دام برس: يونا ونوس :
يمسك محمد بعصاه ويتفحص طريقه بكل ثقة إلى أن يصل إلى كلية الأداب والعلوم الأنسانية حيث مركزه الذي كان طالب به ومن ثم موظف، وماإن يدخل إلى بهو الكلية حتى تراه يبتسم لهذا وذاك ويرمي بسلامه على الموظفين والعاملين وكأنه يراهم رؤية البصير المبصر،وماكان منّا نحن دام برس إلا أن تبعناه وأجرينا التحقيق التالي:
*ذوو الاحتياجات الخاصة في قلب الحدث*
حرصت وزارة التعليم العالي وكل الوزارات المعنية على عدم إهمال هذا الموضوع وأعطت لكل من لديه "إعاقة جسدية أغلب حقوقه كحقه في التعليم في الجامعات والمدارس الحكومية والتوظيف حيث صدرت عدة مراسيم وقرارات تلزم كل جهه حكومية وكل وزارة وكل مؤسسة على حجز مركز أو مركزين ل ذووي الاحتياجات الخاصة وهذا حقّ اعترفت به الحكومة وتابعته وهو أقل شيء يمكن أن يعمل كما ساعد هذا القرار على مساعدتهم في الانخراط في المجتمع وساعد المجتمع في إزاحة نظرة العطف والخوف التي تملئ عيونهم إذا ماصادفو رجل أو إمرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة
*لا إعاقة بعد الآن*
صحح الدستور السوري مؤخراً كلمة" إعاقة" وحذفها من قاموسه وبدّلها ب"ذوي الاحتياجات الخاصة" كخطوة جيدة على طريق احترام الإنسان، فمن أعطانا الحق لنطلق هذا التصنيف وهذا الحكم على إنسان تعرض لحادث أو خطأ طبي أفقده بصره أو أي جزء من جسمه ، فكلمة "إعاقة بالمعنى اللغوي هي منعك عن القيام بعمل ما أي ان هناك مانع أمامك" لكن أغلبية من لديهم مانع أمامهم قد تجاوزوه وأزاحوه وتابعو حياتهم ونجحوا ،لكن المشكلة تكمن في موانعنا نحن التي لانستطيع تجاوزها بل نعززها ونتمترس خلفها ،وهل من هناك من أحد معصوم أو محمي من الحوادث والحروب وغفلات الزمن!!!
*محمد ..والحكاية لم تبدأ بعد*
استقبلنا محمد في مركز المكفوفين بكل رحابة صدر ونورانية بصيرة، وجلس على كمبيوتره ووضع سماعته وحدثنا وهو يتابع عمله قائلاً" أنا لست أعمى فالأعمى هو أعمى القلب والبصيرة أنا مكفوف والله قد اختار لي هذه الحياة فأنا خلقت إلى الدنيا لاأستطيع الرؤية وأحمد الله سبحانه وتعالى على كل شيء،تعلمت بطريقة الأحرف النافرة وبالرغم من كل الصعوبات التي واجهتني وندرة المراكز التعليمية الحكومية والخاصة التي تعنى بهذا الموضوع إلا إني أصريت على النجاح وعدم الشعور بالعجز لأن العجز يقتلني ،لكن الصعوبة لاتكمن في أن تتعرض لمشكلة وأنت في هذه الحاله أو تحسّ بالعجز بسببها ،الصعوبة تكمن بالناس المحيطه بك والتي تعمد متعمده إشعارك به وإلباسك ثوب الفشل والخوف بلا مبرر.
*إذا اتسعت العبارة ضاقت الرؤيةوأمكن الاستغناء عنها*
سعيه إلى الماجستير لايتعبه بل هو هدف صغير على طريق طموحه الكبير ،فما كان من محمد إلا أن يصمم على الماجستير فهو خريج علم الاجتماع وموظف في مركز المكفوفين في كلية الأداب مؤكداً أن لاشيء سيقف في طريق متابعته لحياته لاموانع ولاعوائق لأن الله منحنا العقل لنفكر بحلول لكل مايتعرض لنّا في الحياة فهي قاسية وصعبة ولايجوز الاستسلام لها بل مقارعتها ومحاربتها حتى تثيت أنك جدير بها وتستحقها .
*أصدقائي من المكفوفين يشعروني بأني لست وحيداً*
اعتبر محمد أن وجوده بمركز المكفوفين وتعامله مع مكفوفين مثله وتشاطرهم للهموم والمشكلة نفسها يشعره بالأمل فهو ليس وحيداً،وحتى أنه يعلّم مكفوفين ويدربهم على الطباعة وعلى برامج  الكمبيوترالخاصة بالمكفوفين  وتعلّم طريقة الحروف النافرة وييساعدهم كثيراً وهذا شيء يفرحه ويعطيه دفعاً وقوة ،حتى إنه يقضي وقته وهو يبحث عن البرامج المتطورة على النت ليكون أول من يتعلمها ويعلّمها لأصدقاءه وللمتدربين في المركز.
*مركز المكفوفين ساعدنا وحفزنا...ولكن*
هو قاعة ضخمة فيها كمبيوترات ومعدات خاصة بالمكفوفين من سماعات وبرامج مخصصة لهم وطابعة موصوله إلى هذه الكمبيوترات ومكتبة صغيرة فيها كتب على طريقة الحروف النافرة وقد أخرج لنا محمد كتاب وبدأ يقرأ لنا ويحدثنا عن محتواه ،هوالمركز الوحيد لنا في سوريا جمعنا من كل المحافظات والمناطق في مكان واحد
وساعدنا على الاستمرار في حياتنا بشكل طبيعي ،لكن محمد أبدى نوعاً من العتب على المسؤولين عن المركز فهو كان فيه منذ بداية افتتاحه فوضعه قبل سنتين أفضل بكثير من الآن  فالخدمات خفت وبعض الكمبيوترات لاتعمل والأهتمام ضعف كثيراً وطلباتهم هم كمكفوفين لتطويرة لايستجاب لها" لكن الرمادأحسن من العمى"بهذه العبارة ختم محمد ضاحكاً.
*مجتمعنا بحاجه إلى إعادة تأهيل*
لايعتب محمد على أهله وناسه وأقربائه فهم جزء من مجتمع يحكم على الإنسان من منظره ومظهره ويستخف بقدرات أي شخص إذ لم يعجبه لباسه أو شكله فما بالك بالذي يعاني مشكلة في حياته كالمكفوف والأصّم وغيرهم كثر،ويستشهد محمد بعلماء وشعراء كانو مكفوفين وأبدعوا ونجحوا ،فعلى الأم والمدرسة والجامعة أن تعلم أبناءها المبادئ والأسس الصحيحة في التنشئة والتربية وأن هناك مختلفين عنا او ينقصهم شيء يجب علينا أن نتقبلهم إنسانياً على الأقل ،داعياً الوزارات المعنية إلى دمجهم اكثر في المدارس الحكومية وليكن في كل محافظة مجمّع لهم ليتعود الناس عليهم ويغيروا نظرتهم وتفكيرهم فلا يمكن أن تعتب على شخص يخاف الاقتراب منك لأنه "جاهل" ببساطه فهو قد جهل التعامل معك ،لأنه لم يعتاد الاحتكاك بك أو حتى مشاهدتك ،فتراه يستعجب بماتقول وتفعل مزيحاً عنك كل الصفات الإنسانية ومتفاجئاً بنفس الوقت بوجودها فعليكم أن تساعدونا ونحن سنساعد أنفسنا.
*طوبى لكم أنتم المبصرين ونحن الباصرين*
لم يشعرنا محمد بأنه يعاني مشكلة بل على العكس اثبت لنا أن المشكلة فينا نحن الذين ندعي أننا نرى الشمس ونرى الضوء ونميز الألوان ونعاين ملامح الأشخاص فاكتشفنا أننا نرى ماظهر لنا لكن مابطن علمه عند الله وأولئك المبصرين فطوبى لهم.