، وبمويلٍ سعوديٍ وقطريٍ ، وعلينا أن لا ننسى الدور الأمريكي والتركي في تجنيد أفراد هذا التنظيم الإرهابي وتدريبهم . و ما الدعم العسكري و اللوجيستي والاستخبارتي من قبل الكيان الصهيوني و استقبال جرحى الإرهابيين في المشافي الإسرائٍيلية إلا خير دليلٍ على ذلك . rوكما يقال تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فالابن الذي ولد من رحم الإرهاب و الوهابية تحول إلى آخر عاق ، وما كان منه إلا أن عض الأيدي التي ربته وساعدته باستثناء إسرائيل التي لم تعتبره عدواً يوماً ، بل على العكس فحاخاماتها يعتبرون داعش هديةً من الرب .

بيد أن إسرائيل مُنيت بالخيبة و تجرعت مرارة الهزيمة عندما تعثر مشروعها و فشل في نقسيم سوريا؛ فلم تأل جهداً في تحويل وجهة هذا المشروع تجاه أوربا بغية تقسيمها .rو ذلك نتيجة توتر العلاقات بينهما ، حيث بدأت تأخذ منحىً مغايراً لما ترغب به إسرائيل ، إذ تعالت الأصوات الأوربية المعارضة لسياسات إسرائيل الاستيطانية ، و زادت حدة التصريحات المنددة بأعمال القمع والإبادة التي تطال الفلسطينيين .

علاوةً على ذلك ، فإن اعتراف الكثير من الدول الأوربية بدولة فلسطين قد فاقم الخلاف بين الطرفين ، وأثار غضب الإسرائيليين . فثارت ثائرة الكيان المغتصب، و بدأت نيران الحقد تتأجح في صدور قادتهم ، فبدأوا يكيدون لاوربا و قرروا الانتقام .

والتقت رغبة الانتفام تلك مع المصلحة الإسرائيلية في استقطاب اليهود من شتى بقاع العالم ، و تشجيعهم على الهجرة إلى أرض الميعاد حسب تعبير حاخامات بني صهيون.

مما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى استغلال الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقر صحيفة شارلي إبيدو في باريس بقوله: إلى جميع اليهود في فرنسا ، و في أوربا ، أريد أن أقول لكم أن إسرائيل ليست فقط الوجهة التي تتجهون إليها في صلواتكم ، بل هي وطنكم أيضاً rكما أن مشاركته مع وزير خارجيته ليبرمان في مسيرة باريس التي انطلقت تضامناً مع ضحايا ذلك العمل الإرهابي ، تأتي ضمن الجهود و المساعي الرامية إلى تشجيع الهجرة إلى إسرائيل ، و العمل على الحد من الهجرة المعاكسة منها بعد أن زادت وتيرتها في الآونة الأخيرة.ثم تتالت التصريحات التي تفوح منها رائحة المؤامرة الإسرائيلية ، ومرة أخرى يدلي نتنياهو بدلوه فيقول : مرة جديدة يقتل اليهود و يستهدفون على الأراضي الأوربية... إن اسرائيل وحدها البيت الأصيل لليهود ، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أن دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية هي الملاذ الآمن وعلى اليهود الفرار من أوربا خوفاً على حياتهم التي باتت مهددة فيها. و لعل تلك الجهود التي بذلها نتنياهو قد أتت أكلها ، فحسب تقرير صحيفة الإندبندنت أون صندي هناك تنامي لتوجه اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل ، حتى أن صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أفادت بأن عشرات اليهود الفرنسيين توجهوا إلى مكتب تشجيع الهجرة إلى إسرائيل بقصد السفر إليها.

في الواقع، ومن وجهة نظرٍ إسرائيليةٍ، كان لا بد للدول الأوربية ان تدفع ثمن تغيير مواقفها تجاه إسرائيل ، و لا حاجة لكثير من التفكير و التحليل لنستنتج أن الدول الأوربية المشتهدفة بالهجمات الإرهابية هي نفسها الدول التي اعترفت بدولة فلسطين .rلذلك يجب على حكومات أوربا أن تدق نواقيس الخطر و أن تتخذ أعلى درجات الحيطة والحذر ؛ لأن إسرائيل أعلنت الحرب عليها ، و لن تقر لها عيناً حتى تتحول الأراضي الأوربية إلى ساحات صراع وحروب داخليةٍ داميةٍ طاحنةٍ تشبه تلك الحروب التي عانت منها أوربا في القرنين السادس عشر والسابع عشر .

و الظاهر للعيان ، أن شبح انهيار الاتحاد الأوربي قد بدأ يلوح في الأفق، و ما خروج بريطانيا منه إلا بوادر هذا الانهيار. فأول الغيث قطرة..

و على ما يبدو فإن الربيع الأوربي قد بدأ . rأنس حبوس - عضو اتحاد الصحفيين.

أنس وجيه حبوس