Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 17:04:37
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
منفذية ملبورن في القومي تحيي عيد المقاومة والتحرير .. ملحم: الدولة القومية الديمقراطية الحديثة هي التي تعالج قضايا المجتمع وتنهض بأوضاع الشعب

دام برس:

بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، نظمت منفذية ملبورن في الحزب السوري القومي الاجتماعي ندوة تحت عنوان: "المجتمع المدني. وبناء الدولة الحديثة" ألقاها عضو المجلس القومي الدكتور إدمون ملحم.

حضر الندوة الى جانب منفذ عام ملبورن صباح عبدالله وأعضاء هيئة المنفذية، ناموس المندوبية السياسية في استراليا سايد النكت، وعدد من أعضاء المجلس القومي والمسؤولين.

كما حضر مستشار وزارة الخارجية والمغتربين السورية عبدالله الطويل، مسؤول حركة أمل علي الأمين، وفد من التيار الوطني الحر، رئيس بلدية موريلاند السابق طوني الحلو، مسؤول الاتحاد الوطني لطلبة سوريا صافي عيوش، مسؤول المركز الإسلامي العلوي راسم الباشا، رئيسة تجمع نساء النهضة جنى دياب، مسؤول لجنة المصالحة الوطنية رفعت حنا، وفد تجمع الشباب السوري، ممثل إذاعة صوت الجالية السورية عمار إسماعيل. وجمع من المهتمين والقوميين وأبناء الجالية.

دياب

افتتحت الندوة بالنشيد الوطني الأسترالي، ونشيد الحزب الرسمي، ثم دقيقة صمت إجلالاً لشهيد الثامن من تموز وشهداء المقاومة. وقدم للندوة ناظر الإذاعة والإعلام في منفذية ملبورن أدونيس دياب الذي رحب بالحضور، وتحدث عن 25 أيار عام 2000 الذي يؤرخ لدحر العدو الصهيوني تحت ضربات المقاومة.

وأشار إلى أن شرارة المقاومة انطلقت يوم أطلق ابطال الحزب السوري القومي الاجتماعي صواريخهم على مستعمرات الجليل، لتستمر مع رصاصات الشهيد القومي البطل خالد علوان التي ارعبت العدو وفرّ مهزوماً من بيروت على وقع صراخه عبر مكبرات الصوت: "لا تطلقوا النار نحن راحلون".

أضاف دياب: إن كواكب الاستشهاديين القوميين أسست للانتصار، من وجدي الصايغ، إلى وسناء محيدلي، وعمار الأيسر، وخالد ألأزرق، وابتسام حرب، وفدوى حسن غانم، وعلي طالب، والكثير الكثير من الشهداء ألأبرار الذين هزوا كيان العدو وألحقوا به الهزائم المتتالية.

وقال: لقد امتزجت دماء الشهداء من جميع الأحزاب والقوى الوطنية ومن جميع كيانات ألأمة، وامتزجت معها دماء شهداء جيشنا الشامي البطل، وجيشنا اللبناني ألأبي، فتحقق الانتصار الأول في الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2000، وهذا الانتصار ليس إلا بداية لانتصارات ستعيد كامل الأراضي المغتصبة وستحرر فلسطين.

أضاف دياب: إن المقاومة هي ثقافة منبثقة من صميم عقيدتنا السورية القومية الاجتماعية، وهي متأصلة في شعبنا الذي يأبى الذل. لذلك سنبقى على النهج نقاوم عدو الأمة، وسنبقى مقاومين لوباء التطرف وجرائمه الإرهابية لأن الارهاب والتطرف أداة من أدوات العدو الصهيوني العنصري.

وختم قائلاً: أرادنا سعاده حركة هجومية لا حركة دفاعية، ونحن سنبقى نهاجم الأمراض الاجتماعية من طائفية ومذهبية وعشائرية وإقطاعية ونزعة فردية وكل ألأمراض التي يعاني منها مجتمعنا. وسنعمل دوما ًجاهدين لبناء مجتمع مدني أفضل يؤمن الحقوق والواجبات والعدل الاجتماعي لكل أبناء ألأمة.

ملحم

ثم القى عضو المجلس القومي الدكتور ادمون ملحم محاضرة تحدث فيها عن الرؤية للإصلاح وبناء الدولة الحديثة، واستهلها بالقول:

إن عيد المقاومة والتحرير، الذي نحتفل به كل عام، منذ أن تحرر جنوب لبنان بمعظمه من الاحتلال الصهيوني وانهزم العدو المتغطرس، هو مناسبة مجيدةُ تستوجب منا أن نكرِّمَ الشهداءَ الأبرارَ الذين بذلوا أنفسَهم دفاعاً عن الأرضِ والحقِ والحريةِ والكرامةِ وجسَّدوا أحلامَهم بدمائِهم الزكية مُسجلين أروعَ ملاحمِ العزِ والبطولةِ والانتصار. وإن أفضلَ تكريم للشهداء هو أن نحافظَ على انجازاتهم ونستكمل انتصاراتهم بتحرير مجتمعنا من قوى الارهاب والتطرف، ومن كل أمراضه وأوضاعه الفاسدة، وأن نعمل بناء الدولة الحديثة التي تصون الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال.

وحيا ملحم شهداء المقاومة وقواها الحية والرئيس المقاوم العماد إميل لحود، كما حيا الرئيس الصامد والمقاوم الدكتور بشار الأسد والرئيس الراحل حافظ الأسد الذين حميا المقاومة ونهجها وأمَّنا لها كل الدعم لتحقيق الانتصار.

وقال ملحم في محاضرته: الجميع من أحزاب وتيارات ورجال سياسة ونواب يتحدثون دائماً عن الإصلاح، ويطالبون في بياناتهم وتصاريحهم اليومية وفي مؤتمراتهم وحملاتهم الانتخابية بقيام الدولة المدنية الحديثة التي تكفل الحرية والعدالة والمساواة.. ولكن هذه الدولة المنشودة لم تبن حتى اليوم، وما زالت حلماً بعيداً يتغنى به الجميع على أمل الإنجاز في المستقبل..

بناء الدولة الحديثة

أضاف: رب سائل إذا كانت نوايا المنادين ببناء الدولة الحديثة صادقة، فلماذا لم تبن هذه الدولة حتى اليوم؟ وما هي المعوِّقات أمام بنائها؟ وكيف تبنى الدولة العصرية التي تهتم بمصالح الشعب وتؤّمن رفاهيته وسعادته في الحياة؟

برأينا هناك أسباب عديدة في عدم بناء الدولة الحديثة حتى اليوم. وللاختصار سنكتفي بإيجاز أربعة أسباب نرى أنها أساسية ومهمة:

السبب الأول: يرتبط بالتركيبة الطائفية الجامدة للأنظمة، ومن يتربع عليها من طبقة حاكمة مستبدّة تتكون من زعماء تقليديين وطائفيين وإقطاعيين نفعيين متسلطين على الشعب يقهرونه ويستبيحون كرامته ويهضمون حقوقه وينهبون خيراته.. هذه الأنظمة الفاسدة بامتياز تقاوم أية محاولة إصلاح أو تغيير، والطبقة السياسية الحاكمة فيها والمرتبطة بالإرادات الأجنبية تسعى دائماً للحفاظ على منافعها ومكاسبها وترسيخ نفوذها وضمان استمرارها في مراكزها، من خلال أساليب الفساد والقهر والاستبداد والوراثة والتكاذب والاحتيال، وتصويرها للشعب أن الظروف غير مؤاتية لإجراء إصلاحات وان الإصلاح سيقود إلى أزمات لا تُعرَفْ نتائجها.

السبب الثاني: نراه بغياب المؤسسات الصالحة لتجديد حياة الأمة ولإيقاظ الوجدان القومي من نومه فالمؤسسات الاجتماعية والتشكيلات السياسية القائمة في المجتمع، هي مؤسسات الإقطاع والعشائر والعائلات والمذاهب الدينية، وهي بمعظمها مؤسسات خصوصية تقليدية انتفاعية، تدعي الوطنية والتقدمية ولكنها تعمل لمنافعها وغاياتها الخصوصية، وتتضارب فيما بينها لتنتج سياسة العائلات والمذاهب وثقافة الحقد والفتنة والتعصب والانقسامات الطائفية والتصادم الاجتماعي والأنانية العمياء. هذه المؤسسات اللاقومية المتنافرة والمتضاربة المصالح والأهداف لا تصلح لحاجات الأمة ولا تسعى لايقاظ الحس الاجتماعي بين أبنائها، ولا تأتي بالتربية القومية المولِّدة للتعاون الاجتماعي، ولثقة الشعب بنفسه التي هي مصدر العزم والهمة والأعمال الجبارة، والتي تدفعه إلى حل قضاياه بنفسه، وإلى تحسين حياته والسير إلى ما فيه صلاحه وفلاحه..

وثالثُ الأسباب: يكمن في اهتمام الأفراد بالنجاح الفردي والحياة الفردية وحاجاتها، من دون الاكتراث بالمصلحة العامة وقضية المجتمع وأغراضه والنجاح القومي العام الذي يشكِّلُ ضمانة للنجاح الفردي وينعكس على الأفراد خيراً وعزاً وسعادة.

ورابعُ الأسباب الرئيسية: يكمن في إهمال الإنتاج العلمي والمعرفي والفكري، وعدم السير في مسارات التجديد والإبداع والاعتماد على التفكير العملي الحقيقي، الذي يتناول المجموع ويدفعنا إلى العمل على تحقيق ما نؤمن به ونعتقد بصلاحه والذي يؤدي إلى الإصلاح الشامل في شؤون حياتنا القومية. وهنا استشهد بما كتبه سعاده في مطلع الثلاثينيات، داعياً أبناء شعبه للمباشرة في العمل الإصلاحي الكبير لتنقية حياتنا القومية من الأدران النفسية والصدأ العقلي، مطالباً بوجوب اعتمادنا على التفكير العلمي، لأن العصر الذي نعيش فيه عصر عمل وعلم وتحقيق مطالب عليا. يقول سعاده: "لقد تعلمنا فيما مضى أن نهتم كثيراً بحياتنا الفردية وان نحافظ كثيراً على جلودِنا. كانت نتيجة ذلك أننا أهملنا حياتنا العامة حتى دبَّ فيها الفساد وملأها غِلاً وغشاً وحقداً وبغضاً وحسداً ونميمةً ورياءً وأصبح محيطنا كله يعج بالفساد ويضج."

أضاف ملحم: الإصلاحُ الذي يعني الصلاحَ فكراً وعملاً وبناءً هو ضرورة وحاجة ملحة في كل شأن من شؤون حياتنا القومية، ولا يمكن لأي عاقل أن يتنكر له. فكيف نخرج من واقعنا المأزوم بالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إن لم نبادر إلى إجراء إصلاحات جذرية تؤدي إلى اجتثاث الطائفية وإزالة عوامل التخلف والفوضى والفساد وتهيئ الأسباب الكافية للنهوض القومي ولبناء المجتمع المتمدن الراقي؟

وبدون الإصلاحِ كيف نواجه حالاتِ البؤس والحرمان والاستغلال والتمزق الاجتماعي والتطرف الديني والموجات السلفية والتكفيرية الهمجية الإرهابية وأحقادها، وما أنتجته في لبنان والشام والعراق من حروب ومآسي وكوارث وفظائع نحسُّ بأوجاعها كل يوم؟

وبدون الإصلاحِ وبناءِ المجتمع المحصّن وقيامِ الدولة القادرة كيف نواجه إرهاب الصهيونية وأطماعها في ابتلاع وطننا وطمس هويتنا وكيف نواجه الحرب الكونية على أمتنا وما يخطط لها من تقسيم وإعادة رسم خارطتها الجيوسياسية، وفق تسويات دولية تخدم مصالح الدول الكبرى وأطماعها في السيطرة على مواردنا الطبيعية وفي التحكم في سياساتنا وقراراتنا الداخلية وفي التدخل في كل شأن من شؤون حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية؟

إذاً، المصلحة تقتضي اعادة النظر  في الكثير من الأحوال الاجتماعية، والمبادرة إلى إصلاح مجتمعنا وتحصّينه بالوعي القومي الصحيح الذي يؤسس لوحدة المجتمع وبعث فضائله النبيلة وتنمية روح التعاون بين أبنائه، واستنهاض القوة الكامنة في نفوسهم.

وهناك مصلحة أكيدة بالشروع في ورشة الإصلاح الجذري، ووضع مداميك الدولة الحديثة الضامنة لحرية الشعب وحقوقه، والساهرة على رعاية مصالحه وتأمين بحبوحته وعيشه الكريم.. ففي ظلال الدولة المدنية الحديثة ومؤسساتها الجديدة الصالحة والمحرِّكة لطاقات الإنتاج والعاملة من أجل سلام المجتمع وضمان أمنه ورقيه، تتبدل المعادلات ويتحوّل الشعب بكل أجياله إلى قوة فاعلة ترتقي بالحياة إلى أعلى ما تتوق إليه النفوس من منعة وخير وبحبوحة وأمان، ويكون لها القول الفصل في كل القضايا التي تخص الأمة وجوداً ونهوضاً وتقدماً وارتقاء.

الإصلاح من الداخل

        وقال ملحم: نحن لا نطلب الإصلاحَ من الخارج ولا نراه آتياً من الغيب أو على أيدي السياسيينَ المشعوذينَ والرأسماليين الجشعينَ والنواب الذينَ قامتْ نيابتُهم عن الشعبِ بحكم الوراثة والطائفية والنفوذ المالي، فلا يُمكِنُ لهؤلاءِ أن يُغَيِّروا حالة البلاد وأن يأتوا بالإصلاحِ.. فهؤلاءِ لم نجنِ على أيديِهم إلا الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والمديونية واليأٍسَ والهجرة والفقر والتقهقرَ والانحطاط..

ولا نرى الإصلاحَ حاصلاً بالأحلام والتمنيات وبتغيير الأشكال والمجالس والحكومات ولا برفع الشعارات وبتقديم النظريات والمسكّنات والحلول الارتجالية الترقيعية، بل نراه حاصلاً بالإرادة الفاعلة والبطولة المؤمنة والتفكير العملي العقلاني الحكيم والتخطيط المدروس. إن الإصلاحَ عملٌ طويلٌ وجهادٌ مستمرٌّ ولكنه لا يتحقق إلا ببناء النفوس بناءً جديداً في العقيدة الصالحة والمناقب الجديدة، التي تزرع الفضائل القومية النبيلة وتؤدي إلى ولادة الإنسان ـ المجتمع الجديد المؤمن بنفسه وإنسانيته والمنتسب إلى مجتمعه، والمهتم بمصالح قومه وخيرهم كما يهتم بمصالحه الشخصية ويودّ الخير لنفسه.

لم الإصلاحُ في نظرنا ليس شيئاً مبهماً ولا مُطلقاً، ولم تعد الغايةُ منه تحقيق مصالح آنية فردية أو فئوية طائفية بل أصبح الإصلاحُ شأناً نهضوياً واضحاً ونهجاً أخلاقياً راقياً يعتمده المصلحونَ الأخلاقيونَ لترقية حياة المجتمع ولتحقيق تطلعاته ومثله العليا. فمسألة الأخلاقِ، يقول سعاده، هي من أهم مسائل النهوض القومي بعد تأسيس فكرة الأمة وبعد تعيين المقاصد الكبرى"

إن الإصلاحَ إما أن يكون إصلاحاً شكلياً ترقيعياً فاسدا أو يكونَ إصلاحاً حقيقياً جذرياً شاملاً. الإصلاحُ الشكلي يعتمد على الكذب والخداع والمراوغة والمنفعة والتقليد، أما الإصلاحُ الحقيقي فيتحقق بفعل الإرادة الواعية والعقل المبدع والبناء الدائم والتخطيط السليم. إن الإصلاحُ الشكليُّ هو إصلاحٌ وصولي تدجيليٌّ عقيمٌ يقوم به النفعيون والفاسدون الطالحون، وغايتُه إبقاءُ القديمٍ على قِدَمِه. أما الإصلاحُ الحقيقيُّ، إصلاح المصلحين الصالحين الأخلاقيين الذي يقوم على أساس نظرة جديدة إلى الحياة والذي يعتمد على قوة الإبداع والعقل الفاعل تخطيطاً وتنفيذاً فغايتُهُ إصلاحُ العلةِ في أهلِها وإيصالُ الشعبِ إلى خيرِه.

إن الإصلاحَ الحقيقيَّ، الجذريَّ، يحتاجُ إلى حركةٍ إصلاحيةٍ تغييريه تأسيسية تُقدّمُ الأُسسَ الواضحةَ لقيام الأمة من قبر التاريخ ولبناءِ دولتها الديمقراطيةِ العصرية، التي تهتم بمصالح الشعب وحاجاته وبأهدافه السامية في ‏الحياة. وهذه الحركة الإصلاحية الفعلية جاء بها رجل مصلح لا بل فيلسوف رائد في الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والنفسي. هذا الرجل الفيلسوف المبدع الذي انشق على فساد المجموع وتغلب على أهوائه متسلحاً بإيمانه وثقته بنفسه وثقافته الإنسانية الواسعة، ومتفانياً بجهاده وعطاءاته السخية، هذا الرجل الذي كان صاحب نفس كبيرة في حبها وإخلاصها وأحلامها هو زعيم الأمة، الذي أطلق حركة نهوض قومي لا مثيل لها في التاريخ، حركة تغيير أخلاقية هجومية لا تطلب الأوهام ولا تسعى إلى سراب بل تعمل لتطهير المجتمع من الفساد والفوضى  ‏والمثالب وتصارع لبناء النفوس في مبادئ  اجتماعية مناقبية تؤسس حياة جديدة للأمة، وتسير بها إلى عزها وخيرها.

في مقال له بعنوان "سلطة الزعيم" يقول سعاده الكلام الدقيق التالي: " في سورية فساد الحكم هو من فساد الشعب.. في سورية تعلّم الفرد ألاّ يهتم لضرر الشعب بل لمنفعته الفردية فقط" ويضيف: "في سورية المناقبُ تحوّلت إلى مثالبَ، والأخلاق انحطّت. فالفساد في الشعب والشعب الفاسد الروحيةِ يحتاج إلى إصلاح."2 أما الإصلاحُ فلا يراه سعاده متحققاً إلا من الداخل "ويجب أن يكون من فردٍ انشق على فساد المجموع وتغلّبَ على أهوائهِ."

وسعاده الذي رفض حالة الفسيفساء والقطعانية في شعبه يقول في مقال له نشر عام 1938: ""إذا كان الشعب يريد تغيير الحال فعلاً فعليه هو أن يسعى لهذا التغيير في نفسه في تقاليده واتجاهاته الفكرية." وفي مقال له بعنوان "آن للشبابِ أن يدركَ" يقول: "إن الذين يريدون الإصلاح الحقيقي يجب عليهم أن يكونوا صادقين في أنفسهم، وأن يتحولوا إلى الإصلاح في ذواتهم أولاً.."

واستخلص ملحم مما تقدم:

أولاً: لا يمكن إصلاح الدولة بدون إصلاح حال الأمة وإصلاح العلة في أهلها.

ثانياً: أن الإصلاح الحقيقي لا يكون في تغيير الحكومات والمجالس وخلع الحلل، ‏بل يكون في إصلاح حالة الأمة النفسية ـ المناقبية، وفي تغيير القضايا الرجعية الخصوصية نفسها التي هي سبب انحطاط الأمة.

ثالثاًً: الإصلاح الفعلي لا يكون في النصوص والقوانين فقط، بل يأتي نتيجة عقيدة صحيحة موّحِدة للشعب "تنشئ جيلاً جديداً ونظاماً جديداً وجمالاً جديداً". إن بداية الإصلاح تكون في بناء النفوس بناءً جديداً، وتوجيها نحو الأمة وقضيتها الصحيحة، وتكون في تحرير النفوس من قيود الذل والخمول والخوف والخنوع، وفي إنقاذها من المساوئ والأهواء والنزوات ‏الفردية، وتسليحها بقيم الحياة الصراعية والوعي القومي ‏الصحيح. فالنفوس المتحررة بقوة العلم والمعرفة والوعي ‏والمناقب السامية، والمتسلحة بالوجدان القومي، هي وحدها القادرة على بناء المستقبل والوصول ‏إلى مراتب العز والتقدم والانتصار.

ورأى ملحم أن: حركة سعاده الإصلاحية خلقت بتعاليمها المناقبية الجديدة ـ كما يقول ـ "روحاً جديداً في الشعب، وأنشأت نظاماً جديداً لحياته وحققت له إصلاحاً عظيماً". والحق يقال أن هذه الحركة التي شكَّلت انقلابا فكرياً فاصلاً في تاريخ الأمة هي حركة الحداثة التجديدية الأصيلة، لأنها جاءت بنظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن، غايتها تأسيس الحياة القومية الجديدة، بعد تحويل مجتمعنا المفتت بتناقضاته المتعددة إلى مجتمع قومي أساسي موحَّد، له نفسية جديدة وهوية واضحة وقضية قومية مستقلة، مجتمع يتساوى أبنائه في ملكيتهم للوطن وثرواته وينصهرون في قومية سورية جامعة، نتيجة اشتراكهم في وحدة الحياة والمصالح والمصير. لذلك يقول سعاده  أن: "المبدأ الذي نمشى عليه هو مبدأ القومية، وهو المبدأ الذي يدعونا إلى محبة أبناء قومنا وجلب الإصلاح القومي لهم." ويقول أيضا: "المبادئ القومية الاجتماعية وحدها هي طريق الإنقاذ. فالذين يريدون فعلاً خير الأمة فما عليهم إلا الاتجاه نحو الحركة القومية الاجتماعية، التي تقدم مبادئ الإنقاذ، والتي أوجدت الإصلاح الفعلي في صفوفها الذي هو نموذج رائع للإصلاح الذي يمكن أن تقدمه للأمة كلها."

الدولة

أما على صعيد الدولة التي هي المظهر السياسي للمجتمع القومي، لا بل هي شخصيته وصورته، ففكرة الحداثة تتجلى وبكل وضوح في المبادئ الإصلاحية الخمسة التي تقوم على أساسها الدولة القومية الاجتماعية الديمقراطية الحديثة والتي يعمل القوميون الاجتماعيون على تأسيسها. فما هي مواصفات هذه الدولة؟

أولاً: الدولة الحديثة، برأي سعاده، لا تتأسس على الدين بل تقوم على مبدأين متجانسين هما: الأساس القومي أي الوحدة القومية والديمقراطية أي حكم الشعب لنفسه. فلا قومية حقيقية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية حقيقية بدون قومية." وهذه الحقيقة يختصرها سعاده بقوله بأن "الدولة الديمقراطية هي دولة قومية حتماً."

ثانياً: جوهر الدولة القومية الديمقراطية أنها دولة الشعب الواحد بكل أجياله وليست دولة الإقطاع السياسي والديني والمافيات اللصوصية المرتبطة بالإرادات الأجنبية. يقول سعاده إن الدولة هي "مؤسسة الشعب الكبرى" أي أن كل فرد من أفراد الشعب هو عضو فيها ومسؤول عن مصيرها وترقيتها.

ثالثاً: في الدولة القومية الشعب هو مصدر السيادة والسلطات، فالشعب لم يوجد للدولة بل الدولة للشعب، أي للأمة ولرعاية مصالحها الحيوية، وحيث لا أمة لا دولة، وحيث لا دولة لا سيادة ولا استقلال. فالدولة هي أداة في خدمة الشعب، تسيّر أعماله وترتّب علاقاته وتخدم مصالحه المادية والنفسية، وتعبِّر عن إرادته الناتجة عن الشعور بالاشتراك في حياة اجتماعية اقتصادية واحدة.

فصل الدين عن الدولة

وشدد ملحم بأن الدولة القومية تؤمن بالتسامح والإخاء القوميين، وترفض أن تكون الأديان أحزابا متصارعةٌ في المجتمع فاقتتالنا على السماءِ أفقدَنا الأرض، يقول زعيمُ الأمة. وهي ترفض أن يكون رجال الدين سياسيين واقتصاديين، بل تريدهم أن يعملوا بالروح الدينية فقط، التي يحتاجها الشعب لحياة السماء، لذلك فهي تعتمد مبدأ الفصل بين الدين والدولة، تأميناً للوحدة القومية وصوناً لوحدة المصالح والحقوق، التي تتولّد بنتيجتها وحدة الواجبات ووحدة الإرادة القومية. والدولة القومية الاجتماعية تحترم الأديان وقيمها الأخلاقيّة، ولا تحارب أفكارها اللاهوتية، ولكنها لا تسمح لرجال الدين باستغلال سلطتهم الدينية التي ادعوها لأنفسهم من اجل مصالح طائفية، لذلك فهي تمنعهم من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين" وتقول بوحدة الشرع التي تجعل جميع أعضاء الدولة متساوين أمام القانون المدني الواحد.

والدولة القومية الاجتماعية تؤمن بالتعاون والتساهل والانفتاح وترفض الحواجز الاجتماعية ـ الحقوقية القائمة بين أبناء المجتمع الواحد والمعطِّلة للوحدة الاجتماعية، لذلك فهي تقول "بإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب" حرصاً على الوحدة الروحية والأخوة القومية والمساواة بين جميع المواطنين.

النظام الاقتصادي

والدولة القومية الاجتماعية تأتي بنظام اقتصادي جديد، قاعدته وحدة المجتمع المدني، وغايته خير الأمة ورفاهيتها، نظام يرسي الاقتصاد القومي على أساس العمل والإنتاج، لتتحول الأمة كلها إلى أمة العاملين المبدعين المنتجين علماً وفكراً وصناعة وغلالا، لأنه بدون توفير الإنتاج وزيادته لا يمكننا التفكير برفاهية الشعب. وهذا النظام الاقتصادي القومي الجديد الذي أساسه العدل الاجتماعي والاقتصادي يقول بإلغاء الإقطاع.

أولاً: لإزالة الحيف والظلم عن أبناء أمتنا من الفلاحين، الذين يرزحون تحت سيطرة الإقطاعيين المستبدين، وثانياً، لتحرير الإقطاعيين أنفسهم من نفسية الاستعلاء والظلم والاستبداد لتحل بين الجميع روح الأخوة القومية والتعاون الاجتماعي. ويقول النظام الاقتصادي الجديد بإنصاف العمل وتوزيع الإنتاج توزيعاً عادلاً لضمان حقوق العمال المنتجين لثروة الأمة وبنائي مجدها.

بناء جيش قوي

والدولة القومية الاجتماعية هي حتماً دولة مقاومة، لأنها حريصة أن تتخذ كل التدابير والإجراءات اللازمة لصيانة السلام الاجتماعي الداخلي، ولحماية سيادة الأمة وحقوقها وثرواتها القومية، وللدفاع عنها من أي عدوان خارجي. لذلك فهي تقول بإعداد جيش قوي مجهّز بالوسائل الحربية ويكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن. فمبدأ الأمة المسلحة، يقول سعاده، "هو المبدأ الوحيد الذي يجب أن تتمسك به كل أمة لا تريد الاضمحلال."

دولة المواطنة والمؤسسات

        وباختصار، نقول أن الدولة القومية الديمقراطية الحديثة هي حتماً: دولة المؤسسات القومية الصالحة التي تعالج قضايا المجتمع وتنهض بأوضاع الشعب من كافة النواحي وتوفِّرُ له رغد العيش وهناء الحياة، وهي دولة التسامح والحق والعدل والقانون والتساوي في الحقوق والواجبات المدنية والسياسية والاجتماعية.. وهي دولة المواطنة الصحيحة التي تؤمن بحق التفكير والتعبير والاعتقاد، والتي تحترم الإنسان وحقوقه، وتصون حريته وتنمي مواهبه وتجعل منه إمكانية مبدعة وفاعلة في الحياة. وهي دولة متنورة تؤمن بالعقلنة والعلم والاختصاص والمعرفة الفاضلة، وتستثمر في التربية والفنون والإبداع والإنتاج الصناعي والزراعي والمعارف العلمية وتحقق نهضة الأمة وعز المجتمع بثروة بشرية تتميز بإبداعاتها ومؤهلاتها العلمية وبكفاءاتها العالية وخبراتها المميزة..

وختم: هذه هي مميزات الدولة القومية الديمقراطية الحديثة.. الـدولة السليـمة القوية المعبِّرة عن إرادة الأمـة والساهرة على صيانة حقوقها وسيادتها على نفسها والحريصة على تحقيق مصالحها الحيوية التي تعني الخيـر والبحبـوحة والعز والتقدم والازدهار لجـميع أبنائها.

الوسوم (Tags)

الشهداء   ,   الحزب   ,   المقاومة   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz