دام برس
لم يعد من الممكن الانتظار بعد سقوط الأقنعة ... بعد انكشاف المتآمرين وسقوطهم أمام الصمود السوري واحداً تلو الآخر .. فمن كان يلبس ثوب الحمل قد خلعه ليكشف حقيقته المتوحشة المتعطشة للدماء ... ومن كان يزايد على الشعب السوري في حرصه على مصلحته هو اليوم يحاصره، يقتله، يستبيح دمه ....ومن كان يتكلم باسم العروبة قد داسها بقدميه وخلع عباءتها ووضع القلنسوة اليهودية على رأسه ... ومن كان يقدم نفسه راعياً للمسلمين ها هو اليوم يفتي بقتلهم واستباحة دمائهم ويصافح قاتليهم وجلاديهم ويكرم من يحرق قرآنهم ويسيء إلى نبيهم ..
هذه العبارات ليست للتهكم ولا من باب التكلف اللفظي ولا على سبيل المبالغة .. إنها حقائق نراها اليوم أمام أعيننا .. فلا عروبة اليوم بل تصهين .. ولا عرب بل مستعربين .. ولا قومية بل إثنيات .. و لا دين بل مذاهب .. ولا وطن بل أوطان .. ولا جيش بل مليشيات .. ولا مجتمع بل أفراد .. ولا دولة بل قبيلة .. ولا عقل بل غريزة .. ولا منطق بل جنون ..ولا إنسان بل مسوخ ..
أمام هذا الواقع الذي بات يريد فرض نفسه على أي واقع يخالفه بقوة المال السياسي والإعلام السياسي والدين السياسي بعقل صهيوني وإشراف أمريكي ودعم أوروبي وتنفيذ عربي، ماذا يجب علينا أن نفعل نحن الذين نخوض معركة البقاء في وجه التحول المنشود كي ننجح في قلب منظومتهم بكل مفرداتها وترسيخ منظومتنا العربية السورية المقاومة للإرادة الصهيونية وأذرعها في المنطقة ...؟؟
لقد انشغلت القيادة السورية منذ بدء الأحداث في سورية بالعمل على تمتين الجبهة الداخلية وتنقية صورة المشهد أمام السوريين لإيصالهم إلى تحديد موقف محدد مما يجري يحول دون التشتت والتباين في الأحكام والانزلاق باتجاه الانقسام الحاد في الرؤى والمواقف الذي يؤسس لبيئة خصبة من صراع مستهدف يتم تغذيته ورعايته وإطلاق مسميات مختلفة له .. فكان الشغل الشاغل للقيادة السورية عدم الانغماس في جزئيات الأحداث على الرغم من إيلامها واستنزافها للشعب والقيادة على السواء لناحية كسرها للاعتياد الشعبي في التعاطي السياسي والأمني والاجتماعي، وإنما حصر التركيز على المسار الكلي وتوظيف توضيح حقيقة الأحداث الحاصلة في تركيب مشهد كلي للشعب السوري يتجاوز الجزئيات التي أراد المتآمرون محاكاة الشعب من خلالها للتمويه على الهدف الأساس للمؤامرة وجعلهم يتحمسون لعناوين براقة تدفعهم باتجاه التحرك بأشكال مختلفة على الأرض ليصار إلى توظيف هذا الحراك باتجاه تغييب المنطق العقلاني وتعزيز المنطق الغرائزي من خلال آلة إعلامية تلعب على وتر استثارة العواطف الإنسانية واستثمارها لتوليد الكره والحقد ولو كان ذلك من خلال المتاجرة بدماء الأطفال وانتهاك الأعراض وهتك كل ما هو محظور في العرف الأخلاقي والديني ...
وبعد نجاح القيادة السورية في إدارة الأزمة وإجهاض أهداف المؤامرة على المستوى الشعبي إلى حد كبير وفضح آلتها الإعلامية القذرة في فبركة الأحداث وتضخميها وتزييف الحقائق وبث الشائعات، بات التحدي الأخطر أمامها هو القضاء على المجموعات الإرهابية المسلحة في الداخل السوري وكان بالفعل قرار الحسم العسكري في توقيت دقيق للغاية بعد توفير الحاضن الشعبي له على أوسع نطاق وبعد إجهاض كل محاولات تشويه صورة الجيش السوري واتهامه بارتكاب أفظع الجرائم عبر وسائل إعلامهم...
كل ذلك كان يتم على الساحة الداخلية وبالتوازي على الساحة الدولية التي نجح فيها رهان القيادة السورية على حلفائها الاستراتيجيين في العالم والذي تجلى بشكل واضح في وقوف روسيا والصين إلى جانب سورية في مجلس الأمن في وجه الإرادة الأمريكية العربية لكن على الرغم من كل ذلك تستمر المؤامرة لسببين أساسيين :
الأول: لأن أدواتها الرخيصة في الخليج لا يزالون يحاولون على الرغم من إحباطهم وربما يأسهم متابعة مشروعهم محاولين استدراك دفع فاتورة الفشل الباهظة والتي ستطيح بعروشهم لا محالة .
والثاني: لأن رد الفعل السوري لم يوجه ضربات قاسية لهم بذاتهم وإنما لأدواتهم في الداخل فقط فاستطاع أن يسقط رهاناتهم ويفشل أدواتهم في الداخل السوري لكنه لم يوقفهم فهو لم يستهدفهم بذاتهم بعد وهم يقبعون في عروشهم خارج الحدود، لكن السؤال المنطقي اليوم هو: ألم يحن الوقت لرد فعل سوري عابر للحدود ؟؟؟؟
أقول وبدون أي تردد "نعم" دونما انفعال عاطفي وتحرك رغائبي وإنما منطق المتابع لسياق الأحداث وأسلوب إدارة الأزمة السورية منذ البداية لا بل أستطيع القول الآن بأن الرد السوري العابر للحدود بات ضرورة قصوى وحتمية منطقية لاكتمال الصمود وتحقيق النصر على أعداء الأمة وأستند في هذه النتيجة إلى أمرين اثنين:
الأول: إدراك القيادة السورية أن المطلوب هو القضاء على رأس الأفعى بمعنى استهداف من يصدر ويمول ويدعم الإرهابيين في الداخل وليس الإرهابيين فقط، فالقضاء على الإرهابيين شرط لازم غير كاف في ظل من يستطيع أن يستقدم مرتزقة آخرين ويجندهم ويرسلهم لقتل السوريين، وما لم يتم قطع رأس الأفعى فلن تتوقف عن اللدغ ولدينا القدرة على ذلك فعلاً .
الثاني: المسؤولية القومية الملقاة على عاتقنا في حماية العروبة ممن يريد قتلها وطمسها إلى الأبد فاليوم نحن في معركة الإنقاذ الأخيرة للعروبة فإما أن تبقى أو تزول إلى غير رجعة .
وحقيقة الأمر أننا ما كنا لنصل إلى هذه المرحلة لولا التغاضي عن التآمر القديم لغربان الخليج وعمالتهم لإسرائيل وأمريكا على أمل عودتهم إلى رشدهم والحفاظ على الرابطة القومية وعدم تحويل الساحة العربية إلى حلبة صراع يكون المستفيد الأوحد فيها هو إسرائيل.
أولم نجمل قبحهم على الدوام ونتجاوز تآمرهم علينا أوليس ملوك الخليج وتحديداً آل سعود من تحالف مع شاه إيران عسكرياً ويعادي إيران الإسلامية اليوم ودعم أنور السادات في مصر والراعي النميري في السودان والحسن الثاني في المغرب وضغط على رئيس باكستان الأسبق ضياء الحق من أجل إعدام محمد علي بوتو وموَّل كل الحركات الرجعية في الدول العربية و آسيا وإفريقية وألغى الحريات في الخليج باسم الإسلام ..
أليسوا هم من ينهب أموال الشعب العربي أثناء مواسم الحج ليغدقوا على شركائهم الأمريكيين ويدعموا اقتصادهم القائم على تسليح أعدائنا وعلى رأسهم إسرائيل ليقتلوا أطفالنا وشعبنا بينما يرزح أكثر من عشرين بالمائة من الشعب السعودي تحت خط الفقر ..
باختصار إنها اليوم معركة الوجود فإما أن نكون أو لا نكون، فأي غياب للحسم في هذه المعركة سندفع ثمنه من دمنا واستقرارنا وقوتنا ومستقبلنا .. لذلك فالحسم اليوم مطلوب وعلى كل الجبهات، عسكرياً مع كل إرهابي يريد سفك الدم السوري، سياسياً في تحديد العدو من الصديق بمعزل عن لغته وقوميته، مفاهيمياً في تحديد مفهوم العروبة والإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان وتحديد مرتسماتها الفعلية على الأرض منعاً للتضليل والصيد في الماء العكر والتذاكي على الشعوب من قبل أياً كان.
فاليوم لا تساهل مع أعدائنا فنحن يجب أن نطالب بتسليمنا كل من يتآمر علينا أينما وجد فإن رفضت الدول الحاضنة لهؤلاء ذلك فيمكننا أن نجلبهم بأنفسنا فجيشنا جاهز للقتال وصواريخنا تعرف طريقها جيداً إلى حيث أعدائنا، وشبابنا مؤمن بقضيته إلى أبعد الحدود ويتوق إلى نصر مؤزر على أعداء الوطن ... فقضية عبد الله أوجلان لا تزال في الذاكرة حيث انتشر الجيش التركي على الحدود مع سورية عام 1998 مهدداً بحرب طاحنة إن لم تسلم سورية أوجلان لتركيا ولا ضير أن يعيد التاريخ نفسه لكن معكوساً هذه المرة فجيشنا متأهب على الحدود في حال لم تسلمنا تركيا كل من تأويهم من أعداء الوطن ...
أما مجلس الأمن فلن يبقى ساحتهم وحدهم فنستطيع تحريك مشروع قرار في مجلس الأمن يدين كل الدول الشريكة في سفك الدم السوري ويضع حداً لها ولو تحت الفصل السابع وليكن فيتو أمريكياً ضد مشروع قرارنا فلا ضير حينها من وقفة اشمئزاز حقيقي لمندوبنا في مجلس الأمن من الولايات المتحدة وحلفائها ولا مشكلة في أن يبصق أحرار العالم في وجوههم ...
وما من مانع يحول دون التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ووضع كل مستنداتنا القانونية بالصوت والصورة وشهادات الشهود وما أكثرهم من ضحايا الإرهاب الذي صدره لنا شيوخ الديمقراطية الجدد وأبواقهم الإعلامية ولتنظر بالأمر قدر ما تشاء فنحن لن ننتظرها لأننا سنتحرك في توقيتنا الذي نريده لنقتص من أعدائنا لكنه تسجيل موقف للتاريخ ...
وما من معترض علينا إذا ما طالبنا بالنيابة عن قطعانهم أو ما تبقى من شعوب لديهم بشيء من الديمقراطية فنحن على الأقل لدينا ما ليس لديهم في هذا المضمار ومعنا دلائلنا الدامغة على دكتاتوريتهم وتمييزهم العنصري ونهبهم لثروات شعوبهم وتطرفهم الديني الذي يشكل خطراً على ديمقراطيات المنطقة ومعنا حلفاؤنا الدوليون المساندون لحقوق الشعوب المضطهدة ...
وإن كان ثمة سلاحاً يهرب إلى حدودنا، فالسلاح طوع إرادة مرسله ولن يحتاج إلى جواز سفر للدخول إلى أراضيهم وإن كان يحتاج إلى إرهابي أو مضلل عندنا في سورية فهو لن يكون إلا بيد ثائر حقيقي لديهم حيث الظلم والقهر والجشع والاستغلال، وفي نهاية المطاف العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم ..
فاليوم لم يعد هناك فرق بين هؤلاء وإسرائيل فهم أعلنوا انتماءهم لإسرائيل والتزامهم بأمنها ولو كلفهم ذلك ذبح جميع العرب كرمى عيني تسيبي ليفني وهيلاري كلينتون وتزلفاً لقادة الصهيونية العالمية ...
نقول كل ما قلناه دونما خلط في الأمور بعيداً عن التصلب الذي يبلغ درجة الانقصاف، وبعيداً عن المرونة التي تنعدم معها المبادئ، إننا مع العمل السياسي لكن في أطره السليمة ووسائله الناجعة،ونحن مع التكتيك على ألا يناقض الإستراتيجية ولا يهدم الحدود بين الحق والباطل ..
هنا لا تساهل، لا مسايرة، لا مساومة ولا تراجع ولا استحياء من أحد، فنحن اليوم في الحد الفاصل بين الشرف والعار، وأمانة العروبة في أعناقنا، أقسمنا أن نكون لها الأوفياء ونقف بحزم ضد كل من يتهددها ويريد إلغاءها ..
إن نضال الشعوب لا يقاس بالسنوات ولا بعمر الأفراد ولا يهن بمواقفهم المتخاذلة كمشيخات الخليج اليوم ولا يمكن السماح لهم بتقرير مصير الأمة وأن يُستبدل كفاحها الطويل بأبشع خيانة في تاريخ الإنسانية ..
هي أيام عصيبة تلك التي نمر بها .. لكن في الأيام العصيبة يغدو للبطولة معنى وللتضحية معنى وللتمسك بالمبادئ معنى ..وستبرهن سورية الأسد عن قوتها وتمسكها بقيمها ومبادئها فالتاريخ ينظر إلينا، وينتظر منا، ولن نخيب للتاريخ ظناً ولا للدهر موعداً وهذا عهد، إن العهد كان مسؤولا...
12/2/2012
عفيف دلا