دام برس :
يجد الأردن نفسه هذه الأيام بين حربين مشتعلتين، الأولى في العراق، والثانية في سورية، ومن غير المستبعد أن يكون الهدوء الحالي في الضفة الغربية لنهر الأردن، هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، في ظل انهيار العملية السلمية، وتصاعد وتيرة أعمال المقاومة، وتغول الاستيطان الاسرائيلي.
ويبدو لافتاً أن حدود الأردن مع أكبر جارتين له مغلقة، والحركة التجارية مشلولة، ونحن نتحدث هنا عن سورية والعراق، فمعبر نصيب الأردني الوحيد المتبقي مع سورية بات مغلقاً، والحال نفسه يقال عن معبر طريبيل الوحيد مع العراق بعد الهجوم الانتحاري بثلاث شاحنات مفخخة نفذته مجموعة من انتحاريي "داعش" على الجانب العراقي منه.
إنها ليست المرة الأولى التي تهاجم خلية تابعة لـ"داعش" معبر طريبيل، ولكنه بالطبع الهجوم الأخطر، إذا أخذنا بعين الاعتبار الرسالة المراد توجيهها من خلاله، وهي أن هذه "الدولة" باتت على بعد كيلومتر واحد من الحدود مع الأردن.
الأجهزة الامنية الأردنية التقطت هذه الرسالة وفككت شفرتها، وتعرفت على مضمونها، وهذا ينعكس في الزيارة التفقدية التي قام بها اللواء مشعل زين، رئيس الأركان الأردني قبل يومين إلى المنطقة، وتأكيدات وزير الداخلية السيد حسن المجالي بأن حدود الأردن الشرقية مع العراق آمنة ومستقرة، وإن كانت مغلقة كلياً.
اللواء زين هدد "داعش" إذا ما اقتربت من الحدود الأردنية، متعهداً بحدوث "مفاجآت" إذا ما قامت بأي اختراق عسكري لها دون أن يعطي أي تفاصيل في هذا المضمار، وإن كنا نتكهن بأن هذه المفاجآت قد تتمثل في شن غارات على مواقع "داعش" داخل العراق، وبالتنسيق مع السلطات العراقية.
ويجادل بعض الخبراء الأردنيين بأن معبر طريبيل الحدودي مع العراق يبعد عن مناطق مدنية مأهولة في الأردن بمئات الكيلومترات، وأراض صحراوية مكشوفة، مما يجعل أي محاولة لاختراق "داعش" وقواتها ووصولها إلى العمق الأردني في قمة الصعوبة، وهذا صحيح نظرياً، ولكن هؤلاء باتوا، مثل أنظارهم في الجانب الآخر من الحدود السورية، جاراً مزعجاً وخطيراً يصعب التنبؤ بخطواته المقبلة، فهذه جماعات "عابرة" للحدود المفتوحة أو المغلقة، بل تعمل على إزالتها (أي الحدود) مثلما هو حال "داعش".
الحذر مطلوب، ففي ظل انشغال معظم اللاعبين الرئيسيين في المنطقة بعاصفة الحزم السعودية والحرب الدائرة في اليمن، وتأجيل الهجوم لاستعادة الموصل بعد التحرك المضاد لـ"داعش" في الرمادي وبيجي والبغدادية، وما أسفر عنه من خسائر في صفوف قوات الدولة العراقية، فإن "المفاجآت" واردة من جانب هذه "الدولة" تجاه الأردن خاصة.