Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 28 آذار 2024   الساعة 15:42:51
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
اقتصاد الحرب ينتظر استراتيجية تتكيف مع الواقع السوري .. بقلم: علاء أوسي
دام برس : دام برس | اقتصاد الحرب ينتظر استراتيجية تتكيف مع الواقع السوري
 .. بقلم: علاء أوسي

دام برس:

تُعدُّ القدرة الاقتصادية للدولة الدعامة الأساسية التي يتوقف عليها إعداد الدولة بصفة عامة، وبناء قواتها المسلحة وتطويرها بصفة خاصة. وهو ما يتطلب استغلال إمكانات الدولة الاقتصادية المتمثلة بكل ما تملكه من موارد أو ما يمكنها الحصول عليه لتنفيذ استراتيجيتها. الأمر الذي ينطبق على فترات الحرب، إذ يعدُّ العامل الاقتصادي الأول بين العوامل التي تؤثر في نتيجة المعركة سلباً أو إيجاباً في كل الحروب منذ العصور السحيقة في التاريخ حتى اليوم. وكان الكثير من القادة يضعون هذا العامل في مرتبة موازية للعامل العسكري، وخاصة أن الحروب تغير منحى الاقتصاد العادي الهادف للتنمية، وبالتالي تؤثر في الديمقراطية والحياة السياسية والاجتماعية.
ومن ناحية أخرى غالباً ما تقود الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاديات الصناعية إلى انتهاج سياسات توسعية، بغية سعي الحكومات للسيطرة على أسواق خارجية لتصريف المنتجات الفائضة؛ مما يؤدي إلى الحروب. وهو ما حدث في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عندما بدأت الدول الصناعية حروبها الاستعمارية بغية فتح أسواق جديدة أمام منتجاتها، وسعياً للحصول على مصادر لمواد أولية رخيصة الثمن. وهذا ما حدث أيضاً في الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين دارتا بين القوى الصناعية من أجل إعادة تقسيم المستعمرات، ولاسيما الحرب العالمية الثانية التي دارت إثر التوسع الاقتصادي الذي أعقب الخروج من الأزمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينيات من القرن العشرين، وكما يقول الخبير الاقتصادي الأمريكي كريس ماير: (الحرب الأبدية هي أحد أعمدة الاقتصاد الأمريكي).
ولكن وبغض النظر عن أسباب الحروب، هل تتغير القواعد الاقتصادية في زمن الحرب عنها في وقت السلم؟وهل من فرق بين اقتصاد الحرب واقتصاد السلم؟
بالتعريف، إن اقتصاد الحرب هو مجموعة التدابير التي تتخذها دولة أو مجموعة دول لتحويل اقتصادها لخدمة الإنتاج الحربي. أو كما عرّفه الكندي فيليب لو بيون: (نظام إنتاجي وتعبوي يعمل على توفير الموارد الاقتصادية لضمان استمرارية حالة العنف). ولهذا تتخذ بعض الإجراءات لتحويل اقتصاد البلاد إلى اقتصاد حرب كرفع نسبة الضرائب وإعادة توزيع الموارد، إضافة إلى إعادة النظر في النشاط الاقتصادي للدولة، بحيث ينسجم مع حالة الحرب، ويضمن توفير مستلزمات القوات المسلحة إضافة إلى المواد من سلع وخدمات لتعزيز الصمود الداخلي. فهو ليس فرعاً مستقلاً من فروع علم الاقتصاد، بل أسلوب في تحليل الأنشطة العسكرية والمساعدة في معالجتها وإدارتها من منظور اقتصادي. ومن هنا برزت أهمية تكييف النشاط الاقتصادي لتلبية الاحتياجات العسكرية والمدنية على السواء. ومن المنظور الاقتصادي ليست النفقات العسكرية والحربية مجرد اقتطاع من الفعاليات الاقتصادية، ولكنها أداة تدمير للنشاط الاقتصادي أيضاً، مما يقتضي التخطيط والتهيئة لإعادة الإعمار بعد انتهاء العمليات الحربية.
لقد بدت أهمية اقتصاد الحرب كعامل أساسي لتحقيق الانتصار في المعارك، في تصريح الرئيس فرانكلين روزفلت الذي أشار إلى أنه في حالة انتصار دول المحور في الحرب، يتحتم على الجميع التحوّل إلى قوى عسكرية مبنية على أسس اقتصاد الحرب.
هذا كله جعل الاهتمام باقتصاد الحرب والدفاع يتزايد يوماً بعد يوم مع اشتداد النزاعات بين الدول أو مجموعات الدول. فالتحول الاقتصادي لخدمة اقتصاد الحرب يتطلب من الدولة العمل على تأمين السلع والخدمات الأساسية، وفي مقدمتها المواد الغذائية والقوى المحركة، وما يمكن أن تقوم به الدولة من صناعات. وبالمقابل يفرض على مواطني الدول المقبلة على حرب تفهمهم التام لما سيحل بهم من أضرار اقتصادية ومعنوية من انخفاض مستوى المعيشة بغرض توفير المؤن اللازمة للقوات المسلحة.
تجارب عديدة
تضع البلدان عادة خططاً اقتصادية طويلة الأمد أثناء فترات الحروب، يمتد أغلبها ليصل إلى حد تقنين استهلاك السلع والمنتجات. كما تتجه بلدان أخرى لاتباع سياسات التجنيد الإجباري والخدمة الوطنية لخدمة الأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء؛ مثلما كان الحال في جيش الأرض النسائي، وأبناء بيفن، البريطانيين أثناء الحرب العالمية الثانية. ومن هذه التجارب:
أ  أنشأت بريطانيا عام 1914 (وزارة للذخائر) إلى جانب (وزارة الحرب)، وكانت مسؤولية هذه الوزارة تهيئة الغذاء والكساء. وأثناء الحرب العالمية الأولى لم تنتج بريطانيا ولم تستورد إلا ما يضمن لها مواصلة الحرب. كما أنشأت (وزارة للإنتاج) لجعل الإنتاج أيسر ولتسهيل برامج الإنتاج وتنسيقها في القطاعات المختلفة في الاقتصاد.
ب  وفي الولايات المتحدة أنشئ (مجلس إنتاج للأغراض الحربية) في عام ،1942 وأُعطي سلطات واسعة، كمصادرة الممتلكات التي تحتاجها الحرب، وإيقاف إنتاج ما لا تدعو الحاجة إليه، وإرغام المنتجين على تنفيذ متطلبات المجهود الحربي.
ج  أما ألمانيا فقد بدأت استعداداتها مبكرة قبل الحرب العالمية الثانية، ففي عام 1935 شكلت (هيئة أركان اقتصاد الحرب) وسيطرت الدولة على الصناعة وعلى المواد الخام وعلى العمال، فكان إنتاج كثير من الصناعات التي لا تخدم المجهود الحربي محرماً ومحظوراً، كما كانت مواصفات الإنتاج دقيقة وتموين المدنيين قاسياً جداً. إلا أنها واجهت انهياراً اقتصادياً شديداً في أعقاب كلتا الحربين العالميتين؛ وعلى الرغم من أن هذا الانهيار لم يكن فشلاً تخطيطياً في الأساس، فخلال الحرب العالمية الأولى واجه القطاع الزراعي الألماني ضربة قوية بسبب زيادة الطلب لتغطية احتياجات المجهود الحربي، وهو ما لم يستطع هذا القطاع توفيره، فلم يكن تجنيد العاملين بالقطاع السبب الوحيد لهذا النقص، بل اشتملت الأسباب على تخصيص الناتج الزراعي لتوفير الطعام للقوات العاملة على جبهة القتال، مما أدى لزيادة النقص خلال الفترات المتقدمة من الحرب. أما الحكومة الألمانية فلم تتمكن من إيجاد حلول نوعية لتعويض مشكلة نقص الغذاء، ولهذا اتجهت إلى سياسات التقنين ورفع الأسعار لمنع المضاربات والتربّح والاحتكار، إلا أن هذه السياسات جميعها لم تحقق النجاح المرجو.
د  أما المشكلة في الاتحاد السوفييتي فلم تبرز بمثل هذه الحدة، وذلك يعود إلى امتلاك الدولة وسائل الإنتاج والمشروعات الاقتصادية، وهكذا وُجِّه الاقتصاد لخدمة الحرب. والمشكلة التي واجهته هي عملية تنسيق الخطط وتوجيهها في ضوء اقتصاديات الحرب، إذ اتبع الاتحاد السوفييتي نظاماً تموينياً قاسياً وشديداً في الاستهلاك، مع تأكيده زيادة الإنتاج.
اقتصاد الحرب في سورية
لقد رفعت  الأزمة التي تعصف بسورية منذ عامين ونيف معدلات البطالة إلى حدود60%، وزادت معها نسب الفقر كثيراً، مقترناً بارتفاع حاد في معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة السورية، حتى الزيادة الأخيرة في رواتب العاملين في القطاع العام فقدت قيمتها مباشرة لرفع أسعار المحروقات بالتزامن معها، كل ذلك أتى مترافقاً مع العقوبات التي فرضها المعسكر الغربي ومشايخ الخليج وتركيا، وما تركته من آثار كارثية اكتوى بها الاقتصاد السوري، وانعكست على المواطن بالدرجة الأولى.
الأزمة التي نعيشها والعنف الذي تشهده أغلب المناطق والمدن السورية حَوَّلَ سورية إلى مستورد للغذاء بعد أن كانت مكتفية ذاتياً. ومن المتوقع مع اقتراب الشتاء أن يزداد الطلب على الوقود وهو ما سيعيد معاناة العام الماضي وسيكبد المواطنين أعباء إضافية.
وفي ظل الفوضى الاقتصادية التي تعيشها سورية اليوم، والتي يعدّها البعض (فوضى حكومية مقصودة لإشغال المواطن بقوت يومه). ففي ظل هذا الوضع المتردي اقتصادياً بات مطلوباً اليوم العمل على إعادة تفعيل القطاعات الاقتصادية المنتجة، وعلى رأسها الصناعة، لأنها أحد الأهداف الحيوية التي يسعى العدو للنيل منها. لذلك أصبح تأمين المنشآت الصناعية من أهم العوامل المؤثرة في قدرة الصناعة الوطنية، بغية المحافظة على استمرار دوران عجلة الإنتاج وخاصة السلع الأساسية. وفيما يتعلق بالإنتاج الزراعي الذي هو من العوامل المؤثرة في استمرار بقاء الشعب وصموده وتماسك قواته المسلحة، لأن أي قصور في هذا المجال يؤثر مباشرة في حياة الأفراد وروحهم المعنوية، لذا يجب أن توجه الدولة عنايتها للإنتاج الزراعي لأجل تأمين الاكتفاء الذاتي للأصناف الحيوية التي تؤثر مباشرة على قوت الشعب على الأقل، والسعي لتأمينها إلى الأسواق بأسعار مقبولة. أضف أيضاً أن من المفترض أن يعمل اقتصاد الحرب على استقرار الأوضاع الاجتماعية، حتى لا يحدث صراعات داخلية تنتج عنها حروب أهلية. لذا المطلوب حالياً من القائمين على الحكومة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى إسقاط الديون على الفلاحين والصناعيين، ورفع الحد الأدنى والأقصى للأجور. وعلى وزارة التجارة الداخلية بذل أقصى مجهوداتها لتوفير السلع الغذائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة بأسعار مناسبة، إذ إن 40% من الشعب السوري أضحى تحت خط الفقر، وعلى الحكومات دعم تلك الطبقات باستمرار.
إن المرحلة الاستثنائية التي تعيشها سورية اليوم تتطلب من أصحاب القرار خطوات وقرارات استثنائية بعيدة كل البعد عن الروتين والبيروقراطية التي تعيشها مؤسساتنا، والعمل على دفع العجلة قُدماً إلى الأمام، وهو ما يحتاج إلى رجال أفعال لا إلى رجال أقوال، والسير بخط متوازٍ بالحل السياسي والجلوس على طاولة الحوار، كل ذلك للحفاظ على صمود الشعب ووحدة سورية.

علاء أوسي

الوسوم (Tags)

الحرب   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   الناس اللى ما فيها ذوق
بدنا تطلع حملات المحافظه عا الميدان وتحديدا لمحل الخضري بشير الحام وجيرانه وتشوف اللي لايطاق اخذ الرصيف واكتر من نصف الطريق وين بدا تمشي الناس والسيارات اهل الميدان
محمد النوري  
  0000-00-00 00:00:00   خطط
عم تشرحولنا الخطط يل حطتا ألمانيا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي بدنا خطة لالنا
نسرين نور  
  0000-00-00 00:00:00   نقص مفتعل
خيرات سوريا كتيرة بس هذا النقص بالاحتياجات شيء مفتعل لحتى المواطن ما يفكر بشي إلا كيف بدو يدبر معيشته اليومية
هبة الطوخي  
  0000-00-00 00:00:00   كنا عايشين
نحنا كنا عايشين برفاهية مو حاسين فيها وحاليا عرفنا قيمتها
ايهاب مصطفى  
  0000-00-00 00:00:00   رقابة
من الضروري جدا تشديد الرقابة التموينية ومحاسبة التجار
فاطمة جنيد  
  0000-00-00 00:00:00   إجراءات سريعة
يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات سريعة لرفع قيمة العملة السورية والحد من ارتفاع الأسعار
لميس أسعد  
  0000-00-00 00:00:00   غلاء لا يحتمل
الله يعين المواطن شو بدو يتحمل ما بيكفيه قلة الأمان والتهجير كمان غلاء أسعار وصل ل 300%
هيا الشامي  
  0000-00-00 00:00:00   اقتصادنا متين
رغم كل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها سوريا فقد أثبت الاقتصاد السوري أنه متين ومتماسك
مجد السوري  
  0000-00-00 00:00:00   الملك يفصل النائب الذي اطلق النار
الملك الاردني يفصل النائب طلال الشريف الذي اطلق النار داخل المجلس اليوم و نحن نسأل في نائب من القلمون كان ينام و يحارب مع الارهابيين و يدعمهم ماديا بملايين الدولارات التي تحول اليه من دول خليجية فلماذا السكوت عن محمد دياب - يجب تدمير المسجد الذي يخطب فيه
هام  
  0000-00-00 00:00:00   طرد مراسلة الخنزيرة الانكليزية
احرار سوريا المغتربون يطردون مراسلة الجزيرة الانكليزية
ابو ليان  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz