دام برس :
نقلت يوميّة «السبيل» الأردنية (الإخوانية - الحمساوية) عن «قيادي في التيار السلفي الجهادي»، نفيه البات صدور قرار من أمير «داعش»، أبو بكر البغدادي، بالشروع في القتال في الأردن.
ولا نعرف ما إذا كان محرر «السبيل» أم ذلك «القيادي» المجهول، هو الذي انخرط في الدفاع عن الدولة الداعشية، إزاء «التسريبات» في صحيفة «الدستور» العراقية، واعتبارها مؤامرة لجرّ عمّان إلى محاربة «الدولة» التي «تعاني على عدة جبهات في سوريا والعراق»، وليس من مصلحتها، بالتالي، فتح جبهة جديدة ضدها؛ ليس في الأردن، حسب «السبيل»، خلايا لـ «داعش»، بل أنصار على «الفيس بوك»!
هنا، تنتشر أشرطة لـ «مجاهدين» من الأردن، مصورة في سوريا، يمزّقون فيها جوازات سفرهم، ويعلنون ولاءهم لأبي بكر البغدادي، ويهددون «الطاغوت» و«النظام العلماني»، بأطنان من المتفجرات والمفخخات والذبح؛ أما أهم تلك الأشرطة، فهو مسجل في الأردن بالصوت، لـ «جندي من كتيبة شهداء معان» ــــ مدينة في أقصى جنوب البلاد ـــــ يخاطب البغدادي باسم زملائه، قائلا: «إلى أميرنا العزيز وشيخنا وحكيمنا، أبا بكر البغدادي، نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله الخ، و... ابشرْ، فلك في الأردن عساكر»، ويزيده استبشارا بأن «الله قد مَنّ علينا بإعلان الجهاد (.) بانتظار مددكم وزحفكم».
هل استجاب البغدادي، كما تقول المصادر الاستخبارية العراقية، أم أن تلك الاستجابة مؤجلة حتى تتحسن الظروف القتالية لـ «الدولة»؟ على كل حال، ما نلاحظه بوضوح أن نفي «داعش» الزحف على الأردن، ليس مبدئياً، وإنما يتعلّق بالتوقيت والظروف، وبصورة خاصة، برجحان كفّة «جبهة النصرة» في صفوف «التيار السلفي الجهادي في الأردن»، كما في صفوف الإخوان المسلمين.
لدينا، إذاً، اللوحة الكاملة ــــ بتداخلاتها وصراعاتها ــــ للإخوانية العنفية والسلفية المقاتلة بألوانها المتعددة. وربما يحتاج الأمر لبعض الوقت، قبل أن يتضح أي التنظيمات هو الأقوى؛ لكن الواضح الآن أن «الدولة» هي، وحدها، التي تملك تصوّراً جيوسياسياً لحربها التي لا يمكن خوضها، لوجستياً و عملانياً وسياسياً، إلا في سوريا والعراق والأردن معاً، في قوس البادية الممتد في البلدان الثلاثة، ويعتبر منطقة عمليات واحدة، ومجالاً اجتماعياً سياسياً واحداً، قبائلي الطابع، لا يزال الجزء الأردني منه خارج السيطرة «الداعشية»، مما يشكّل خطراً جسيماً على «الدولة»، في حال تم التوصل إلى ترتيبات إقليمية لاحقة لشن هجوم مشترك يهدف إلى استئصالها. وطالما أن امتداد المنطقة «الداعشية» يتصل بالأراضي السعودية، ويهددها في العمق من بادية الشام، فلن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي ترى فيه الرياض أنه لم يعد بإمكانها تلافي ارتداد الفوضى الإرهابية ضدها، إلا بالتنسيق مع دول الجوار، وليس بالاعتماد على «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية».
«جبهة النصرة» التي كان وزير الداخلية الأردني، حسين المجالي، أعلن عن وجودها في مدينة معان الجنوبية، تشكّل الخطر الأكبر على شماليّ الأردن؛ فلـ «النصرة» قوة أساسية في الجوار السوري المباشر، كما أنها تحظى بشعبية بين التيارات الإسلامية، ومن المرجح أن محاولات التسلل المستمرة والمتزايدة للسلاح والمسلحين من محافظة درعا عبر الحدود الأردنية، تعود إلى «النصرة» التي تضيق الحصار على المجموعات المرتبطة بعمّان، والمنضوية تحت لواء «المجلس العسكري».
أمس الأحد، أعلن مصدر عسكري أردني عن استخدام المروحيات مجدداً لضرب متسللين في الاتجاهين، لكن المحيّر أن هذا التصدي الحازم على الحدود، لا يمس مقاتلين ما يزالون يحظون بالدعم الرسمي الأردني؛ ففي اليوم نفسه، أعلن حرس الحدود عن استقبال 60 جريحاً تم نقلهم إلى المستشفيات الأردنية؛ لعل المقاربة مع الصراع في سوريا لا تزال هي نفسها عند المسؤولين الأردنيين الذين يميزون بين إرهابيين أشرار يتم قصفهم بالطائرات، وإرهابيين أخيار يتم استقبالهم بالأحضان!
هذه المقاربة بالذات هي التي أدت إلى تنامي الظاهرة الإرهابية في الأردن إلى درجة بالغة الخطورة؛ ولا تكمن هذه الخطورة فقط في عودة إرهابيين مدربين جيداً على القتال وإعداد المتفجرات الخ، بل، أيضاً، في ما سبّبته وتسبّبه الهجرة الجهادية إلى سوريا من مناخ موات لخلق حواضن اجتماعية للإرهابيين، وكذلك، في ما أدى إليه التدخل الأمني في سوريا من تعاملات مع مجموعات مسلحة لا يمكن الفصل داخلها بين العناصر المحلية والاستخباراتية والسلفية المقاتلة؛ ففي النهاية، ليس هناك سوى سياق واحد لكل حملة السلاح في سوريا، هو السياق الإرهابي.
يقف الأردن على عتبة استحقاقات كبرى تتطلب من الحكم، القيام بتغيير جذري في سياساته الأمنية والدفاعية، والقتال ضد الإرهاب خارج الأسوار، وعلى أساس التنسيق الشامل مع بغداد ودمشق.
عن صحيفة "الاخبار" اللبنانية